عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-16, 03:00 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
 ايوب صابر  
اللقب:
:: كاتب وباحث ::
الرتبة:

بيانات العضو
التسجيل: 05-12-16
العضوية: 831
المواضيع: 58
المشاركات: 335
المجموع: 393
بمعدل : 0.15 يوميا
آخر زيارة : 22-07-17
الجنس :  الجنس
نقاط التقييم: 1531
قوة التقييم: ايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant futureايوب صابر has a brilliant future


---وسام التميز الأول--- 

الإعـــــجـــــــاب
عدد الإعجابات التي قدمتها: 58
وحصلتُ على 122 إعجاب في 93 مشاركة

الحــائــط الإجتمــاعــي

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
ايوب صابر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع : ايوب صابر المنتدى : قسم الحـــوار الجـــاد بقضايــــا الفرد والمجتمـع
افتراضي

الحدس في الإبداع الشعري
مصطفى سويف

عن القدس العربي
17/12/2016

ربما كان القول بالإلهام كتفسير لعملية الإبداع لدى الشعراء هو أقدم ما قيل في هذا الصدد، لدى الباحثين منذ أفلاطون، وعند الشعراء منذ هوميروس الذي استهل الإلياذة باستجداء ربات الشعر أن تمن عليه بالإلهام. ولقد عبر هذا القول العصور إلى بعض الشعراء العرب جاهليين وإسلاميين، فالشعراء المحدثين من شرقيين وغربيين، كما عبر إلى بعض الباحثين المحدثين أيضاً، ولو أنه أصبح عند المحدثين صنفاً تحت نوع أعم هو «الحدس»، ولذلك أصبح بعضهم يتكلم عنه بهذا الاسم وما زال البعض الآخر يذكره باسمه الأصلي.
والمشكلة الجديرة بالنظر لدى هذه الفئة من الباحثين والشعراء، عن «أصالة العمل الفني»، أو هذه الجدة التي جعلت لالاند يقول إنه لولا وجود فكتور هيجو لما تسنى للإنسانية أن تغني غناءه في «البؤساء» و»أوراق الخريف». فعلى الرغم من أن هيجو يشترك مع عدد وافر من الشعراء في كونه ممثلاً للنزعة الرومانسية، إلا أن لأعماله طابعاً فريداً يميزها، بل وأكثر من ذلك يوجد في كل عمل من أعماله حظ من ابتكار. هذا الابتكار يثير مشكلة تحتل مركز الصدارة في نظر القائلين بالحدس أو بالإلهام.
وقد وصف دي لاكروا الإلهام بأنه صدمة الانفعال، وقال إن حال الملهم في لحظة الإلهام كحال من يجذب انتباهه فجأة، عندئذ يختل الاتزان لديه، ويمضي نحو اتزان جديد، وينقطع سير العمليات الذهنية ويدخل في الميدان شيء جديد، وطبيعي أن توجد عندئذ حال وجدانية قد تكون عنيفة، حتى لتبلغ الحماسة، وينساب في الذهن سيل فجائي من الأفكار والصور. وقال فليكس كلاي يصف هذه اللحظة أيضاً: «إننا نطلق كلمة الإلهام على لحظات الإبداع الفجائية، وهي لحظات تنتابنا مصحوبة بأزمات انفعالية، وتبدو بعيدة عن العمليات العادية للعقل والشعور، بعيدة عن حكم الإرادة وسيطرتها، تأتي غير متوقعة، ومجيئها مرهون بدعائنا، كالنوم والأحلام. وقال بولدوين معرّفاً الإلهام: «إنه إشراق الذهن أو تنبهه الذي يُنظر إليه كأنما هو آت مما وراء الطبيعة».
ومن الجلي أن هذا الوصف وأمثاله، لا يضيف جديداً إلى الموقف، فلا هو يحل مشكلة الإبداع، ولا يشير إلى طريق للحل، فلننظر في أحاديث من تكلموا عن الحدس.
وأول ما يخطر بالذهن في هذا الصدد، ذكر ابن سينا وديكارت، على الأقل لما قدماه من تحديد لمعناه. فابن سينا يقول إن الحدس جودة حركة لقوة الفهم إلى اقتناص الحد الأوسط من تلقاء نفسها. وديكارت يستخدم «الحدس» باعتباره دالاً على ما يضاد القياس، ويقصد بالقياس هنا ما يصح تسميته باسم الاستنباط أو الاستنتاج على وجه العموم، أي استخراج النتائج من المقدمات بشتى الطرق المعروفة في المنطق. ومن ذلك يتبين أن المعنى المقصود من وراء هذا الحد سواء عند ابن سينا وعند ديكارت هو المعرفة الفجائية التي ليس لها مقدمات من تفكير وترو، وهو ما ذهب إليه بولدوين إذ يقرر أن الحدس هو الإدراك أو الحكم المباشر السريع لموضوع في حقيقته الفردية، و[كذلك] وارن في قوله إنه حكم دون أن يسبقه تفكير.
غير أن الموضوع لا تكفيه هذه الوقفة العابرة، فمع أن الباحثين الذين اهتموا به متفقون على القول بالفجائية في المعرفة كمعنى له، مع ذلك فإنهم مختلفون في تفريعات كثيرة ومختلفون أيضاً في محاولاتهم لتفسير هذه الفجائية. والذي يهمنا هو هذا الجزء أكثر مما سبق. فبولدوين مثلاً يفرق بين نوعين من الحدس، حدس حسي وهو عبارة عن تأليف بين عناصر زمانية وعناصر مكانية، ويتجلى في الفهم المباشر للأشياء العينية، وحدس حركي يتجلى في الأمر المفاجئ بفعل مركب أو بمجموعة من الأفعال المتلاحقة دون المرور بخطوات من الإعداد والتروي. وهذا النوعان يذكراننا بحديث كانط عن الحدس والأمر المطلق.
