|
قــطــرات الـقـصـة والروايــة ( خاص بالمواضيع غير المنقولة) |
|
08-01-17, 03:06 PM | المشاركة رقم: 11 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
هل من مشارك في هذه الورشة ؟ التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 09-01-17 الساعة 12:49 AM |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
09-01-17, 12:38 AM | المشاركة رقم: 12 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2 أعضاء آرسلو آعجاب لـ عبدالرحمن منصور على المشاركة المفيدة: |
09-01-17, 12:48 AM | المشاركة رقم: 13 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2 أعضاء آرسلو آعجاب لـ عبدالرحمن منصور على المشاركة المفيدة: |
09-01-17, 03:28 PM | المشاركة رقم: 14 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
شكرا استاذ عبد الرحمن منصور على كل الدعم والمساندة... وعلى كل هذه المعلومات التي اتيت بها لتكتمل الصورة كما انك قدمت لنا نموذجا عمليا عن الكتابة القصصية.. لكني كنت آمل ان لا اسمعك تقول بأنك ستكتفي بالاستمتاع فانت صاحب قلم غزير وجميل وواضح ان لديك ثقافة واسعة وخاصة ثقافة ادبية وفنية وظني ان ما ينقصك هو الصبر فقط وطولة البال على مقارعة فنيات القصة القصيرة لفترة قصيرة ايضا وما تلبث ان تصبح الكتابة عندك عادة لا تتطلب الكثير من الجهد..وهذه نصيحة وجدتك تقولها لاخرين... اتصور ان كل قلم مبدع يستطيع ان يجرب الكتابة السردية اذا توفرت الارداة والصبر خاصة انت والقلم النازف ومتاهة الاحزان...وان كان نزفا وحزنا فالحزن والنزف اراضي خصبة لالف قصة وقصة.. لا شك ان المعلومات التي اتييت بها قدمت صورة متكاملة عن فنيات القصة القصيرة ويمكن لمن يعتمد عليها ان يكتب قصة لكن ولاغراض هذه الورشة وحتى نتمكن من استعاب هذه الفنيات على مكث سوف احاول اعادة عرضها على حلقات نركز في كل حلقة على عنصر واحد من عناصر القصة وربما يدور نقاش حوله حتى تختمر كل عناصر القصة في مخلتنا وتصبح جزءا منا لا نحتاج ان نستدعيه عن الكتابة... شكرا وهذه دعوة مفتوحة لكل هواة الكتابة السردية للقدوم الي هنا للمشاركة في هذه الورشة... اهلا وسهلا.. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
09-01-17, 06:00 PM | المشاركة رقم: 15 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
نعود ونذكر بتعريف ورشة قطرات أدبية للقصة القصيرة : سرد حكائي نثري، واقعي، او خيالي، يهدف الى تقديم حدث وقع او يمكن ان يقع، او مجموعة حوادث تساند بعضها بعضا تشكل حبكة بسيطة لها بداية ووسط ونهاية، ويقع الحدث او الاحداث ضمن فترة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف او جانب من جوانب الحياة، ويتتبع اثر لحظات انسانية حياتية شديدة الاهمية منتقاه من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها، ويقصد بالحدث اثارة الاهتمام او الامتاع او تثقيف السامعين او القراء، وتصور احداث القصة القصيرة لحظات عابرة لا يصلح لها الا القصة القصيرة لانها تتمحور حول حدث لحظي فلا تهتم بما قبله او ما بعده. وعلى ان يروي هذا النص الادبي السردي خبرا له خصائص معينة اي ان يكون له اثر ومعنى كلي بمعنى ان تتصل تفاصيله واجزاؤه بعضها ببعض بحيث يكون لمجموعها اثر، ويمتع ويجذب انتباه القاري او المتلقي، وعليه لا بد ان يكون الحدث متحدا ومنسجما دون تشتيت. وتوجز القصة القصيرة في لحظات احداثا جساما معتمدة على مبدأ التكثيف فكرا ولغة وشعورا مما يمكنها من النجاح في نقل دفقة شعورية فائرة، وعليه لا بد ان يكون الحدث دراميا، بل شديد الدرامية، يكشف عن صراع تحمله شخصيات القصة ضد بعضها او ضد الطبيعة، ويعبر عن كل ذلك بلغة جميلة مشوقة و غنية بالمحسنات البديعية تمتلك حسا من السخرية او دفقات شعورية توقع التأثير وتعوض عن حبكة الاحداث في الرواية. والقصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرةـ وغالبا ما تحمل مغزا او فكرة يريد القاص ان يوصلها للمتلقي. التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 10-01-17 الساعة 08:09 AM |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: |
10-01-17, 07:52 AM | المشاركة رقم: 16 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
اهلا وسهلا بكم في هذه الورشة للقصة القصيرة . الان وقد وصل تعريف القصة القصيرة اليكم نعود فنضع عناصر القصة القصيرة تحت المجهر . هذه العناصر التي تميز القصة القصيرة عن غيرها من الأنماط الأدبية خاصة الرواية وهي الاقرب الي القصة القصيرة كونها نص سردي أيضاً مثل القصة القصيرة لكنهما يختلفان عن بعضهما البعض من خلال هذه العناصر التي تمنح النص اسمه وصفته. ولا بد هنا من شكر الاستاذ عبد الرحمن منصور الذي تطوع مشكورا للمشاركة في هذه الورشة وجاء لنا بعناصر القصة القصيرة دفعة واحدة، ولكن ومن اجل تمكين فهمنا واستيعابنا لهذه العناصر التي من دونها لن نتمكن من كتابة القصة القصيرة او حتى فهمها والاستمتاع بفنها نعود لنضعها هنا تحت المجهر للشرح والتشريح والوصف والتفصيل ... وسنفتح المجال لاي سؤال او نقاش حول كل عنصر من هذه العناصر حتى يتم هضمه واستيعابه تماماً ...فأهلا وسهلا عناصر القصة القصيرة (1)-الأشخاص: تعد الشخصيات العمود الفقري للقصة؛ إذ ترتبط بها الأحداث فلا يمكن أن يقوم الحدث دون شخصيات. وشخصيات القصة نوعان: ا- شخصية رئيسة ب- شخصية ثانوية وقد تكون الشخصية : - مسطحة flat character - مدورة round character ولا يقصد بهذا شكل الشخصية وانما بوصفها في ثنايا القصة. فالشخصية المسطحة : شخصية لا وصف لها إلا في حدود ضيقة. أما الشخصية المدورة : فهي شخصية رئيسية منها تبدأ الأحداث وإليها تنتهي، وهي شخصية توصف من جوانب كثيرة ، ومختلفة. وهي شخصية نامية متطورة . اي يتغير حالها من حال الى حال اثناء السرد. وما يميز القصة القصيرة عن غيرها من الانماط خاصة الرواية من حيث الشخصيات فيها هو ، قلة عدد الشخوص ، وقد تحتوى القصة على شخصية واحدة اذا كان صراع هذه الشخصية مع الطبيعة او صراع داخلي نفسي او غير ذلك ، ولكن قد تحتوى القصة القصيرة على اكثر من شخصية خاصة اذا كان الصراع بين هذه الشخوص . فالصراع في القصة متطلب رئيسي وهو لا يحدث ايضا من دون شخصيات . وليست القصة القصيرة كالرواية في حشدها لعدد كبير من الأشخاص، إذ لا تتسع القصة القصيرة في الغالب إلا لشخصية واحدة أو شخصيتين بينما قد يصل عدد الشخوص في الرواية الى المئات. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
12-01-17, 09:42 AM | المشاركة رقم: 17 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
تابع عناصر القصة القصيرة : الشخوص : ما قلناه في تعريف الشخوص حتى الان يكفي للكاتب المبتدئ لكن لمن يريد ان يتعمق ويتعرف على هذا البند من كل الجوانب يمكن الاطلاع على المقال التالي الذي اظنه يحتوى على معلومات كامله حول الموضوع الشخصيّة في القصّة القصيرة مصطفى اجماهيري ـ1ـ إذا كانت الحادثة هي لب القصة، فإن الشخصية هي لب الحادثة. إذ لا يمكن تحقيق الحادثة وإنجازها بدون شخصية أو شخصيات تأخذ على عاتقها مهمة الإنجاز أي خلق الحادثة. ويقسم النقاد والقصاصون الشخصية إلى أنواع سواء بحسب دورها المتبنى في القصة أو بحسب تمظهرها الخارجي أو الداخلي. وإذن فهناك. * شخصية مركزية أو رئيسة تسمى البطل. وهي الشخصية المحتلة لمركز كثافة القص، لتعكس بعداً من أبعاده. وبالتالي هي من ينصب عليها اهتمام الملقي والمتلقي معاً. * شخصية ثانوية (مساعدة) وهي التي تسلط الضوء على جوانب في القصة وعلى الشخصية الأولى. * شخصية جاهزة نمطية. وهي غالباً ما تجيء مسطحة ومعكوسة فوتغرافيا وتسمى أيضاً الشخصية الجامدة، وكان يطلق على الأبطال المسطحين في القرن السابع عشر نعت (الظرفاء). * شخصية نموذجية نامية، وهي مرتبطة بالظرف الحياتي، وتتميز بقدرتها على التطور مع تاريخ وأسلوب الأحداث. * شخصية متوازنة نفسياً أي سكونية: وهي المحافظة على تطور نفسي واحد. * شخصية معقدة نفسياً أي دينامية: وهي غير مستقرة على حال واحدة وتتحول من وضع نفسي إلى آخر. ولا تجوز المفاضلة بين مستويات هذه الشخوص، فلكل منها مميزاته وخصوصياته ودوره بحسب السياق القصصي الذي يشمله. لكن الجاري في القصة القصيرة أن تكون شخصيتها جاهزة لأن الشخصية النامية غالباً ما توظفها الرواية، وأن تحصر تعدد الشخصيات، إذ يستحسن الاقتصار على شخصية واحدة في القصة أو على أدنى عدد يسمح به موضوع القص. فالإكثار من الشخوص مثلبة سقطت فيها بعض الإنتاجات القصصية خاصة إذا كان مهرجان الشخوص لا