Ahmed rated it ****
الرواية التي أضافت للبوكر،واللي فوزها سبب لي سعادة ما بعدها سعادة.
وودي آلن العزيز كان دايما بيقول إن إن النجاة من التفكير في سوداوية مصيرنا تكمن في وسائل الإلهاء والترفيه،واللي من دورها بتأجل تفكيرنا في المدة اللي بنستهلك فيها الإلهاء دا، يعني بتتفرج على فيلم مثلا أو بتقرأ كتاب لمدة ساعات معينة،وجودة الفيلم أو الكتاب بتكمن في مدى عزلها لك عن واقعك المرير وأسئلتك المتعبة لنفسك،مش معنى كدا هروب بقدر ما هو بحث عن كل جمال لينجينا من الحياة.
الرواية دي عملت معايا كدا بكل اقتدار،عزلتني عن كل سخيف وصعب ومؤلم،عزلتي عن فشل الثورة وخيبة الأمل وظلم الحاكم وفقدان الحبيب،عزلتني حتى عن التفكير في الأسئلة المرهقة،في ساعات القراءة للرواية دي،حبيت نفسي أكتر وآمنت بها أكثر،خلال قرائتي حبيت الناس أكثر،وآمنت أكثر،آمنت ببديع خلق الله أكثر،وبديع ما يخلقه لنا من أقلام كتاب قادرين على الدخول إلى قلوبنا من أبواب كبيرة مصرعة لاستقبالهم.
نصر حامد أبو زيد(رحمه الله رحمة واسعة) أول من جعلني أقابل ابن عربي، ففي كتابه الجليل(هكذا تكلم ابن عربي) سلّط الضوء على دراسات الرجل وبحثه المضني ومنها عرفت الكثير وفي هذا الكتاب يوضح أبو زيد عن الصوفية قائلًا: (التجربة الصوفية في جوهرها تجربة انفتاح الأنا على المعنى الباطني للوجود كله , و هذا الانفتاح مرهون بالقدرة على التواصل بين الأنا والكون الذي هي جزء منه , فمن الطبيعي أن تمثل التجربة الصوفية تجربة موازية لتجربة الوحي النبوي , الفارق بين تجربة النبي وتجربة الصوفي أن التجربة الأولى تتضمن الإتيان بتشريع جديد , بينما يكون فهم الوحي النبوي بالاتصال بنفس المصدر هي مهمة العارف في التجربة الصوفية , هذا التشابه و التوازي بين التجربتين يؤسس تشابهًا لغويًا فكلام الله الموحى به إلى الرسل و الأنبياء يكشف ويصرح من ناحية, ويخفي ويومئ من ناحية أخرى , إنه يكشف و يصرح بما هو خطاب للناس كافة , وذلك بحكم تفاوت مستويات عقول الناس وأفهامهم . لكنه يومئ و يعرض بما هو خطاب قابل دائمًا لانفتاح المعنى في الزمان والمكان.)
المهم: هي آخر روايات الكاتب المبدع محمد حسن علوان، ورابع رواية أقرأها له بعد(سقف الكفابة وصوفيا والقندس) وفي كل رواية سابقة كنت بقابل الكاتب بوجه جليل وجميل ولاتزال سقف الكفاية من أعظم الروايات العربية التي قرأتها على الاطلاق،ولما سمعت بروايته دي وعرفت إن موضوعها مولانا جليل الذكر محيى الدين بن عربي(رضي الله عنه) تخوفت أكثر،تخوفت من أن تكون الرواية مغرقة في الروحانية الصوفيه فتفقد قيمتها الروائية أو العكس،ولكن الكاتب كان عند حسن الظن به،فقدم لنا رواية عظيمة الحبكة جمعت بين السيرة العطرة لابن عربي والجو الروحاني الصوفي البديع،والتفاصيل التاريخية البديعة.
الرواية هي سيرة ابن عربي وما أجملها من رواية وما أكملها من سيرة،فهي سيرة قطب كبير،تغنت بسيرته الركائب وملئت كتبه البيوت،وسمع بها الكثيرون،فمن منا لم يسمع بفتوحاته المكية العظيمة إن لم يكن اقتناها بالفعل،أو بفصوصه البديعة،والأهم هنا أننا نقابل الولي العاشق المتيم،الباحث عن أوتاد تثبته في أرض فيطوف من شرق الأرض لمغربها بحثا عن راحة،بحثًا عن تجلي،بحثًا عن نفسه،ويأبى هنا الكاتب إلا أن نطوف مع ابن عربي في مسيرته ورحلته،لنتزود منها خير زاد، وننهل من منهله كل كريم، فيأخذنا الشيخ الأكبر معه في رحلته،فنطوف معه المقام المقدس،ونقابل معه الشيوخ والائمة والحكام والصعاليك والجنود والولاة،لنعرف كيف يفكر هذا وكيف يفكر ذاك،ولنصل معه في النهاية إلى ما وصل.
هل لنا أن نعتبر أن الرواية مجرد سيرة لابن عربي؟ فماذا عن مضمونها الجليل وشخصياتها الكثيرة والتي كانت مع ابن عربي وحوله بل حتى ضده؟ وماذا عن لغتها المتقنة وسردها المحكم؟ وماذا عن تفاصيلها الممتعة ووصف الكاتب المشوق لكل عصر وكل مكان حط فيه ابن عربي رحاله؟ إن الرواية كانت فتح،امتداد لفتوحات ابن عربي نفسه المكية،فقد اتخذ الكاتب من ابن عربي محور لروايته لينوّرنا بنوره الرباني العظيم،وكل ذلك لنجد الحقيقة الثابتة في هذا الكون وهي الحب،وليس بغريب أن يعنون الكاتب روايته بعنوان (موت صغير) وهو ما أسمى ابن عربي به الحب، نحب الجميع،المختلف عنا قبل المتفق معنا،العدو قبل الصديق وفي النهاية نتمنى أن نصل لربع ما وصل إليه ابن عربي وهو يقول:
لقد صار قلبي قابلًا كل صورة .... فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان و كعبة طائف ..... وألواح توراة و مصحف قرآن*
ادين بدين الحب أني توجهت ..... ركائبه فالحب ديني و إيماني*
(less)