جميل صدقي الزهاوي
مصطفى معروفي
ـــــــــــ
أيــأمر ظــلُّ الله في أرضه بما
نــهى اللهُ عنه والرسولُ المبجلُ
فــيُــفقر ذا مــال ويــنفي مــبرَّأً
ويــسجن مظلومًا ويَسبي ويَقتلُ
تــمهَّلْ قــليلًا لا تــغظْ أمــةً إذا
تــحرك فــيها الــغيظ لا تتمهلُ
وأيديك إن طالت فلا تغتررْ بها
فــإنَّ يــد الأيــام مــنهن أطولُ
جميل صدقي الزهاوي
ـــــــــــــــــ
يقول حسن الزيات:
رأى ـ يقصد الشاعر الزهاوي ـ في الأستانة عبد الحميد يلقي الأحرار مغلولين في غيابة السجن أو في قاع البحر فأرسل إليه مع أبي الهدى قصيدة قال فيها:
أيأمر ظل الله..الى آخر الأبيات أعلاه ،فحبسه حينا ثم نفاه...
وهكذا بقيت حال الزهاوي في كد وكدح ونضال إلى أخريات أيامه.
ولد الزهاوي سنة 1863 في بغداد،وكان والده مفتيا للعراق وأخوه فقيها من فقهائها.
تعلم الزهاوي تعليما دينيا،وكان متمردا لا يذعن لرأي،ويهتم فقط باللعب ونظم بعض الأبيات التي لا طائل يرجى من ورائها.
يقول الزهاوي في إحدى رسائله المنشورة في مجلة الكاتب سنة 1947:
في صباي كنت أدعى بالجنون لحركاتي غير المألوفة،وفي شبابي بالطائش لخفتي وإيغالي في اللهو..وفي كهولتي بالجريء لمقاومتي للاستبداد،وفي شيخوختي بالزنديق لمجاهرتي بآرائي الحرة الفلسفية.
من يقرأ شعر الزهاوي يرى صورة عصره ماثلة فيه،ولا أدري لماذا ترتبط صىورة الزهاوي في ذهني بصورة الرصافي ،فكلا الرجلين كانا معجونين من طينة واحدة،هي التمرد والدعوة إلى الإصلاح.إلى درجة أن الرصافي بالبيت الذي نحفظه جميعا وهو:
إذا سلكت إلى الإصلاح مسلكه
فــأنت فــي رأيهم بالكفر متّهمُ
والجواهري قد خاطب الرصافي ببيت ما زلت أحفظه عن ظهر قلب منذ مدة طويله وهو:
وإنَّــكَ أنــقى مــن نُــفوسِ خبيثةٍ
تُراوِدُ بالصَّمت المريـــــبِ المَناكرا
والزهاوي كان كثير الاطلاع على المؤلفات الدينية والفكرية،فهو قد أكب على قراءة المتنبي وتفسير البيضاوي وغيرهما من المؤلفات الضخمة.
ونظرا لروحه المتوثبة المتمردة ،ونفوره من التقاليد البالية فقد كان دائم البحث عن الجديد،يقول:
ومــا زلت في جو من الفكر طائرا
ومن عادتي أن لا أطير مع السربِ
ويقول:
ســئمت كــل قــديم عرفته في حياتي
إن كان عندك شيء من الجديد فهاتِ
وتعد قصيدته "ثورة في الجحيم" المؤلفة من 423 بيتا والتي تجري على قافية واحدة من القصائد التي أحدثت ضجة في العالم العربي في إبانها ،وقد جارى فيها أبا العلاء المعري في (رسالة الغفران)ودانتي في (الكوميديا الإلهية).
والزهاوي كان مجددا في الشعر وإن كان لا يدعي الزعامة فيه،يقول:
إنني منذ كنت أشدو بشعري
كــان يــوحي إلــيَّ بالتجديدِ
أنــا لا أدعــي الــزعامة فيه
غــير أني أبثُّ فيه وجودي
يجمع الذين أرخو للزهاوي على أنه مجدد،وأنه جدد في ما يلي:
ــ محاربة العادات والتقاليد والدعوة إلى التحرر.
|لوقوف إلى جانب المرأة.
ـ تطعيم الشعر بالفلسفة والعلم.
ـ التحرر من قيود اللغة.
لقد كان الزهاوي يحب شعره ويرى فيه الصديق الوفي والرفيق الدائم والمسلي له عندما تداهمه الحياة بهمومها،يقول:
يا شعر إِنَّك أَنت صوت ضميري
يــبديك حــزني تــارة وَسروري
يــا شــعر أَنــت بكاي يوم كآبتي
وَتــبسمي يــا شــعر يوم حبوري
يــا شــعر أنــت ممثل قلبي الَّذي
هــو في الحَياة محركي ومديري
ويقول مبديا رأيه في الشعر وكيف ينبغي أن يكون قائلا:
ما الشعر إِلا شعوري جئـــــ+6ت أعرضه
فــانقدْه نــقداً شَــريفاً غير ذي دخل
وأحــسن النقد ما يرضى الجميع به
وأســوء الــنقد ما يفضي إلى الجدل
الــشعر مــا عــاشَ دهــراً بعد قائله
وســار يــجرى على الأفواه كالمثل
والــشعر مــا اِهتز منه روح سامعه
كــمن تــكهرب من سلك على غفل
لقد كان الزهاوي يحيا الشعر ويتنفسه بكل جوارحه،وكان يعرفه كما يعرف الرجل أبناءه،أليس هو القائل:.
إذا الشعر لم يهززك عنـــد سماعه
فــليس حــريا أن يــقال له شعرُ
رحم شاعرنا الكبير جميل صدقي الزهاوي الذي توفى سنة 1936 ودفن بمنطقة الأعظمية شرق بغداد.
ونسأل الله العفو والعافية.