تسوغه ضرورة فنية أو كانت الشخوص تتحرك في جو قصصي غير مبرر لوجودها. ـ2ـ إن تصوير الشخصية القصصية بالنظر إلى ما تتطلبه من فنية وتمكن، عملية ليست باليسيرة. فما يسيء إلى مصداقية الشخصية لهو الإسهاب في رسمها بمفردات تقريرية. وبالتالي فإن التصوير الداخلي يبقى الطريق المحبذة في رسم الشخصية القصصية، بمعنى تصويرها من خلال تفكيرها وسلوكها بلمسات خفيفة أثناء السرد والحوار والصياغة الفنية. هكذا من مجموع اللمسات العابرة والذكية تتبين للقارئ الأبعاد الثلاثة للشخصية، وهي: * البعد الجسمي أو البراني ويشمل المظهر العياني والسلوك النافر. * البعد النفسي أو الجواني، ويشمل الحالة المتخفية والفكرية. * البعد الاجتماعي ويتعلق بمكانة الشخصية في حلبة المجتمع ومحيطها وظروفها. هذه الأبعاد الراسمة للشخصية، لها بالغ الأهمية بمقدار ما تحدده من ملامح الشخصية وبمقدار ما تساعد على تصنيفها السلوكي والمواقفي فالقاص بالتأكيد سيظل في عمله كما الشخصية تماماً حبيس هذه الأبعاد الثلاثة. وفق أبعادها الثلاثية إذن، يبني القاص شخصيته القصصية بناء منطقياً مع ذات الأبعاد حتى تنسجم الشخصية مع مختلف مواصفاتها ولئلا يقع تنافر ما بين هذه الأبعاد والسلوك الراشح عنها (فلا يمكن للقاص أن يجعل بطله يهيم بفتاة قاصرة، إذا ما كان قد قدم بطله شخصية مسنة رامزة للتعقل). وإن سعي القاص لخلق شخصية تأخذ على عاتقها قيادة الحادثة لا تعني سقوطه في ميكانيكية التوصيف الاجتماعي النفسي لهذه الشخصية أو فقر في تحليلها الباطني أو إِسراف في تصوير مظهرها الخارجي. فالتعمق في باطن الشخصية أو عكسه لن يجدي ما لم يؤد مهمة في القصة ويضيف لها جديداً. إذ يقول ألبرت كوك أن (الموهبة الجوهرية للروائي تتبدى في قدرته على ملاحظة تفاصيل السلوك الاجتماعي للأفراد الذين يصورهم بحيث توضح الرواية لقارئها واقعاً كان خافياً عليه رغم أنه مما يشاهده في حياته اليومية)(1). وليس لزاماً على القاص معرفة كل شاذة وفاذة عن شخصياته منذ البداية، أي فتح ملف استخباري لها. فالشخصيات هي التي تتكفل بالكشف عن حقيقتها من خلل الأحداث باعتبار أن محاولة التحكم القسري في الشخصية من خارج النص تكون نتيجته المؤسفة هي فرض الشخصية على الأحداث. إن سياق النص وتطوير المشاهد ليتحكمان هما كذلك في تكوين وتطوير وتصرف الشخصية. فقد سألت ماري زوجة أرنست همنغواي زوجها وهو يكتب الصفحات الأخيرة من روايته (الشيخ والبحر). قالت له: لا أظنك ستجعل الشيخ يموت؟ وأجابها همنغواي: من يدري، ربما كان ذلك أفضل شيء بالنسبة إليه. يفسر هذا المثال أن همنغواي لم يشأ أن أن يتدخل بشكل متعسف لصالح أو ضد الشيخ بطل روايته المعروفة، بل إنه احتكم لمجريات القصة، معطياً إياها حق تقرير مصيرها بنفسها. يوضح هذا بالطبع كون الشخصية ولو أنها من مخلوقات الكاتب فإِنها حرة. حرة ليس بالمعنى المطلق، وإنما ضمن الاشتراطات التي يضعها القاص لعمله القصصي. ولكل كاتب طريقته في رسم الشخصية وفي التعامل معها. فقد يعمد الكاتب إلى وسائل مباشرة (الطريقة التحليلية) أو إلى وسائل غير مباشرة (الطريقة التمثيلية). في الأولى يرسم شخصياته من الخارج ويتدخل في تفسير تصرفاتها فهي طريقة تفسيرية بمعنى تخبر عن الشخصية من قبل المؤلف أو من قبل شخصية أخرى. بينما الثانية تتيح للشخصية الحرية دونما تدخل في تحركاتها، أي في سياق وصف ذاتي تقوم به الشخصية. وحتى إذا استشف القاص فاعلية تدخله لإعلاء صوت في القصة فإنه يفعل ذلك بوساطة الشخوص الثانوية. وتسمى هذه الطريقة أيضاً بالطريقة الدرامية. ولقد أدت الكتابة القصصية بصيغة المتكلم إلى سقوط الشخصية. والقصة القصيرة في اعتمادها على صيغة المتكلم، أي طريقة التوافق إنما ترنو لتطرح شهادة لذات كاتبها مما يجعلها أحياناً اعترافاً حقيقياً يصعب معه تمييزها كقصة قصيرة عن السيرة الذاتية، وتصبح هنا أنا المتكلم مساوية لأنا القص. وهذه حالة تمازج بين الكاتب وشخصيته القصصية. ولنا مثال في ذلك الأديب جبرا إبراهيم جبرا حينما يقول: (ولا أنكر أن أبطالي أو معظمهم أناس أريد لهم أن يحققوا.. شيئاً مما كنت دائماً أريد أن أحققه لنفسي)(2). فصيغة المتكلم تحاصر القاص في قصة يكتبها ومن أشهر من استعمل طريقة التوافق أنطون تشيخوف الذي كان يمنح القراء إحساساً بالحضور في قصصه، وذلك بالرغم من أن المدرسة الطبيعية التي انتمى إليها تشيخوف كانت تهدف في الواقع إلى محو شخصية القاص من إبداعه. وخلافاً لذلك يرى الأديب حنكيز إيتماتوف بأن أفضل الوسائل هي تصوير البطل من وجهة نظر ضمير الغائب حتى يستطيع القاص تقييمه والحكم عليه. ولقد سمعت الألسنية إلى ضبط نوع من علاقة الأثر الأدبي بمنتجه من خلال السرد والرؤية القصصية. فعلى مستوى الشخصية تقسم الألسنية النص إلى نوعين من الوحدات: الوحدات الأساسية التي تعبر عن الأعمال التي يقوم بها أشخاص القصة، والوحدات الثانوية وتعبر عن أوضاع هؤلاء الأشخاص. وكيفما كانت نوعية الطريقة المتبعة، فإن القاص لن ينطلق في عملية الكتابة إلا حينما ينتهي من التقاط القسمات الفارقة لبطله أو حينما ينضج في ذهنه نموذج ذاك البطل الذي سيتمحور حوله الحدث. فبهذا الخصوص تؤكد القاصة الفرنسية فرانسواز ساغان بأنها لا تبدأ مشروع الكتابة إلا حينما تلاحظ بأن شخصياتها قد أصبحت "ثقيلة جداً". ويشكل اسم الشخصية المركزية دلالة إضافية لا تخلو من أهمية في تتميم صورة الشخصية والمفترض أن تكون هناك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة. أولاً لأن تسمية الشخوص ضرورية إذا ما تعددت في النص القصصي الواحد وثانياً لأن دعوة شخصية باسم خاص تشكل العنصر الأبسط من التمييز) كما يقول توماشفسكي(3)، وثالثاً لأن التسمية جزيئة بنائية كباقي الجزيئات المؤلفة للشخصية. فاختيار اسم لشخصية وإطلاق لقب على أخرى، ليس منطلقه الفلكلورية وإنما الفنية وما فيها من ضرورة، تلزم أن يكون الاختيار مؤسساً على فهم كامل للعمل القصصي وطبيعته. لأن لاسم الشخصية عموماً إيحاء من شأنه إنارة جانب في القصة، وأحياناً قد يلمح إلى تطابق مع الوضعية النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية لهذه الشخصية بدليل كون الطبقة الراقية في الحضر تختار أسماء معينة خلافاً لأهل الأرياف المتمسكين بأسماء الأجداد والأسماء التاريخية. أيضاً للاسم غنى في دلالاته. فقد يكون مبعث ذكرى أو رمزاً عند الكاتب بالذات، ثم هو يفصح عن جنس الشخصية (ذكر، أنثى) وموطنها (عربية، إفريقية، ...) ومعتقدها الديني، إلى غير ذلك من دلالات أخرى لا محصورة. ـ3ـ وقد شاع هناك نوع من تنميط الشخصية حسب النوع القصصي الذي جاءت فيه، فالقصة الواقعية غالباً ما تفسح مجالاً للمواجهة بين شخصيتين متناقضتين: مستغلة وأخرى مستغلة وفي القصة الوجودية توافق بين ذات الكاتب وذات الشخصية السلبية. وفي القصة المأساوية تموت الشخصية الرئيسة في آخر مطافها، وفي القصة الكوميدية يخلص الموضوع بزواج الشخصيتين العاشقتين، أما في القصة التجريدية كقصة الخوارق فنلفي الشخصية باهتة، خاضعة لتوصيف كلاسيكي ثنائي: أبيض أسود، طيب شرير إلخ.. بينما تجعل القصة التأريخية من البطل عنصراً مهيمناً. وحتى لدى كثير من القصاصين المعروفين فقد شاع نوع الشخصية التي يجيدون وصفها والتحدث عنها. فأبطال هنريش بول صادقون في كل الأحوال وهم المسحوقون المنهزمون والفارون من الجندية(4). ولدى القاصة الأمريكية جويس كارول أوتس، الأطفال غير الأسوياء هم أبطال قصصها. ويختار فلوبير شخصيات تعاني من الموت الروحي. وعند هرمان هيسه يبدو التأثير الديني الكاثوليكي على شخصياته محسوساً جداً(5) بينما عند دوستويفسكي شخوص معذبة قلقة لا تنعم بأية طمأنينة نفسية، لذلك فإن السوفيات وإن كانوا يقدرون مؤلفات دوستويفسكي فإنهم لم يشاطروه رأيه في عدم مواجهة الشر بالعنف. أما كافكا فشخوصه متوترة تتعرض للمسخ فحينما (يصف كافكا حياة التاجر الرحالة غريغور ساستا بأنه استيقظ في صباح يوم ما وإذا به يجد نفسه تحول إلى خنفساء فهذا التصوير التغريبي يعكس تغريب الحياة اليومية المألوفة. وهذا الرمز بمثابة سخرية مؤلمة من تشويه الشخصية وفقدان العلاقات الإنسانية في مجتمع البورجوازية الصغيرة)(6). وقد نجح بلزاك في خلق شخوص نمطية تتسم بالفردية والشمولية في آن معاً. ويتميز أبطال جان بول سارتر بالانفرادية والانغلاقية. بينما تمثل شخصيات ألبير كامو حالات عبثية خالصة، وكان كامو يتألم لعذاب الأطفال الأبرياء(7). وإلى جانب هؤلاء الأدباء هناك قصاصون وروائيون بلغوا غاية الإبداع في رسم الشخصية، ويجمع النقاد مثلاً على أن تورغينيف هو أفضل من صور المرأة في الأدب الروسي وبخاصة في القرن التاسع