عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-17, 10:56 PM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
 ايوب صابر  
اللقب:
:: كاتب وباحث ::
الرتبة:

بيانات العضو
التسجيل: 05-12-16
العضوية: 831
المواضيع: 58
المشاركات: 335
المجموع: 393
بمعدل : 0.15 يوميا
آخر زيارة : 22-07-17
الجنس :  الجنس
نقاط التقييم: 1531
قوة التقييم: ايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant future


---وسام التميز الأول--- 

الإعـــــجـــــــاب
عدد الإعجابات التي قدمتها: 58
وحصلتُ على 122 إعجاب في 93 مشاركة

الحــائــط الإجتمــاعــي

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
ايوب صابر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع : ايوب صابر المنتدى : قــطــرات الـقـصـة والروايــة
افتراضي

القصص المشاركة في المسابقة والتي وصلتنا حتى الان :

ملاحظة هامة : يمكن للراغب في المشاركة في المسابقة وتسهيلا على الاعضاء الجدد ادراج قصته هنا بدلا من ارسالها عبر البريد الخاص.


المشاركة الاولى :
وما ادراك ما هي

" سيما خالد "

طأطأت الأشجار فروعها بخجل، وتوارت الشمس آخذة معها أشعتها لتعلن الغروب قبل أوانه، أصفد الناس أبوابهم، ولم يبق إلا الرياح التي أبت الرحيل دون أن تحمل معها الضغائن الكامنة في نفوس تلك المدينة، وما استطاعت ولن تستطيع حتى لو حاولت أبد الدهر.
كان التفكير يستوطن عقل أبي عماد ويقض مضجعه، دوامة من الأسئلة دارت في رأسه، وإحساس بالندم تولّد داخله، راوده شك في أعماقه وعقد حاجبيه متعجباً متمتماً:" هل يعقل أن يستيقظ ضميري بسبب هذا الفتى؟".
نزل من بيته، أدار محرك سيارته وسار يطوي المسافات على جناح السرعة، علّها تنسيه ما انهال عليه من أوجاع باتت تخالج قلبه، استرجع شريطه الأسبوعي وكانت تلك المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، تذكر ابن حيّه سامي الذي لا يلبث أن يراه حتى يشرع بتأنيبه على بيعه المثلجات في وسط الشوارع ليس على قارعة الطريق مثل بقية الباعة المتجولين، وانتهى الأمر بينهما إلى رفع أبو عماد شكوى ضد الفتى البارحة فمنع من مهنته.
جميع أهالي الحيّ أثنوا عليه دون شفقة أو رحمة قالوا:" إنه يستحق ما حلّ به، فهو طماعٌ يقوم بإزعاجنا ليكسب المزيد من المال"، تساءل سامي مع نفسه هل جرفتهم الحياة إذ ذاك ونسوا إنسانيتهم، أو أنهم من الذين قال عنهم الله عز وجل:((خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ{7} ))؟.
أما هو فانطلق أنينه في أناء الليل مفجعاً رغم أنه خافت يخشى إيقاظ أخويه الصغيرين، يهولس، يتمتم، يغفو فإذا هي رمية سهم حتى يصحو من جديد، تراوده الكوابيس، تقصّ عليه الدموع مأساته كيف يأتي بصيص الأمل ويتلاشى على حين غرة، وأخيراً استلهم من بنيات أفكاره ولمع في ذهنه قول أبيه -رحمه الله- :" أيقن دائماً يا بني بأن الغد أجمل، حتى إذا لم يحمل لك ما تتمناه ابتسم لمجرد قدومه فهذه نعمة حرم منها الراقدون تحت الأرض".
ولمّا انبلجت الشمس من مكمنها استعد سامي وتوجه ميمماً شطر جيرانه معتذراً، متوسلاً لأبي عماد بأن يسحب شكواه، وبالطبع ذهبت جهوده هباء منثوراً، فأنّى له تخيل الحصول على عطف من قلوب مقفلة؟
تمثل طيف سامي أمام أبي عماد ريثما كان يقود، جاحظ العينين، فامتقع لونه وفتح فمه مشدوهاً ثم هبطت كلماتٌ أثقلت قلبه، وأثخنته محدثةً جروحاً دامية:" ألم تفكر يا عمي بالذنب الذي اقترفته؟ أنا لاجئ عندك لكنّي لست لاجئاً إليك، لم أنكس رأسي يوماً، حملت جنسيتي الفلسطينية على جبيني وأعترف بأنني لست على مستواكم لأشتري الورق، مضيت قدماً لأحقق مسعاي الذي يكمن في رغيف خبز يسكت أمعاء إخوتي الصغار ويرأف بحناجرهم المحرومة، تتهكم، تستهزئ في كل مرة أقول لك فيها أنا ابن الحرب، تردد كلمة حرب بكل صفاقة وسذاجة، وما أدراك ما هي الحرب وأنت تنام وتتدثر في غطاء من حرير، تنعم بالسكينة، لم تسمع صوت الرصاص إلا عبر التلفاز وأصممت أذنيك عن أنين الملاجئ، ما جرّبت عيشة الأنقاض، أستحلفك بالله أغرورقت عيناك بالدمع مرة لعزيز بعد أن نجا ورأى عصافير الحرية قتلته عصافير بطنه؟" هكذا قال ثم تلاشى.
ارتج على أبي عماد وعقد لسانه لبضع دقائق ثم عاد إلى الحيّ يقصد سامي الذي يقطن خربة وراء إحدى العمارات، شاهده يحمل خرقتين كان يرتيدهما منذ مجيئه ويهم للمغادرة حاملاً، وجهه كبحر جف ماؤه، وقد هرمت يداه مما ألم به من الهم، فناداه وقال: أعتذر عن سلوكي الأرعن، خذ هذه النقود وسأعطيك مثلها كل ما احتجت.
استشاط سامي غضباً، وحدق في العم عماد، رغم ذلك رد بأدبٍ جمّ: أتظنني محتاجاً؟! صحيح أنني لا أملك قطعة نقود في جيبي لكني لدي من مخلفات الحرب ما يكفيني، عزة نفس وشهامة وقوة والكثير الكثير.
رحل وترك وراءه أبا عماد يتكبد عناء النسيان، حمل معه مشاعر ألم جياشة، اتّبع حدسه ومشى مع أخويه يتخبط في كل تيه، وينظر إليهما تارة وإلى خلفه تارة أخرى فتتأجج في قلبه نار الحسرة مع كل التفاتة، ذلك البلد احتضنه شكلاً وازدراه مضموناً، هوى بين شقي الرحى عدوه وأناسه كلاهما ما عادا يعنيان له شيء.
اجتمع أهل الحيّ حوله وقد كان على وشك الانهيار وقالوا له:" ماذا يعنيك كلامه، مذ جاء وهو يصرع رؤوسنا بقصة التشرد والحرب، إنه محض لاجئ لا يقدم ولا يؤخر في حياتنا قيد أنملة".
أجهش أبو عماد بالبكاء وصرخ:" إنه ابن الحرب وما أدراكم ما الحرب؟".
وحلّ السخط على هذا الحي فلم يزره لاجئ مرة أخرى ليعلمهم معنى الإنسان، وبقوا على حالهم إلى الآن وحتى إشعار آخر.















التعديل الأخير تم بواسطة ايوب صابر ; 06-03-17 الساعة 02:26 PM
عرض البوم صور ايوب صابر   رد مع اقتباس