بكل طيبة الوجود بادرتني بالسؤال ………..ما اسمك ?
لتكسر تلك الرهبة التي داهمتني فور تجاوزي سور الدار
…………أدعى حياة
لحظات سكون تلتها خطوات قليلة شممت عطرها الفواح معلنا اقترابها مني ,أمسكت يدي لترسل من خلالها موجات كلها طمأنينة وحنان .لمستها كانت دفئا غطى أوصالي المتحجرة فانساقت من ثغرها كلمات الترحيب والود والاهتمام , لتأخذني بعدها في جولة للتعرف على معالم منزلي الجديد ; فيتبدد الضباب القاتم والخوف من المجهول .
خلال سيرنا بالدار حدثتني عن الأنشطة الممارسة هنا وعرفتني على المشرفات, حيث اتجهنا الى قاعة زاد القلوب التي يعمها الهدوء ولجنا الى داخلها فإذا بفؤادي يتراقص من تأثير صوتها الهامس وهي تتلو ايات بينات من الذكر الحكيم, كانت تلك المشرفة فرح التي ستدرسني علوم الدين ; رحبت بنا ودعتنا للجلوس, خلال تلك الدقائق المعدودة وسط بساتين ألحانها الشجية ,أطربت جوارحي بكلامها الرقيق ولطفها العارم . استبد بي الخجل فلم أبنس بكلمة سوى ابتسامة يتيمة _مثلي _ لنتابع مسيرنا متجهتين نحو قاعة الدراسة ; والتي لا تبعد كثيرا عن قاعة زاد القلوب . سمعت أصواتا تتعالى من داخلها فإذا بها المشرفة حنان بحصة الرياضيات. طرقنا الباب واقتحمنا ذلك المكان الغريب ,عم الصمت خلتني بالأوبرا فوق خشبة المسرح وأنظار الجمهور تتجه نحوي استعدادا لسماع شذى صوتي . استفقت من هذياني على يد المشرفة حنان وهي تأخذني لألقي التحية على زملائي الجدد ;مددت يدي بوجل وكلي ترقب لردة فعلهم : صافحت أيادي فلمست مشاعرا متناثرة ما بين سرور وهدوء وتعاطف وحب وبرود……………ا
أخذتني المديرة رحمة لإكمال الجولة الاستطلاعية, فانطلقنا نحو المشغل حيث التقينا بأمل المسؤولة عن تعليم الأشغال اليدوية ; لفحتني أنفاسها الحارة لتفاجئني بقبلة دافئة على خدي تجمدت مكاني. فلم أعتد هذا الغدق من الأحاسيس :كنت دوما منبوذة من الكل حتى أقرب الناس الي ,بسبب اعاقتي ,فكان اليتم عنوان صفحات حياتي ليمتد جذب المشاعر طوال عمري فهل ياترى سأتخلص من لعنته و تروي سماء الغيث حقول قلبي الجوفاء ????
أبحرت بي كلمات أمل الى عالم من الأمل وزرعت بنفسي الثقة والاعتماد على النفس وهذا جل ما يحتاجه الضرير وكل مبتغاه :أن يكون انسانا قادرا ومسؤولا ومنتجا وليس مخلوقا غريبا, ليس له من الانسانية غير الاسم, وليس مجرد انية خزفية مرصوفة فوق الطاولة تسعى لاستنزاف أكوام هائلة من الشفقة والسخرية والعطف , فهو كيان له أحاسيس أرق من باقي البشر ; فالله أنعم على فاقد بصر العيون نعمة بصر القلوب يدرك أسرار مابين الحنايا دون عيون .
قطعت ممرا طويلا وأنا هائمة بهواجسي وأنامل المديرة مطبقة على يدي بنعومة, قادتني الى حديقة الدار حتى استلذ بحلاوة الطبيعة .فليس النظر وحده من يستشعر الجمال فحتى القلب واللمس والسمع طرائق للوصال .
استلقيت على الكرسي الحجري بهدوء وفكري شاخص بسراديب من هموم ; جهاز الاستشعار لدي ينبئني باقتراب شخص ما ,هيأت نفسي للقاء .
قالت :"السلام عليكم …… كيف حالك ? ……أنت الضيفة الجديدة حياة ?"
لا أعلم متى وكيف وبما تحدثنا لكننا قطعنا أشواطا من تواصل ليبلغ بي الأمر خلع عباءة خجلي أمام مشرفة الطبخ عطاء .فهي جود دائم ونوال حب غير معهود ورونق حرف على ثغر روح مرحة .غادرتني ولازالت ضحكاتها الرنانة ساكنة بمسمعي وطرائفها الحلوة بذهني ;
استفردت بروحي قليلا بعد هذا اللقاء الصاخب بالمشاعر في محاولة لترتيب أوراقي المبعثرة :جبت مسارح ذاكرتي بعد رحلة مضنية كللت
بتواجدي بالدار وما بين مد وجزر ووجل وسرور واحباط وحماس
أطلقت تنهيدة اعلانا عن نهاية صراعي الداخلي :
الحياة ليست إلا لمسة من رحمة ووردة موشومة بالفرح وعطاء سنبلة وقبس من حنان وشمعة تتلألأ أملا .