عشر، ومرد ذلك ما كان للمرأة من انعكاس قوي على إنتاجات تورغينيف وعلى حياته ذاتها. كما يمكن الإشارة إلى وصف المرأة في قصص (ألف ليلة وليلة) ذلك الوصف الملهب للخيال. ويختلف الكتاب العرب في النظر إلى الشخصية القصصية، وذلك باختلاف الطابع القصصي لإبداعات كل منهم ونوعية أسلوبه وخصوصية معالجته للمضامين. فهي إما شخصيات مشاركة أو محايدة، وهي إما شخصيات تشكل جزءاً من القاص، وإِما محض مشجب تعليق. فإذا كان غسان كنفاني يجعل من الشخصية القصصية فكرة من الأفكار الحاسمة التي تؤرق الوجود الإنساني، فإن الشخصية عند إدريس الشرايبي هي ذاك الإنسان المعزول في وجود غريب عليه، وإذا كانت أغلب شخصيات الروائي الفلسطيني إميل حبيبي، تقتحم وجودها متهكمة على المعتقد الديني فإن القاص والروائي حنا مينه يبهرنا بتصويره لشخوص مسيحية كاملة تعاني من أجل وجود شريف. وقد كان لبعض الشخوص القصصية حظ كبير أو قليل من التأثير على إبداعات القصاصين العرب. فمثلاً كان لشخصية إدريس فردي بطل رواية (الماضي البسيط) لإدريس الشرايبي والصادرة سنة 1954 تأثير ظاهر وقوي في الإنتاج القصصي المغاربي المعاصر المكتوب بالفرنسية(. كما كان لشخصية (مرسو) الكاموية ظلال واضحة في إبداعات قصاصين من مثل محمود دياب وبهاء طاهر ومحمد حافظ رجب والقصاص المغربي مبارك الدريبي في مجموعته (عيون تحت الليل). وعموماً فالشخصية القصصية في الإنتاجات العربية هي شخصية تراجيدية تشد القارئ إليها شداً. وبسبب من ذلك الوضع التراجيدي يرى الدكتور محيي الدين صبحي بأن القصة العربية المعاصرة تقف بالبطل في مآزق لا مخرج منها(9). يوافقه على هذا الرأي القاص جبرا إبراهيم جبرا حينما يقول عن أبطال قصصه: (نعم إنهم دائماً في مأزق هو بالضبط الذي يجد المبدع نفسه فيه كلما أعاد النظر في علاقته مع العالم، حتى ليخيل إلي أن الحياة مأزق يتجدد وفي صيغة مباينة كل مرة)(10). فالبطل في القصة العربية بطل مأزقي، نلاحظ ذلك مثلاً لدى جمال الغيطاني في مجموعته (إتحاف الزمان بحكاية جلبي السلطان) ومحمد زفزاف في مجاميعه (بيوت واطئة) و(الأقوى) و(الشجرة المقدسة) وهو الذي يختار شخوصه من الهامشيين والمدمنين، ومحمد شكري في مجموعته (مجنون الورد) الزاخرة بنماذج مغلوبة على أمرها (تمارس الجنون بطرق مختلفة)(11)، وعبد الجبار السميمي في مجموعته (الممكن من المستحيل) حيث المواطن البسيط تسحقه دواليب المدينة، وأيضاً موسى كريدي في مجموعته (غرف نصف مضاءة) حيث نموذج المثقف البورجوازي الصغير المتأزم. وطبعاً فإن جذور هذه المأزقية تضرب في ثرى واقع عربي حابل بالمآزق. واقع يذهب إلى حد مساءلة القاص عن شخوصه(12). ـ4ـ وحتى تأتي الشخصية في القصة نابضة بالحياة متوافرة على سلطة الإقناع لتتبوأ مقعدها بين الأحياء، ينصح (جون غرين) القاص بأن ينظر إلى شخصياته على أنها حقيقية من لحم ودم، فإن لم يفلح القاص في إقناع القارئ بأن البطل شخص من الواقع انهار عالم قصته بالكامل. ولربما كان الحرص على تقديم شخصية لها من القوة ما يكفي للسيطرة على ذهن القارئ هو ما دفع بكثير من الكتاب إلى اختيار أبطال واقعيين. فقد استخدم هكسلي وموم أشخاصاً حقيقيين في إبداعهم القصصي. ولم يحاول إيفان تورغينيف ـ كما يقول ـ أن يغلق شخصية من ذهنه بل من الواقع الحي. فقناعة القارئ بالبطل هي هدف القاص باعتبار أن (البطل المضاد هو قارئ النص حينما يأخذ متعته)(13). إن الشخصية كنموذج معيش قد تدل على تجربة فعلية لخالقها، مما يضفي على الشخصية صفة الصدق. لكن (معايير الصدق والكذب لا يمكن أن تصبح مرادفة للتجربة الشخصية أو انعدامها. وذلك لأن الأدب لا يمكن أن يقتصر على العبارة عن التجارب الشخصية. كما أن الأديب ذا الخيال الخصب الخلاق أو ذا الملاحظة الدقيقة النافذة يستطيع أن يخلف بخياله تجارب بشرية قد تكون أعمق صدقاً وأكثر غنى من واقع الحياة)(14). فالشخصية يمكن أن تكون بنت خيال محض، وحتى في هذه الحالة فغالباً ما تتم الاستعانة بتفاصيل شخوص من الحياة. ويرى مكسيم غوركي بأن شخصية بطل ما تخلق من تفاصيل وملامح متعددة، يجب على الكاتب انتقاءها بوساطة أناس مختلفين ينتمون إلى مجموعته الاجتماعية. والأمثلة على نماذج الشخوص المنتقاة من المجموعة الاجتماعية للقاص، لا تعوزنا. ففي رواية (دايفيد كوبرفيلد) لتشارلز ديكنز تأتي الشخصية من الواقع. حيث استخدام ديكنز أباه كأساس لشخصية بطله، وجعل شخصيته قريبة الشبه من والده. واستطاع الروائي الشهير فكتور هيجو استخلاص شخصيتين قصصيتين من شخصية حقيقية واحدة. ففي روايته (البؤساء) يواجه المجرم الطيب جان فالجان مفتش الشرطة جافير، وهما معاً مأخوذان من شخص فرانسوا يوجين فيدوك الفار من الجندية، والذي أصبح فيما بعد مؤسس التحريات الجنائية الحديثة(15). وفي محيط القصاصين العرب يلاحظ أن القاص العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي قد لجأ إلى نفس الطريقة حينما جزأ شخصية ابن حميد عباس في قصة (القمر والأسوار) إلى اثنتين: عزيز وعباس وكلاهما ـ كما يقول ـ يحملان شيئاً من شخصيته هو(16). وفي مجموعته القصصية (تلك الرائحة) للقاص المصري صنع الله إبراهيم، التقط نموذجاً من الواقع، حيث (كانت الشخصية المحببة إليه أيامها هي خليل بك. وهو نموذج بشري التقطته موهبة صنع الله كما يلتقط طائر النورس من طيرانه العالي ظهر السمكة وينقض عليها. وخلق صنع الله من خليل بك شخصية يمكن أن يكتب عنها عشرات الكتب دون أن يفرغ محتواها)(17). كذلك فؤاد التكرلي يستمد شخصياته من واقعه القريب. فمثلاً بطلة روايته (العيون الخضر) استوحاها القاص من امرأة وحيدة كانت تستقل معه قطاراً(18). ـ5ـ رأينا بأن الشخصية الرئيسة في القصة تسمى البطل. والبطل هو (الشخصية التي تتلقى الصبغة الانفعالية الأشد قوة وظهوراً)(19) وحسب تحليل بروب الوظائفي فإن البطل هو (الشخصية التي لها مساس رئيسي بوظيفة حصول الإساءة أو تقويمها)(20). لكن مفردة بطل لم تعد تمثل الفضيلة، ولم تعد كلمة البطولة تعني في القصة القصيرة صفات النجاح والتفوق كما في الماضي، وكما تصور ذلك الحكاية الشعبية حيث ينجح البطل في كل شيء بمساعدة القوى الخيرة، فشخصيات القصص القصيرة المعاصرة تمثل نماذج مقهورة تتحدى وضعها بالحزن عليه لما تعجز عن الفكاك من شرطها الإنساني القاهر. وبالتالي فإن البطولة كما تعني الإقدام يمكن أن تعني التراجع أيضاً(21). ويلاحظ في الإنتاج القصصي الجديد الذي طرحته البورجوازية الصغيرة بخاصة كتنفيس أو كإدانة ميل إلى تصوير الشخوص المنهوكة والمستمدة من واقع المدينة، ويعتقد سيمونوف بأن اختيار الشخصيات السلبية ينم عن ضعف عند الكاتب. وكان بلزاك يرى بأن الأبطال الخيرين لا يعيشون بل يتكاسلون. من هنا طرح الأدب الاشتراكي قضية البطل الإيجابي مقابل البطل السلبي. وسرى الاعتقاد بأن الكتابة التمهيدية هي وسيلة لتجسيد البطل الإيجابي الذي يمهد لأنصاره سبيل التحول. ولعل مكمن قوة مؤلف (الأم) لمكسيم غوركي، وهي الكتاب الأول للواقعية الاشتراكية يكمن في نماذج أبطالها الإيجابيين. فلقد (خلق الفن الاشتراكي نموذج البطل المليء إلى أقصى درجات التعبير الجمالي بالاتجاهات التقدمية الطليعية للتطور الاجتماعي، وثبت الفن الاشتراكي مظاهر الشجاعة والصمود الخلقي وعظمة الروح الإنسانية)(22). وقد برزت صورة البطل الإيجابي في الإبداع القصصي للقرن العشرين لدى همنغواي بخاصة، وأيضاً لدى نجيب محفوظ. ويحيى الطاهر عبد الله في بعض قصصهما. لكن إشكالية البطل الإيجابي على شيء من الدقة. فالبناء الفني هو الذي يمنح البطل مصداقيته وليس العكس. وتمس هذه الإشكالية بمدى قدرة القاص على إقناعنا بالنموذج الذي يقيمه ومدى البرهان الفني الذي يبرر سلوك بطله وعلاقاته بالمجتمع والأفراد. وكما يكون البطل فرداً يمكن أن يكون جماعة. فالشعب مثلاً هو بطل جماعي. ويدل البطل الجماعي كمفهوم على فناء البطل الوحداني فبعد ثورة 1905 في روسيا قام الشعب ضد الحكم القيصري وتأثر الأدب والإنتاج الفني عموماً جراء ذلك، وكان بروز طبقة الفقراء في القصة الروسية كبطل جديد. ـ6ـ أخيراً يحق لنا أن نتساءل: هل عنصر البطل في القصة عنصر جوهري؟. يرى الدكتور عبد الملك مرتاض بأن اعتبار البطل في الإبداع القصصي كعنصر جوهري ليس إلا محض خرافة، ويذهب إلى أن (البطل ما هو إلا دعامة ضمن شبكة الدعامات الأخرى المفضية إلى تشكيل النص القصصي)(23). فإذا كان البطل عنصراً لا مناص منه في القصة التقليدية، فإن بعض القصاصين المعاصرين قد جعلوه في نفس مستوى العناصر الأخرى أو أقلها شأناً، وذلك بإعطاء الصدارة للفكرة القصصية تارة (كنفاني في قصصه مثلاً) أو للشرط المادي تارة ثانية كعنصر