((ان النص عبارة عن لوحة
فسيفسائية من الاقتباسات , وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى ))
"جوليا كريستفا "
-رامبو-الازهار والالم.
مأساة مسرحية
تأليف:حسين علوان
الشخصيات:
الشاعر: الشاعر الفرنسي أرثر رامبو
ايزابيل:اخته
فيتالي:فتاة صغيرة
طيف الام:والدة الشاعر
طيف فرلين:الشاعر الفرنسي
(المشهد الاول)
غرفة مستشفى في مرسيليا،الشاعر يرقد على السرير مبتور الساق،عكازه جنبه، نافذة تطل على الشارع،باب في احد الزوايا،منضدة عليها آنية فيها أزهار ذابلة،ايزابيل تغفو على الكرسي
الشاعر: [لقد بدأ ذلك في ظل ضحكات الاطفال،وان ذلك سوف ينتهي بهم )
،لاشعر لاجدوى من الشعر حين تغدو انت القصيدة،
(صمت، ثم لإيزابيل النائمة)
لازلت نائما ايها الملاك،اجل ينبغي ان تنامي اختاه،ليس عليك ان توصلي الليل بالنهار مستيقظة، تدارين اخا يتورم،يزداد تورما كل لحظة
(صمت)
النوم!!،يالدفىء الكلمة،منذ متى وانت لم تعرف للنوم طمعا……ياجسدا تأكله الشلل؟،لم تذقه أيام كان بين يديك..أضعته في ضجيج أيامك القديمة..أضعته إلى الأبد.
(الفجر يضىء النافذة)
أكاد ان لا أحسّك يافجر مارسيليا، ها انت ذا توقظ كل من في المدينة،لكنك تقف متوجسا عند نافذتي، هل أزف الوقت الذي ستعتم فيه هذه النافذة؟؟إمض ايها الفجر..لا تلتفت، لن تجد هنا شيئا يستحق ان توقظه، هاهنا كسيح بائس!!
(ساخرا)
يا للنهاية ، يالها من مكافأة حزينة لحياة!!، أيّام معدودات مرت منذ ان فارقت ظهر الحصان في الحبشة، أيّ منعطف بين جبال (هرر) لم يألف وقع حوافر حصاني ؟ طواف محموم متواصل، الطواف الغريزة، اللعنة، محظوظ أنا لأنني ما زلت احتفظ بساقي الثانية،ألست محظوظا لأني ما زلت أمتلك ساقا لم تصل حد البتر؟
(يمس ساقه)
ترى! اتستطيعين ان تعدي الخطوات التي خطوتها خلال عشرين سنة
خلت،العشرين التي تفصلني عن الفتى في (شارلفيل)؟! أهي بعدد الأنفاس؟ أبعدد النبضات هي؟ أبعدد خلاياك التي تموت تباعا؟ انها بعدد القصائد التي كان ينبغي ان اكتبها، اجل، فأن كانت كل خطوة للأمام ترافقها شهقة، وكل شهقة ترافقها نبضة، فأن كل نبضة من القلب ترافقها قصيدة لم تكتب.......
(تغمغم ايزابيل حالمة)
ايزابيل: أماه
الشاعر: من؟ ايزابيل!.
ايزابيل: هات الدثار يا أماه.
الشاعر: انها تحلم!.
ايزابيل: البرد….البرد.
الشاعر: يا للنداء! لمن الدثار ايتها العزيزة؟ أنه لاينفع جسدا يتسلل اليه
برد الموت، أعرفها جيدا لسعات البرد في صباح مثل هذا، انت من يحتاجه، ولكن ياللنداء، ها! هكذا تعبث فيك الاشباح ايها الحلم.
ايزابيل: ألم تجلبيه؟البرد يؤذيه….!!
(تتململ ، يمس الشاعر يدها فتصحو)
ارثر، انه الصباح،
(تنهض باسمة نشطة، مشرقة كالشمس)
صباح الخير.
