[align=center][tabletext="width0%;"][cell="filter:;"][align=justify]ها قد مضى ثلاثة شهور على تلك الحادثة ، وها هي سُليمى تستيقظ من منامها عند الضحى ، لتتجه إلى صالة الجلوس النسائية حاملة كوباً من الحليب الساخن والخالي من المُحليّات.
تحتسيه بصمت وهي تشاهد إحدى القنوات التي تُقدّم برامجاً صباحية ثقافية.
ثلاثة أشهر تحاول فيها الخروج من الأحزان وحالات الكآبة التي تفتك بالأنفس قد تقتلها كمداً.
لم يغب عنها طيفه ولو دقيقة واحدة ، لم يغب أثرهُ الذي تركها هائمة هكذا في مرحلة صمت دائمة.
تلك الليلة كانت آزفة بالنسبة لها ، حينما علمت بأنّهُ على ميعاد دائم مع إحداهن ، لم تكن مهتمة بطريقة اكتشاف ذلك بقدر ما كانت تهتم بالخداع الذي قدمه لها بغير وجه حق مسبق ، تَذْكُر بأنّهُ اقتحم حياتها بلا ميعاد ، بلا استعداد لقبول ذلك ، حينما وجدت رسالة ضمن الرسائل في بريدها الإلكتروني من شخص مجهول قامت بفتحها وقراءة ما جاء فيها لتجد بأنّه يريد التعرّف عليها ، فتجاهلت ذلك بعد أن حذفت تلك الرسالة على الفور ، لكن هذا لم يكن نهاية المطاف لأنّه لم يتوانى عن إرسال المزيد دون أي ملل منه أو كلل ، حتى أذعنت لذك فأجابته ، ومع الأيام تكرر هذا لتكون علاقة صداقة في بادئ الأمر ، لتتعمق فتصبح علاقة حب وطيدة.
لقد أحبّتهُ فعلا ، ولم ترى له مثيلا ، وإذ برسالة خاطئة تُصيب صندوق البريد لديها ، لم تكن موجهة إلى سُليمى ، بل كانت إلى هدى التي لا تعلم سُليمى عن أمرها سوى ما كتب لأجل هدى في تلك الرسالة ، لقد كانت من سليم بصيغة مشابهة لما قد تم إرساله لها سابقا ، فقامت دون وعي بمراسلة هدى بعد أن أخذت عنوان بريدها الإلكتروني المدرج ضمن رسالة سليم ،كانت برسالتها تُريد أن تسأل هدى هل لها سابق معرفة بالرجل ، ولكي تُثبت لها بأنّها صادقة قامت بذكر أحداثها مع سليم بكل التفاصيل التي كانت بينهما حتى تتأكد هدى بأنّ سُليمى إحدى النساء التي يعرفها سليم ، فجاء الرد من هدى بأنّ سليم على وشك الزواج بها ، وبعد أن قرأت رسالة سُليمى تضجرت كثيرا وتألمت حتى أنّها وعدتها بالابتعاد عنه إكراما وعرفانا لسُليمى .
أنهت سُليمى وصالها مع سليم وقطعت بالتالي علاقتها مع من كانَ حبها الوحيد ، مضى على ذلك ثلاثة أشهر ولم يُرسل سليم أي رسالة واحدة يعتذر فيها على الأقل ، أو محاولة منه كي يُعيدها وبذلك علمت عنه بأنّه لم يحبها قط بل كان يحاول إغواءها لأجل الرذيلة التي اعتاد بعض الرجال السعي وراءها بنهم كبير، ولكنّها لم تسمح بذلك بل لم تسمح له بأن يُقابلها على انفراد أو في مكان عام ،
في أحد الأيام كانت سُليمى جالسة أمام التلفاز تحاول التركيز بمجاهدة كبيرة وهي تُشاهد برنامجا ما ، ولكنها لم تستطع مع ثقل الهمّ الذي شلّ كل تركيز وتفكير لها ، وهي كذلك إذ وقعت عيناها على صحيفة ملقاة بجانبها ، فأخذتها وبدأت تتصفحها ، تحاول أن تقرأ شيئاً ما يُنسيها للحظات وإن كانت قليلة أيّ همٍّ ألمَّ بها.
وهي تقلب الصفحات إذ تقرأ إعلانا عن زفاف أحدهم ، لقد كانت صدمة غير متوقعة حينما علمت أن الإعلان يخص سليم وبأنّه تزوج ابنة عمّه فاطمة ، فزاد ذلك من ألمها لتترك المكان وتذهب إلى غرفتها وإذ بها ترتمي على السرير وهي باكية.
