((آنَ لأبي حنيفةَ أن يَمُدّ رِجْلَيْهِ))
بقلم / ربيع بن المدني
كثير هم الشّباب والشّابات الذين ابتلوا بالتّكلم في أمر العامة بَلْهَ العلماء والدّعاة ، عبر الشبكة العنكبوتية ..فئام غلاظ قساة من النّاس يعبدون الله على حرف ، ألقوا جلباب الحياء ، ولبسوا أثوابَ الجرح والسّب والشّتم والوقيعة في الأعراض ...وتدثروا بشهوة القيل والقال ، والتّعلق بخيوط الأوهام ... فتجد الواحدَ منهم من أجبن الجبناء في حياته العادية ومع رفقائه وجلسائه وأصدقائه ولكن إذا ولج إلى عالم المنتديات ألفَيْتَه كما قال الشاعرُ :
أسدٌ علي وفي الحروب نعامة ... ربداءُ تَجْفُلُ من صفير الصّافر
أو كما قال الآخرُ:
أكرّار على قومي كُماة ...وفي وجه الأعادي كالبنات
فصار لزاما أن نردّدَ : (( إنّ البغاثَ بأرضنا يَستَنسرُ )) ...
وهذا والله فيه أكبر دليل على أنّ أولئك الناس مرضى ، ومرضهم يكمن في نفسيتهم الخبيثة...كما قال عمرو بنُ بحرالجاحظُ في كتابه ((الحيوان المجلد الأول ص12 )) فمابعدها : (( رأيتَ أن سبّ الأولياء أشفى لدائك ، وأبلغَ في شفاء سقمك ، ورأيتَ أن إرسالَ اللّسان أحضرُ لذة ، وأبعدُ من النّصب ، ومن إطالة الفكرة ، ومن الإختلاف إلى أرباب هذه الصّناعة ، ولو كنت فطنتَ لعجزتَ ووصلتَ نقصك بتمام غيرك ....إلى أن يقول : وهل كنت في ذلك إلا كما قال العربي : ( وهل يضرّ السحاب نَبْحُ الكلاب)
أو كما قال الشاعر:
وهل يضر البحر أمسى زاخرا... أن رمى فيه غلامٌ بحجر
وهل حالنا في ذلك إلاّ كما قال الشّاعرُ :
ما ضرّ تغلبَ وائل أهجوتها ...أم بُلْتَ حيثُ تناطحَ البحران
وكما قال حسّان بنُ ثابت :
ما أبالي أَنَبَّ بالْحَزْن تيسٌ ...أم لحاني بظهر غيب لئيمُ )) اهـ
لله درّك يا أبا عُثمان لقد كفيتنا مئونةَ تشخيص مرض أولئك الأغرار وكأنّك وجّهت هذا الكلامَ لهم خاصة ، لأن بعض النّكرات من رواد المنتديات أغلبهم لايُفرّقُ بين ( لاَ) النّافي و( لا) النّاهية / ولا بين (المستحب) و(الواجب) / ولا بين (الإدغام بغنّة) و(الإدغام بغير غُنّة ) ولا بين ( الأصول) و(الفروع ) وهو يسبُّ ويشتم ويحكم بالجهل والضّلال على كل من خالف هُراءه بدعوى الدّفاع عن الكتاب والسنة ومنهج السلف ..والسلف الصّالح في واد وهؤلاء الأطفال والصّبيان في واد آخر وبين الواديين كما بين السّماء ذات الرّجع والأرض ذات الصّدع ...
وإني لأغنى النّاس عن متكلف ...يرى الناسَ ضُلاّلا وليس بمهتد
فهناك من الدّعاة والمشايخ والمجاهدين من ابتُلي بشتى أنواع التّعذيب و الاضطهادات منهم من قضى نحبَه ومنهم من ينتظر ، فيطلُّ علينا أشباح على الشبكة العنكبوتية حُدثاءعهد بإسلام وهو يقول بملء شدقَيه فلان لا نعرفه بسلفية أو عَلان قُطبي أو عمروخارجي أو زيد ليس على المنهاج أو فلان جاهل أو عَلاّن تكفيري إلى غير ذلك من الألفاظ المسطّرة في كتب كبيرهم أو كبراءهم وساداتهم غلاة التّجريح ((المنشقّين عن الجماعة / جماعة المسلمين)) وقد سمعتُ أحدَهم في أحد الأشرطة المسجلة للشيخ الألباني ( رحمه الله ) يسأل الشيخ عن حكم الترحم على الحافظ ابن حجر والإمام النووي وابن حزم والقرطبي وسيد قطب وغيرهم ( رحمهم الله أجمعين )...... فما كان من الشّيخ إلا أن ألقمهم حجرا بقوله : رحمهم الله !!....