المكان (غ. غ. ماركيز في مجموعته "الأم العظيمة" ومحمد شكري في "مجنون الورد") أو لإحساس عام في القصة طاغ على ما عداه من عناصر (صنع الله إبراهيم في مجموعته "تلك الرائحة"). بل إن البنيوية ترفض اعتبار البطل هو محور العمل الإبداعي. كما قرر بعض الشكليين الروس بأن البطل غير لازم في القصة تماماً. ويختفي البطل في الرواية الجديدة التي لا تبرز شخصية رئيسة، بل تميل غالباً للحديث عن شخصيات سلبية دون ذكر أسمائها، أو بإطلاق أسماء مختلفة على نفس الشخصية، ذلك لكون مدرسة الرواية الجديدة تنظر للشخوص نظرة شعبية بتصويرها من الخارج كما في السينما. أو قد تتخذ شخوصاً من عالم الحيوان تتصرف مثل الآدميين. وتوظيف الحيوانات كشخوص في القص تجربة قديمة في الأدب العربي حيث تعد قصص الحيوان من أقدم أنواع القصص الشعبية، (عبارة عن شكل قصصي يقوم فيه الحيوان بالدور الرئيسي وهو امتداد للأسطورة بصفة عامة ولأسطورة الحيوان بصفة خاصة)(24). وأشهر نموذج لقصة الحيوان هي (خرافات كليلة ودمنة) التي نقلها عبد الله بن المقفع عن السنسكريتية في القرن الثاني الهجري. الهوامش (1)ـ ألبرت كوك ـ لغة الفن القصصي، مجلة الأقلام عدد 10 سنة 1977. (2)ـ من حوار مع جبرا إبراهيم جبرا ـ مجلة الأقلام، بغداد عدد 5 سنة 1984، ص114. (3)ـ نظرية المنهج الشكلي ـ ترجمة إبراهيم الخطيب ـ الطبعة الأولى 1982، ص205. (4)ـ انظر مقدمة كتاب (Les Contem Foraius allemands) وهو مختارات من القصة الألمانية، صدرت في بازل عام 1975. (5)ـ انظر مجموعته القصصية (Histoirs médievales). (6)ـ د. شاكر عبد الحميد سليمان ـ نظرية التحليل النفسي والإبداع الفني ـ الأقلام عدد 1 سنة 1985. (7)ـ انظر مثلاً مجموعته (أعراس) ترجمة جورج طرابيشي ـ دار مكتبة الحياة، بيروت 1970. (ـ انظر مقال عبد الله بنسماعين بالمجلة الأمريكية (CELFAN) عدد فبراير 1986. (9)ـ دكتور محيي الدين صبحي ـ دراسات ضد الواقعية ـ دمشق. (10)ـ من حوار مع جبرا إبراهيم جبرا، مجلة الأقلام العراقية، عدد 5 سنة 1984. (11)ـ تعبير لصدوق نور الدين ـ حدود النص الأدبي ـ الدار البيضاء ـ 1984 ـ ص149. (12)ـ انظر مقدمة (تلك الرائحة وقصص أخرى) وهي مجموعة قصصية لصنع الله إبراهيم ـ الدار البيضاء 1986. (13)ـ رولان بارث (Le Plaisir dv texte) منشورات لوسوي ـ باريس 1943. (14)ـ د. محمد مندور (الأدب ومناهجه). (15)ـ مثال آخر: ادعت الصحيفة الكوبية (إكسلسيور) بأن بطل قصة (الشيخ والبحر) لأرنست همنغواي هو الصياد (ميغيل راميرز) عمره 69 عاماً، وكان قد عاش حقيقة أحداث القصة، ثم اشتراها منه همنغواي. لكن همنغواي كذب ذلك. (16)ـ حكايتي مع القمر والأوار ـ الأقلام العراقية عدد 11 و12 سنة 1986، ص189. (17)ـ انظر مقدمة مجموعة (تلك الرائحة وقصص أخرى) لصنع الله إبراهيم ـ الدار البيضاء 1986. (18)ـ من حوار مع فؤاد التكرلي ـ يومية (الشرق الأوسط) بتاريخ 25 يناير 1986. (19)ـ توماشفسكي ـ نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب، الطبعة الأولى 1982. (20)ـ انظر كتاب (مدخل إلى نظرية القصة) لسمير مرزوقي وجميل شاكر ـ الدار التونسية للنشر. (21) يقول لينين (قادرون ليس فقط على البطولة في الهجوم بل وعلى البطولة في التقهقر). (22)ـ ي. غروموف ـ الواقعية الاشتراكية، ترجمة عدنان مدانات ـ بيروت 1975. (23)ـ د. عبد الملك مرتاض (الرواية جنساً أدبياً)، الأقلام العراقية عدد 11ـ 12 سنة 1986، ص137. (24)ـ د. عبد الحميد يونس (الإبداع الشعبي) مجلة المأثورات الشعبية، عدد 5 يناير 1987. (25)ـ د. وديعة طه نجم (الرمز بالحيوان في الأدب العربي القديم) مجلة العربي عدد316 سنة 1986، ص30. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: |
12-01-17, 10:52 AM | المشاركة رقم: 18 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
تابع الشخصية ... هذا المقال يعالج موضوع الشخصية في القصة القصيرة جداً بإسهاب مدعما كلامه بالمقارنة والنماذج والأمثلة : مَلامِحُ الشَّخصيّةِ في القِصَّةِ القَصِيرةِ جِدّاً حرر بتاريخ 09/12/2013د. يوسف حطيني أولاً ـ نقاط الاتصال والانفصال: لا يمكن لامرئ أن يتخيّل قصة دون شخصيات، أياً كان نوعها وشكل حضورها، ذلك أنّ الشخصية هي التي تصنع الحدث، والحدث هو لبّ الحكاية التي لا تقوم قصة من دونها. وينبغي ألا يقود ذلك إلى نوع من المبالغة، كالادعاء بأن الشخصية أهم أركان القص، فليس ثمة ركن أهم من آخر، بل إن الأركان تتضافر فيما بينها لتقديم بنية القصة ورؤيتها . كما أن هذا الحضور للشخصية لا يشترط فيه أن يكون مفصّلاً: جسمياً ونفسياً وبيئياً، ولا ينقل للقارئ، بالضرورة، شخصية من لحم ودم، كما يحبّ بعض النقاد أن يقولوا حين يمتدحون تفاصيل صفات الشخصية عند قاص أو روائي معين، فالشخصية في نهاية الأمر ليست من لحم ودم، بل من أحرف وكلمات، يسهم القارئ في حمل إشاراتها، وتحويلها من ثمّ إلى واقع إبداعي، يختلف باختلاف القارئ وثقافته وبيئته. على أن القصة القصيرة جداً لا تقدّم من الشخصية سوى ضروراتها القصوى؛ إذ ربما تكتفي من البطل بنظرة من عينيه، أو إشارة من إصبعه، أو كلمة من شفتيه، ويبدو عندها رسم الشخصية أكثر اختزالاً، وأندر تنوعاً، وأقل عدداً مما نراه في القصة القصيرة. وإذا كنّا نجد في الرواية شخصيات مرسومة جسدياً ونفسياً وبيئياً، عبر طرق البناء المختلفة من وصف وحوار ونجوى وحركة... إلخ فإن ذلك يغدو في القصة القصيرة مقتصراً على شخصية البطل في معظم الأحوال، أمّا في القصة القصيرة جداً فإن وصف الشخصيات، بما فيها البطل، يشبه إشارات برقية، يلتقطها القارئ ليجمع نثار الصفات والسلوكيات. وكثيراً ما يبحث القارئ في القصة القصيرة جداً عن وظائف الشخصيات المختلفة إلى جانب الشخصية الرئيسية (كالشخصية المساعدة والمكمّلة والطيفية) فلا يجدها، حتى إنه قد لا يجد الشخصية المضادة التي تعوّق مشروع الشخصية الرئيسية؛ إذ يكتفي القاص حين ذاك بتصوير ظرف مضاد أو بيئة مضادة. وإذا أراد الناقد أن يقدّم نماذج الشخصيات ووظائفها وطرق بنائها في القصة القصيرة جداً، فإنه لا يستطيع أن يجد ذلك التنوع في قصة محددة، لذلك سيكون لزاماً عليه أن يلجأ إلى عدّة قصص حتى يتمكن من التمثيل لكلّ ذلك. والشخصية في القصة القصيرة جداً هي، في معظم الأحوال، مجرد حامل لوظيفة فعلية، فلا يحتمل قِصَرُ النص تنوّع وظيفتها وتغيّر شكلها، ومن هنا فإنّ المنوط بالكاتب أن يعي وظيفة شخصيته، ويستثمر العنصر الأنسب فيها لبناء الحكاية، سواءٌ أكان هذا العنصر مظهراً أو جوهراً أو سلوكاً أو حديثاً أو نجوى....* وإذا كانت الرواية والقصة القصيرة تفترض شخصية تغيّر شكل الحدث من المستقرّ إلى نقيضه، فإن من المفترض في القصة القصيرة جداً أن تبدأ بالنقيض الذي تحمله الشخصية المأزومة منذ اللحظة الأولى، تاركة للقارئ مهمة تخيّل الاستقرار القبلي. وإذا أخفق القاص في تقديم الشخصية وسط أزمتها، فإن ذلك سيقود الحكاية إلى نوع من الترهّل الذي لا يناسب هذا الجنس الأدبي الساعي لالتقاط الحالة الطارئة. ولعلنا نشير هنا إلى قصة "عجوز" لمحمد محقّق التي لم تنجح في تقديم الحكاية، فقد بدأ الكاتب برصد الشخصية في لحظة استقرار، تيمّناً ببعض القصص القصيرة، وأنهى قصته في سياق محدود من الكلمات، إخلاصاً للقصة القصيرة جداً، فوقع بين ضغط الحجم واستقرار الشخصية، وهذا ما قاده إلى تقديم حالة سردية لا ترقى إلى الحكاية، على الرغم من أنّ الحكائية قلما تفلت من بين يدي هذا القاص في قصصه الأخرى. تقول القصة: "في دهشة عقارب الصمت تجلس على عتبة الليل تحاور وحدتها الموحشة وتحتضن الماضي الدفين ". مثل هذا الاستقرار في التقديم الافتتاحي للشخصية قاد القاصة عائشة الكعبي في قصة "ترقّب" إلى إنتاج حالة سردية مشابهة، لا تقدّم حكاية، لأنها غير قابلة للتطور، وكان من الممكن أن تفعل ذلك لو أنها بدأت مع الشخصية في ذروة أزمتها، أو لو أنها خرجت إلى سرد القصة القصيرة، لتنسج على مهل أزمة قابلة للتطوير: "من خلف ستارة بيضاء، أستشعر ارتجاجات باب غرفتي.. حين تقرع أبواب الغرفة المجاورة ". إن السرد الافتتاحي للشخصية في القصة القصيرة جداً شيء يشبه فن الكاريكاتير، يختار فيه الفنان أكثر ملامح الشخصية مناسبة للدلالة، من أجل إظهار تناقضها وأزمتها، بالمقارنة مع السياق الطبيعي، ليخلق من خلال ذلك صدمة للمتلقي تقوده إلى التأمّل في المعاني الكامنة وراء ذلك الملمح البارز. في قصة "تباعد" لسناء بلحور يولد الرجل كبيراً، مما يشكّل مفارقة ناجحة، بالمقارنة مع السياق الطبيعي، صالحةً للبناء عليها، من خلال حدث غرائبي؛ حيث يبدأ هذا الرجل بالعودة خلفاً نحو