ويفرق ديبلي بين نوعين من الحدس على أساس آخر، فثمة حدس خالص يطلعنا على الحق الذي لا جدال فيه بطريق مباشر، لا يقوم على أي نوع من التأهب والإعداد لمواجهة المشكلة، وفي مقابل ذلك يوجد الحدس الراقي، نتبين فيه آثار التفكير الشعوري، لأنه حدس مشيد على التجربة، يأتينا بعد أن نبذل الجهد الهائل في سبيل الحصول على الحق، وينتابنا التعب دون أن نصل إلى ما يعنينا فنترك أمر هذه المشكلة، وبعد فترة ما، نفاجأ بالحل يبزغ في ذهننا، ومن ثم تكون لهذا النوع ميزة أخرى غير ميزة القيام على الجهد المشعور به، هي أن المضمون يبزغ في الذهن ككل، لا جزءاً بعد جزء.
على أن هذه التفرقة بين حدس بسيط وحدس راق، ليست بالتفرقة الجديدة، فقد عرفها ديكارت نفسه وقال إننا نمارس النوع الأول فيما يتعلق بالقضايا البديهية مثل «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، وهذا النوع شائع عند الجميع، أما النوع الآخر فليسأل عنه العباقرة. وليس من شك في أن حلم ديكارت في ليلة 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1619 كان حدساً راقياً، وكان لهذا الحدس أثر عظيم في حياة ديكارت الفكرية، إذ أمده بمعين فلسفته، فما عاد يعمل في وحدات مفككة يتخبط بينها باحثاً عن الطريق، بل أصبح يعمل بين أجزاء متكاملة يعمل على تكاملها ذلك الكشف الباطني.
ويمكن القول إن حدوس الشعراء تكون من هذا النوع أيضاً. فبعد أزمة حادة لانقطاع سيل التعبير عند الشاعر، بحيث يصبح خلع ضرس أهون عليه من نظم بيت، إذا به ينطق كالسيل الجارف، يمضي دون توقف، ويحيل كل ما يعترض سبيله إلى لحظات في سياق التعبير. ولكن هل يكفي لتفسير هذه الظاهرة مجرد التسمية، فنطلق عليها اسم «الحدس الراقي»؟ كلا طبعاً، وإنما يلزمنا أن نتعمق المفهوم الدينامي لهذا الاسم، يلزمنا أن نعرف العمليات الذهنية التي تقوم وراءه.
وقد حاول ديبلي هذه المحاولة، فقال إنه نوع من الاستدلال يمضي في مستوى اللاشعور، وما دام استدلالاً فإننا نتبين فيه بعض الإفادة من الخبرات السابقة، كما نتبين بعض آثار الذاكرة. ومع أن عوامل هذا الحدس ليست كلها في متناول المعرفة العلمية، فإننا نستطيع أن نعرف بعض هذه العوامل. والمبدأ الفعال فيه شبيه بتأملنا المشعور به. ولذلك نيسر الأمر فننظر أولاً في هذه العملية الأخيرة.
إن التأمل هو أحد وظائف الفكر، فهو فعل التفكير. ولسنا نقصد به تقليب الشيء والنظر فيه من وجوهه المختلفة، إنما نقصد التفكير الجديد في فكرة متكاملة انتهى التفكير من تشكيلها، لكنه يتناولها الآن من حيث علاقتها بشيء معلوم خارج الذات، أو من حيث علاقتها بالذات نفسها، ومن هنا يظهر إلى أي مدى يكون التأمل معقداً أو اعقد بكثير من أية عملية من عمليات الفكر الأخرى. وقد فرّق يونغ بين نوعين من التفكير، تفكير إيجابي نقوده بإرادتنا، وتفكير سلبي يتم بغير أن نقوده أو نوجهه. واستغل ديبلي هذه التفرقة فقال: إن الحدس يتألف إلى حد كبير من عمليات التفكير السلبي، وبالتالي تقوده العادات الفردية، ومن ثم فإن أية بارقة فكرية عندي لا يمكن أن تشبه أية بارقة فكرية عندك. وليس هناك حدس، لكن هناك عملية حدسية، تجري في مستوى ما تحت الشعور، ولا يظهر منها في المستوى الشعوري سوى نتائجها. وهي كعملية التأمل تتغذى بنفسها، فكل مرحلة من مراحل التقدم الذهني تصبح مادة للمرحلة التالية، حتى نصل إلى النتيجة النهائية.
ولكن، بعد هذه الرحلة الشاقة، هل يكفي الحدس أو «التأمل اللاشعوري» على حد تعبير ديبلي، هل يكفي لتفسير عملية الإبداع في الشعر؟ إن صورة الشاعر كما ترتسم في ذهن القائلين بالحدس، لا تزيد على أن تكون هذه الصورة التي رفضها دي لاكروا لنقصها الشديد، صورة شخص سلبت إرادته وانهال عليه وابل الإلهام. وتلك صورة لا تتسع لكل لحظات الإبداع على اختلافها. فهي تصور لحظة بين عدة لحظات متباينة، نحن لا نقول إن هذه الدعوة خطأ من أساسها، بل على الضد من ذلك سنبين أن لها جانباً من الصحة، غير أن القائلين بها عمموا اللحظة على سائر اللحظات، وفي هذا السبيل نسوا عدة مشكلات متشابكة لا بد من النظر فيها لمن ينظر في عملية الإبداع.

