أعتذر
فقد يكون هذا الجزء طويلا حد الإرهاق
لأنه ـــ الجزء الأخير
ـ سامحك الله يا أم سامي لقد أفقدتني ابنتي انتزعتها من أحضان القلب بإفشائك هذا السر .
ركض له أحمد بدمعه ولهفته :أخبرني أرجوك أخبرني كيف ماتت ملاك وما علاقتها بأسيل كيف وصلت دمية شقيقتي ليد ابنتك ؟!
جثا على الأرض : أنا عقيمٌ يا ولدي طفت مدن الغرب بحثا عن علاج دون جدوى عدت وزوجتي نبحث عن طفلٍ أو طفلة يملأ بيتنا بالحركة والحياة فقد مللنا صمت المقابر وظلامها المخيف .
قادتنا إرادة الله إلى هنا ووقع اختيارنا على الرائعة ملاك حاولنا أخذها لكنك حرصت على حمايتها منا والحفاظ عليها فشلنا بانتزاعها منك بشتى الطرق ,طلبت من زوجتي أخذكما سوية لكنها رفضت فأنت لقيط وهي لن تربي لقيط لذا رسمت خطةً ماكرة لأنتزع الصغيرة من أحضان قلبك فقد أخرجناها إلى السوق بحجة شراء الهدايا لها ولكم أخذت معها الدمية البائسة فهي لم تفارقها طوال سنين عمرها .
في السوق أخذناها من المشرفة وقلنا أنها قضت بحادث سير
ردد أحمد مصعوقاً : الجثة والضريح أنا رأيتها في ثلاجة الموتى بأم عيني!
هز سالم رأسه :تلك أخرى كانت في التاسعة قوة الحادث الذي تعرضت له شوه ملامحها ومزقها لأشلاء لذا صعب عليك كطفل أن تميز أن الجثة لفتاةٍ مختلفة ,تلك الجثة دفنت في مقبرة شمال العاصمة حيث تقيم عائلتها ولأجلك أنت تم بناء ضريحٍ صغيرٍ فارغ سجل عليه اسم ملاك التي أضحت بين ليلةٍ وضحاها فتاةٌ لندنيه اسمها أسيل .
بالحقيقة يا ولدي هي لم تنساكم أبدا بكت لفراقكم سنين طويلة لكنها وككل الأطفال لابد من منافذ على قلبها وذاكرتها لغسلهما من الماضي وشوائبه العالقة .
جهدت وزوجتي بإقصائكم عن قلبها وعقلها ترددنا معها لأماكن كثيرة تحمل صفات الأماكن التي عرفتها معكم مع المدة وطول الأيام أقنعناها أن ما تذكره محض وهمٍ يختلط بالحقيقة ليشوه صورها الرائعة .
جثت أسيل باكية قرب والدها : إذن أنا تلك الطفلة لقد أعملتم في قلبي وذاكرتي خنجر الوهم البغيض .
بكى بمرارة :سامحيني يا صغيرتي فأنا لم أرغب بفقدانك والعودة وحيدا من جديد .
ضرب أحمد الأرض بقبضتيه حسرة :لقد أفنيت عمري باكيا على صدر ضريحٍ فارغ لا لم يكن كذلك فقد أودعت فيه قلبي وزرعت على جنبيه أزهار عمري رويت تربته بدماء عيني كيف فعلتم بي ذلك ؟؟
كيف خطفتم عن أغصان قلبي طيره الشادي
نظر لملاك بعين الحب ذاته لترمي بنفسها على جسده
أحبك يا أخي أقسم أحبك يا أحمد طالما قلت لهم أني أحبك بجنون لست أعشقك جميعهم لم يدركوا حقيقة حبي وصورته إلا أنت يا عوني وسندي
ضمها لقلبه المشتاق :كذلك أحببت يا توأم الروح ألم أخبرك ذات نهار أن ملاكي غادرت الضريح وعادت للحياة من جديد
آآه لكم أحبك وأشتاقك يا أريج الزهر وعطرة الفواح
أمام ذاك المشهد الرائع رغم قسوته وألمه اهتز الميتم على صوت البكاء جميعهم يذرف الدمع حسرةً ومرارة
ياه ...بعد عشرين سنه تعودين للحياة من جديد يا ملاك ...بعد هذا العمر تعودي لتقولي
أن أحمد هو أخاك الوحيد وأنه ليس لقيطا كما نعته الجميع !؟؟
أبعد كل هذه السنين تعودي بقلبٍ نابضٍ بالحب لا يتنكر للمكان وبنيه ,بعد هذا الغياب تعودي بذاكرةٍ طمستها الغربة بوجوهٍ دون معالم فتزيل الستار الثقيل عن قصةٍ من وجع تمزق القلوب حسرةً وكمد .
رحمة الله الواسعة لعبادة أتت بمطرٍ غزير هطل على القلوب ليغسلها من جحيم الغياب والأجساد ليذيب عنها معالم الشقاء والتعب وعلى الأرواح لتحلق كطيورٍ طاهرة في سماء الحب
هطل المطر ليغسل الصدور من أي ثمرٍ للحقد والضغينة أو النقمة ربما أوجدها الوجع ذات نهار.
