الصوت
اهلا ومرحبا بك وبطرحك الراقي المتميز .
استاذي لعل موضوعك يطول نقاشه والتحاور فيه
ولعل الوقفة الاولى لا تكفي ونحتاج الى وقفات .
حديث ذو شجون وشياءً طغى على الوجود في هذا
العصر اسال الله ان يكفينا شره .
دعني اشاطرك طرحك بهذه المداخله البسيطة :
تعلم أن هناك أمورًا قد تولد مع الإنسان لا دخل له فيها، فتوجد صفاتٌ يشاء الله تبارك وتعالى أن يودعها في بعض عباده دون تدخل منهم أو إرادة، وهذه الصفات جعلها الله تبارك وتعالى من قدره وذلك كالإنسان الذي يولد متخلف عقليًا أو الإنسان الذي يولد وهو لا يحسن التصرف، أو الإنسان الذي يولد وهو أعمى أو أعرج أو به عيب في مكوناته البدنية أو النفسية، كل ذلك إنما هو ابتلاء من الله تبارك وتعالى للإنسانية جمعاء، فهو ابتلاء لنفس الشخص، وابتلاء لأسرته، وابتلاء لمن يعيش معه، ثم هو عبرة وآية للمجتمع من حوله، فإن الله تبارك وتعالى خلق هؤلاء الذين ليسوا بأسوياء ليعتبر ويتعظ بهم الأسوياء الذين أكرمهم الله تبارك وتعالى بالكمال العقلي والكمال البدني والجسماني.
ومن هذه الأشياء ما يعرف بالحسد، فالحسد ينقسم إلى قسمين: حسد يُولد مع الإنسان منذ نعومة أظفاره، وهذه كأي آفة من الآفات التي شاء الله تبارك وتعالى أن يولد بها الإنسان وأن تعيش معه، وهذا قد يحاول أن يتخلص منها إلا أنه لا يستطيع كأي أمر من الأمور التي يصاب بها الإنسان ولا يستطيع أن يدفعها عن نفسه، كرجل عنده ضعف في النظر أو رجل عنده قصور في بعض الأوردة أو بعض الأجهزة في داخل بدنه، وهذه مسألة عجز الطب عن حلها فتظل هكذا.
وكذلك أيضًا هناك الحسد الذي يولد مع الإنسان ولكنه بنسبة أعلى، وهذا الحسد قد يتأذى منه صاحبه شخصيًّا لأنه لا يريد أن يسبب ضررًا لأحد ولا إحراجًا لنفسه، ولكنَّ عينه تسبقه، وهناك نوع آخر من الحسد وهو تمني زوال نعمة الغير والسعي في ذلك واشتهاؤه من القلب.
فالنوع الأول من الحسد الفطري لا يجتهد صاحبه في هذا الأمر وإنما قد يكون شخصًا عاديًا إلا أنه في وقت معين ينظر لشيء معين فتخرج العين منه - رغماً عنه- لتصيب هذا الشخص، وهذا معذور في ذلك، إلا أنه مطالب أن يدعو الله تبارك وتعالى أن يصرف عنه هذا البلاء وأن يقي الناس من شره، كما أنه مطالب أيضًا أن يبرِّك كلما رأى خيرًا قال: (ما شاء الله تبارك الله) حتى لا يتضرر من ينظر إليه بهذه العين التي تخرج رغمًا عنه.
وأما النوع الثاني وهو الحسد المذموم الذي ذمَّ الله تبارك وتعالى فاعله بقوله: {ومن شرِّ حاسدٍ إلى حسد}، والذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) إلى غير ذلك فإنما هو الحسد الذي يكون برغبة الإنسان وتمنيِّه، فإنه كأنه يحرك في داخله بعض الغدد وبعض الأجهزة لتخرج هذه الطاقة حتى تحرق من أمامه أو تلحق الضرر به، وهذا هو الحسد المذموم الذي بينه الله تبارك وتعالى في الكتاب والسنة.
فهذا الحسد بهذه الصفة صاحبه عاصٍ لله تعالى، وهو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن خطره وبيَّن أنه لن يفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، هذا هو الحسد المذموم، وهذا النوع من الحسد سواء أكان النوع الأول أو الثاني لا بد أن نتعامل معه بالرفق، لأن الرفق في كل شيء حسن ومحمود، ولذلك أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق، وأخبرنا أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، وأخبرنا أن التأني من الله وأن العجلة من الشيطان، ولذلك كم أتمنى أن تستعمل الرفق في كل أمر من أمورك مع المسلمين سواء كانوا من الأقربين أو الأبعدين، لأن الرفق يجعلك محبوبًا ممن تتعامل معه ويسهِّل عليك الوصول إلى قلبه، ويفتح قنوات الحوار أمامك حتى مع عدوك تستطيع أن تحاور معه وأن تصل معه إلى نتيجة مرضية.
وأما عن نفسك فدائمًا لا بد أن تبرِّك على نفسك، حتى إن نظرت إلى نفسك في المرآة وأعجبتك نفسك، فلا تنسى أن تقول: (ما شاء الله تبارك الله) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن العين حق، وأن الإنسان إذا رأى ما يعجبه من نفسه أو ماله أو ولده، فإذن قد أُلحق الضرر بنفسي كأن أنظر إلى المرآة فأجد نفسي ولله الحمد شكلي طيب وصحتي موفورة وأتمتع بنشاط وحيوية قد تسبقني عيني فيلحق الضرر بي، وأقول حسدني فلان، وفي الواقع أنا الذي حسدت نفسي، فدائمًا كلما رأيت شيئًا يعجبني في نفسي أو في ولدي أو في مالي أقول (ما شاء الله تبارك الله) وبذلك تنطفئ العين حتى وإن خرجت مني.
وأما عن التحصين فأوصيك بأذكار الصباح والمساء خاصة (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، فإنه لن يضرك شيء، وأيضًا كذلك: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحًا ومثلها مساءً، فإنك لن يضرك شيء بإذن الله تعالى.
نسأل الله لك الحفظ والستر والعناية والتوفيق والسداد، وأن يرد عنا وعنك كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين، إنه جواد كريم.