ومن المنطلق الواهي ( الجرح والتّعديل ) ، غمسوا ألسنتَهم في رُكام من الأوهام والآثام ، ثمّ بسطوها بإصدار الأحكام عليهم ، والتّشكيك فيهم ، وخدشهم ، وإلصاق التّهم بهم ، وطمس محاسنهم ، والتّشهير بهم ، وتوزيعهم أشتاتا وعزين ... كما يقول العلاّمةُ بكر أبو زيد ( يرحمه الله ) .
والمصيبة أنّ المظاهرُ أولُ شيء يهتمون به /فما إن يخرج الرجلُ من جاهليته الجهلاء حتى يدخلَ في زي وهندام الأولياء والأتقياء / من تقصير للثياب وإعفاء للحية وحف للشوارب وتغطية للرأس وبالنسبة للنساء لبس الخمار والعباءة والنقاب ....وغير ذلك من السنن الإسلامية الواجبة والمستحبة ...
أغايةُ الدين أن تُحفوا شواربَكم ...يا أمة ضحكتْ من جهلها الأممُ
في حين يهملون أويتجاهلون المضغة التي (( إذا صلحت صلح الجسدُ كله ، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله ، ألا وهي القلب)) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ...
وهم بفعلهم السّمج هذا يسيئون للإسلام والمسلمين شعروا أم لم يشعروا ...لأن القلبَ إذا كان فاسدا ومتحليا بأخلاق الجاهلية يسيءُ لذلك اللباس وذلك السمت الذي هو سمت الأنبياء والعلماء والأنقياء ...
ولعلّ من المناسب في هذا المقام أن نذكّر أولئك الأغرار والسّفهاء بواقعة نقلها لنا كَتَبَةُ التّاريخ والأخبار عن الإمام أبي حنيفة النّعمان ، مفادُها :
((كانَ أبو حنيفةَ ( رحمه الله ) كما قيلَ : يبسُطُ رِجلَه في حلقة الدّرسِ وهو يناقشُ طلاّبه و يتباحثُ معهم لأنّهُ لم يَكُن يستَطِيعُ أن يثنيها من مرَضٍ أو من إعياء . فأقبَلَ على درسِه ذاتَ يومٍ شيخٌ غزيرُ اللِّحية وقورُ المشية ، هابَه أبو حنيفَة فثنّى رِجلَه وَ تحمّل الألَمَ -رحمه الله- و أبقى رجلَه مثنيةً احتراماً لهذا الرّجل ، ثمّ أخذَ في درسِه عن موعِد صلاة الصّبح ، أراد الرّجل الوقورُ - إلى تلك اللحظة - أن يسألَ الإمامَ , وهنا توقع الإمامُ سؤالاً قوياًّ من الرّجل الذي جاء سؤاله على النحو التالي :
متى يُمْسِكُ الصّائمُ عن الطّعام ؟
فأجابه أبو حنيفة : إذا طلع الفجرُ.
فسألَ الرّجلُ : ماذا لو طلع الفجرُ منتصفَ اللّيل ، ما يصنعُ الصّائم ؟!
حينها وعندما رأى أبو حنيفةَ (سخافةَ الرّجل) أجابه قائلاً :
((آن لأبي حنيفةَ أن يَمُدّ رِجْلَيْهِ)) .
وفي الأخير أنصح نفسي وإخواني وأخواتي :
إنّ الإخلاصَ أساسُ النّجاح ، وإنّ الله بيده الأمرَ كلّه ، وإنّ أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم ، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم ، وعملهم عن عقيدة واقتناع ، جعلوا كلّ شيء وقفا عليها ، حتى اختلطت نفوسُهم بعقيدتهم ، وعقيدتُهم بنفوسهم ، فكانوا هم الفكرة ، وكانت الفكرةُ إيّاهم . فإن كنتم كذلك ففكروا ، والله يُلهمكم الرّشدَ والسّدادَ ، واعملوا والله يؤيدكم بالقدرة والنّجاح . وإن كان فيكم مريضَ القلب ، معلولَ الغاية ، مستورَ المطامع ، مجروحَ الماضي ، فأخرجوه من بينكم ، فإنّه حاجز للرّحمة ، حائل دون التّوفيق . كما يقول الحسنُ البنا ( رحمه الله ) .
وكتب ربيع بنُ المدني يوم الأحد 24 يوليوز 2011