مرّ وقتٌ طويل مذ تحدّثت عنّا، أتَظنّ أنّني نسيت؟
لا، لم أفعل، ربّما كنت مشغولة قليلا عن التفكير المعتاد بنا، لكنّ النّسيان بيننا غير مطروح للنّقاش، واحتمالاته تبدو مستحيلة الآن وقد قطعنا معاً كلّ الذي قطعناه، حسنا، لنكن صادقَيْن، لم نقطع معا أي شيء، لقد تقطّعنا معا على كلّ شيء، كل شيء تقريبا!
أنا وأنت نبدو لمن ينظر لنا من الأعلى، كشخصيتيّ قصيدة ملحمية، لا يلتقيان، لا ينفصلان، معلّقان هكذا بلا أمل ولا عتب!
رضينا بما لدينا، وقبلنا واقعنا غير المقبول !
خَلّدتنا الاستحالات، و نُقِشت تعقيداتنا في ذاكرة القلب. لا نحن ننسى، لا نحن نشفى، ولا نحن نبدأ من جديد. سنظلّ مرتبطين معا دون أن نكون معا.
وهذا الذي بيننا، يا إلهي! كم شوّهنا الذي بيننا حتى فقد ملامحه و أخذ هيئة الظلال الدّاكنة التي تمتصّ أرواحنا.
لم نتركه يولد، بل استجرَرناه غصبا، ثم لم نتركه ينمو، بل شذّبناه مرارا، شذّبناه للدّرجة التي غيّرنا فيها هيئته، ومسمّاه، و شوّهنا بها انعكاساته علينا، فغدونا فارغَيْن من الحياة، وما قلوبنا إلّا مضخّات صدئة مهترئة. تنبض ولا تشعر، تخفق ولا تأمل.
وهل نحن قتلناه؟
لا، نحن كلّما خمدت ناره، نفثنا فيها رياحا مسمومة تبعثه من جديد، بكامل تشوّهاته واستحالاته!
كان الأجدر بنا، أن نخوض المغامرة حتى آخرها، أو ندير ظهورنا ونمضي، لكن لا، كنّا أكثر كبرياء من الاعتراف بالضعف فنغلق الباب، وأكثر جبُنا من أن نفتحه على مصراعيه، فماذا فعلنا؟
تركناه مواربا، وصارت حياتنا من وقتها بين بين !
هل تشمّ كآبتي إذن؟
ليست كآبة صدقني، إنّها أنا فقط حين أفتح عينيّ من حلم جميل، ثم تمرّ لحظتين فقط، لأشعر بطعم مرارة الواقع الحقيقيّ في حلقي.
فهل تذوقها أنت؟