الشباب: "ولد شيخاً... خافوا منه ومقتوه... وتخلّوا عنه... كان كلّما قطع أشواطاً من الزمان، شبّ واعترته طراوة وحسن... آنذاك أحاطوا به، أحبوه، لكن... تخلّى عنهم ". ويلاحظ أنّ القصة القصيرة جداً قلّما تطرح شخصيات محايدة، أو شخصيات تنمو وفقاً لتطور ظروف تفصيلية، بل تطرح شخصيات نامية تتعرض لظرف مضاد (لا لظروف مضادة) لتنتقل من حالة الأزمة إلى حالة الفعل السردي الذي يقودها إلى اكتمالها الفني. في قصة "مغتصبة" ينجح مأمون حرش في رصد شخصيتين في أوج أزمتهما، ويستنتج القارئ ما سبق عقدة الحكاية من أحداث قادت إلى تلك الأزمة، وأمام ظرف المواجهة تنفرج الأزمة عن نفاق اجتماعي يغفر للذكر ما لا يغفره للأنثى: "تدخلُ حريقاً،* ويدخل حمّاماً... بعد الخروج.. هي.. يلفظها المجتمع... وهو.. تضوع رائحته وتنقاد له أخرى ". ونشير هنا إلى أنّ الشخصية خيار فني يبدعه خيال الكاتب، دون سلطة من أحد، باستثناء سلطة النص، الذي يجعل الشخصية حرّة بمقدار ما تسمح اشتراطاتها الفنية البنائية والفكرية. في قصة "النصّاب" يسند القاص والناقد حميد ركاطة أفعالاً متعددة (حرّة) للجماهير المحكومة بأيديولوجية التبعية والعمى المطلق، فتقف بحريتها الكاملة، في لهيب الحَرّ، منتشية بكلمات الزعيم، سابحة في أحلامها الوردية، فيما يعبث هو، حرّاً، في حريتها المقيّدة بشرط الرؤية التي تحكم هذه القصة: "وهو يخطب فيها، كانت الجماهير تنتشي بروعة الكلمات، وتداري لهيب الحرّ، وعناء الوقوف منذ ساعات مبكرة من الصباح سابحة في أحلام عالم مشرع الأبواب والنوافذ، عابق بأريج الحدائق وأزكى الجنان. على طاولة المفاوضات كان الزعيم يبيع أحلامهم، ووعودهم، ويعقد بجرة قلم أكبر الصفقات ." ثانياً ـ في البحث عن وظائف الشخصيات: يمكن لأي ناقد أن يدرس الوظائف المتنوعة للشخصيات في رواية ما، إذ سيجد فيها شخصيات فاعلة، وأخرى مساعدة، وثالثة معيقة، ورابعة مكمّلة، وخامسة طيفية، دون أن يعاني في البحث عن التمثيل النظري الذي يدور في فلكه. غير أن الأمر يبدو أصعب في القصة القصيرة في ظل عدد محدود من الشخصيات، ولكنه يغدو ضرباً من الخيال حين يتعلّق الأمر بالقصة القصيرة جداً؛ إذ من المستبعد جداً أن تتوفر هذه الأنواع من الشخصيات، أو أن يتوفر عددها من أجل القيام بحدث (أو بعدد محدود من الأحداث) يقود الحكاية بشكل مباشر نحو نهايتها. لذلك كان لا بد من البحث عن تلك الوظائف في عدد من القصص، إذ قد تكتفي القصة القصيرة جداً بثلاثة أنواع من هذه الشخصيات، وقد تكتفي بالشخصية الفاعلة والمعيقة، وربما تكتفي بشخصية واحدة، تضعها في مواجهة ظرفها المضاد. أ ـ الشخصية الفاعلة: نقصد ها هنا بالشخصية الفاعلة تلك الشخصية التي تقوم بالحدث الأساسي (أو الأحداث الأساسية) لتقود الحكاية نحو النهاية، ويمكن التمثيل لهذا النوع من الشخصيات، بشخصية (أقوى الرجال) في قصة "الولادة" لزكريا تامر، وهي تبرز قدرة تلك الشخصية القوية الماكرة على الفعل المتوالي الذي لا يعرف حدوداً، من خلال الاستيلاء على ما تريد، والحصول على كل شيء، بما في ذلك الإنسان: "استولى أقوى الرجال وأغناهم وأمكرهم على أراض ذات سهول وجبال وأودية، واستولى على سماء وشمس وقمر ونجوم تتلألأ حين يسود الظلام، واستولى على غيوم ترحل من مكان إلى مكان، واستولى على ربيع وصيف وخريف وشتاء، واستولى على قطط وكلاب وطيور، واستولى على صحارى وبحار وبحيرات وأنهار، ثم تفحّص ملياً ما استولى عليه، فرأى أنه أصبح مالكاً لوطن لا ينقصه إلا الرجال والنساء والأطفال، فظفر توّاً بما ينقصه وبغير جهد ". وفي قصة "المولود الجديد" لآمنة برواضي يغدو الرجل/ الذكر فاعلاً في مقابل شخصية المرأة/ الأنثى التي تبحث عن ظلال فاعليتها، في حضوره دون جدوى، فتخفق في امتحان الفاعلية، لأنها امرأة تعيش في مجتمع ذكوري: "بعد عودتها من زيارة الطبيب، سألته: ماذا لو كان المولود أنثى؟ أجاب، وهو مقطب الجبين: بذلك تصبحين أمّاً لثلاث بنات. صمتت... ثم قالت: وماذا لو كان ذكراً؟ ابتسم وقال: سيحمل اسمي، ويرث أموالي من بعدي... تراجعت إلى الوراء وسرحت ببصرها في سقف الغرفة ". ب ـ الشخصية المساعدة: تستحقّ الشخصية المساعدة جدارة الانتماء إلى هذا النوع من الشخصيات حين تناط بها وظيفة ما، أو فعل ما يسهم في خدمة مشروع البطل الأساسي، سواء أتمّ ذلك بتخطيط منها، أم بمحض المصادفة، ولعلنا نشير هنا إلى قصة بعنوان "إنشاد" لجمعة الفاخري، إذ يتجمّع عدد من الشخصيات المساعدة للإسهام في قيادة الحكاية نحو منتهاها: "نفخ الراعي في نايه.. غنّت البلابل.. رقصت الأزاهير.. انتعش الربيع.. انتشت الشياه.. اخضرّت أنامله.. أطلّت من ثقوب الناي حقول أزاهير..! "وثمة شخصية مساعدة بارزة في قصة (مسرحية) لمصطفى لغتيري إذ يتدخل السارد، ليدوّن تسويغاً لتصفيق المرأة التي شاهدت المسرحية، إنها المؤلفة التي وجدت في الممثلة شخصية تساعدها على الانتقام الرمزي، إثر خيانة تعرّضت لها من قبل عشيقها، ولم تستطع أن تردّ عليها بشكل مناسب إلا على الورق: "من مقعدها في الصف الأمامي ، كانت المرأة تتابع بشغف أحداث المسرحية. أعجبها رد فعل الممثلة حينما اكتشفت خيانة عشيقها. حين انتهت المسرحية، لم تتوقف المرأة عن التصفيق إعجابا بالممثلة.. المرأة المصفقة هي كاتبة المسرحية، و أحداثها مستوحاة من حياتها. ص54 ج ـ الشخصية المعيِقة: تقوم هذه الشخصية بوظيفة أساسية هي إعاقة وصول الشخصية الفاعلة إلى قيادة الحدث نحو الحكاية، بل على العكس تماماً تقف دائماً على النقيض من مشروعها، وتقوم بأفعال مضادة، بحيث يمكن أن نعدّها بطلاً مضاداً. غير أنها لا تقوم في القصة القصيرة جداً إلا بعدد محدود من الأحداث، بسبب طبيعة التكثيف الذي يتحكم ببنية النص، ولكنها قد تكون قادرة على إدارة دفة الحكاية بالاتجاه الذي تريد. في قصة "أنا" لعدنان كنفاني، تتلبس الشخصية المعيقة شكل مظلة، تجمع الخير الذي ينتظره الناس بفارغ الصبر، إلى الزعيم الأوحد، وتحرم كل أولئك من إتمام حكايتهم على الوجه الذي يشتهون: "تلبدت السماء بالغيوم واسودت.. لمع البرق، وقصف الرعد، وهطل المطر بعد طول انحباس.. خرج الناس من بيوتهم للاستمتاع بالخير المنتظر. فجأة انتصبت مظلة كبيرة.. كبيرة جداً.. غطت سماء المدينة، وساقت الماء الهاطل بغزارة إلى مكان واحد ". في قصة "صداقة العمر" لنور الدين كرماط يستطيع اللص أن يسطو على بيت صديقه، ويجمع في كيسه كل ما يلمع، ولكنّ الجار شكّل بطلاً مضاداً لأحلامه، إذ أعاق اكتمال فرحته بالنصر المؤزر، حين اكتشف اللص لا الجار، أنّ صديق عمره قد بادله خيانة الثقة بما لا يحتمل من ألوان القهر، إذ رأى زوجته بين أحضان ذلك الجار: "حمل اللص كل ما يلمع في كيسه، لمّا همّ بالخروج سمع صوتاً نسوياً يتهادى من غرفة النوم في دلع. نظر من ثقب الباب فاكتشف بأن جوهرته تلمع أكثر بين يدي جاره صديق العمر ". والواقع أنّ هذه القصة تعدّ مثالاً جيداً جداً على التكثيف الذي تتطلبه القصة القصيرة جداً، فهي لا تقول إلا ما هو ضروري، بل إنها لا تقول ما هو ضروري إلا في مكانه، ولو اضطر كاتبها إلى تأجيل تعبير (صديق العمر) للنهاية، من أجل أن يمنح القصة اكتمال بنائها ومفارقتها ودلالتها المتفجرة من تلكما الكلمتين. د ـ الشخصية المكمّلة: نعني بالشخصية المكمّلة تلك الشخصية التي لا تناط بها وظيفة حكائية، ولا تقوم بأي حدث، بل تنعكس عليها أفعال الشخصيات، أو تسهم في إكمال بيئة القص، أو ترد في ذاكرة الأبطال على نحو ما، ويمكن في هذا الإطار أن نشير إلى شخصية الشرطي التي يستعين بها عماد ندّاف لإكمال قصة "حزن الحمار" فنياً ورؤيوياً: "الحمار كان متضايقاً جداً من صاحبه! لم يتناول شيئاً من التبن الذي وضعه له أمامه، ولم يقترب من كومة قشر البطيخ التي رماها قربه بسخاء!! كان صاحبه قد شتمه قائلاً: امش جيداً أيها الخَنوع! لم ترق كلمة الخَنوع للحمار، وكان يشاهد صاحبه، وهو يقدم الطاعة للشرطي، ويتوسله كل يوم!! ". أما القاص أحمد جميل الحسن فإنه يستثمر استثماراً حسناً شخصية طارئة على حكاية قصته "دمية" هي شخصية الدمية ذاتها، إذ تخترق فجأة نظام الحكاية الأليفة، لتحوّلها إلى حكاية مدهشة، على الرغم من أنها (أي اللعبة) مجرد حامل دلالي: "دمرت الطائرات الإسرائيلية البيت على أصحابه، بدأت عملية الإنقاذ وانتشال الجثث، وخلال ذلك شوهدت قدم صغيرة تحت طرف السرير.. رفعوا السرير.. وجدوا تحته طفلة مضرجة بدمها، تحتضن دميتها لتحميها من الطائرات ." هـ ـ الشخصية الطيفية: هي شخصية يقتصر دورها على الحضور الطيفي، على شكل حلم أو تخيّل أو ذكرى، ويمكن لهذه الشخصية أن تسهم في تفعيل الحدث، وفي صناعة الحكاية، وربما تسهم أيضاً في تغيير