**يــآرب الراحلـين **
تعتريهــآ لحظات منكسرة
تشابه شعاع النور المكسور على نافذة زجاجية
ذاك النور الآتي من قلب السمــاء ليقتحم تباشير الصباح
بجوف منزلها المهجور ..
حجراته وجدرانه والابواب المؤصدة .. وأشياء منثورة يغطيها الغبار
وثوبها الذي كانت ترتديه بآخر ليلة لها بمنزلها
كانت رائحة العطر العالقة بالثوب تغمر أجواء الغرفـة ..
شيئا ً فشيء بدأت رائحة العطر تتلاشى وترحل وكأنهـا تتبع طريق أصحابها
والثوب بدأ بالإنكماش حول نفسه .. وكأنه بحاجة للأحتضان والدفئ
حتى العصافير بنت لها عشا ً على نافذة مطبخها الصغير
و خطوات الرحيـــل لم تزل مطبوعة على أرض اظماها الهجيــــر
فهي لم تكن رعشــة جرح ترتبت عليها النهايـة
بل كانت خيبة حطمت آمال السنين المنشودة
وبداية لتمرد الظلآم على جسد حكايـة أبطالهـــا
رآحلين .. رآحلين .. رآحلين .!
( ويـــآرب الــرآحليــن )
/
\
هذه الكلمات كتبتها ذآت يوم وأنـــا بقمة الحيرة والألــم ..
المناسبة التي جعلتني أكتب تلك الكمات هو موقف تعرضت له
أو صدفة نسقها لي القدر بالوقت الذي رحل به أغلـــى شخص بحياتي ..
/
\
عندمــــا كنت بالصف السادس الإبتدائي بشهر رمضان لعـام ( 1412هـ) ( 1992م)
قرر والدي رحمة الله عليه الذهاب لمكة لإداء مناسك العمرة بهذا الشهر الفضيل
وبعودته إليــنــــا بمطار جدة أراد أن يعود لنا وهو حاملا ً لي ولأخوتي شيء من الهدايا
ولا يعلم بأن عودته لنا هي كبر هدية ..
توقف عند المحلات التجارية بالمطار .. وأشترى الهدايا
وعند قدومه إلينــــا فتح لنا حقائب السفر ليستخرجها لنا
كانت الهدايا عبارة عن أشياء كثيرة عطور ملابس و( ساعات )
وعندما فتح الكيس التي توجد بداخله الساعات
قال ( جبت لكم ساعات يابنات ..كل وحدة تختار اللي تعجبها )
تقدمت أختي الصغيرة وأختارت ساعة ( فضية ) وتقدمت أختي الكبيرة وختارت ساعة ( ذهبية )
وكنت الأخيرة حيث أن لم يتبقى لي إلا إختيار واحد فقط ..
كانت ساعة جميلة جدا تجمع بين اللونين ( الفضي والذهبي )
أخذتها وانا أقول ( يعني أختروا قبلي وخليتوني آخر وحدة )
نظرت إليـــه وإذا به يبتسم لي ويقول ( والله انا عارف ان هالساعة بتكون لك )
لبسنا الساعات والفرحة تغمرنا بتلك الهدية وبقدوم صاحاب الهدية
/
\
غربت سنين من العمر وأشرقت سنين محملة بأقدار مجهولة
وانا مابين كل حين والآخر ألف على معصمي الأيسر تلك الساعة البراقة
التي كانت أغلى وأحب واعز ساعة لدي ..
وفي سنة ( 2004م) لمح بيدي الساعة .. وأبتسم أبتسامة لمحت منها التعجب والفرحة بذات الوقت .. وسألني ( هذي الساعة اللي جبتها من مطار جدة ؟ )
قلت له ( أيـــــه يابوي هذي هي ) ..
قال ( ماشاءالله للحين معاك ..؟ ) قلت ( وبتبقى معاي ماراح افرط فيها أبد )
سأل خواتي ( وانتوا وين ساعاتكم ؟ ) أختلفت إجابتهن واعذارهن بفقدان تلك الساعة الغالية
المهداة من إنسان أغلى ..
/
\
غربت السنين وأشرقت السنين المتوشحة بالرحيـــل ..
بعام (2006م) شاء الموت أن يأخذ منّــــا ذلك الإنســــان الأكثر من رائع
وتحديدا ً قبل رمضان بعشرة أيـــــام فقط ..
وبيوم 12 من رمضان فتحت أحد أدراجي التي تعمها الفوضى
و وقعت عيني على تلك الساعة التي ذهب صاحبها قبيل أيــــام معدودة
أخذت الساعة والدموع تغمر عيوني وقبلتها ولبستها .. وأتجهت بها
إلى إحد المراكز الصحية لإجراء بعض الفحوصات البسيطة على طفلي المصاب بإرتفاع بدرجة الحرارة ..
ذهبت إلى العيــــــاة وعندما رجعت إلى البيت رأيت يدي اليسرى خالية من الساعة
جن جنوني حينها بحثت عنها كثيرا ً كثيرا ً كثيرا ً لدرجة أنني عدت إلى العيادة
وبحثت عنها بصالة إنتظار النساء وبالممرات وطرقت باب غرفة الدكتور
ودخلت قاصدة البحث عنها وبالشارع وامام بوابة العياة وعند موقف السيارة...
ولكن لاجدوى كل محاولاتي بالبحث تكللها الفشل
حينها أدركت أن بعض الأشياء ترحل مع أصحبها وبعض الأشياء تموت بنفس تاريخ ميلادها
وبعد مضي وقت فتح أحد أدراجي أيضا ً ووجدت ( مذكرة صغيرة جدا ً)
كانت لوالدي هذه المذكرة كاتب بها بخط يده أرقام الهواتف
ومن بينها رقم هاتفي المحمول وأسمي الذي وضع تحته خط
وكل خوفي أن ترحل هي الآخر مع صاحبها
فهي الذكرى الوحيدة التي تبقت لي من ريحة الغالي الراحل ..
/
\
ويارب الراحليـن