احيانا تنزل الدموع , و كأنها النياران الماشية التي تصدر من البركان و تمشي على الخدود فتحرق كل شئ في طريقها .
أحيانا نسكت و داخلنا آلام كبيرة , لأننا لا نستطيع الكلام و الدفاع عن أنفسنا فلا نجد غير البكاء للتنفيس عن حالنا .
نجلس عند قبر عزيز غالي , و لا نستطيع قول ما يغضب الله و يزيد الحبيب في العذاب لأننا نخاف عليه و عليها .
ليتكي هنا يا من كنت تعرفين كل شئ و كنت تنصحين بالصبر , ليتك هنا يا مكن كنت تحتكم على النظرة الثاقبة و تعي أن الدنيا هذه زائلة .
تعلمت منكما أمور مهمة , تعلمت الصبر عند الشدائد و السكوت على الصغائر , تعلمت يا أماه كيف أكون ضاحكة رغم أن قلبي يحترق , و تعلمت منك يا أبتي كيف لا أكل و لا أتعب من العمل رغم أن قواي قاربت على الانتهاء .
تعلمت كيف لا بد أن أصارع الحياة و أقابلها بالمبسم الضاحك , و كيف للساني أن يزين بأجمل الكلام . تعلمت أمور أعلمها الآن لأبنائي .
تعلمت كيف أن الله أبدا لن ينساني و كيف أنه أبدا يحبني بالعطايا و الوهب رغم الامتحانات الكثيرات .
اليوم أدركت أن حبكما صافي طاهر , كيف للقبر أن يكون قرب القبر و قد باعد الزمان بين فترات الوفاة , لولا حبكما الطاهر لما صنع المحال في هذا الأمر .
حمام أبيض كان عليكما و العشب الأخضر من حولكما بخلاف كل القبور , ألسنتكم أبدا لم تذكر غير الله و يداكما لم تعطي لغير الله أموالا و لا أدكر لكما يوما عصيتما فيه الله رغم صعوبة ما ممررتما فيه من أمور .
فارق السن بينكما أبدا لم يكن عائقا بل حافزا لك يا أبي لتحنو على أمي كالطفلة و أنت يا أمي لتحبيه كالأب و لتحترمي فيه الرجولة و الفكر .
كنتما لي القدورة الحسنة و لا زلتما لي الشاهد على كل تصرفاتي .
أعذراني فأنا أحيانا أنسى و أتراجع و قد أسقط و قد أنزوي فأبكي وحدي و قد أفشل فاحس بالعجز , لكني احمل صوركما بداخلي التي تحفزني دوما على العطاء و مواصلة الركب .
رحمكما الله أيها الغليان على قلبي و لا حرمني من ذكراكما الغالية على قلبي .