ج11
مضى كأنه يهرب من المزيد,عاد إلى الفندق مرهقاً رمى بجسده على السرير وراح في نومٍ تقضه الكوابيس ,أجل لقد عاد له ذلك الحلم المشوه إنه يصرخ ربما يستغيث ولكن كلا استيقظ إدريس على صوت آسر المختنق فأدرك أنه الكابوس أسرع لصديقة أيقظة وأعطاه كوباً من الماء وبدأ بتلاوة صلواته على رأس صديقة.
بعد فترة تحدث بضيق: ما لذي يريده مني ؟ لقد تعبت ,تعبت منه يا إدريس إن كان قد مات في الحرب فما لذي يريده مني ..؟
مسح إدريس على رأسه: ربما لأنك أردت الانتحار بسببه.
مسح آسر رأسه متذمراً :هل سيعاقبني ما حييت؟ ألن يمل من ذلك..؟
ربت إدريس على كتفه: قم توضأ وصلي سيهدأ ألست من قال أنه يرحل حين تصلي.
نظر له آسر نظرت غريقٍ يلفظ آخر أنفاسه عيناه تستغيثان وقلبه ينتفض والحيرة تكاد تقتله بعد وقتٍ ليس بالقصير قام يجرجر خطواته إلى الحمام ,بينما أعدَّ له إدريس ملابس النوم المريحة ومكث إلى جانبه حتى انتهى من الصلاة والدعاء.
أخذ يده برفق هيا يا عزيزي فأنت هذا المساء طفلي المدلل وستنام بجواري في نفس الفراش.
ضحك آسر :حسناً بابا ولكن لا توبخني في الصباح لأنك تنام بجانب السرير لا عليه.
ضحكا كثيراً قبل أن يستسلما لسلطان النوم من جديد.
كانت تجلس بجوار والدها المحموم هو يهذي وما أكثر بكائه: سامحني يا الله ,لقد استغل ضعفي ,أنت تعلم أنني حاولت ,سامحني يا ولدي هذا كل ما أستطيع فعله.
كانت تستمع له باهتمام لعلها تجد طرف خيطٍ يهديها لمكان الأوراق التي تدين عسكر وتثبت تورطه بكل المصائب التي نسبت للعم عبد الله لكن تلك الجمل المفككة سحبتها لبحرٍ عميق: ماذا يقصد ...لقد أخبرها أنهم ماتوا وقد تم دفنهم في الجنوب ...من هو ولده؟
بعد حين ضغطت رأسها بكفيها ليهدأ الصداع :هل تعتذر لأخي الذي دفع ثمن جرائمك ؟يالك من رجلٍ بائس فقدت كرامتك وعزة نفسك ثم زوجتك وولد ثم ساقيك وها أنت تفقد نفسك أخيراً...آه يا أبتي ماذا فعل لك المال ...سامحك الله وغفر لك.
كانت ليلة صعبة ظهر أثرها على وجه ورد جلياً فاجئها آسر بكوب قهوةٍ ساخن
آسر: يبدو عليك الإرهاق ألم تنامي ليلة الأمس ...؟
هزت رأسها نافيه :كنت أنتظر موت أبي لكن مع شروق الشمس عادت له الروح من جديد.
نظر لها مذهولاً :هل هو مريضٌ إلى هذا الحد ؟!
أخذت رشفة قهوة: أجل يقول الطبيب قد يموت في أي لحظة وقد يستمر على حالته لسنين لا علاج له منذ ثلاث سنوات لا حيٌ يرزق هو ولا بميتٍ يدفن.
هز رأسه بأسف: شفاه الله.
ابتسمت بمرارة: مرضه ليس في جسده بل من أفعاله ,هل تعلم أمراً ...لو عاد فارس إلى الحياة من جديد سأهرب من وجهه لن التقيه أبداً...ـ مسحت دمعة هربت من عينيهاـ لا تسألني عن السبب فقط أخبرني كيف أواجهه وأبي قاتله ووالده ...ماذا أقول له ,تعال لنمضي معاً وسامح والدي الذي يحمل على أكتافه وزر دمكما المستباح.
