عــائــدٌ يــا حــب
استلقى على سريرة يحسب ما تبقى له من وقت في هذه الغربة بالدقائق والثواني ,كانت الليلة صاخبة والسفر القادم طويل لذا احتاج لقسطٍ من الراحة على أن الرقاد جفاه .
بقي مستيقظاً يقلب عيناه في المكان حتى دق جرس الساعة معلناً وقت الرحيل ...نهض من سريرة سعيداً رغم حفلة الوداع التي أقيمت له في الليلة الماضية ...
دموع صحبه في غربته لثماني سنواتٍ مرت حتى الآن لم تستطيع الوصول لقلبه والمساس بفرحه العظيم ...فهو عائدٌ هذا اليوم .
عائدٌ بعد ثماني سنوات من الغربة من البعد الحرمان والشوق ,من الحنين لذاك الطيف الذي طالما أجج نيران الحب في صدره .
مضى في طريق العودة لكنه آثر الغرق بالماضي ليستطيع قطع تلك المسافة الطويلة مابين أمريكا وبلادة القابعة في أحضان الريف الشرقي ...
تذكر أيام الطفولة حيث جمعته البراءة بريم ...تلك الشقية المشاغبة التي استرعت اهتمامه وألزمته الحفاظ عليها من أذى أطفال الحي الأشقياء ,تلك التي طالما طلبت منه بدلال الأطفال أن يعينها على كل أمرٍ تقدم عليه وإن لم تكن بحاجة للعون .
تقلب في مقعده باسماً "هي كثيراً ما خاصمته لأجل اللاشيء وعادت له بعد دقائق بضحكات الطفولة البريئة تبحث معه عن تسليةٍ ما...
لقد كبرت ريم ما عادت تخرج للحي وإن فعلت فحجابها الحياء ,وكأنها ليست هي تلك الطفلة غدت صبية فارعة الطول جميلة الوجه رقيقة النفس عذبة الروح في عينيها ترى جمال الشروق وأنفاسها نسائم ربيعٍ ورديه .
هو متيمٌ بها ليس عاشقا فقط صارحها بالحب الكبير كما عاهدها عليه ...كانت تغمره بنظرات حبٍ منعها الحياء عن الإفصاح به على أنه أدرك ولازال يدرك هي تحبه كما لم يفعل بشرا من قبل .
تقدم خاطبا فاصطدم برفض والدها وتعنته ...ريم فتاتي المدللة لن أزوجها إلا لمن يستحقها ,رجلٌ جامعيٌ مثقف يحمل شهادة كبيرة .
تكدر خاطره ,أحس بوخز الألم في صدره يريدون قتل حبنا لأجل الشهادة يا ريم دموعها التي فاضت على الخدين نظرت التوسل في عينيها ...
كل شيءٍ فيها يردد نفس الرجاء ,كن ذاك الرجل الذي طلبه والدي عاهدتك على حبٍ ما خلق له مثيل وأعاهدك على الانتظار فقط عد لي بعد أن تستوفي شرط أبي .
اعتدل جالسا محدقاً في كفيه تملأ عينيه الدموع متسائلا تراها كابدت الكثير لأجله ...تراها لازالت بانتظاره لازالت تذكره وحبه الكبير ...
تذكر وردتها الحمراء التي حفظها في قلبه وبين صفحات كتابه ...استخرجها ليستنشق منها عطر الماضي وأريج الحب الذي يحي قلبه المختنق وينعش ذاكرته التي تخففت من كل الأشياء إلا الريم بكل تفاصيلها .
وجد نفسه في المطار حيث بدأت رحلة العودة إلى الديار ,أحس أن الطريق ازداد طولاً بدا متوتراً قلبه يخفق بجنون
تحت وقع الشوق وأعاصيره بدأ ينهار جزء تلو آخر لكنه مضى.
استقل سيارة يصل بها لبيته في الريف هناك حيث الماء والعشب الزهر والطير هناك حيث الريم تركض في البساتين تطارد الفراشات الملونة وتصنع قلائد ورديه ...
توقف على أبواب القرية ,ترجل من السيارة يجيل النظر في المكان يستنشق عطر الريف المطعم بأنفاسها ويستمتع بذاك السحر الخلاب ويرى فيه الآفاق التي تحبسها عيني حبيبته .
عاد للسيارة لمواصلة طريق العودة يهتف بسعادة ...عائدٌ يا وطن عائدٌ أيها الريف الجميل عائدٌ أنا يا حب ...عـائــدٌ يــا حــب.
قبل وصوله بقليل تذكر آخر وجهٍ رآه قبل السفر .إنها ريم نظرات الحب والحنان اللهفة والخوف والرجاء بالعودة السريعة لازالت مغروسة في زوايا جسده تتدفق في دمه ذهاباً وإيابا .
ألقى رأسه على متكئ المقعد :أنا عدت ترى كيف يكون اللقاء سأبحث في عينيك عن الماضي سأهديك قلبي من جديد وأحدثك عن أحزان غيابي ...وردتك لم تبرح روحي قلبي وكتابي ,ترى لازالت عيناك قادرتين على التقاط الكلمات المنسابة من صمتي كما في الماضي ...؟؟؟
نبهه السائق ...لقد وصلنا يا أحمد هاهم اهلك وصحبك بانتظارك انتفض باسماً غادر السيارة محدقا بهم باحثا بين وجوههم عن عينيها روحها ذاتها ونبض حنانها كاد يصاب باليأس ولكن لا هي تقف هناك بين الأهل والأحبة
خفق قلبه يريد كسر أضلاعه ليطير إليها هو بشوق لا حمل له على كتمانه توجه صوبها لكن ...
لم تكن ريم كما تركها هربت من عينيه لم تنظر له لقد ابتعدت عن لهيب أشواقه الذي لفح روحها تجاهلت كلمات صمته وعلنه مد يده مصافحا فلم تبادله ...
أخيرا حضر طفل من بعيد : ماما,ماما بابا ينتظر علينا الرحيل الآن {أمسك الطفل بيد الريم ومضى معها إلى حيث كان المصير .
لاحقها بنظراته ثم أخرج لفافة تبغٍ من جيبه لفافة تبغ تحرق أشواقه وحبه كما تحرق ذاكرته ووفائه مضى اليوم ثقيلا شاحبا لم يكن كما رسمه وتخيله .
في المساء جلست معه أمه :إلى متى هذا الصمت إلى متى تتقد عيناك جمرا وتحترقان بالدمع ...أحمد الريم لم تخن لك عهدا ...لقد بكتك كثيرا فوالدها أعلن سخطه على الحب الذي جمعكما هو لم ولن ينسى عداء الماضي الطويل لقد ضرب ابنته أكثر من مرة كلما واجهته بحبها لك وإصرارها على انتظارك كثرة البكاء واستمراره بضربها أدى لفقدانها البصر.
مما جعله يزوجها لبائع الفاكهة الذي طرق بابهم أكثر من مرة أتعلم حتى زوجها اعتاد أن يذلها اعتاد ضربها وقهرها فقط لأنها مازالت على عهد حبها ووفائها لازالت على صدقها الذي علمته أنت بها .
ريم بغيابك غدت كشجرة مثمرة تساقط عنها الثمر والزهر لتكون حطاما لا حياة فيه ولا عودة له للحياة هذا ما جناه عليها والدها المتغطرس المغرور.
دمع بسخاء : لو علمت بهذا ما كانت عودتي أبعد غيابي لأجلها وعودتي لحبها أجدني عائدٌ للحزن
عائدٌ لخطو الموت في روحي .
النهاية