(( إنّ إمامَكم قد كفر ))
بقلم / ربيع بن المدني
في صباح يوم الجمعة مشرق الأديم عنبري النّسيم ..
استيقظَ الشّيخُ الخطيبُ من نومه الهادئ الجميل ،
تاركًا وراءه أحلامَه الوردية وفراشَه الوثير ...
تناول فطورَه الشّهي الزاخر بما لذّ وطاب ..
أمر زوجه أن تهيء طعامًا فخماً لزوجاته الثلاث اللاتي سيجتمعن اليوم تحت سقف واحد ..
انطلقَ صوبَ مكتبته العامرة لتحضير خطبته لهذا اليوم ...
حضّر خطبةً رنانةً تصبّ في فضل الفقر والفقراء ، وعن القناعة والتّقشف والزهد والصّبر على ذلك ..
خرج من منزله الرّاقي بزهو وافتخار ،
لحية مُهملة بيضاء تسرّ الناظرين
ووجه يفيض حيويةً ونشاطاً بَيّنُ الاشراق ،
وقميص أبيض ناصع
وعمامة سوداء ( كسواد قلبه ) انسدلت على كَتفيه
يخيّل للناظر إليه أنّه ابنُ تيمية أو الخطيب البغدادي ..
امتطى سيارته الفاخرة ( آخر ما ظهر في سوق السيارات)..
اتجه إلى مسجده المعروف والمشهور في المدينة الكبيرة ...
صعد المنبر ألقى التحية على جمهور المصلين بخشوع
قد بدت عليه سماتُ الجدّ والتقوى وعلامات الإيمان والعمل الصالح
وكاد يجهش بالبكاء من فرط الخوف من الله !!
( فهو بالليل ذئب لا حريمَ له وبالنّهار على سمت ابن سيرين )
رُفع الأذانُ بصوت نديّ معلنا عن خطبة الجمعة وصلاتها ..
بدأ صاحبنا خطبَتَه الأولى بمدح الفقر والبؤس والشقاء ..
وأنّ الفقراء سيسبقون الأغنياء في الدخول إلى الجنة بخمسمائة عام !!
وأنّ القناعةَ كنز لا يفنى ولا يَبيد...
وفي خطبته الثانية حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ..ثمّ ثنّى بمدح آل البيت ..
ثمّ دافع باستماتة عن ( ولي خمره ) ( بشّار الأسد) ..
وعيّر وشتم وسبّ ولعن الشّعب المتحمّس الخارج عن طاعة ولي الأمر ، وقال : إنّ هذه الدّماء التي سُفكت هي من جنس أعمالهم ومخالفتهم لربهم ونبيهم الذي أمر بطاعة ولاة الأمور ! ..
وقال : يجب علينا أن نطيعَ ولاةَ أمورنا ،
ولو أخذوا مالنا ،
وسَفَكُوا دمنا ،
وسفّهوا أحلامنا ،
وانتهكوا أعراض أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا ،
وعطّلوا شريعتنا ،
وحكّموا فينا القوانين الافرنجية ،
وهدموا مساجدنا ،
واستهزؤوا بنبينا ،
ووالوا اليهود والنّصارى ..
ألم تسمعوا إلى قول نبيكم صلى الله عليه وسلم : ( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ) ..
ولا تلتفتوا للثوار المتحمّسين فإنّ أغلبهم لا يحفظ حتى السور القصيرة من القرآن فهم ( خوارج ) مرقوا من الدّين كما يمرقُ السّهم من الرّمية ...
فهم ( كلاب أهل الناّر) .
وهم أتباع ( ذو الخويصرة التميمي ) الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : (اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ ) ..
ثم أنهى خطبته بهذا الدّعاء :
(( اللهم انصر من قلّدته أمرَ عبادك وبسطت يده في أرضك وبلادك عبدَك الرئيسَ المبجّلَ ( بشّار الأسد ) اللهم كن له وليا ونصيرا ، اللهم انصره ولا تنصر عليه ، اللهم أقرّ أعيننا ( وأعين بني إسرائيل ) بهلاك أعدائه من الثوار الخوارج وغيرهم ممن يكيدون له ولهذه البلاد المسلمة ، اللهم لا ترفع للثوار راية ولا تحقق لهم غاية وعجّل لهم بالنهاية ... فإنّهم لا يعجزونك . !!! ))
وبعد انتهاء الصلاة قام شاب شجاع في الثلاثين من عمره وصاح بحماس :
(( أيّها النّاس أعيدوا صلاتَكم فإنّ إمامَكم قد كفر ))
....
وكتب ربيع بن المدني في 16رمضان 1432 هـ