تبدأ العشر الأواخر من رمضان ابتداء من ليلة إحدى وعشرين ، سواء كان الشهر ثلاثين يوما ، أم كان تسعا وعشرين .
ويدل على ذلك ما رواه البخاري (813) ، ومسلم (1167) عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ: ( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ )، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: ( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ )، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: (مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ) وَكَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ " .
وفي رواية للبخاري (2027): " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: (مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ) ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " .
قال الحافظ رحمه الله:
" هذا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي صُبْحِ الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ ، وَوُقُوعَ الْمَطَرِ كَانَ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " انتهى من " فتح الباري " (4/ 257) .
وفي رواية للبخاري (2018) ، ومسلم أيضا (1167) : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ العَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي ، وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ " .
فهذا يدل على أن العشر الأواخر تبدأ من ليلة إحدى وعشرين .
ولذلك فإن مذهب جمهور العلماء - ومنهم الأئمة الأربعة -: أن من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فإنه يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين.
انظر جواب السؤال رقم : (14046) .
وأوتار العشر الأواخر هي : ليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين .
ولا تدخل ليلة التاسع عشر في أوتار العشر الأواخر، سواء كان الشهر تاما ، أو ناقصا ؛ لأنها من العشر الأوسط .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" لَيْلَةُ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةٌ فِي رَمَضَان ، ثُمَّ فِي الْعَشْر الْأَخِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ ، لَا فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ بِعَيْنِهَا , وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوع الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا " .
انتهى من " فتح الباري " (4/260).
والله تعالى أعلم.