وجهتها. ويمكن أن نمثّل لها بشخصية الجدة في قصة "موت جدتي" لفاطمة المزروعي؛ إذ ينوب الطيف عن الجدة في إتمام مهمة السرد التي ألفتها الشخصية الرئيسة في القصة: "أضع رأسي على المخدة، أنتظرها بفارغ الصبر لتراني قبل أن أنام. أتحرّك في سريري وبداخلي لهفة.. كل ليلة يتكرر المشهد.. بعد زمن، أصبح طيفها ـ فقط ـ هو الذي يسرد الحكاية . أمّا مهنّد العزب فهو يبتدع في قصة "موعد" شخصية طيفية، لتزور البطل بعد وفاته، ليبقى بعد وفاته في انتظارٍ افتراضيٍّ لزيارة افتراضية: "قبيل وفاته أوصى: إذا جاءت حبيبتي لكي تراني لآخر مرة، أفسحوا لها الطريق، فنحن لم نلتقِ أبداً، لأنها كانت من نسج خيالي ". و ـ الشخصية الرمزية: إن الشخصية الرمزية هي تلك الشخصية التي يصنعها الكاتب، ليبحث القارئ عن شخصية، أو شخصيات، تقابلها في الواقع، أي أن بناءها يدفع القارئ ليبحث عن ظلالها خارج القص، بسبب قدرتها الإحالية على الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي إلخ.. ويمكن أن نشير هنا إلى قصة بعنوان "الشهادة" لزكريا تامر، وهي قصة تحيل بقوة على مصر، إذ يسمّي القاص بطلة القصة بهية، ويحيل من خلال الأحداث على ما يشبه توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سياق انتقادي مثير، يدين الاتفاقية التي وقعها السادات، مثلما يدين تهافت بعض الدول العربية على إقامة علاقات مع العدو الصهيوني: "تباهت بهية أمام نساء حارتها بحفاظها على شرفها وشرف الحارة التي ولدت فيها، وحكت ما جرى لها أمس عندما كانت تتنزه في أحد البساتين القريبة، فالرجل المجهول الذي اغتصبها شهر سكيناً تذبح جملاً، وأمرها بأن تخلع كل ثيابها، ولكنها لم تخلع جواربها متحدية أمر الرجل وسكينه، فشهقت نساء الحارة معجبات بها، وانتشرن في البساتين عازمات على ألا يخلعن الجوارب" .* في قصة "قاراقوش" يحشد عدنان كنفاني شخصيات الغابة ممثلة بحيواناتهـا المختلفة في وحدة قصصية مركزة من أجل أن يقدم قصة عميقة الدلالة، تحيل على شخصيات بشرية تنتمي إلى واقعنا، مستفيداً من اسم العلم التاريخي في إسباغ صفة الظلم على الطاغية، وهنا تصبح الشخصيات حوامل رمزية لدلالات أكثر اتساعاً. يقول كنفاني في قصة "قاراقوش": "فرامان سلطاني شديد اللهجة يقول: كل حمار (مهما كان تصنيفه) ينهق في الأماكن العامة يتعرض لعقوبة الخوزقة. ساد الهرج والمرج وتزاحمت وحوش الغابة وطيورها وحشراتها تغادر مواطنها هرباً.. قال حمار يخاطب أرنباً هارباً: لماذا تهرب والفرامان يخصنا دون سوانا؟ ضحك الأرنب ساخراً، وأجاب: في غابة مثل هذه، كلنا حمير. وانطلق يركض على غير هدى ". ثالثاً ـ بناء الشخصية: لا تبتدع القصة القصيرة جداً طرقاً جديدة في تقديم ملامح الشخصية القصصية، ولكنها تقترح اختياراتٍ أقل عدداً وأكثر تركيزاً من تلك الطرق، فقد يكتفي الكاتب بتسمية الشخصية مستنداً إلى رصيد اجتماعي أو تاريخي، وقد يكتفي بالحوار أو النجوى، أو بالوصف الجسدي لتقديمها، وهكذا تبدو الشخصية، دون إلحاف منه في تتبع ملامحها، وحيدة الاتجاه في غالب الأحيان. وها هنا تقع مسؤولية اختيار الطريقة المناسبة لتقديم الشخصية على الكاتب: أيقدّمها من خلال اسمها أم صفاتها الجسدية أم النفسية أم ثقافتها أم خلفيتها الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية إلخ... لأن جمع هذه الطرق لتقديم الشخصية سيجعلها شخصية روائية، لا شخصية من شخصيات القصة القصيرة جداً. أ ـ التسمية والتشخيص: ربط عدد من النقاد ربطاً مبالغاً فيه بين التسمية والشخصية، فيما أهمل نقاد آخرون تلك العلاقة، غير أن التسمية تبقى في جميع الأحوال أبسط أشكال التشخيص ، وإذا كنّا نرى بعض المبدعين يسمون شخصياتهم اعتباطاً، أو يهملون تسمية تلك الشخصيات لسبب أو لآخر، فإن مبدعين آخرين اهتموا بالتسمية اهتماماً بالغاً، وجعلوا ذلك ديدنهم، ويمكن أن نشير سريعاً إلى الروائي العربي نجيب محفوظ الذي كان ينحت كثيراً من أسماء شخصياته نحتاً من بيئتها، ونلفت النظر هنا إلى رواية "زقاق المدقّ" بالتحديد، "فالمعلم كرشة ذو كرش كبير، وزيطة يحمل كل الفوضى التي يحملها اسمه، وفرج ابراهيم (القواد) يدل اسمه دلالة واضحة على مهنته، فهو (يفرج) عن الناس، وهو أبو الرحمة أيضاً (وهذا هو معنى كلمة ابراهيم ـ ابراهام بالعبرية)، ورضوان لا يخرج فيما يفعله عن الرضى (القناعة بما هو واقع)، ولا يسعى إلا إلى مرضاة الله. ومن جهة أخرى، فإن حميدة تعاكس دلالة اسمها، إذ لا تقوم بأي فعل محمود، وكذلك سليم علوان، فهو مريض حطّ الدهر والظروف من منزلته... إلخ ". في القصة القصيرة جداً، حيث تكون ملامح الشخصية محدودة، وحيث يكون اختيار طريقة التشخيص أكثر تركيزاً، يجد الكاتب نفسه أمام مساحة نصيّة، وأمام أحداث متسارعة تقوم بعبء الحكاية، ولا تضطره إلى التسمية. وقد لاحظ أحد المنظرين للقصة القصيرة جداً ذلك الأمر، وهو الأستاذ د. جميل حمداوي، فرأى في نظريته الميكروسردية أنّ التنكير قدر الشخصية في هذا الجنس السردي الجديد، ولكننا خالفناه في ذلك، ليس في التفاصيل بل في التعميم، ورأينا أن التسمية تبقى إحدى وسائل التشخيص وأن دعوة شخصية باسم خاص تشكل "العنصر الأبسط من التمييز" كما يقول توماشفسكي ، حتى في القصة القصيرة جداً، وقدّمنا عدداً من النماذج التي تثبت إفادة القاص من دلالة اسم العلم واستثمارها ، وإن كان العدد الأكبر من القصص يلجأ إلى تنكير البطل، أو تكرار اسمه، أو حتى تسميته بحرف واحد. ويبدو د. جميل حمداوي مخلصاً، في قصصه القصيرة جداً، لذلك التنظير؛ مستثمراً ما يتيحه التنكير في تعميم التجربة وامتدادها، ومن ذلك ما نلمسه في قصة "النياشين"، حيث يدين القاص صنوف الهوان التي يتعرّض لها المضحّون بكل شيء في سبيل رفعة وطنهم، ولا يلاقون مقابل ذلك سوى الإجحاف والإهمال: "زينوه بالنياشين، وشواهد التقدير والتكريم، وأتخموه بالكلام المعسول، فدفنوه عارياً تنهشه الديون الجائعة... ".* ويرتضي مأمون الحرش أيضاً لنفسه خيار تنكير الشخصيات، إذ يقّدم معظم نصوصه بلا أسماء، مستثمراً الحكاية التي تحيل على دلالة عامة تجعل اسم العلم فضلة لا تقدّم إضافة للنص، ومن هذه النصوص قصة بعنوان "رأس": "تحسس رأسه.. لا أحد جسّه، والمادة لم تكن غير ذرق طائر حمد الله لأنه يملك رأساً يقع عليه شيء من السماء ". وقد لجأ بعض القاصين إلى خيار آخر في تسمية الشخصيات، تمثّل في إطلاق حرف واحد على الشخصية، مقتفين أثر تجارب عالمية سبقتهم في هذا المجال ، ولعلنا نشير هنا إلى تميّز القاص المصطفى كليتي فيما يتعلَّق بإطلاق أسماء مدروسة على شخصيات قصصه، فقد أطلق على عدد منها اسماً من حرف واحد، أو اسماً يدلّ على مفهوم مجرّد، أو اسماً على علاقة وثيقة بوظيفته القصصية. وثمة شخصية مكررة اسمها (س)، يقدّمها القاص في سياقات حكائية مختلفة، وقد انتشرت في مجموعتيه (ستة وستين كشيفة ) و(تفاحة يانعة وسكين صدئة) التي يقدم فيها اثنتي عشرة قصة بطلها (س)، نختار منها قصة "سلطة الأقنعة": "قرر (س) أن يتخلّى نهائياً عن الأقنعة الزائفة، ويظهر مبرزاً حقيقة صورته، فتسمّر أمام المرآة فلم يجد له وجهاً . وفي قصة له بعنوان "جثة قابلة للتعفن" يستثمر كليتي مفهوم الضمير، وينقله من دلالته المجردة، إلى حيّز القص، وينوط به عدداً من الوظائف الحكائية: "قفز السيد (ضمير) من متحفه وقال: اليوم سوف أتفقد أحوال المدينة وأسودها.. وكانت المدينة ساحة صناديق إسمنتية صفّت صفوفاً متعرّجة.. تسامقت حتى حجب تطاولها قرص الشمس، فتشوهت الأزقة والشوارع وأضحت جراحاً راعفة بركام آسن.. كحّ السيد (ضمير) حتى جحظت عيناه واحمرّت من جراء تلوث مؤكسد بالفساد، سلّ السيد (ضمير) من جيبه قلماً وكنّاش مذكراته وسجّل ملاحظات وهوامش فاضت بها وريقاته، جلس السيد (ضمير) في الشارع العام، ليقرأ تقريره الأخير. لكن ضربة محكمة التسديد نالت أم رأسه، تمرّغ على الإسفلت ديكاً أرقصته شطحة الألم الأعظم. انتفض ثم انتفض فأشرق دمه القاني فوق وريقاته، وهمد ". ومثلما أفاد المصطفى كليتي من دلالة الحرف (س) الذي أطلقه اسماً لعدد من الشخصيات، ومن استثمار دلالة مفهوم الضمير في جعله علماً، فقد أفاد أيضاً من الدلالة اللغوية لتسمية الشخصيات في عدد من النماذج، وبنى على ذلك موقفاً حكائياً، ونشير هنا إلى قصة "الانتصار للحياة"،حيث يدعو بطلة قصته "رحمة"، وهي قابلة على علاقة وثيقة باسمها، كما سيلاحظ القارئ: "كانت الأم رحمة قابلة القرية، قد ثكلت أولادها تباعاً، في حروب خاسرة، وكلما نودي عليها من أجل تخليص امرأة حبلى متوجعة، تستردّ منتهى عنفوانها وحيويتها، فرحة ومستبشرة بكل ما تدفعه الأرحام إلى الأمام ". كما أفاد إسماعيل البويحياوي