فضفضة حلمية

[عبدالرحمن منصور]

جميعنا ننام وجميعنا نرى أحلاماً أثناء المنام .... هذا طبيعي جداً
ولكن ..هل حدث وأن قمت من فراشك لتدون وتسجل وتكتب أحداث حلم لن أقول رأيته في منامك بل عشته حقيقة في نومك بكل تفاصيله الدقيقة وبنفس الشعور والاحساس الذي عشته.؟
عن نفسي لم يحدث لي ذلك في كل حياتي سوى مرتين مرة قبل ما يقارب خمس عشر عاماً
والمرة الأخير قبل سنة أو سنة ونصف على اكثر تقدير....الحلم الأول اسميته " مالم يكن حقيقة فل يكن حلماً" والأخير" حلم الغيمة الوردية" هذا النوع من الأحلام - بالنسبة لي - ليس كبقية الأحلام إطلاقا لأنه يتصف بتدفق شعوري هائل قد يستمر معي لساعات أو لأيام وأنا أجد نفس الشعور الذي شعرته أثناء الحلم ونفس الإحساس بغض النظر عن نوع هذا الإحساس والشعور أكان حزناً أم فرحاً أم خوفاً ولكن الجانب الذي يطغى عليه دائماً هو الدهشة والانبهار وغالباً ما يكون هذا الحلم على شكل مشاهد أو أجزاء منفصله من حيث المكان أو الأحداث او الأشخاص - وهذه صفة تتسم بها أغلب الأحلام - ولكن في نفس الوقت هناك نوع من الترابط في المضمون - اتحدث عن حلم وكأني اتحدث عن رواية أو قصة أو مسرحية فاعذروني -ولكن ليس هناك طريقة أخرى لوصف ما أريد أن أقول ... وللعم لحد الآن لم أبدأ في قول ما أردت قوله.... عموماً
هذا النوع من الأحلام أعلم علم اليقين أنه حلم قلبي بمعنى أنه مرتبط بالقلب وحسب لأن العقل ليس له أثر كبير في مجرياته فالفنتازيا والخيال هي جوهر هذا الحلم وحبكته وركيزته التي يقوم عليها أضافة إلى ما يصاحبها من شعور طاغي لا يمكن أن تصفه الكلمات أو تشرحه الحروف.
هذا الحلم أفيق منه وكأني لم أفق منه أو لا أريد أن أفيق فأظل وقتاً طويلاً على فراشي استرجع جميع أحداثه بأدق تفاصيله وبنفس ترتيب الأحداث وبكل شعوره واحساسه حتى اتشبع منها وأستوعبها تماماً وأتأكد اني قد حويتها كلها فأقوم لأدونه واكتبه كما رأيته في المنام بدقة عالية تمكنني من قراءة هذا الحلم بعد سنين طويله لأعيشه من جديد واسترجعه مرة أخرى وقتما أشاء وكيفما أشاء دون أن أفقد أي شيء من تفاصيله ودون أن تفتر احاسيسه أو يبرد شعوره.
فعملية الكتابة والتدوين هي بمثابة تحنيط لهذا الحلم الفريد والنادر والحفاظ عليه من عفن التلاشي ودودة النسيان

وبما أني تحدثت عن الأحلام القلبية فلا يمنع أن أتحدث قليلاً عن الأحلام العقلية لأنها حدثت أيضاً
وللأمانة هذه الأحلام لم تحدث معي طول حياتي سوى ثلاث مرات فقط تفصل بينها سنين تطول أحياناً وتقصر ... أخرها ليلة البارحة
فهذا النوع من الأحلام نادر الحدوث ويمكنني تجاوزاً أن أسميه حلم عقلي لأنه وبكل بساطة يتحدى العقل والمنطق وبالعامية " يلحس العقل"
قد تقول وما الغرابة.! جميع الأحلام تتحدى العقل والمنطق فهذا منطق الحلم أن ليس له منطق ... أنت محق
ولكن .... هل نمت يوماً وحلمت أنك في الحلم نمت وأثناء نومك في حلمك حلمت .. فتفيق من نومك مرتين وأنت تحمل حلمين... بمعنى أنه نوم في بطن نوم آخر وحلم في بطن حلم آخر وتستطيع أن تتذكر الحلم الأول وتتذكر الحلم الثاني وكل حلم له اشخاص وله احداث تختلف عن الآخر .... وتتذكر أيضاً أنك في حلمك الأخير لم تشك أبداً في حقيقته ولم تكتشف أنه مجرد حلم إلا حين أفقت منه وأصبحت في حلمك الأول الذي لم تشك أبداً في حقيقته لتكتشف أنه مجرد حلم أيضاً إلا حين أفقت من نومك تماماً وعدت للواقع . ... أقول الواقع .... وما يدريني أن يكون هذا الواقع مجرد حلم أيضاً وأن الموت مجرد إفاقه .... ولن أطيل الوقوف على هذا التساؤل" ففي فمي ماء " يكفيك أن تأخذ مقاييس الأحلام وتطبقها على الواقع فلن يشذ الواقع عنها قيد أنملة..... فما الحقيقة وما الوهم.؟ ما الحلم وما الواقع .؟ وما الفارق بينهما وما الحد الفاصل .؟

ومن جانب ثاني ..هل نمت يوماً وحلمت وكنت في جوف الحلم تنكر هذا الحلم وتنكر حقيقته وتحاول جاهداً أن تقنع نفسك أنه مجرد حلم لا أكثر وتدعوا الله أن يكون مجرد حلم ولكن كل الأدلة والبراهين حولك تؤكد لك أنه حقيقة وليس مجرد حلم. فتهزمك قوة الدليل وقوة البرهان لتقتنع تمام القناعة أنه فعلاً حقيقة لا شك ولا ريب فيها إلا حين افقت من نومك لتكتشف انه كان مجرد حلم . وأن شكك في حلمك اثناء نومك كان هو الحقيقة الوحيدة في حلمك.......التي أثرت أن تتخلى عنها.... فأفقت من نومك بحلم مشوش مشكوك في حقيقته

ومن جانب آخر هل نمت يوماً من ثم حلمت واضعت عليك نصف أحداث الحلم لأنك أثناء الحلم نمت .... بمعنى أنك نمت اثناء الحلم الذي رأيته وأنت نائم .... فتفيق من نومك مرتين ولكن بنصف حلم ... لأن نصفه الأخر ضاع منك حين نمت اثناء الحلم ..... وهذا يشبه لحد كبير عملية التصوير بكاميرات التصوير القديمة فتلتقط الكثير من الصور وعند تحميض الفلم تكتشف أن نصفها محروقة ....
هذه الأحلام العقلية لا أدونها ولا أكتبها بتاتا فليس فيها ما يستحق التدوين لأن جوهرها في فكرتها التي تتلاعب بالعقل وتستمطر منه أفكاراً غزيرة لدرجة أنه يستحيل علي العودة للنوم ثانية لحجم ما ينهال علي من الأفكار التي لا تدع مجال للهروب من وطأتها. وهذا ما حدث معي البارحة أفقت بنصف حلم وسيلاً من الأفكار الجارفة.


للعابرين من هنا
أو لمن قد يعبر من هنا
خالص التحية
وصادق الدعوات
بليالي هانئة
وأحلام هنية
/
\
/
الوجيه