لا أعلم في الحقيقة، السبب الكامن وراء تكاتف كلّ من هم حولي، واجتماعهم غير المسبوق وغير المخطط له في ردود فعلهم تجاه أمر ما يخصني !!
يحدث ذلك؛ حين أُعلنُ لهم أنّي أشعر بالتعب، أو أنّي أتألم، أو تجتاحني رغبة في البكاء !
لا ألبث أن أُنهي حديثي، حتى تبدأ عباراتٌ من نوع ( إنتي قوية، لا تنهزي، طول عمرك قوية لا تنهاري الآن ، أوعي تبكي، ما في شي بستاهل ) بالتوافد إلى مسامعي من أفواهٍ آلفها وأخرى لا أفعل !!
أتعجب من سيكولوجية هؤلاء الناس !!
منذ متى كان حراما على القوي التعب ؟!
وعلى الحزين البكاء؟
وعلى الجريح الألم؟
لم أمرّ في حياتي كلها على قانون يُدين الدموع والتعب والألم !
ولم أتعرف قط إلى جهة رسمية أو حتى أهلية تُدين حزن الإنسان !!
عليّ أن أُخبرهم يوما عن نظريتي الخاصة بـ ( بيت العزاء ) و ( الثأر ) !
تلك التي أقتنع بها تماما، وأعلم أنّه حين يمتنع أهل الميت عن أخذ واستقبال عزائهم في فقيدهم؛ فهم بذلك يُغذّون رغبتهم وإصرارهم على الانتقام والثأر .
وحين هم يفتحون باب عزائهم؛ فإنّ مواساة الناس لهم تخفف من ألمهم وحنقهم، وبالتالي؛ تفتر رغبتهم بالانتقام، وتذوب مع كلّ يد حانية تربّتُ على أكتافهم !
في العزاء؛ يُلقي مقدمو التعزية عبارات الصبر واحتساب الأجر، وهم بذلك يعترفون بشرعية حزن أهل الميت، ويمنحونهم المباركة في ممارسة ذاك الحزن بحرية تامة !
لكن حين يتعلق الأمر بشيء مات في داخلنا !! فإنّ الجميع يعتقد بتلقائية ساذجة أنّه لا يليق بنا الحزن عليه، أو البكاء لأجله !
لكنّي لن أستمع لهم بعد الآن.. أعلم أنّ نواياهم طيبة ..
لكنّي على دراية كافية بنفسي !!
شيء ما مات في داخلي، وأحتاج أن أرثيه لأُشفى منه !
أيام ضاعت من عمري، وأحتاج أن أحزن لضياعها كي أركّز لاحقا على قادم أيامي !
وغدرٌ ألمّ بي من أقرب الناس إليّ، وأحتاج أن أبكي حالي لأتعافى من ضربة كانت شبه قاضية !
ولا شيء أسرع في الشفاء من التعبير عن خليط المشاعر هذا، يجب أن تخرج هذه السلبية من داخلي، وكلماتكم تضع أمامي حواجزا ممتدة تمنع خروجها وتؤجله !
إذن؛ اتركوني لأحزن وأتألم وأبكي .. فأنا أحتاج أن أُشفى، وأن أعترف بخسارتي كي أستطيع تجاوزها !
اتركوني لأحزن وأتألم وأبكي، فأنا أعلم تماما الحدّ الفاصل ما بين حزن التعافي، و إغراء الكآبة !!
اتركوا أمر نفسي لنفسي .. ولكم أيضا حريّة خوض هذا الشعور مثلي إن أردتم !!