لا تتقلب على غرفتي فصول السنة وإنما هو فصل الشتاء يسكن زواياها المقفرة
تتمدد خيوط الذكريات على الأريكة الجاثمة بجانب سريري الفاخر
فهناك كانت تجلس أختي وتلعب في خصلات شعرها البني والغرور يعصف بقلبها الصغير وتردد الحمدلله لأنه خلقني بهذا الجمال.
لطالما شهد أثاث غرفتي على ذكرياتي معها ولم أشعر في يوم أنني أنافسها لأنال بعض مما تنال من نظرات الإعجاب التي ترنو إليها
كلما إجتمعنا مع أقاربنا.... فحنان هي محط الأنظار وخاطفة الأبصار بجمالها ودلالها.
كثير كانوا يتقدمون لخطبتها وأسمع همسات والدتي لوالدي لن نزوج الصغيرة قبل
الكبيرة,,,, تمنيت لو أن والدتي لم تمانع من أجلي فقد بدأت ألحظ الكره في نظرات حنان إليّ..
وفي يوم لا زلت أذكره رغم مرور السنين فُتح باب غرفتي فجأة وبعنف مفزع وإذا أنا في
مواجهة نظرات كالمسامير تخترق جسدي..
وبصوت متحشرج يخنقه بكاء حملني ذنب لم أرتكبه .... متى ستتزوجين ياأمل وما ذنبي أنا
إذا لم يتقدم أحد لخطبتك؟؟
وإذا أنت مكتوب لك العنوسة هل عليّ أن أكون عانس مثلك؟؟
تركتني وعلامات الإستفهام تقتلع الأمان من داخلي وتذكرني بشيء ما لم يكن يخطر
ببالي ... نزلت كلمات حنان عليّ كالصاعقة
أحسست بعدها أني فقدت نبضي لثواني ولا زلتُ أفكر حتى اليوم كيف عادت نبضاتي تنتظم
من جديد وتواصل مشوارها في هذه الحياة.
وعندما جاء نصيب حنان لم أمنعه أنا أو غيري وتزوجت وكنت سعيدة بزواجها ولم
يذكرني بخيبتي سوى تلك النظرات الفاضحة وهي
تدقق النظر إليّ وتعري روحي من ثقتها في نفسها..
ومرت الأيام والسنين وكل يوم يمر يطعنني خنجره و أحقد على ذلك الحلم الذي لم
يتحقق .... وأقلب أوراق التقويم وأحسب عمري بالهجري ثم أعيد حسابه بالميلادي لعل هناك خطأ ما ولكن العمر يئن ويتضور يأسا مني..
واصلت تعليمي وها أنا أوشك على الحصول على الدكتوراه ,,, لكن الدكتوراه لم تشفع لي فخيبتي بعدم الزواج تطاردني من كل من حولي.,, حتى أخترتُ أن أعتزل تلك التجمعات التي تحطمني وتهلكني بتساؤلاتها وتضعني في قائمة المعقدين.
ولكن تلبية لرجاء والدتي وتوسلاتها لا بد أن أحضر الأعراس والزواجات وأرتدي فستانا
ضيقا يبرز فتنتي فأنا سألعب دور الأرجوز الذي يتلفت يمنة ويسرى يستجدي نظرة من أم أو أخت تبحث لأخيها عن زوجة وليس بالأهمية ماهية ذلك العريس المهم أنه زوج.
لم أعد أحتمل ذلك الحزن في نظرات والدتي كلما رأتني أمامها ولم أعد أستطيع سماع تلك الهمسات الخافتة "مسكينة" لم تتزوج.
وقررت أن أترك الجميع و ألجأ إلى غرفتي بين كتبي وأوراقي أبث لها حزني وأشكو لها همي..,, ليس مابي حسرة أو عقدة أصبت بها لأني لم أتزوج
ولكن هربا من تلك النظرات التي قتلت وجودي بفضولها وتجاهلت حضوري بهمساتها المتناثرة هنا وهناك...