**كنت أحسب أنّي سأبقى مثل هذه الأشجار
.
،،دخل بين الناس ، - يحملون نعشا ويمشون معه -،،وهو صغير لا يعرف لماذا يمشون وما هذا الذي في الصندوق ،،! وظلّ معهم حتى وصلوا تلك القبور ،،ووضعوا الصندوق جانبا وصاروا يحفرون في الأرض ،،وحين صارت الحفرة عميقة ،،كشفوا وجهها ،،ووضعوها في الحفرة ،،وهالوا عليها التراب ،،!
.
،،ينظر وهو ذاهل ،،إنّها بنت جيراننا ، وها هم يضعونها في التراب ،،!،واجتاحته الحيرة وعاصفة من الأسئلة ،،قال - ولم يكن بجانبه أحد - :لماذا يضعونها في التراب ،،وأجابه شخص - لا يعرف من أين جاء ولا يعرفه -: قال: ألم تسمع بالموت،،! قال: لا ،،ما الموت ! ،،قال: بعد سنوات تعيشها على الأرض تموت ،،! قال: فلماذا أعيش وأنا سأموت ! ،،قال: يجب ان تسأل عن الحياة مَن خلقها ..وهو يريد ان ينتخب منكم فريقا ليسكنهم الجنة ..هو هكذا ،،أنت تعيش سنوات فقط ،،جسمك يجفّ وينكمش كما تجفّ الأشجار ،،،قال: أنا لاأريد حياة تموت ! ،،قال :كم افزعتك الحياة بلا خلود !..قلت لك : أنّك إذا أحسنت ستخلد في مكان ما ..ما بينك وبين الخلود سوى أن تذوق الموت الذي تفرّ منه ..و إنّك ستعيش هنا رغما عنك ،،!..فتعلَّم الطاعة أيّها الفتى ....!!
.
،،قال: حتى هذه الساعة كنت أحسب أنني سأبقى مثل هذه السماء والنجوم والقمر الذي يمرّ علينا كلّ ليلة ،، ،،!،
..وعرفتُ اليوم ،،أنني غريب عن هذه الحياة وكلّها ستبقى إلاّ أنا ،،
..وأنّني أمُرُّ عن كلّ منظر فيها مَرَّة واحدة فقط ،،ولا أعود ،،
..وعرفتُ أنّ الأحياء نصيبهم واحد ،،فقراء وأغنياء ،،هو ما يأكلون ويشربون ،،ماداموا يموتون ....!! ،،وإذا قال أحدهم : أنا مجيد ،،! ،،،قل له :،،من أيّ يوم يبدأ مجدك ،،وفي أيّ يوم ينتهي ،،،! ،،!..,لا مجد لمن يموت ...
.
..ذهب ذلك الشخص ،،! ومشى هو في الطريق التي تملؤها الرياح وهو يفكّر بالموت ،،رأى قِطّا ميّتا ،،! نزَل عليه ينظر إليه بدقّة ،، وإذا بالديدان تملأ تجويف رأسه ،،! قام ونظَرَ إلى السماء يريد أن يصرخ من شدّة الألم ،،،! وهو يقول لنفسه : كلّ هذا سيحدث لي ،،!
..وهؤلاء الذين يسكنون في بيوتهم الجميلة ويركبون السيارات ،،سيملأ وجوههم الدود،،! كيف يفرحون بأيّ شيء عندهم وهم سيصيرون هكذا ،،!
.
،،ومشى وقال: ولكن لماذا كلّ هذا ،، أعطيك شيئا ثم آخذه منك ! ،،فأجابه ذلك الشخص ،ولا يعرف من أين جاء : أنت هنا لتعمل لا لتحيا ،،،وتذهب يوم الموت لتحيا ولا تعمل ،،،
.
..وكيف أعيش وأنا سأذهب إلى تلك الحفرة في أيَة لحظة قادمة ،،يجب أن أسأل عن الموت ،،أكثر من سؤالي عن الحياة ،،وأعرفُ ماهو كما نعرفون هذه الحياة ،،!
.
ومشى ذلك الطفل وقد عرَفَ كلّ الحكمة ،،بأسئلة نفسه الصادقة ،،وهو يتعجّب من كلّ ذلك العِلْم الذي جمعه من تلك الأسئلة ،،ويتعجّب من إنسان يعيش بلا أسئلة ،،والأعجبُ : أن لا تعرف اجابة الأسئلة ..... عندها يعمّ الظلام هذا العالَم !،،لأنّ العالَم هذا موجود في عقل الإنسان ،، يفتح غرَفَه الكثيرة كلّ يوم بسؤال وإجابة ،،،،!
.
ومضى وهو يقول في نفسه : فمتى يوم الموت ! قال ذلك الشخص :،، - ولا يدري كيف حضر - : لو نعرف يوم موتنا نستقلّ العمر ،، ومهما كان طويلا سيبدو لنا يوما ،،،ولن تقبل أن تعيش يوما ،،لأنّه لا يستحقّ ان تعمل فيه بشيء ،،،!.ولا يعينُنا على العمل في الدنيا إلاّ وهْمُ الأمل ..ولذلك فكلّ الناس يعملون للدنيا ...والموت يستحقّ عمَل اليقظين فقط ،، لأنّه بوابة خلودهم ..فإن كان لك حائط متداع وحائط متين ..على أيّهما تبني ....!
.
.
.
عبدالحليم الطيطي