من «الأسس النفسية للإبداع الشعري»، 1950

رائد الدراسات النفسية

كان الأكاديمي المصري (1924ـ2016) أحد كبار الرواد في ميدان علم النفس عموماً، وعلاقة هذا العلم بالفنون والآداب بصفة خاصة؛ وبهذا فقد كان عمله المرجعي الهام «الأسس النفسية للإبداع الفني»، الذي صدر مطلع الخمسينيات، فاتحة ذلك الميدان الجديد من الدراسات الشائكة، الشيقة، والضرورية، في آن معاً. ويرى جابر عصفور، كما ينقل عنه إيهاب الملاح، إن حضور هذا العمل ترسخ في مناهج الأجيال اللاحقة، ضمن ثلاثة أبعاد: أنه مدخل علمي إلى الدراسات النفسية التجريبية في ميدان الإبداع عامة‏،‏ والشعرى بخاصة؛ وأنه، ثانيا‏‏، نموذج فريد‏‏ رائد‏،‏ مؤثر في تجاوب الحقول المعرفية وتفاعلها ضمن ما أصبح يعرف بالدراسات البينية‏؛‏ ثمّ، ثالثاً، بسبب تميزه المنهجي الذى كشف عن درجة عالية من امتلاك الأدوات المعرفية والعمليات الإجرائية‏،‏ وذلك من منظور اجتماعي لا تخطئه العين المدققة.
بين مؤلفات سويف الأخرى: «الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي: دراسة ارتقائية تحليلية»، «مقدمة لعلم النفس الاجتماعي»، «علم النفس الحديث»، «التطرف كأسلوب للاستجابة»، «مصر الحاضر والمستقبل»، «مشكلة تعاطى المخدرات: نظرة علمية»، «علم النفس: دراسات نظرية وبحوث أمبريقية عملية»، «دراسات نفسية في الإبداع والتلقي»، «علم النفس العيادي»، «مشكلات منهجية في بحوث علم النفس العيادي»، «علم النفس: فلسفته وحاضره ومستقبله ككيان اجتماعي»، «المخدرات والمجتمع»، «علم النفس: فلسفته وحاضره ومستقبله ككيان اجتماعي».

الحدس في الإبداع الشعري
مصطفى سويف

عن القدس العربي
17/12/2016












عرض البوم صور ايوب صابر   رد مع اقتباس