مضت أيّام على هذا الحدث ، لتعود سُليمى إلى حالة الرتابة اليومية ، وفي لحظة ما ، أعلن هاتفها المحمول بتلك الرّنات المُتتالية بأن لديها مكالمة من رقم لم يكن مدوّناً ضمن قائمة الاسماء لديها ، بل إنّه ظهر على الشاشة بمسمّى ( رقم خاص ) تعجبت لهذا وذلك لأنّها المرّة الأولى التي يقوم بالاتصال عليها أحدهم ولا يظهر لهُ رقمٌ محدد أو من ضمن اسماء معارفها ، قامت بالضغط على زر الإجابة لتسمع صوتاً ذكورياً ، لم تنبس بكلمة وحاولت معرفة صاحب الصوت بلا فائدة ولم تميّزه أبداً فعلمت أنه مخطئ أو أنّه أحد العابثين ، همّت بأن تنهي المكالمة وإذ به يقول : لا أعلمُ من أجابني ! أهو ذكرٌ أم أنثى ! ورجائي أن تُبقي هذا الاتصال متاحا كي تسمع منّي قليلاً فليس شرطا بأن تتحدث بل ابق صامتاً ، فقط أريد بأن تسمعني لأنني أعاني من اختناق شديد ولم أجد من يعيرني انتباها ، فإن كان لا مانع لديك قم بضغط أي زرٍ ليصدر صوتا أعلم من خلاله الإيجاب.
قامت سُليمى بالضغط على زر عشوائي كانَ كفيلا بأن أصدر صوتا بالإيجاب ولم تتحدث البتة.
شكر هذا الشخص بدوره على اتاحة الفرصة وبدأ يتحدث: لا أعلم من أنت ! أذكرٌ أم أنثى ! لكنني أعاني كثيراً ولم أعد أعلم لما هذا الحظ العاثر يعترضُ طريقي دائماً .......
استمر الشخص في الحديث ذاكراً مآسيه وآلامه لمدة نصف ساعة ، وبعدها أشار بأنّه شعر براحة كبيرة ثمّ تساءل هل له أن يعيد هذه الكرّة مرّة أخرى ، فقامت سُليمى بالضغط على زر عشوائي تشير بأنّها لا ترفض هذا ، فأنهى ذلك الشخص حديثه ووعد بأنّه سيتّصل في أقرب فرصة.
شعرت سُليمى بالارتياح بما سمعته من فضفضة ذلك الشخص ، الذي لم يُبقِ شاردة أو ورادة إلا وذكرها ، وكانت تستمع منه كل مرّة يتصل فيها ويحدثها بدون دون توقف ، تبكي سُليمى تارة ، وتارة أخرى تضحك من بعض السخرية التي يُسمعها إيّاها ، وتارة لا تُبدي أي حالات مشاعر واضحة لكونها سرحت كثيراً ولم تكن ذو بال مع هذا الشخص.
اعتادت سُليمى ذلك كثيراً ، لم تنفك عنهُ يوميّاً وفي أحد الأيام غاب عنها ذلك الاتصال فقلقت كثيراً لتراودها نفسها بأن تتصل عليه لكنّها أرجأت ذلك إلى حين ، مرّ يوم آخر وما زال الغياب مستمرًّا ، أسبوع ، شهر ، لم تعد تحتمل ذلك فأمسكت جهازها المحمول وبحثت عن الشخص المجهول ضمن قائمة الاسماء لتتصل عليه وإذ برقمه مشغول ، أعادت ذلك وما زال الخط مشغول ، كررت لساعات وما زال الخط مشغول ، تعجبت لهذا ، كررت ذلك في المساء وما زال الخط مشغول ، وفي اليوم التالي تكرر منها هذا الفعل لتجد الخط مشغولاً على الدوام ، تعجبت كثيراً ، فتركت هذا الأمر وهي مضطربة ، تجوّلت بعينيها في المكان حتى رأت ذلك الظرف فأخذته وفتحته وإذ بفاتورة هاتفها فقرأت ما جاء فيها من تفاصيل ، فاكتشفت أمراً مفاجئا ، إن الرقم الخاص والمجهول يُشير بأنّه رقمٌ خاص بالضمير ... !
آل علي
سابقة النشر في يوم
الأحد 28 ربيع الثاني 1434
[/align][/cell][/tabletext][/align]