العودة   قطرات أدبية > الأقـــســــام الأدبــيـــة > قـطرات من شعراء وأدبـــاء العالم العربي والأسلامي والأدب المترجم
التسجيل القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 27-05-22, 03:34 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
 عبدالرحمن منصور  
اللقب:
الــوجــــيه
الرتبة:
الصورة الرمزية
الصورة الرمزية عبدالرحمن منصور

بيانات العضو
التسجيل: 21-10-09
العضوية: 2
المواضيع: 199
المشاركات: 1830
المجموع: 2,029
بمعدل : 0.37 يوميا
آخر زيارة : 31-10-24
الجنس :  ذكر
الدولة : السعودية
نقاط التقييم: 21006
قوة التقييم: عبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond reputeعبدالرحمن منصور has a reputation beyond repute


كاتب الشهر فبراير 2012 

الإعـــــجـــــــاب
عدد الإعجابات التي قدمتها: 2,714
وحصلتُ على 1,283 إعجاب في 554 مشاركة

الحــائــط الإجتمــاعــي

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
عبدالرحمن منصور غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
المنتدى : قـطرات من شعراء وأدبـــاء العالم العربي والأسلامي والأدب المترجم
افتراضي الذين نحبّهم بشدّة يختارهم الغياب بدقّة


الذين نحبّهم بشدّة يختارهم الغياب بدقّة







البعض نحبّهم فيكثر شجارنا معهم، نسخّرهم جلسات استرخاء لأعصابنا، فيوم نشكو لهم ويوم نشكوهم لأنفسهم، نمارس فيهم رياضة التنفيس،
نتدرّب عليهم، وبكلّ ما أوتينا من سلبيات نخرج إليهم؛ واضحين كالشمس. نتعرّى أمامهم من معاطف الوقاية من برد المجتمع وحرّه وكيده،
نقف أمامهم بغصوننا المرهقة وأوراقنا اليابسة وثمارنا المتيبّسة، يتساقط سلوكنا أمامهم، نشعل ثورة معهم وحربا ضد رأيهم،
نشتعل معهم ولا نخشى شيئا وكلّما صحت الأجواء عدنا نكدّرها بالخلاف ولا نخاف لأننا سنعتذر في آخر اليوم ونتسامح ونتعانق ونضحك.

وقد نخصّص لهم كنية نناديهم بها كلّما انزعجنا منهم واسما نلقبّهم به كلّما ثرنا عليهم بل ونذكّرهم بحدث غبيّ مرّ بهم أخجلهم وأضحكنا عليهم
فنضحك معا رغم النقاش بل ونتعرّف على بعضنا أكثر ونحبّ بعضنا أكثر وكم نبدو فارغين وناقصين بدونهم. لا نحبّ أحدا أكثر منهم،
نغار عليهم ونبيع العالم لأجلهم ونكره أن يمسّهم سوء أو أن تقترب منهم الآلام، نكره فراقهم وليلة من غيابهم تساوي ألف عام!
نخصص مواعيد معهم في غيابهم، نواجه الشوق باستذكار لحظاتنا معهم؛ مقولاتهم، أشياء أحبوها، أشياء لم يحبوها،
أذواقهم في الطعام واللباس والعطور بل ونقتنيها. وأحيانا نحتفظ بآخر قميص لهم خلّفوه للغسيل، نستخلصه لأحضاننا،
نهرّبه من الصابون ونخبّئه في الخزانة لنعود إليه كلما لاح الحنين لا لشيء إلّا لنشمّهم فيه بعمق.

الذين نحبّهم بشدّة قد يختارهم الشجار بدقّة ونادرا ما نجد مثلهم خارج البيت، الذين نحبّهم بشدّة قد ننتقدهم بحدّة لأنّنا نحبّهم بصدق
فنقف أمامهم بذاتنا الهشّة ونطلعهم على تفاصيل أحاسيسنا ومشاعرنا ودموعنا وميولنا، نعود برفقتهم أطفالا ونتحوّل بفضلهم أبطالا،
لا أحد سواهم يمنحنا حق تحوّل كهذا ولا ندفع ثمنه عدا الحبّ، حتى إنّنا نناديهم حين نرضى باسم وحين نغضب باسم
وحين نتودّد إليهم طمعا في شيء باسم آخر وحين يكون الأمر جادا باسمهم؛ فهم في وقت الصحو عسل وفي وقت الجدال بصل.
نريد حضورهم واهتمامهم كلّ مرّة، نتشارك معهم الحزن والمسرّة، نطلب احتواءهم كرّة وكرّة وكم نغار عليهم فكلما توسّطنا عنصر آخر،
لبسنا لهم لا شعوريا ثوب الشجار ورفعنا لهم لوحة "قف" و "تمهّل" المرورية لا لشيء إلّا لنقول لهم إنّنا نحبّكم فانتبهوا،
الذكي يفهمها والغبيّ يجري وراءنا في دورة الشجار حتى يمرّ الموقف ويتشتّت بالتبرير واستجداء العفو.