من اسم العلم ورصيده في الذاكرة الشعبية، في قصة بعنوان "نوم قصصي" حيث تدفع الأبوة شعور البنوة في داخل البطل الأب، وتندفع الذكريات نحو حكايا الأجداد، ليجتمع كل هؤلاء على صعيد الحكاية: "أخيراً نامت مروة. سحبتُ يدي، وأطفأت شمعة حكايتي الأخيرة. تدنو، تلامسني، حكّ ظهري واحكِ يا بابا. يغمغم طفل بداخلي. حكَّ واحكِ يابا. تتلألأ في ظلام الغرفة أطياف جدي وجدتي وأبي. يشعلون فوانيس الحكي، فيخرج الغول وهاينة وحديدان والثعلب والقنفذ. يضفرون لنا شواطئ حلميّة، نجري، نتسابق، نتراشّ ماء الحكي، ثم نغطس في بحيرة النوم ." وخلال البحث في أسماء الشخصيات وبناء الحكايات عليها قامت القصة القصة جداً بتوظيف أسماء عدد كبير جداً من العلماء والمثقفين ورجال الدين والقادة والشخصيات التراثية الأدبية والأسطورية وغير ذلك، فنقرأ قصصاً تستثمر السندباد وجحا وعنترة ونرسيس وجان بول سارتر وجورج صاند وشهريار وشهرزاد... ويمكن هنا أن نشير إلى استثمار بعض هذه التسميات، على نحو ما نجد في قصة "حمراء" لجمعة الفاخري التي تفيد من دلالة اسم العلم التاريخي، وتستثمر حمولاته المختلفة، لتقدّم حكاية جديدة، تختلف مع الحكاية الأصلية في بدايتها، ولكنها تتفق معها في نهايتها الدموية: "قبل أن تبدأ شهرزاد في سرد أولى الحكايا شرع شهريار بالشخير.. وحين نامت... كان حدّ السيف يعانق عنقها مبتدئاً حكاية حمراء مرعبة..! " ب ـ الوصف الخارجي والوصف الداخلي: يمكن أن يكون للوصف الخارجي أثر بارز في تصوير الشخصية في القصة القصيرة جداً، إذا أحسن القاص استثمار هذا الوصف، حتى وإن تعددت الصفات الخارجية. فالمهم ها هنا إدراك بناء الشخصية، ووعي أبعادها. ونشير هنا بإعجاب إلى قصة "بذلة" لجمعة الفاخري الذي عمد في سرده إلى خداع القارئ بالتركيز على الصفات الخارجية للشخصيات، من أجل أن ينتج مفارقته المذهلة في النهاية التي تقوم على المقارنة المفترضة التي يقيمها القارئ بين ما هو برّاني مصطنع لا قيمة له، وبين ما جوهري إنساني لا يلتفت أحد إليه: "ـ ربما عبر فجأة دون أن ينتبه إليه أحد. هكذا صرّحت سيدة وهي قرب زميلة لها وهما تنظران بإعجاب إلى الوافد الجديد إلى المدينة. بينما أطرق الشرطي مفكّراً، وأنامله تداعب شاربه الطويل، وسهام نظراته مصوّبة باتجاه واحد فقط، تستطلع مكونات البذلة الجديدة لرئيسه، هو يحرّر محضر حادثة سير طفل أردته سيارة مخمورة قتيلاً على الفور ". ويمكن أن نشير إلى قصة أخرى بعنوان "اقتراض" للقاص محمد محقق، تعتمد اعتماداً كبيراً على الصفات الخارجية التي تنوب عن الحدث في تقديم بداية الحكاية ونهايتها، إذ ليس ثمة في الفعل السردي سوى: (دخل دوامة الاقتراض وخرج منها)، بينما تتمم صفات الجسد بقية الحكاية: "دخل دوامة الاقتراض.. باسماً.. معتدل القامة.. خرج شاحب اللون.. مقوّس الظهر..! ". ويلاحظ القارئ دون شك أنّ القصتين السابقتين ظهَّرتا الوصف الجسدي الخارجي على حساب الوصف الداخلي، إذ لا تحتمل القصة القصيرة جداً أن يزجي كاتبها السطور جرياً وراء رسم شخصية ذات أبعاد متعددة. في المقابل قدّمت بعض النماذج القصصية شخصيات ذات ملامح نفسية، وأخلى الوصف الخارجي السطور لوصف يهتم أكثر بما هو جوّاني قادر على إنتاج شخصية تحرك الأحداث عبر مساحات الوعي، ليس غير. ويمكن هنا أن نمثل بقصة عنوانها "عتمة" لحميد ركاطة، وهي قصة تجري أحداثها داخل ذهن البطل: "فتح الجريدة، مسح ما بها من أخبار، ظلّ حائراً في فك أسرار البياض، فتح ذاكرته وحاول تذكّر لحظة منيرة، فلفّها السواد. بين الأبيض والأسود، ظلّ سنوات يبحث عن نفسه، فأمطرت غيومه ذكريات قاتمة، بلا كلمات ". وقد يلجأ القاص إلى إجراء مقابلة طريفة بين الصفات الداخلية والخارجية، فيقدّم الخارجي، ليكشف من ثمّ صفة خارجية مدّعاة، وداخلية حقيقية، وقد كثُر تقديم هذا النموذج في كشف النفاق الديني عند بعض الشخصيات، ويمكن أن نشير إلى قصة "عفّة" لعبد الإله الخديري التي تتخذ من الجسدي جسراً مفارِقاً لتقديم النفسي: "كانت الصالة مملوءة عن آخرها، والهدوء تام. مشاهد الفيلم كانت حامية جداً وخليعة. أزاح يده من بين فخذيها، خلّل لحيته الكثيفة، فيما سوّت هي نقابها، ولبست قفاز يدها اليسرى، وهي تسوقه لخلاء غير بعيد لتكمل فيلمها في حياء وعفّة ". ومثلما تلاعب المبدعون في بعض الأحيان بالعلاقة بين الجسدي والنفسي، فقد تلاعبوا أيضاً بالعلاقة بين أحدهما وعناصر سردية أخرى مجرّدة أو محسوسة، ويمكن أن نشير إلى قصة "تأمل" لمحمد غازي التدمري، حيث تتقابل الصفات الجسدية وجهاً لوجه، وتبني حكاية القصة: "تأملَّ صورته المعلّقة على الجدار، نظر إلى المرآة، قارن بين الصورة والخيال. ثمة صراخ تأجج في أعماقه. وقعت الصورة وقهقه الخيال ". كما نشير هنا إلى قصة "وجه" لجمانة طه التي تفيد من المقابلة بين عنصر الوصف المقترح من قبل معلمة الصف وعنصر الوصف المتخيّل للشخصية، فتجعل ـ في صورة فريدة ـ الربيع مرآة لوجه الأم في مخيلة الفتاة الصغيرة: "قالت معلمة الصف لتلميذاتها: فصل الربيع هو موضوع اليوم. على كل واحدة منكن أن تعبّر بالأسلوب الذي تراه مناسباً. أمسكت بسمة بالقلم ورسمت وجه أمها . ج ـ التصوير غير المباشر للشخصية: وثمة طرق أخرى مألوفة لتقديم الشخصية في السرد، لا يعتمد القاص فيها على وصف شخصيته أو تسميتها، بشكل مباشر، بل على تقديمها من خلال تفكيرها أو سلوكها أو حواراتها، أو أية طريقة غير مباشرة يقترحها نصّه الإبداعي: • فقد يقدّم القاص شخصيته من خلال حوار ما يجسّد آراءها في قضية من قضايا الحياة، ويصبح الحوار عند ذاك حاملاً من حوامل الملامح النفسية، ونستطيع هنا أن نستعين بقصة "انفتاح" لليلى العثمان التي تنقل حواراً بين وردتين، تبدو المجيبة فيه توّاقة للحرية، تقول ليلى العثمان في قصتها: "سألت الزهرة رفيقتها: -لماذا تفتحت قبلي؟ قالت الرفيقة بانتشاء: ـ فتحت قلبي للنور والمطر قبلك."* ونستطيع أن نرصد في قصة "جنوح" لحصة لوتاه شخصية امرأة ذات شعر مجعَّد تعاني القهر والكبت في مجتمعها الذي لا عدالة فيه، وذلك من خلال حوار يجسّد رؤيتها الفكرية: قالت لهم المرأة المجعدة الشعر: إنّ سماءكم تضيق بي. قالوا لها: إن أرض الله واسعة. فذرفت دمعة وهي تقول: وهل تتركونني أعبرها بسلام؟! ". في قصة "تخيّل" لمحمد غازي التدمري يقوم كشف الشخصية على نجوى (حوار مفترض) بين السارد (الذي يتخيّل نفسه مارد علاء الدين) وبين خوائه الذي يجسّد غربة روحه في الحياة، وفي هذه الغربة لا تصبح الأمنية الخروج من أسر العبودية، بل التمسك بها: "تخيّل نفسه مارد علاء الدين سأل نفسه ما هي أمنيتك؟ أجابه خواء داخلي: غرفة من خمسة جدران ". • ويمكن أن يستند القاص في تقديم شخصيته ألى وصفها من الداخل أو الخارج من خلال سلوكها وعلاقتها مع الآخرين، وثمة قصة جميلة لعبير إسماعيل بعنوان "أمركة" تحكي صراعاً بين امرأة أمريكية تسعى إلى تغيير قلب رجل عربي، وبين رجل عربي مهزوم مستسلم، يصنع انتصاره عليها أخيراً من خلال أغنية يصدح بها، وهو على فراش الحُمّى: "لقد استطاعت أن تنتقم من قلبها الذي جعلها تحب عربياً، فعملت على أمركته. كان إكراماً لعينيها يرتدي الجينز، ويتناول غداءه في مطاعم ماكدونالدز، ويتكلم الإنكليزية باللكنة الأمريكية، ويرفع العلم الأمريكي على سارية فوق بيته كبقية المتعصبين. لكنه عندما أصيب بالحمى أثار دهشة زوجته وجميع الأطباء المتحلقين حول سريره، فقد كان يهذي ويغني بلغته، وبصوت قروي حزين: "بي بي الغربة.. الوطن حنونا ". ويمكن أن نسوق تمثالاً آخر من مجموعة "مرور خاطف" لمحمود شقير، وهو قصة بعنوان "تمساح"، يعنى فيها القاص بتقديم معظم ملامح الشخصيات من خلال سلوكياتها، فالتمساح يرقب المرأة ويستشار ويُغْوَى، والرجل يتمسّح بها ويُغْوَى أيضاً، وهي تتعرى وتركض وتُغْوِي، ومن خلال هذه السلوكيات يقف المرء على صفات الشخصيات الثلاث التي تبنى عليها الحكاية: "تمساح باهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقب بسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها، الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهو مسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة، مستثارة نحو حافة الماء، وهي لا تدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقت واحد) . وتنبغي الإشادة هنا بمحمود شقير الذي جعل هذه الشخصيات تقوم بأحداث يفرضها منطق النص من أجل كشف صفاتها، لأنّ محاولة فرض صفات أو سلوكيات على الشخصية من خارج النص سيؤدي إلى فرض الشخصية على الحكاية بما يعيق سيرها. • كما يمكن للقاص أن يستثمر، من أجل تقديم شخصياته، كلّ ما يخطر في باله من يوميات