تعزية ورثاء
كأْسٌ مِن الدنيا تُدارْ مَنْ ذاقها خَلع العِذارْ
الليلُ قوَّامٌ بها فإذا وَنَى قام النهار
وحَبا بها الأعمارَ، لم تدُم الطِّوالُ، ولا القِصار
شَرِبَ الصبيُّ بها، ولم يخل المُعَمَّرُ مِن خُمار
وحَسا الكرامُ سُلافَهَا وتناول الهَمَلُ العُقار
وأَصاب منها ذو الهوى ما قد أصاب أَخو الوقار
ولقد تميلُ على الجما د ، وتصرَع الفلَكَ المُدار
كأسُ المنيّةِ في يدٍ عَسراءً، ما منها فِرار
تجرى اليمينَ، فَمَنْ تولّي يَسْرَةً جَرَت اليَسار
أوْدَى الجرىءُ إذا جرى والمستميتُ إذا أَغار
ليثُ المعامعِ ، والوقا ئع ، والمواقِع، والحِصار
وبقيّةُ الزُّمَرِ التي كانت تَذود عن الذِّمار
جندُ الخلافةِ، عَسكرُالس لطانِ حاميةُ الديار
ضاقت (كريدُ) جبالُها بك يا (خلوصى) والقِفار
أيّامُكم فيها – وإن طال المدى – ذاتُ اشْتِهار
عَلِمَ العدوُّ بأَنكم أنتم لِمعْصمِها سِوار
أحْدَقْتُمُ بمقرِّه فتركتموه بلا قرار
حتى اهتدى مَنْ كان ض لَّ ، وثاب من قد كان ثار
واعْتزَّ ركنٌ للولا ية كان مُنقضَّى الجِدار
* * *
عِشْ للعُلا والمجدِ – يا خيرَ البنين – ولِلفخار
ابكى لدمعك جارياً ولدمع إخوتِكَ الصِّغار
وأوّدُّ اَنكُمُ رجا لٌ مثل والدِكم كِبار
وأريد بيتَكُمُ عما را ، لا يُحاكيه عمَار
لا تخرجُ النَّعماءُ من ه ، ولا يُزايِلُه اليَسار
الصحافة
لكلِّ زمانٍ مضى آيةٌ وآيةُ هذا الزمانِ الصُّحُف
لسانُ البلادِ، ونبضُ العباد وكهفُ الحقوق وحربُ الجنَف
تسيرُ مسيرَ الضحى في البلاد إذا العلمُ مزَّق فيها السَّدف
وتمشى تُعلِّمُ في أُمةٍ كثيرةِ مَنْ لا يخُطُّ الألِف !
فيا فتيةَ الصحْف، صبراً إذا نبا الرزقُ فيها بكم واختلف
فإنُ السعادةَ غيرُ الظهو رِ ، وغيرُ الثراءِ، وغيرُ الترف
ولكنها في نواحى الضمير إذا هو باللؤم لم يُكتنف
خذوا القصدَ، واقتنعوا بالكفاف وخلوا الفضولَ يغلْها السَّرف
وروموا النبوغَ ، فمن ناله تلقَّى من الحظَّ اسنى التحَف
وما الرزقُ مجتنِبٌ حِرْفَةً إذا الحظُّ لم يهجر المحترِف
إذا آختِ الجوهريَّ الحظوظ كفلنَ اليتيمَ له في الصَّدف
وإن أعرضت عنه لم يحلُ في عيونِ الخرائد غيرُ الخزف
* * *
رعى اللهُ ليلتَكم ، إنها تلت عنده ليلةَ المنتصَف
لقد طلع البدرُ من جُنْحها وأوما الى صُحبِها أَن يقف
جلوتم حواشيَهَا بالفنون فمن كل فنٍّ جميل طَرف
فإن تسألوا: ما مكانُ الفنون؟ فكم شرفٍ فوق هذا الشرف
أريكةُ ( مولييرَ) فيما مضى وعرشُ (شِكسبيرَ) فيما سلف
وعودُ (ابن ساعدةٍ) في عُكاظَ إذا سال خاطره بالطُّرَف
فلا يَرْقَيَنْ فيه إلا فتىً الى درجات النبوغ انصرف
تُعلِّمُ حكمتُه الحاضرين وتُسْمِعُ في الغابرين النُّطف
* * *
حمدنا بلاءَكُم في النضالِ وأمِس حمدنا بلاءً السلف
ومن نسىَ الفضلَ للسابقين فما عرف الفضلَ فيما عرف
أليس إليهم صلاح البناءِ إذا ما الأَساس سما بالغرف؟
فهل تأذونون لذى خَلَّةٍ يَفضُّ الراحين فوق الجيف؟
فاين( اللواءُ)، وربُّ اللواءِ إمامُ الشباب، مثالُ الشرف؟
وأين الذي بينكم شِبْلُه على غاية الحق نِعْمَ الخلف؟
ولا بدّ للغرس من نقله إلى من تعهّد أو من قطف
فلا تجحدنَّ يدَ الغارسين وهذا الجَنى في يديك اعترف
أولئك مَرُّوا كدود الحرير شجاها النَّفاعُ وفيه التلف.
أحمد شوقي