ج 17
أدار وجهه بضع ثوانٍ ثم عاد لها بعينين واثقتين: ألله معي ...سينصرني ويحميني ,أرض الحب يا ورد غارقة بالأسلحة والمخدرات مشاريعه في سرقت الأعضاء البشرية من الموتى وحتى الأحياء على أشدها ,لدي الأوراق يعني لم يتبقى أمامي إلا نصف الطريق يجب أن نمسك به متلبساً بجرائمه.
ردت بضيق: هذا ليس عملك إنها مهمة رجال الأمن.
ابتسم: لن أجادلك في الأمر هذا المساء سيحضر إدريس وعذراء عامل الكراج البستاني وعائلته سنجتمع كما كنا سنفرح سوية أرجوك يا جنتي كوني سنداً لي في ما أنا مقبلٌ عليه ,لا تكوني سداً يحول بيني والطاغية أنا بحاجة لقوتك لثقتك ليقينك بالله ليس للخوف والقلق ...أنا لن أعيش في الظل حتى آخر العمر يا حبيبتي ولن أورث أطفالي الخوف من الغد وجرع الذل كأساً تلو أخيه.
ابتسمت لأحلامه ونكست رأسها تخفي خوفها: حسناً ولكن نبقى على اتصال سأعرف أخبارك دائماً أليس كذلك؟
لقد كانت من أجمل الأمسيات خرجت أمينه عن صمتها وعانقت آسر بشوق الأم التي حرمت وليدها فهي من ربته بعد وفاة أمها وقد حدثته عن أشياء كثيرة حدثت في الماضي...
بعد أيامٍ قليلة كانت ورد تستعد للسفر مع عذراء وأمها للجنوب في صالة الجلوس اجتمعوا قُبيل الرحيل ودعهم آسر الذي افتقد إدريس لبعض الوقت حين عاد أراد أن يوصيه على ورد
فهتف به: أقسم بالرب ستكون بخير إخوة عذراء يعملون في سلك الشرطة في الجنوب وهم درعها سيفدونها بدمائهم ...ما بك يا صديقي هل فقدت الثقة الآن...؟
كان آسر مصدوماً حد عقد اللسان : إخوة عذراء ...وأنت يا إدريس ألن تهتم لها كما وعدتني؟!
ابتسم ودق على صدره حيث ينبض قلبه: أما وأنت مقبلٌ على الموت أقسم أنني سأحرم على خافقي النبض إن رحلتُ عنك اليوم ...لا تقلق فقد هيأت لها كل ما قد تحتاجه لحمايتها.
نفض آسر رأسه لا يعي مقصد إدريس أمسك إدريس يدي صديقة بقوة :دائما كنا روحا في جسدين في ظل ظروفٍ أقسى من هذه بكثير وقفت معي تدعمني وكنت دائما درعاً يحمي صدري أفلا أكون كذلك يا توءم الروح.
قفزت دمعة من عيني آسر فمسحها إدريس وعانق صديقة بحب :سنحارب معاً وننتصر معاً عدني يا آسر أن نكون يداً واحدة في هذه الحرب .
نكس آسر رأسه بألم: وما ذنبك حتى تقتحم الجحيم معي ...ماذا لو خسرت حياتك في معركةٍ لا ناقة لك فيها ولا بعير...؟
عذراء من هتفت مجيبة: بل له أخٌ صادقٌ صدوق ...تعلم يا آسر رغم خوفي من القادم إلا أنني أبدا لن أرضى بتخلي إدريس عنك ثقا بالرب فقط وهو من سينصركما,لا تطيلا الغياب فآسر وورد كذلك ينتظرانكما بفارغ الصبر.
نظرا لبعض ببلاهة وعادا لها بنظراتٍ تحمل الأسئلة فابتسمت: بالأمس أخبرتني الطبيبة أن توءمي ذكر وأنثى فأسميتهما منذ اللحظة آسر وورد.
عم الفرح يمسح بعض الحزن والقلق المتسلط على القلوب,انقضى النهار ثقيلاً فالحرب المرتقبة شرسة ولا مجال فيها للخطأ.
كانت ورد كلما احترقت بقلقها وخوفها لجأت لمصلاها وعذراء كذلك كثيراً ما صلت من أجلهما اتصالات آسر وإدريس قليلة إن لم تكن نادرة على أن إخوة عذراء كثيراً ما بثوا الطمأنينة في القلوب الخائفة فقد تعاونوا كثيراً مع آسر في كشف أوراق عسكر للعدالة.
بعد مضي ثلاثة أشهر جاء ورد اتصال من آسر كان بعد الغروب بقليل ردت عليه بلهفة فألجمها صوته الحزين
: جنتي اشتقت لك كأرضٍ ضربها الصيف طويلاً جدباء تتحرق شوقاً لدموع السماء أحبك أكثر من زهور الياسمين التي توجتك بها مراراً قلبي معك ولكن ...هذا المساء سيكون الفيصل في حربي الشرسة ,مغادرٌ أنا قد لا تكتب لي عودة رغم هذا أقصدُ إن رحلت أسكنيني التراب ودعي قلبك لآخر لا يورثك حزناً أسود وانتظارٌ على قارعة الموت لا ينتهي.
