[frame="3 10"]النوم
أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم
فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي
إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز
الأمعاء تهضم كل هذا يتم بطريقة تلقائية والجسد ممدد
بلا حراك
تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة
و تنمو الخلايا و تتنفس من أكسوجين الجو .
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
إن سر الموت يكمن في لغز النوم
لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت
نصف الإنسان الراقي يموت أثناء النوم
شخصيته تموت .. عقله يموت
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب
و يعود مليون سنة إلى الخلف
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن
و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر
و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية
بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية
لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه
و لحظات الليل عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق
و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات
لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
و هذه اللحظة لحظة عميقة
لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه
و يتحرر من الألفة و التعود
و الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد
ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً
والنوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة
فمقدار السكر والأكسوجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في
الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة.
والإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم ويقظة
يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها.
ومادة النوم رخيصة لأن الإنسان يقترب فيه من التراب
ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة
[/frame]