الشاعر: ( باسما)
صباح الخير
ايزابيل: ( تمس يده ) .
يداك باردتان .
الشاعر: ويداك اظنهما دافئتين .
ايزابيل: لكم هو مفرح ان أراك مبتسما هذا الصباح .
الشاعر: حقا، ترى كم بسمة بقيت لي ؟ .
ايزابيل : الهي ، يا للسؤال المختبيء خلف ابتسامة ! .
( تهم بترتيب المكان )
اخبرني الان ، هل انت بحاجة الى شيء ؟ !
الشاعر: كلها، وحقك ايها الملاك .
ايزابيل: يا للطمع ، يكفيك الان منها كأس حليب .
الشاعر: كلا لا ارغب به .
ابزابيل: لماذا ؟ .
الشاعر: الرغبات تموت في .
ايزابيل: ألم تنم ليلة الامس ؟
الشاعر: ما أغمضت جفنا قط، هذه رغبة اخرى تموت .
ايزابيل: لقد أجهدك السهر ليس الا ، لا اطلب منك الان غير ان تشرب كأس الحليب .
( تصب له كأسا من على المنضدة )
الشاعر: أريد كأسا ثانية تغرفينها من نهر الشارع هناك،حيث تلهج مارسيليا بالحياة
(ممتنعا عن الشرب)
لا فائدة، لقد قضي الأمر.
ايزابيل: (معيدة الكأس الى المنضدة)
ليس لك أن تنطق بذلك.
الشاعر: الداء يستفحل،والشلل يتصاعد فـيّ.
ايزابيل: أنسيت وعد الطبيب بالشفاء؟.
الشاعر:انه وعد حسب، لن تستطيع عيونه المدرّبة ان تخدعني، انه يائس تماما،ولكن انت؟
ايزابيل: ماذا؟
الشاعر: أيائسة أنت؟
ايزابيل: (معذبة)
أتراني كذلك؟.
الشاعر: (بإصرار)
أيائسة انت؟.
(يدير رأسها إليه)
ايزابيل: (وفي عينيها أطياف الدمع)
انظر الى عيني،ستجيبانك.
الشاعر: (يتملى في عينيها مع اشتداد الضوء على النافذة)
أراهما تأتلقان بضوء النهار، لكن واحسرتاه، بماذا ستأتلق هاتان الزمردتان عند الغسق.
ايزابيل: (بألم)
آرثر!!.
الشاعر: الغسق الذي أحياه.
ايزابيل: (ويدها على فمه)
أسكت.
الشاعر: (مندفعا عنها بجهد بالغ الى عكازه)
أنظري الى الذي قرر العودة الى الوطن هذا الصيف للزواج، أتراني كنت ادرك أنني لن احض به أبدا لقد انتهت حياتي، وداعا للزواج، وداعا للعائلة، وداعا للمستقبل).
ايزابيل: (معاتبة)
ما هكذا كان يتكلم آرثر الذي أعرفه، آرثر الأمل.
الشاعر: سآمل،لاشىء يستطيع ان يسلب مني الأمل، ولاكومة من اللحم المتورم حتى،هذه هي الجذوة المتوهجة أبداً،ولكن انظري اليّ؟.
(تخفض عينيها)
قلت انظري يا ايزابيل اليّ،
(تنتابه نوبة من الالم)
ها الالم يبدأ، ها أنذا آمل.
(يصرعاليا)
ايزابيل: رباه،سأنادي الطبيب
(تهمّ بالذهاب)
الشاعر:لا،لاتذهبي، إبق معي.
ايزابيل:ولكن؟!.
الشاعر: سأضع حداّ لبؤسي إن تركتني، ما أزال أستطيع تحريك
يدي، انظري، يمكنني ان أصنع بهما أنشوطة
ايزابيل: لكم ترعبني بهذه الظنون، أنا معك،لن أتركك، أنا لا أعرف الرحيل.
