العرب وقانون الغاب الذي يضع العالم على كف عفريت
بعد انتصار دول التحالف الغربي في الحرب العالمية الثانية، وانكسار النازية والفاشية، أسست هذه الدول مجلس الامن، والمؤسسات المنبثقة عنه، والتابعة له، لغايات الحفاظ على السلم العالمي وعلى سيادة الدول واستقلالها، وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى، الا بموجب قرارات واضحة من مجلس الامن يتم تبنيها بالاغلبية.
وطبعا اعطت هذه الدول العظمى الفائزة في الحرب لنفسها حق الفيتو في مجلس الامن، وبحيث تمنع صدور أي قرارات تهدد مصالحها او مصالح حلفائها.
وظل مجلس الامن يعمل ضمن ما اصطلح عليه مبادئ وسيادة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي تم تطويرها وتبنيها فيما بعد، وظلت الدول تتجنب التدخل العسكري في الدول الأخرى من دون موافقة مسبقة من مجلس الامن والتي تأتي تحت البند السابع من ميثاقه.
الا ان بعض الدول القوية او التي كانت تستقوي بتحالفاتها كانت تتجاهل مبادئ القانون الدولي وتجعل السيادة لقانون القوة بدلا من قوة القانون، وتتصرف خارج إطار مبادئ القانون الدولي.
ومثال ذلك تدخلات أمريكا المتكررة في أمريكا اللاتينية، بعضها بصورة عسكرية وتدخل عسكري وغزو مباشرة، ومرات أخرى بصورة غير مباشرة مثل الانقلابات التي كانت تأتي بزعماء تابعين puppets حتى سميت تلك البلاد بجمهوريات الموز لهشاشتها وبسبب فقدانها السيادة والاستقلال.
لكن بشكل عام وباستثناء بعض التجاوزات الجلية والواضحة للعيان والتي غالبا ما كانت تستنفر المؤسسات الدولية لتدعم فيما بعد الضربات التي اسموها استباقية، فقد ظلت الدول تحترم القانون الدولي وظل لمجلس الامن دور أساسي في حفظ السلم العالمي، ولو ان المجلس خدم بصورة رئيسية الدول العظمى صاحبة حق الفيتو، ومصالحها، وحلفائها.
لكن عند دخول الالفية الجديدة وفي مطلع القرن الحادي والعشرين ارتكبت الولايات المتحدة ومن تحالف معها خطيئة، وجريمة بشعة بحق العراق، حينما تصرفت خارج إطار مجلس الامن، والمؤسسات الدولية والقانون الدولي، وتجاوزت كل الأعراف المتفق عليها، وحشدت جيوشها لاحتلال العراق، في ظل مبررات ثبت بطلانها، وهو ما اعتبر اول وأعظم خرق لمبادئ القانون الدولي، وتجاوز لما كان معمول به من ارث يمنع تدخل الدول في شؤون الدول الاخرى.
وكان الامل ان تتعلم الدول من هذا التجاوز الخطير الذي هدد الامن والسلم الدولي، خاصة عندما تبين بطلان ادعاءات أمريكا وحلفائها ومبرراتها لشن تلك الحرب، وان تعود لتجعل السيادة من جديد لمبادئ القانون الدولي.
ولكن وفي ظل افرازات تلك الحرب غير الشرعية، وما يجري في العالم اليوم من حروب خارج إطار المؤسسات الدولية والقانون الدولي، ومن ثم وصول قيادات يمينية متطرفة تتبنى برامج وطنية متطرفة تفوح منها رائحة العنصرية، وتضع مصلحة بلادها أولا وأخيرا، ساعية لتفوقها العسكري والاقتصادي، ولا تلقي بالا للسلم الدولي، فقد أصبح العالم على كف عفريت، ولم تعد مبادئ القانون الدولي هي المهددة فقط، وانما أصبح العالم كله مهدد بحرب فناء لان هذه الدول تتجه على ما يبدو لتعمل بموجب قانون الغاب هذه المرة.
وهذا الوضع الخطير على الساحة الدولية والاطماع الجمة في الثروات العربية وارض العرب يضع العرب امام مخاطر حقيقية، خاصة انهم لا يمتلكون القوة الرادعة التي تجعل هذه الدول تفكر ألف مرة قبل ان تعتدي عليهم.
وربما انه صار من الواجب ان يعيد العرب حساباتهم جيدا لمواجهة المخاطر التي تلوح في الأفق...في ظل ما يبدو انه سيادة لقانون الغاب هذه المرة....
وان غدا لناظره قريب...