الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة :
إذا عرف المسلم فضل عشر ذي الحجة ، وشرف العمل الصالح فيها ، فحري به أن يجاهد نفسه لاستغلالها ، وتنويع القربات فيها ، واغتنام أيامها ولياليها بالعمل الصالح ، لذا كان لازما عليه أن يعرف الأعمال التي ينبغي أن يحافظ عليها ، مما شرعه الله فيها ، ومن ذلك:
1 - أداء الحج والعمرة: والحج من أفضل القرب ، وأعظم الطاعات ، وهو أشرف عمل يؤديه المسلم في هذه الأيام ، لما فيه من الثواب العظيم ، والأجر الجزيل ، الموهوب بلا عد ، ولا حد ، من صاحب المن والفضل .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 275)
أمه .
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
فهذه الشعيرة العظيمة عمل من أعمال هذه العشر ، ويكون مبرورا إذا وفيت أحكامه ، ووقع على أكمل الوجوه ، خاليا من الآثام ، محفوفا بالصالحات والخيرات .
فإذا توفرت الشروط ، وانتفت الموانع ، وجب على المكلف أن يبادر إلى فريضة الحج ، ولا يجوز له أن يؤخرها؛ لأن الموانع قد تطرأ ، فتحول بينه وبين الحج ، فيقع في الإثم ، فإن أخر لغير عذر كان آثما؛ لأن الحج واجب على الفور على الراجح من قولي أهل العلم .
2 - التكبير: يسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر ، وذلك في المساجد ، والأسواق والمنازل ، بل في كل
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 276)
موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى ، حيث يقول الله تعالى في ذلك: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ والأيام المعلومات هي أيام العشر؛ لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيام المعلومات: أيام العشر . والأيام المعدودات: أيام التشريق) .
وهو قول أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، وقتادة ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وإبراهيم النخعي .
وصفة التكبير: الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ولم يثبت في ذلك صفة خاصة ، إنما هي عن الصحابة رضوان الله عليهم ، قال الصنعاني . ( وفي الشرع صفات كثيرة ، واستحسانات عن عدة من الأئمة ، وهو يدل على التوسعة في الأمر ، وإطلاق الآية يقتضي ذلك ) .
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 277)
ويكون مطلقا ، ومقيدا . فالمطلق في كل حال: في الأسواق ، والمنازل ، والطرق وغيرها . والمقيد عقب الصلوات المفروضة .
ووقت المطلق من دخول عشر ذي الحجة ، حتى انتهاء الإمام من خطبة صلاة العيد . والمقيد من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق .
وقد ثبت أن ابن عمر ، وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ، ويكبر الناس بتكبيرهما .
هذه من السنن التي غفل عنها كثير من الناس في هذا الزمان ، ولذا يتأكد إحياؤها ، لأنه كلما اندرست سنة من السنن ، كان التأكيد عليها ألزم ، إحياء للسنة .
3 - الأضحية: الأصل في حكم الأضحية الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة .
أما الكتاب: فيقول الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (والمراد بالنحر ذبح المناسك ، لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ، ثم ينحر نسكه) .
وأما السنة: فعن أنس رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 278)
بكبشين أملحين ، فرأيته واضعا يده على صفاحهما ، يسمي ، ويكبر ، فذبحهما بيده .
قال ابن القيم : ( ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع الأضحية ) .
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية ، وأنها من شعائر الدين الظاهرة ؛ بل اعتبرها بعض الأئمة من باب الواجبات .
لذا كان حريا بالمسلم أن يحافظ على هذه الشعيرة ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
4 - صلاة العيد: صلاة العيد شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة ، التي حث عليها الشرع المطهر ، وسنة مؤكدة عند جماهير العلماء ، بل اعتبرها بعض المحققين واجبة ، ومنهم شيخ الإسلام
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 279)
ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، والشوكاني ، وغيرهم .
لذا ينبغي على المسلم الحرص عليها ، وعدم التساهل بها ، وحث الأولاد والصغار على حضورها ، وذلك إظهارا لهذه الشعيرة الإسلامية العظيمة ، إذ إن من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لازم هذه الصلاة في العيدين ، ولم يتركها في عيد من الأعياد ، وأمر الناس بالخروج إليها ، حتى أمر بخروج النساء العواتق ، وذوات الخدور ، والحيض ، وأمر الحيض أن يعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ، حتى أمر من لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتها .
5 - الإكثار من العمل الصالح: العمل الصالح محبوب لله تعالى في كل زمان ومكان ، ولكن من حكم الله تعالى البالغة أن شرف بعض الأزمنة والأمكنة ، فمن الأزمنة الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يضاعف فيها الجهود عشر ذي الحجة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . فالعمل في هذه الأيام أحب إليه تعالى من العمل فيما سواها من الأيام ، وهذا ليس مقتصرا على الحج إلى بيت الله الحرام ، بل يشمل ذلك الصلاة ، وقراءة القرآن ، والذكر ، والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتعليم العلم ، وصلة الرحم ،
(الجزء رقم : 59، الصفحة رقم: 280)
وبر الوالدين ، وزيارة المريض ، وغير ذلك مما أمر الله تعالى به .
6 - الصيام: الصيام فضله عظيم ، وأجره كبير ، ويكفي فيه فضلا أن الله اصطفاه لنفسه ، عندما قال في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، هو لي وأنا أجزي به .