الشاعر: (يحضنها)
رباه، رباه، مالي كنت أراك مصرّا على ان تستعيد الماضي، لن يزيدنا
الماضي إلاّ عذابا………انسـه.
الشاعر: ليتني استطيع.
ايزابيل: إنك الان بين ايدي رحيمة تعنى بك، وتهىء لك اسباب الشفاء، وعمّا قريب نغادر هذا المكان معاً، فنعود الى البيت في شارلفيل،ونكون بين الأهل لثانية
الشاعر: العودة!.ليتها تكون فحسب،أتنشق هواء(الاردين)ثانية،أعب منه حتى
الثمالة،انا الذي غادرتها دون ان أفكر حتى بالتفاتة [ألم يكن لي شباب بطولي هناك حد ّالكتابة على أوراق الذهب]، انك الان شابة ياايزابيل،[ستمشين تحت الشمس بينما سأمضي انا تحت الارض].
ايزابيل: ولكن،هكذا نكون جميعا.
الشاعر: [السعادة مقدرة لكلّ الكائنات]، ولكنها اختيار، فهل اخترنا؟، وعرفنا ان نمنح حياتنا كاملة كل الايام؟.
(بنشوة أليمة)
[كنت أمضي تحت السماء، وقبضاتي في جيبيّ المثقوبين، حالمِا كنت
أقرض القوافي، وكان لنجماتي في السماء حفيف ناعم، وانا جالس على حواف الدروب كنت اصغي لأماسي ايلول وقطرات من الطّل تندى على جبيني، وسط الظلال الذاهلة كنت أقفّي وأشد مثل عيدان سيور حذائي الجريح،وإحدى قدميّ قرب قلبي]، اتراني كنت أدرك انها سوف تقطع؟، لو سألني احد عن عذابات البتر، لقلت، دعهم يمزقونك إربا، دعهم ينتفونك نتفا، ولكن، أبدا، لاتدعهم يبترون ساقك، فالموت أهون من عذابات البتر.
ايزابيل: إن كنت لا تجد بأساً في ان تعذب روحك، فإن عليك ان تفكربي،أنامعك منذ ان أودعت هذا المستشفى،قبل شهر مضى،ولم أفارقك للحظة،وخلال ذلك لم أكف عن التطلع الى الامام……..المستقبل،الى ما سوف نؤول اليه، وكلي أمل اننا سنجد الخلاص،بينما أنت الّلحظات لتعود الى الماضي، (الحبشة)، (أوغادين)، قوافل محملة بالضائع، الحمّالون،على الرغم من علمك ان ذلك لن يجديك نفعا،
(حانية)
هل استغنيت عن؟.
الشاعر: وكيف أستطيع الاستغناء عنك أيتها الجميلة ،إقتربي مني يا ايزابيل
(تقترب،يتأملها)
اخلصيني القول ما دمنا قد بعثنا في طلب الكاهن من اجل الاسرار الاخيرة.
ايزابيل: انت طلبته.
الشاعر: قد طلبناه معا،هل انت مؤمنة؟.
ايزابيل: اجل انا مؤمنة.
الشاعر: هل لي ان اقبلك،
(تحني راسها،يقبلها)
هكذا يا ايزابيل، إنّ علينا ان نرتب الغرفة ، ينبغي أن نضع شراشف
بيضاء، والزهور، لا تنسي الزهور.
ايزابيل: إلهي، علي ان أحضر زهورا جديدة بدل هذه الذابلة.
الشاعر: اجل، أجلبي زهورا جديدة، انني أرغب في ذلك.
ايزابيل: (تعدل هيئتها)
سأكون خارج المستشفى لبعض الوقت، ربما ساتأخر قليلا للأتصال بأمنا، عدني انك ستبقى هادئا ريثما اعود.
الشاعر: إذهبي يا ايزابيل،
(تخرج بعد التفاتة طويلة إليه)
اذهبي يا ايزابيل،لن يطول الامر بدورة الزمان حتى تعودي وبين يديك تحتضر الازهار الاخيرة.
( يتبع )