أتحدث عن نفسي
دخول المدرسة والانضباط في صفوف العلم .
لا زلت أذكر حسرتي على ما فرطت به من مرحلة البستان على أن تلك الحسرة أو تلك التجربة ...
لم تكن كفيلة لكبح جنون العناد في رأس طفلةٍ حمقاء
لم تكن كفيلة لجعل قلبها يهوى العلم ومقاعده
لم تكن كفيلة لجعلها تتنفس خارج حدود مملكة الأم العظيمة ...
\
كان دخول المدرسة بالنسبة لي طامةٌ كبرى ...فهذا مكان لم ولن أتخلص منه لسببٍ دون الموت ـ
وهل كانت قلوب الأطفال تعشق الموت يوماً...؟!
أذكر أنني قابلت فكرة المدرسة بنفس الرفض للبستان وبل بكمية إضافية من السخط والنقمة ,ذاك أن الأجواء المدرسية تختلف اختلافا كبير عما عهدته في البستان .
هنا لا ألعاب لا رمال ولا مطبخ ...هنا دراسةٌ جادة لا تعرف اللهو
مما زاد رفضي لمدرستي وكرهي لها هي
ابتسام تلك المعلمة الطيبة المبتسمة حين تنظر لها الشديدة الصارمة حين تعرض عن دروسك أو تتكاسل في أداء واجباتك
كانت ابتسام معلمة اللغة العربية للمرحلة الابتدائية حتى الصف الرابع وهي تفترض أن الطالبات قادرات على كتابة أسمائهن فطلبت منا أن نكتب أسمائنا على الصبورة .
أذكر أنني وقفت وقتا طويل دون أن أكتب ولو حرف واحد كنت أحدق بالصبورة إصبع الطبشور في يدي ثم بوجهها وبي شيئا من الحقد يتفجر وقد تجاهلتني إلى أن انتهت من بقية الطالبات
بعدها اقتربت متسائلة لماذا لم أكتب ...حين علمت بانتسابي للبستان فترة لم تتح لي المجال كي أتعلم أقبلت تعلمني بكل حب ورضا على أنها لحظت عدم رغبتي بالتجاوب فتحولت إلى الشدة والإصرار .
لقد اهتمت بي أكثر من البقية تركيزها الدائم علي وتشديدها على اهتمامي بدروسي زاد من نفوري من الكتب وقلة رغبتي بالدراسة على أن وقوعي مابين ابتسام في المدرسة من جهة وشدة أمي وقت الدراسة في المنزل من الأخرى جعلني ألتزم دروسي وإن لم أتفوق بها
بقيت على ذاك الحال حتى الصف الرابع ... وهي آخر مرحلة دراسية تشرف فيها ابتسام على تعليمنا
أذكر أنها أرسلت في طلبي لغرفة المعلمات ...
دخلت الغرفة قلقة متوترة متسائلة ..ماذا تريد معلمتي ...؟!
قابلتني ببسمتها وطيب قلبها ,أثنت على هدوئي احترامي للنظام والنظافة وكوني طالبة مثالية في أخلاقي إلا أن إعراضي عن دروسي أمرٌ لا ترضاه لي .
حدثتني يومها عن الإصرار والرغبة عن الأمل الطموح والحلم
ثم سألتني ...أي الأشياء أريد أن أكون حين أكبر
أجبت بصوتٍ متردد :أريد أن أصبح رسامة ـ فارسةٌ تعلو صهوة الجواد رحالة تنتقل من مدينة إلى قرية إلى زقاق في القاهرة عشق الطفولة.
انتظرت منها أن تضحك ساخرة كما يفعل الآخرون على أنها لم تفعل
حدقت بي ثم أتت بدفتر رسمي وبدأت تقلب صفحاته