أو اعترافات أو رسائل أو مذكّرات أو غير ذلك، من أجل تظهير صفة أو أكثر من صفات شخصياته. في قصة "الرسالة" يستثمر جمعة الفاخري رسالة (sms) تصل خطأً إلى إحدى الفتيات، لتقدّم صفات جسدية مطلوبة في الأنثى، مما يجعل الفتاة تشعر بفرح عارم، وهي تتخيّل أن الرسالة مبعوثة لها، وأنّ تلك الصفات هي صفاتها فعلاً، قبل أن تذكّرها المرآة بأن لها صفاتٍ أخرى: "(حبيبتي شفتاك حديقتا أحلام.. عيناك بحران من فرح.. ووجهك النهاري قصيدة).. قرأت الكلمات فعرّش الفرح في قلبها.. احتضنت فرحتها.. هرعت إلى مرآتها.. أخبرتها المرآة بكلام مختلف. سقط هاتفها الجوّال من يدها.. أدركت أن الرسالة قد وصلتها عن طريق الخطأ . أما قصة "الساحر" لزكريا تامر فهي تستعين بالذكريات لتقديم صفات الشخصيات التي تستجلبها ضحكة طفل أحيت الحب والإنسانية في نفوس الجنود. فالحكاية تتحدث عن ضابط يأمر خمسة من جنوده بإطلاق النار على قلب طفل، وإذ يضحك الطفل يتذكر الجنود الخمسة أياماً جميلة في حياتهم، وتكون النهاية المفاجئة إذ يبادر الجنود الخمسة إلى إطلاق نيران بنادقهم على صدر ضابطهم الذي تهاوى أرضاً مثقوباً خمسة ثقوب دامية، وذلك لأنّ ضحكة الطفل تقود الجنود إلى ذكريات تحضر فيها شخصيات غنية بالوصف:* "واختلط صوت الضابط الصارم الآمر بضحكة ندت عن الطفل، وبلغت مسامع الجنود الخمسة، فتذكـر الأول زوجته الجميلة حين تضحك، وتذكر الثاني سريره قرب نافذة تطل على نهر، وتذكر الثالث شارعاً مشجراً يمشي فيه مثرثراً مع صديق، وتذكر الرابع يوم كان صغير السن يعلمه أبوه صيد السمك على شاطئ بحر، وتذكر الخامس أمه تكبر في السن فجأة حين مرض."* هذه الضحكة الآسرة إذاً أعادت إلى ذاكرة الجنود كل ما هو خصب ودال، وكل ما هو إنساني، لقد مارست دور السحر، لذلك ليس غريباً أن يطلق القاص على قصته اسم "الساحر"، ويقدم لنا من خلال ستة عشر سطراً قصة تختلط فيها الجزئيات الصغيرة الدالة بسحر الضحكة التي تختلط بدورها بسحر العنوان واللغة البديعة. رابعاً ـ معيقات رسم الشخصية القصصية الناجحة: ثمة في رسم الشخصية في القصة القصيرة جداً بعض المحاذير التي تعيق انسيابها وسلاستها ووصول دلالتها إلى القارئ، فالشخصية هنا شخصية برقية، تركز على الوصف الداخلي أو الخارجي، أو غير المباشر، وقلّ أن يجمع القاص بين طريقتين لتقديمها، حتى لا يصيبها ترهّل لا يتناسب مع حجم النص. إضافة إلى ذلك فإنّ ثمة أساليب لغوية وحكائية يمكن أن تحدّ من دلالة الشخصية على نحو استخدام اللغة التقريرية في تقديم الشخصية، أو المقاربة الشديدة جداً بين البطل وشخصيته، أو تنميط الشخصية الذي يجعل كل أفعالها متوقعة للقارئ. • • في اللغة التقريرية تنوب العبارات التي تقدّم ملامح الشخصيات بشكل مباشر، عن الطرائق المختلفة المستثمرة في بناء الشخصيات، وتغتصب حقّها في أن تقدّم نفسها من خلال سرد انسيابي، مما يُشعِرُ القارئ بأن الكاتب يمارس عليه سطوة قهرية لقبول هذه الملامح، دون أن يتيح له استنتاجها، ولعلنا نشير هنا إلى النصف الأول من قصة "خطأ" لتوفيق بوشري، إذ تبدو الشخصية مقدّمة بطريقة تقريرية تهدف إلى إقناع القارئ بصفاتها، دون إعطاء فرصة للسرد القصصي أن يقدّمها بشكل مقنع.* التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 12-01-17 الساعة 12:06 PM |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: |
12-01-17, 12:52 PM | المشاركة رقم: 19 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
عبد الرحيم مؤذن نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 10 - 2010 |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: |
12-01-17, 02:03 PM | المشاركة رقم: 20 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
ايوب صابر
المنتدى :
قــطــرات الـقـصـة والروايــة
تابع ...الشخصيات في القصة القصيرة .... الشخصيات والتي هي الأساس في العمل القصصي ككل ... والتي تخلق المواقف المختلفة في كل قصة ...بكل صراعاتها واختلافاتها ومفاجآتها ... من : مجدولين من موقع طرب الياسمين كيف ومن أين يحضر كتاب القصة شخصياتهم القصصية ؟... هذا سؤال مهم ... يقول " وت بيرنت " للكتاب الشباب : ابدأ بملأ خزان أفكارك بكلِّ مايمكنك أن تجمعه من شخصيّات في حياتك ، لتستخدمها في المستقبل ، وحين يمتليء الخزان ، افتح البوابات ودع الفيضان يسيل لما أنت على استعدادٍ له ، وحين تفعل ، افعله بجرأة " نعم بكل ماتملك من جرأة ...فهذا ماتحتاجه لكتابة قصّة جيدة ... لاتنسى أنَّ القصة القصيرة لاتحتاج إلا إلى شخصيَّة واحدة يتم التركيز عليها بعناية الشخصيات ستكون موجودة في خيالك ..أو بالجوار ...أناسٌ تعرفهم منذ زمن ..أو قابلتهم فرسخ شيء من قَسماتهم أو سماتهم في ذهنك .....وقد لايكون للشخصيَّة وجود إلا في خيالك ... ليس من الضروري أن تحمل الشخصية الحقيقيَّة كماهي إلى قصتك .... زيِّنها بماتريد من صفات وملامح من خيالك ...ولكن دعها تحتفظ بنفس مواصفات الشخصيَّة ...أي اجعلها تبدو شخصيَّة إنسانيَّة حقيقيَّة مهما أضفت إليها من تغييرات خارجيَّة أو داخليَّة .. قد تكون للشخصيَّة الخياليَّة التي تخترعها نقطة تقاطع مع شخصيَّة حقيقيَّة تعرفها.. أو قريبة منك لاتنسى أنَّ الشخصيَّة تحتاج إلى أن تنمو حسب الدور الذي وضعتها فيه .. تقول كاترين آن بورتر : " سرْ بصحبة شخصيَّاتك كأنَّك تراها بعيْن خيالك تعيش وتتطور كأنها تعيش في الواقع ، ثمَّ احك قصتها بكلِّ الصدق والتعاطف والجديَّة قدر ماتستطيع " هناك أمرٌ مهم يتعلق بأسماء الشخصيَّـات ...عن ذلك كتب أندريه مور يقول : " إنَّ الحياة تبدأ بالأسماء ".. اعمل على تسمية الشخصيَّة بالإسم الذي يناسبها من حيث بيئتها وخلفيتها.. ومكان وجودها ..والدور الذي تؤديه في العمل القصصي ... رواية الأحداث بلسان الشخصيّـة يعطيك الفرصة لتركِّز على أفكار ومشاعر ذلك الشخص ...فنقل إحساس شخصيَّة واحدة يكون أسهل .... أماإن كنت تريد أن تغطي وجهات نظر عديدة فهنا يكون ضمير الغائب أكثر فائدة لك .. لاتهتم بوجهة نظر الشخصيـَّة بنفس القدر الذي تهتم فيه بالبحث عن الدوافع والأسباب لتصرفات الشخصيـَّة ....اجعل تركيزك منصبا على هذا الموضوع بحيث يشعر القاريء بأنَّ أيَّ تفسير آخر غير ماقدمته ليس ممكنا . ومن المهم أن يكون هناك حوار ...اقرأ الحوار الذي وضعته لشخصياتك بصوتٍ عالٍ ..لاحظ النغمات ..واختر الكلمات المناسبة ..واحذف أي إضافة لافائدة منها... وأخيرا ولكي تجعل شخصياتك مميَّزة ....إليك هذه النصيحة من أحد الكتاب المرموقين : دع شخصياتك تتحدث عن نفسها..واجعل شخصيَّات أخرى تتحدث عنها بشكل جيِّد أو رديء لتتضح معالم الشخصيَّة أمام القاريء .. لاتلبس شخصيتك ثوبا لايليق بها ...اجعلها تبدو طبيعيَّة وتلقائية في تصرفاتها... حاول أن تتخيَّل موقف الشخصية ...وتتخيَّل ردود أفعالك تجاه الموقف الذي وضعتها فيه ..اجعلها تتصرف كما كان يمكن أن تتصرف أنت لو كنت مكانها ..حتى لو كان التصرف خاطئاً أو غير صحيح .. وملاحظة أخيرة جدا ...إن طال الزمن في قصتك فتذكر أن الزمن يمر بالشخصيات أيضا...فضع بصمة الزمن عليهم ..فهو يمر بهم ..كمايمّر بنا ... يقول ترولوب " في آخر يومٍ من كلِّ شهر فإنَّ كلَّ شخصٍ في القصة الخياليَّة لابدَّ أن يكون قد كبِر شهراً أيضاً " |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأعضاء الذين آرسلوا آعجاب لـ ايوب صابر على المشاركة المفيدة: |
أنت عضو منتدى قطرات أدبية فاجعل ردك يعكس شخصيتك ومدى ثقافتك و وعيك وإطلاعك
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الكل) الاعضاء اللذين قامو بقراءة الموضوع : 16 | |
متاهة الأحزان, محمد الطيب, محمد سوداني, مهند التكريتي, مطر, الحمداني, الــمُــنـــى, احمد معيوف, ايوب صابر, روح الياسمين, سالم, عبدالرحمن منصور, عزت عبد المجيد, نادية الجعبة, نسيان, نزف القلم |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مسابقة قطرات أدبية للقصة القصيرة اصدار 2017 - اعلان انطلاق | ايوب صابر | قــطــرات الـقـصـة والروايــة | 31 | 09-03-17 09:06 PM |
تعالوا نتعرف على ونكتب قصص أطفال ساحرة : ورشة عمل | ايوب صابر | قـطــرات المـقـالـة الأدبيـــة | 4 | 25-02-17 11:27 PM |
الفرق بين القصة والروايةًًًًًً | ماااريا | قـطرات من شعراء وأدبـــاء العالم العربي والأسلامي والأدب المترجم | 6 | 03-05-11 09:42 PM |
وش تبي نكتب ؟؟؟ | حسين الشمري | القسم الـعـام للمواضيع التي لاتنحصر تحت صنف معين | 93 | 03-05-11 09:22 PM |
تعريب وتطوير شبكة بلاك سبايدر التقنية 16-10-2009 |
الساعة الآن 02:10 AM.