::
مساءٌ ثقيل يهبط على قلبٍ أنهكه العبور الطويل،
قلبٍ يسير على دروبٍ امتلأت بأصداء الخطوات وكسور الحلم.
هناك، في عمق الروح، يشتعل حنينٌ لا يُطفأ،
حنينٌ إلى تلك النسخة البعيدة من نفسه…
النسخة التي كانت تضحك من غير خوف، وتبني أحلامها من خيوط الفجر لا من حطام الأمس.
يغمض القلب عينيه ليرى ملامح ذاته القديمة،
تلك الطفلة التي كانت تصدّق أن العالم يتّسع لكل الفرح،
وأن الجراح لا تعرف طريقها إلى الأرواح النقيّة.
كم يشتاق أن يعانقها، أن يستعيد ضحكتها الصافية،
أن يلمس يديها اللتين لم ترتجفا من ثِقل الحياة بعد.
لكن التعب يهمس بين الضلوع: “لقد تغيّرت…”
فيردّ الشوق بصوتٍ مبلّلٍ بالدمع: “وإن تغيّرت… ما زلتَ أنت.
وإن تهت، فالقلب الذي يشتاق لذاته لا يضيع أبداً.”
في هذا المساء، بين التعب والحنين،
يولد وعدٌ صامت:
أن يبحث القلب عن نفسه مهما ابتعدت،
أن يلتقط فتاتها من بين الركام، ويعيد بناء ذاته ولو من رمادٍ وكسور.
فبعض الأرواح لا تُشفى إلا حين تعانق ماضيها لتولد من جديد