لعل المواكب لتطورات الساحة الأدبية ومستجداتها في العالم العربي سيلاحظ بلا شك اكتظاظها بالمبدعين الشباب ، ولاشك كذلك أنه سيلاحظ أن فئة قليلة من هؤلاء الشباب هي التي تخوض غمار التجربة الأدبية بصبر وأناة اقتناعا منها بدور الإبداع وقدرته على المساهمة في تطوير وتنمية مختلف مجالات وجوانب الحياة.إلا أنه في مقابل هذه الوفرة من المواهب الشابة في ميدان الإبداع تبقى المتابعة النقدية لها غائبة عنها غير عابئة بها، أو هي في أحسن الأحوال متابعة ناقصة لا تفي بالغرض،وكأن الذي يقوله هؤلاء الشباب لاشئ او هو لا يستحق عناء المتابعة النقدية له.
هذا السلوك الذي لا نحبذه من طرف النقاد عمل على خلق خلط على مستوى التصور والفهم لدى مجموعة من المبدعين الشباب حيال الجنس الأدبي الذي يبدعون فيه ، حتى صار المرء يقرأ نصوصا مصنفة في خانة الشعر بينما هي في الحقيقة خواطر تلقائية لا تتوفر على عناصر الشعر ومقوماته والتي بدونها لا يكون الشعر شعرا، كما صار يقرأ القصة القصيرة وما هي بالقصة القصيرة في شئ لانعدام الخصائص والأسس التي ينبني عليها هذا الجنس الأدبي الجميل..الخ..الخ...هذه الفوضى الخطيرة التي تسوق الأدب إلى مأزق صعب سببها موقف النقاد الذين يربأون بأنفسهم عن متابعة الإبداعات الشابة ،وإنارة الطريق أمام أصحابها كي يسيروا بخطى ثابتة وواثقة ،وكيلا يتكلموا حتى يعلموا ما يقولون.
بيد أنني إذا كنت لا أتفق شخصيا مع أحد على سكوت النقد هذا كيف ما كانت حججه وبراهينه فأنا أتفق مع الناقدة اللبنانية يمنى العيد التي ترى أن النص يولد وهو يحمل معه دعوة إلى النقد ،وأن الناقد حينما يشتغل على نص ما إنما هو يلبي دعوة النص إليه ،وأعتقد أن كل نص يحمل مثل هذه الدعوة ،إذ كل كتابة هي قابلة للنقاش ،إما أن تؤخذ وإما أن يرد على صاحبها.
إن النقد حينما لا يتلقى إبداعات الشباب بالأحضان لمساءلتها وتقويمها يخون الوظيفة التي أنيطت به،وأنه بسكوته يساهم في تكريس الوضع وتفاقمه وبالتالي تأزيمه ،وهذا ما لا يريده كل من له غيرة أو أدنى غيرة على الأدب العربي ويشعر بانتمائه إليه. ولو كان النقاد يعتقدون أن سكوتهم إنما هو احتجاج عما آل إليه الأدب من هبوط وإسفاف على يد بعض العابثين به والمتطفلين عليه فأعتقد أنهم خاطئون في موقفهم هذا ،وعليهم أن يراجعوا أنفسهم بخصوص هذا الأمر، و سيتوصلون إلى أن الموضوعية والإنصاف بقتضيان منهم الإنصات للشباب وتناول إبداعاتهم بالنقد ناصحين وهادين إلى سبل الرشاد.