لولاهم لما تعلّمنا كيف ندير الخلاف، لولاهم لما اكتسبنا مهارات تؤهلنا للخروج إلى المجتمع ومشاركة الناس،
لولاهم لما فهمنا معنى الحوار والاحترام والتفاوض والتسامح والاعتذار، لولاهم لما تعلّمنا كيف نكفّ عن الشجار ونتجاوز عن الأخطاء ونغفر،
لولاهم لما تعلمنا الصدق ولولا وجودهم لتكوّنت في داخلنا العقد وفي أجسادنا الأمراض ولما عبّرنا عن مشاعرنا ولما فرّغنا انفعالاتنا
ولما كان لنا رأي ولما عرفنا معنى الأخوّة ومعنى أن يكون لك صديق كأخ. هم السند، هم المدرسة النفسية وهم المدرسة الفكرية،
هم المدرسة المعرفية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، والفنيّة التي علّمتنا معنى الاختلاف.

والبعض نحبّهم فتخطفهم يد الغياب، يرحلون ويتركون لنا الذكريات في كلّ ركن؛ تحكي عن الماضي ما كان فيه وما ولم يكن.
عن بضعة الحروف التي كنّا نكوّرها بأصابعنا على الورق كي تقينا من نزغ الأرق ونتقاذفها صبحا بعيدا عن منطقة العزاء وملاعب الألم،
عن كرة القلم تلك التي كانت تدور بيننا كركلات ترجيح لم ترجّح الكفة لأيّ واحد منّا، فأمست كلّ ما تبقّى منّا،
عن عصا الحروف السحريّة التي كانت بمفاتيحها السريّة تفاجئ يومنا الرمادي فتلوّنه بشعور غير عادي؛ لا يترك في قلوبنا زاوية إلّا
ومارس فيها طقوسه وأفرغ فيها كؤوسه، عن النهايات المفتوحة التي لم يتطوّع أيّ منّا ليوصدها خلف الغياب، عن لحظات الارتياب،
وعن الخوف الذي تملّك السطر الأخير من يوميات الحروف.

عن الشيء واللاشيء الذي كان بيننا، عن إقالة ساعي البريد الذي جوّعنا أطفاله، وصادرنا درّاجته وطوينا حقيبته ورفعنا عنه قبعته وحجزنا ماله،
عن المظاريف البريدية التي ماتت فاستبدلناها بقارورة زجاجية يستحيل أن تصل من المتوسط إلى الكورال فظلّت رهن الخيال.
عن الحبّ الذي انتظرنا عند باب الحياة الخلفي ودعانا إلى دهليزها الخفي فأعرضنا عنه وأخذنا نشقّ الطريق بين الحجارة لنحظى بترحيبه عند باب أمامي.
عن المواعيد التي لم يخلق لها مستقبل، عن بوحنا الأهبل الذي حملته السطور تسعة أشهر وأكثر فتأخّر وما وُلد فتبخّر،
عن حبّات الاعتراف الذي لم يصمد وتبعثر يوم صنعنا له بالأبجدية سلّة ورحنا نلتقطه من البريّة ونقطفه من السحب وننقّب عنه في تلّة،
عن المشاعر التي افترستنا وخلّفتنا بقايا، عن زهرة الشفاء الضالة التي لم تكن إلّا في الحكايا، واليوم في الذكريات!

عن الأرض التي لم تعد تميل عن محورها ولم تعد تدور كرحى حول نفسها ولم تعد تحتفي بالشمس فتدور حولها، لتمسي السنة فصلا واحدا يستقر فيه موسم الغياب!
عن المقاعد الجائعة، عن العيون المائعة، عن الذين تعاطيناهم دون احترام للجرعات وصرنا نتناول ذكراهم كلّ يوم، أثناء الوجبات وقبل النوم،
عن الذين كانوا دواءنا فلمّا غابوا صاروا داءنا، عن الذين كنّا في حضورهم زهرات حيّة فإذا بنا في أفولهم أعشاب جبليّة كلّ من رآها حسبها العشبة الطبية
الموصوفة في قصص كان ياما كان ولو أنّهم علموا أوجاعها لما قصدوا المكان! عن أولياء الحبّ الذين أجلانا الفراق عن أحضانهم الدافئة وبعثرنا في الأزقة
نطق شكسبير ذات يوم فقال "من نحبّهم بشدة يختارهم الغياب بدقة" لأنّ مثلهم أضاف جبران "لا يستحق سوى الحبّ ولا نملك أمامهم سوى أن نحبّ،
نرمّم معهم أشياء كثيرة، نعيد طلاء الحياة!" فأيّ طلاء بعدهم يلوّن وجه الحياة؟ إنّ أكثر ما يوجع في الفراق أردف نجيب محفوظ أنّه "لا يختار من الأحبّة إلّا الأجمل في العين
والأغلى في القلب"، فيا له من فراق! وكيف يصحو المرء من ضلال قديم تحرّضه الذكريات؟