كانت تبكي ولا قوة بها لترد ـ آه يا جنة لو أستطيع مسح دموعك الآن لو أستطيع أن أربت على قلبك بحنان عديني يا حبيبتي أن لا تتركي الدنيا خلفك مجدداً إن رحلت ,لا تجعلي ترابي قبلتك كما فعلت في السابق.
أخيراً أجابته بصوتٍ يتقطع حسرة: إذن عدني أنك لن تموت.
هتف بها: وهل أستطيع ذلك تعلمين للموت سلطاناً يا جنـ
هتفت بلوعة: وللحب على القلوب سلطاناً كما الموت تماما فلا تطالبني بما لا طاقة لي عليه.
حبس دموعاً غص بها: حسناً يجب أن أغادر الآن فقط أردت وداعك فقد لا يتاح لي هذا بعد ما أنا مقبلٌ عليه.
بكت بحرقة: سأرسل دعواتي لك إلى عمق السماء والله أكرمُ من أن يرد دعاء المضطر ـ كاد أن يغلق الخط فهتفت به ـ فارس ـ استمع باهتمام ـ فارسٌ أنت والنصرُ حليف الفرسان أودعتك لله يا حباً ما غيبته سنين الغياب الله معك كذلك قلبي معك.
ابتسم يداعب الأمل قلبه , الخوف والرهبة حقيقة كالموت تماماً في موقفٍ عصيب كالقادم لا مجال كي لا نخاف لا نهاب على أن الشجعان وحدهم من يتقدمون بلا تردد.
العظماء وحدهم من يحملون الأرواح على الأكف سعياً لإماطَة اللثام عن وجه الشر القبيح.
كانت ليلة قاسية وكادت أن لا تنتهي طويلةٌ هي وشاقة تماماً كصحراء قاحلة تبتلع طفلاً حافي القدمين عاري الصدر أتاها بلا زاد,على أن الله لا يخذل ه
من عليه اتكل وإليه لجئ.
لقد طال عمر الباطل وها قد آن له أن ينتهي بزغَ الفجر وداعبت الشمس وجه الأرض الحزين تلقت عذراء اتصال من شقيقها الأكبر يطلب منها المغادرة مع ورد إلى مدينتها فعسكر انتهى أمره وجلَّ أتباعه في قبضة العدالة.
هي على علمٍ بما حدث لكن سماعها صوت إدريس الحنون بثها شجاعةً وقوة سافرتا إلى حيث يرقد آسر ركضت إليه ورد باكيه ...رباه أيكون هذا رقوده الأخير...؟استفسرت من الطبيب الذي رد بكثيرٍ من اليأس إذا مضت عليه أربع وعشرون ساعة وهو على قيد الحياة فقد نجا بإذن الله هذه الساعات ستكون الحكم على حاله بالغد فصلي من أجله كثيراً لأننا لا نملك له غير الصلاة والدعاء أي شيء.
كانت تبكي بهدوء قلبها يحدثها أنه بخير ثمة أمل رغم صعوبة الموقف داعبُ روحها جلست جواره تتلو آيات الذكر الحكيم بشيء من الجلد.
مرت الساعات بطيئة دقائقها أزمنة حزن عقاربها مخلوقاتٌ تنهش في جسد القلب أه متى ينقضي هذا النهار ؟!
لم تعي أي شيءٍ من حولها حتى أنها لم تتنبه لإصابة إدريس حين حلَّ المساء أتاها بالطعام فذهلت حين رأته.
قالت بصدمةٍ واضحة: أنت كذلك مصاب...؟!
استقام بوقفته وعيناه معلقتان على وجه صديقة: حتى الآن مصاب وأدعو الرب أن لا يكسر ظهري, آسر يحبك يا ورد فإن كنت له عاشقة تناولي طعامك وتجلدي بالصبر وتحلي بالقوة اللازمة لمواجهة الغد.
نظرت لوجه آسر الشاحب جداً: لن أكترث مادام حياً لا أريد من هذه الفانية غير وجوده أي شيء...ضغطت قلبها بيدها, يشعر به أجل لازال يشعر به أسمع نبضه آسر لا يمكن له أن يرحل من جديد هو لن يفعل أليس كذلك...؟
نظرت لإدريس الباكي بصمت: وضعه لا يبشر بالخير يا أخيه.
هزت رأسها بعنف ترفض الاستماع: لا لن أفقده من جديد كانت تبكي حين انتبهت على صوتِ الارتطام لتكتشف أن إدريس غرق في غيبوبة استمرت لساعتين.
كان الطبيب يتحدث بأسى :لم أشهد بحياتي كهذين الصديقين وصل آسر للمستشفى في حالٍ يشبه النزاع على أنه يهتف بنا أنقذوا إدريس وهذا المجنون رفض الراحة في سريره وفضل الموت بجوار صديقة من أين لنا بقلوبٍ كقلوبهم مليئة بالطهر والصدق.
اقتربت ورد من الطبيب تغالب البكاء:سيكونا بخير أليس كذلك ؟
هز رأسه: إدريس بلا أما آسر فلازال تحت الخطر فجر الغد يأتينا بالخبر اليقين .
\
\
يتبع