بعد ليلٍ طويل مليء بالدموع خلد الميتم للهدوء والنوم
فجر اليوم التالي استيقظ المكان بطيوره وسكانه على صوت الخالة سميه بالساحة وكلماتها الثقيلة
يا خلية الحب أفيقي من سباتك ...يا خلية الحب هذا فجرٌ جديد هيا لتجمعوا رحيق العطاء معا هيا لتنعموا بعيشٍ رغيدٍ معاً
اجتمعوا حولها من جديد ترف على وجوههم أطياف السعادة تتراقص على شفاههم ضحكاتٌ بريئة تخرج من أعماق قلوب تشتاق البسمة .
لبنى :آآآآآآخ يا رأسي ,منذ اليوم ستنتقل ملاك للعيش معنا في بيتنا الصغير لننعم بالنوم فجر الجمعة حتى العاشرة صباحاً أليس كذلك ؟
رد سالم بسرعة :كلا لن تفعل .
ملاك :يا غبية إن فعلت سأكون عزولاً لن أسمح لك أن تبتعدي وأخي عني .
وضع أحمد يده على عينيه وردد بأسى :زوجتي الحبيبة لن يفرقونا مهما حاولوا
اهتزت جدران المنزل من دوي الضحكة التي انطلقت بعفوية أما سالم
فقد أمسك بيد أحمد بانكسار :يا ولدي أعدك لن أعترض على زواجك من هذه البغيضة الدميمة بعد اليوم على أن تعود لأحضان أبيك عد لمنزلي الذي سكنته الأشباح برحيلك .
غضبت لبنى وطرقت الأرض بقدمها :هل بت أنا بغيضة دميمة ألن تشكر الله فقد قبلت الزواج من ابنك المهوس هذا وهكذا مضى نهارٌ جميل
عندما حل الغروب وقبل أن يتفرقوا كلٌ لمكانه جلس سالم مع أحمد زوجته وأخته
ردد بشيء من الرجاء :اسمع يا ولدي أنا أعلم حجم الألم وعظم الجرح الذي شققنا به صدرك قديما لكني الآن رجلٌ مسن وحيد لا أهل لي ولا ولد إلا هذه الحبيبة
ليس عدلاً أن أمنعها عن الرحيل معك والسكن في بيتك كما أنه ليس عدلاً أن يخوي بيتي على عروش الموت من جديد
أقسم أني أحببتك طفلا ورغبت بتربيتك لكنها مشيئة الله من حالت دون ذلك أما اليوم فأنت تراني أخطو نحو النهاية لا أحد يعيش للأبد يا ولدي .أحمد :أمد الله في عمرك يا عم .
دمع بحرقه :ألن تناديني كأسيل عفوا أقصد كملاك {حدق أحمد بأخته متسائلً فابتسمت } ألن تناديني يا والدي ؟
هز أحمد رأسه باسماً :والد ملاك هو والدي
ابتسم سالم برضا :إذن منذ اليوم أنت وزوجتك ستنتقلان للحياة في منزلي لأن أسيل ثمة منزلٌ آخر يفتح لها أبوابه ويناديها بحبٍ وصدق {نظر لها فطأطأت رأسها خجلاً وقد تورد خديها}
أحمد :أي منزلٍ يا والدي؟!
سالم : يا ولدي مهند يحبها بصدق وقد طلب الزواج منها أجل الموضوع إلى أن تنتهي من إدارة الميتم وها قد انتهى الأمر وآن للعاشقين أن يلتقيا ويستريحا من عناء طريق الحب الطويل
أما هذه المرأة البائسة المسكينة لقد عانت كثيرا ودفعت ثمن أخطائها ما يفوق قدرتها على الاحتمال لذا سآخذها لمنزلي بمساعدة الخدم سأقوم أنا بنفسي على شئونها إلى أن يقضي الله أمرا كان مقضيا وفي هذه الحالة يتوجب عليك أن تدير الشركة الأم أما هاتين الشقيتين فدعهما يختاران ما يريدانه من مرافق العمل .
أطرق أحمد مفكرا :لا أستطيع الموافقة فأنا لن أخلع عني ثوب حياتي البسيطة لن أترك الكد والجهد لأعيش حياة الترف والثراء هذا فوق قدرتي النفسية .
سالم : لم أقول عش برغدٍ وثراء خذ قدر حاجتك من المال وما تبقى منه قم بتحويله لدور الأيتام والجمعيات الخيرية لترميم الطرق وعلاج الصغار من مرضى السرطان
اجعل ما يزيد عن حاجتك نفقه تعيل بها الفقراء وتنجز بها المشاريع لتجمع الأيدي العاملة والتي لا تجد بابا للرزق
تهللت الوجوه والقلوب بالبشر :أصدقا ما تقول ؟؟!!!
سالم :وأقسم عليه ملاك تعرفني حق المعرفة لم أعد يوما بشيء وأعود عن وعدي أو أنكثه لأجل الفقراء والمحتاجين يا ولدي اقبل هذا العرض ولا تنسى أن تمنح كل محتاجٍ حاجته فهذا هو سر التوفيق والنجاح كما أنه الطريق إلى رضا الله .
هكذا أضحى منزل سالم منزلاً لأحمد وزوجته وللخالة سميه التي قضت نحبها بعد فترةٍ قصيرة
أما ملاك فاقترانها بالعشيق الذي غاب عن ساحة العقل والقلب في خضم أحداث الميتم ورحلة العودة للحقيقة لم يمنعها عن فعل الخير ومد يد العون والحب للجميع كما أنه لم ينسيها أن تقف على ضريح والدها وائل الطيب وأمها دلال لتقرأ على روحيهما الفاتحة .
الـــنـــهــايـــــة