أوْتِنة
؛
هذه حياة لابد منها، نتشبث بتلابيبها لعلّها ترأفُ بنا، لتُهدينا شيئاً، ترمي بثمارٍ يانعة، نأكلها بكل سرور، إلا أننا واهمون، ننتقل من وهمٍ إلى وهم آخر، لكي لا نرى الواقع الحالك سواداً حولنا.
هذه رغبة حراك مستمرة، غريزة إنسانية لا تنفك عنا، أستأثرَ بها الأعلى شأناً، وأبقونا صامتين، ساكنين، بلا حراك، لذا كانَ علينا أن نصنع الأوهام بأيدينا، بعقولنا، بأفكارنا المتضاربة المعاصرة، نهدي الآخر شعوراً يحبه هو، ونحبه نحن، وكلانا يعلم بأنّها خداعٌ مائع، إلا أننا رضينا بذلك كي يستمر حراكنا دون هوادة.
ها نحنُ نعود من جديد، نتوالد، نتراشق العبارات الجارحة أحيانا، ونهدي بعضنا التفاؤل أحيانا أخرى، ولو كنا نتعالى على بعضنا ما أدركنا تلك اللحظات السعيدة.
كأبناءِ عمومة، لم تكن الصدفة لتجمعنا، بل أدركنا بأن معرفتنا نابعة مذ مولد الفجر، وهذه حقيقة ما فهم فحواها، رحمَ الله جدًّا كان اسمه السبب في معرفة بعضنا بعضا، ذلك الاسم يجمع كل معرفّاتنا، انتهى به الحال إلى تجرّده من الأبعاد، ليبقى اسماً فقط، لو شاء أي أحد منا لنزعه من تسلسل نسبه.
كأبناءِ وطنٍ واحد، لم تكن الصدفة لتجمعنا، بل أدركنا بأن معرفتنا نابعة مذ مولد الفجر، وهذه حقيقة ما فُهمَ فحواها، رحمَ الله وطناً كانَت رايته السبب في أن يجمعنا، حقيقة علمناها أم لم ندركها تماماً.
كأبناءِ أمّة واحدة، لم تكن الصدفة لتجمعنا، بل أدركنا بأن معرفتنا نابعة مذ دعوة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، هكذا تطهرنا، اغتسلنا من دنس الجهال، والجاهلية عموما، ومن العصبية التي لا تأتي بخير، ومن الطبقية التي لا ترى بعضها بعضاً.
كبني آدم كنا، وما زلنا، لا نسلو عن دعوة بعضنا البعض إلى مأدبة خيرٍ تعمّ الجميع، سلامٌ بإسلامٍ، ودعوة أخلاق سامية لجميع الأديانِ، لا إكراه في الدين، ولا إكراه فيما دنى منه، أيًّا كانَ جنسه ونوعه، لأننا نحمل نفس المعالم، نفس الصفات، متشابهون في كل شيء، ما عدا الأفكار، والعقائد.
للنظر نظرة الواعي، نظرة الإنسان للإنسان، ما يستحق، وما واجبنا تجاهه، ننظر إلى تلك الجرائم المرعبة، ننظر إلى قتلى الشام، وفلسطين، وبغداد، وإلى بقية المستضعفين في الأرض، وننظر إلى أحوالنا، ما فائدة هذه النعم وتقلبنا على الأسرّة الناعمة، وهناك من يتوسد الحجارة، يستيقظ على أصوات المدافع، على أصوات صراخ الأيامى، والعابرون في هذه الحياة بلا حياة تذكر، ليسَ لهم بأن تدوّن أسماؤهم ضمن دفات الكتب، أسماء تُنسى لدينا، ولا تُنسى عند خالقها بيننا.