ربت على ظهرها بحنان: تعاقبين نفسك على جرمٍ لم تقترفيه ...حسناً إن عاد يوماً رغم أن الأموات لا يعودون فقط اركضي باتجاهه ارتطمي بصدره تخللي عظامه واخترقي قلبه كوني الرصاصة التي ترديه حيا ولا موت له إلا بانتزاعك .
حدقت بعينيه بشوقٍ وألم فابتسم طأطأت رأسها خجلاً فقال:أدرك أنك تشتاقين لجنتيه فلتراقبيهما بي حتى تثملي.
همست: بل لجنتيك أشتاق.
صدم حد عقد اللسان أنقذهما من الموقف المربك صوت إدريس منادياً
...آسر أنت يا ولد أين اختفيت ؟؟!
نظر له آسر متذمراً: كيف وجدتنا ..؟!
فضحك إدريس صافقاً يديه ببعض : أعرف,أعرف أنني كهادم اللذات ومفرق الجماعات لكنه الأستاذ حمد أقسم بالرب هو من أرسلني لك فهاتفك مغلق .
ورد: حسناً كنا نشرب القهوة فقط أنت لم تهدم اللذات ولم تفرق الجماعات اطمئن.
ضحك إدريس ممازحاً: يال طيبتك يا ورد إذن أنا لست ملك الموت...؟
ضحكت بمشاكسة: ملك الموت يا صديقي يبقى واحدٌ من ملائكة الرحمان وأنت عفريتٌ من أبناء الشيطان.
صعق إدريس بينما ضحك آسر بشماتة ثم تركه ومضى بعد برهةٍ لحق بهما بخطواتٍ سريعة هذا العفريت يا أصدقاء لن يترككم بسلام أعدكم بذلك قلب عينيه وأخرج لسانه بطريقةٍ مضحكة.
دفعه آسر ممازحاً: حسناً لا ترتطم بالجدار أمامك أيها العفريت الأحول .
تعالا صوت الضحك لفترةٍ ما ثم غرق الجميع بالعمل...كانت تجمع أشيائها لترحل مع ندى حين طلب منها بضع دقائق للحديث,هو يدرك أنها تتهرب منه ربما لم تقصد ما قالته حسناً لن يضغط عليها لينتزع اعترافاً بالحب فهي غارقة بمحيط فارس الذي وجدته به.
آسر: جنتي عندي فضول إن لم تمانعي أن تشبعيه (حدقت به بصمت) قلت أن والدك يحمل وزر دمائهم... كيف حدث ذلك ؟بل كيف توصلت لهذه الحقيقة!
نظرت بعيداً: أبي أخبرني قال أن عسكر خطط لتوريط العم عبد الله بصفقةٍ مجنونة ...رحل العم عبد الله للجنوب قاصداً السفر للدولة المجاورة على أن رحيله سينهي تلك اللعبة الخبيثة فتنكشف أوراق عسكر للقضاء لكن الطاغية استطاع تغير خطته اللعينة ,لا أدري ماذا فعل بالتحديد لكنه دفع الشرطة وجيش الحدود لملاحقة العم عبد الله وحين أدركوا أنه ناجٍ لا محالة أطلقوا قذيفة متفجرة على سيارته.
انتفض آسر صارخاً: يا الله هذا ظلم قتلوا الطفل مع أبيه ـ كان جسده ينتفض ـ هذا جنون,جنون .
أمسكت يده اليسرا: أرجوك اهدأ لا داعي للانفعال ففي معركة الشرف نخسر الكثير من الأرواح البريئة وهذا ليس مهماً في قانون الطغاة.
بعد برهة هدأ كلياً نظر في عمق السماء متألماً : وكأني أراهما وأسمع صراخهما .
بكت ورد: احتفظت بالتسجيل الذي بثته القناة الرئيسية على حاسوبي زماناً طويل كأني كنت أبحث في التسجيل عن بصيص أملٍ لنجاته.
نظر لها: واحتملت قسوة المشهد رغم سنك الصغير...؟!
\
\
\
يتبع