[frame="7 80"]
دواؤها في دائها
أقصوصة
بين العشاءين وبعد يوم حافل بالعمل الدؤوب وجدت نفسي اليوم على رصيف الشارع الرئيسي بالمدينة .
أخطو خطوات منهكة بالتعب مثقلة بالعياء .
الإنارة ضعيفة ،
تنبعث خافتة من مصابيح تطل خجولة من وراء حجب .
مصابيح اكتست أردية من الغبار المتطاير حولها ،
وارتدت سترا سميكة حالت دون بروز ما عهدت بها من توهج ولمعان .
بالإضافة إلى الفوضى التي عمت العشب وبعثرت النباتات ،
فضاع قسط هام من بهجة الشارع ورونقه ،
وبدا بمظهر الشيخ الهرم الذي كثرت عاهاته وأدبرت حيويته .
استغربت المشهد واستثقلت آثاره التي حطت على أحاسيسي .
شعرت بضيق مطبق واختناق محرج .
وليت الأدبار قاصدا مستقري ،
متسائلا عن أسرار ما يحدث .
إنه الإهمال واللامبالاة ،
حولا مظاهر الشارع ورونقه الشيق إلى حالة تشعر بالضيق والتقزز .
أجابني مخاطبي متحدثا من أعماقي :
- ــ فيم اغترابك واشمئزازك ألا تدري أنه قانون الكون وناموسه
جعله الله ضابطا ومنهجا لجميع الكائنات .
- ــ كيف ذلك ؟
- ــ الإهمال يؤثر سلبا على كل الموجودات ، كالطفل عند نشأته ، والأسرة في تعهدها وتوجيهها ، والجسم بنظافته مظهرا ومخبرا ، والعقل حين تزويده وتمرينه وصقله ، وكذلك التجارة ، والدراسة ، والسيارة ، والبيت ، ... سكت قليلا وأضاف : ...
ــ ألاتلاحظ أن الناموس ينطبق أيضا وبكل جزئياته على النفس البشرية .
- ــ أرى أنك تبالغ ؟ ــ وما صلة نفسي بما أراه ؟
- ــ النفس أيضا إن أنت أهملتها شبت كما اتفق لها ، فينحرف مسارها ويطفح رانها ويغشاها الوهن . فتغدو ذات نزعة عدوانية أمارة متآمرة . وقد يتفاقم الداء حتى يستقر الحال ويصبح مقاما لازما لا انفكاك لها عنه . وإن حظيت بالتعهد والتوجيه ، تدرجت عبر أحوال ثم مقامات النضج والرشد فتكون خير معين وأفضل سند للاستقامة والسداد ، لوامة حينا وراضية ومطمئنة أحيانا أخرى .
- ــ أتعني أن النفس بدورها تنتابها أمراض ، وتعالج بأدوية كباقي المخلوقات؟
- ــ موضوع أمراض النفس وأدويتها طويل وعلمه غزير ، وهو من صميم اختصاص علم النفس فرع تقويم السلوك .
وقد سئل أبو القاسم الجنيد السالك :
" متى يصير داء النفس دواءها ؟
فأجاب : إذا خالفت النفس هواها ".
لذا فمتى أراد الله بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه .
ومن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه .
وإذا عرف عيوبه أمكنه علاجها .
محمد اطيب
[/frame]