والآن أيّتها الذكريات، كأطفال القمر هذي الدموع تؤذيها شمسك، كأطفال القمر تخاف وشوشة النور فيك ويرهقها همسك ونكاد نحبّ الليل لأجلها،
هذا الليل الذي تباح فيه الدموع والآهات وتمضي في سبيلها دون رخصة، هذا الليل الذي لم تجد سواه فرصة لتعقد معه جلسة وتعلن ثورتها وتقبّل الورق خلسة.
هذا الليل الذي قيل إنه ستّار عيوب، هذا الليل الذي لطالما اقتحم القلوب وخرق فيها الجيوب فلم يدع فيها جرحا إلّا وحرّكه بملاعق الذكرى على نارنا وصبّه في وعاء الحروف،
هذا الليل الذي كشف جميع عيوبنا بالظروف!

نخشى ألّا صبح خلف هذا الظلام سيّدتي وكم نخشى أن يخترق الليل غلاف دفاترنا كنيزك ويسقط على سطح سطورنا بعد أن كان في حضورهم كالشهب يحترق في الجو ولا يدوس ركنا منها.
نخشى ألّا ترسم الأيام خطّ الغلس في صفحاتنا فلا يتعاقب على وجهها سوى الظلام، ذاك الظلام الذي لا يعرف الرياء، لسنا ندري ألأنه آمن أن طقمه الأسود بحدّ ذاته جيب للكبرياء يُقبِل صريحا علينا لينهينا!

ما تبقّى منّا سيّدتي ليل مجنون يأبى أن يعقل ونأبى أن نرفع عنه القلم، ما تبقّى منّا أصبح نائم أبى أن يستيقظ ونأبى أن نرفع عنه القلم، ما تبقّى منّا طفل صغير يأبى أن يكبر فلم نرفع عنه القلم،
ما تبقّى منّا قلوبنا وما فيها من عواطف محكمات لا يعلم تأويلها إلّا نحن؛ الراسخون في الألم! ما تبقى منّا عيون نقلبها في أشياء تشبه الحياة ننقّب فيها عن الغائبين، نجوبها كرتين وأكثر ببصر أسير
فإذا به ينقلب إلينا خاسئا وهو حسير. ما تبقى منا نافذة ورقية نستعين بسلالم هي أنت لنطلّ عليهم عبرها!
نعم الذين نحبّهم بشدّة يختارهم الغياب بدقّة وأحيانا الشجار، أمّا عن الشجار فصنع منّا المعلّم والمتعلّم الذي لم يفرّقه الاختلاف. وأمّا عن الغياب فما أجمل ما قاله أدهم شرقاوي ذات يوم "عندما تعلّق قلب إبراهيم بإسماعيل أمره الله بذبحه وعندما تعلّق قلب يعقوب بيوسف أخذه منه، يبتلي الله الذين يحبّهم بما يحبّون ليجعلهم مخلصين لله." نعم؛ وقد يبتليهم ليريهم ضعفهم، وقد يبتليهم ليطلعهم على نِعم لم يستشعروها فيؤدّبهم وقد يبتليهم ليختبر صبرهم وقد يبتليهم ليمتحن تقواهم فمن تنازل لله عوّضه الله.



بقلم: حياة بن بادة















عرض البوم صور عبدالرحمن منصور   رد مع اقتباس
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ عبدالرحمن منصور على المشاركة المفيدة:
إضافة رد

أنت عضو منتدى قطرات أدبية فاجعل ردك يعكس شخصيتك ومدى ثقافتك و وعيك وإطلاعك



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(عرض الكل الاعضاء اللذين قامو بقراءة الموضوع : 5
ماااريا, مشاعر انثى, الــمُــنـــى, انثى الغيم, عبدالرحمن منصور

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ألم الغياب الخضيري قـطــرات الـشـعـر الـفـصـيـح 6 08-05-17 05:34 PM
فرحة بسيطة . كليو باترا قـطــرات النـثـر و الخواطــر الأدبـيــة 2 16-11-13 08:26 PM
يا سيد الغياب الــمُــنـــى قـطــرات النـثـر و الخواطــر الأدبـيــة 18 10-02-12 06:36 PM
حيّ على الغياب .. ، اللميـــاء قـطــرات النـثـر و الخواطــر الأدبـيــة 10 12-12-09 08:33 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية


 

      تعريب وتطوير  شبكة بلاك سبايدر التقنية 16-10-2009  

الساعة الآن 01:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع قطرات أدبية 2009