إنّ اللّبيبَ بمثلها لا يُخْدَعُ
بقلم / ربيع بن المدني
هُناك في المكان الخالي المخيف
حيثُ الظّلامُ الدّامسُ والوحشةُ الرهيبةُ
تجلسُ (كعادتها) عجوز شَمطاء
شائهة الخلْقة
خبيثة المنظر سيّئة المخبر
مثرمة الأسنان ذابلة العينين لا تسرّ الناظرين
تُحاول عبثاً إخفاءَ دمامتها تحت مساحيق دسمة
تبدو حقيقة عارية
جثّة عفنة لا يواريها تُراب
مزّقتها الأعوامُ والسّنينُ
كُتب عليها أن تعيشَ طويلا طويلاً
في عذابها القاسي وألمها الشّديد
جفّت منها المآقي ودُميت منها الأجفان
مُستسلمة لخواطر وهواجس ومشاعر متناقضة
فهي بحق مثالٌ صادقٌ للبؤس والشّقاء والتّعاسة
اشتدّ بها الكبرُ والمللُ والانتظارُ
افترسها الجهلُ والفقرُ والمرضُ
يُطاردها شبحُ المنغّصات في غير رفق ولا هوادة
جرى منها الحزنُ واليأسُ والأسى والأسف مجرى الدّم
حزنها سعادة وسعادتُها حزن
أظمأت أبناءَها وأمطرت عليهم مصائبا
امتحنها أولوا الألباب
فتكشّفت لهم عن عن عدو في ثياب صديق
فهي محتقرة في كتاب ربّنا عزّ وجلّ
ملعونة على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم
باكَرها أبناؤها بالعقوق
فلا تجد منهم أحداً إلا سبّها وشتمها واحتقرها
ودعا عليها لحطيئة جَرْولُ فقال:
جزاك الله شرّا من عجوز ...ولقّاك العقــوقَ من البنينا
تنحّيْ واجلسي مني بعيدا ...أراح الله منك العـــالمينا
حياتُك ما علمت حياة سوء...وموتك قد يسرّ الصّالحينا
ووصفها أبو العلاء بقوله :
إذا خُشِيَتْ لشَرٍّ عَجّلَتهُ ،...وإنْ رُجيَتْ لخَيرٍ عوّقَته
ووصفها الحسنُ البصري بقوله :
وإنّ اللبيب بمثلها لا يخدعُ ...
وصدّر الإمامُ النّووي كتابَه رياضَ الصّالحين بالتحذير منها وحقيقتها ثم قال :
إنّ لله عبادا فُطـــنا ...طلّقُوا الدّنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلمّا علموا ... أنّها ليست لحــيّ وطنا
جعـلوها لجّة واتخذوا ...صـالحَ الأعمال فيها سُفنا
فإذا كان حالُها ما وصفته ، وحالنا وما خُلقنا له ما قدّمته ، فحقّ على المكلّف أن يذهبَ بنفسه مذهب الأخيار ، ويسلك مسلك أولي النّهى والأبصار ، ويتأهبُ لما أشرتُ إليه ، ويهتمّ بما نبّهتُ عليه . اهـ
وكتب ربيع بنُ المدني في 14 يوليوز 2011