أبو الحسن علي بن العباس بن جريح والده رومي وأمـه فارسيه
يرثي ولده الأوسط
بكاؤكُما يَشْفِي وإنْ كان لا يُجدي **** فجودا فقد أودى نظيرُكمَا عندي
بُنَيَّ الذي أهدْتهُ كَفَّايَ للثَّرَى **** فيا عزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرَةَ المُهْدِي
ألا قَاتَلَ الله المنايا وَرَمْيَها **** منِ القومِ حَبّاتِ القلوبِ على عَمْدِ
توخَّى حِمَامُ الموتِ أوسطَ صبيتي **** فلله كيف اخْتارَ واسطةَ العِقْدِ
على حين شمتُ الخيرَ مِنْ لَمَحاتِهِ **** وآنستُ مِن أفعالِه آيةَ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارُهُ **** بعيدًا على قُربٍ قريبًا على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها **** وأخْلَفَتِ الآمالُ ماكان مِنْ وَعْدِ
لقد قلَّ بين الْمَهْدِ واللَّحْدِ لُبْثُهُ **** فلم ينسَ عهْدَ المهدِ إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ **** وفُجِّعَ منه بالعُذُوبَةِ والبَرْدِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالَهُ **** إلى صُفرةِ الجاديِّ عَنْ حُمْرَةِ الوردِ
وظلَّ على الأيدي تَسَاقَطُ نَفْسُه **** ويَذْوِي كما يَذْوِي القضيبُ مِن الرَّنْدِ
ِفَيالكِ مِنْ نَفْسٍ تَسَاقَطُ أنفسًا **** تَسَاقُطَ دُرٍّ مِنْ نِظَامٍ بلا عِقْدِ
عَجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ **** ولوْ أنَّهُ أقسى من الحَجَرِ الصَّلد
ِبودِّيَ أني كنتُ قُدِّمْتُ قَبْلَهُ **** وأنَّ المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي **** وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئةِ لا العبدِ
وما سرَّني أَنْ بِعْتُهُ بثوابِه **** ولوْ أنَّه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلدِ
ولا بِعْتُهُ طَوعًا ولكن غُصِبْتُه **** وليس على ظُلْمِ الحوادثِ مِنْ مُعْدي
ِوإنّي وإن مُتِّعْتُ بابْنَيَّ بعْده **** لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادُنا مثلُ الجَوارحِ أيُّها **** فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفَقْدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اخْتِلاَلَهُ **** مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جَلْدِ
هلِ العينُ بعدَ السَّمْعِ تكفي مكانَهُ **** أم السَّمعُ بعد العينِ يَهْدِي كما تَهْدي
لَعمْري:لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ **** فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي
ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكِلْتُهُ **** وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهْدِ
أرَيحانَةَ العَينينِ والأنفِ والحشا **** ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عنْ عَهْدي
سأسقيكَ ماءَ العين ما أَسْعدتْ به **** وإن كانَتِ السُّقيا مِنَ الدَّمعِ لا تُجدي
أعينيَّ جودا لي فقد جُدْتُ للثَّرى **** بأنْفَسَ ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ
أعينيَّ إنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما **** وإن تُسعداني اليومَ تَستوجِبَا حَمْدي
عذرتُكما لو تُشْغلانِ عَنِ البكا **** بنومٍ وما نومُ الشَّجِيِّ أخي الجَهْدِ
أَقُرَّةَ عَيْني:قدْ أَطَلْتَ بُكاءَها **** وغادرْتَها أقْذَى مِنَ الأعْيُنِ الرُّمْدِ
أَقُرَّةَ عيني:لو فَدى الحَيُّ ميِّتًا **** فديتُك بالحوباء أوَّلَ مَنْ يَفْدِي
كأنِّيَ ما استَمْتَعتُ منك بنظرة **** ولا قُبلَةٍ أحلى مذَاقًا مِن الشَّهدِ
كأنَّيَ ما استمتعتُ منك بِضَمَّةِ **** ولا شمَّةٍ في ملْعبٍ لك أو مَهْدِ
ألامُ لِمَا أُبدي عليْك مِنَ الأسى **** وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي
محمَّدُ ما شيءٌ تُوهِّمُ سَلوةً **** لقلبي إلاَّ زاد قلبي مِنَ الوجْدِ
أرى أَخَوَيْكَ الباقِيَيْنِ فإنما **** يكونان للأحزَانِ أوْرَى مِنَ الزَّنْدِ
إذا لعِبا في مَلْعَبٍ لك لذَّعا **** فؤادي بمثْلِ النارِ عنْ غيرِ ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلوةٌ بلْ حَزَازَةٌ **** يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشةٍ **** فإنِّي بدارِ الأنسِ في وَحْشَةِ الفرد
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَرًا **** إلى عَسْكِر الأمواتِ أنِّي مِنَ الوفْدِ
ومَنْ كانَ يَستَهْدي حَبِيبًا هَديَّةً **** فطيفُ خيالٍ منكَ في النومِ أستهدي
عليك سلامُ الله منِّي تَحِيَّةً **** ومِنْ كلِّ غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