بنية المكان في قصة الحصان
د. رحمن غركان
23/01/2010
قراءات: 5746
المكان في القصة القصيرة والأقصوصة حيّز مفترض أو متخيل أو ممكن يتيح لعناصر القصة أو مكوناتها الأخرى أن تتبدّى في فضاءات السرد بأشكال متعددة ، وأن اتصاف المكان بالكينونة والحسية المباشرتين هو ما جعله أوضح في القراءة من الزمان إذ يتضح عبر مرجعيات كثيرة ويتضح في عناصر أكثر ، في حين يبدو وضوح* الزمان عبر اللغة أكثر ويغيب حضوره في مثل مرجعيات الإفصاح عن المكان ، وكأن ارتباط الإنسان بالمكان أكثر من الزمان في المعطيات الحسية المباشرة هو ما فتح عليه مرجعيات كثيرة تصله بالأمكنة .
ولما كان الاحساس بمعاني المكان موصولاً بالزمان ومتصلاً به فقد بدا صعبا قراءة المكان (( بمعزل عن تضمين الزمان ، كما يصعب تناول الزمان في دراسة تنصب على عمل سردي ، دون أن ينشأ عن ذلك مفهوم المكان في أي مظهر من مظاهره ))(1) إذ العلاقة بين الزمان والمكان في الاعمال السردية تبادلية ، وان الأمكنة المتعددة في الاعمال السردية إنما تفصح عن معانيها وأبعاد وظائفها السردية عبر الزمان الذي تستحضره آفاق الاشخاص وحركتها والافعال وأبعادها ، ولاسيما (( أن النماذج الاجتماعية والدينية والسياسية والاخلاقية في عمومها تتضمن - وبنسب متفاوتة - صفات مكانية ، تارة في شكل تقابل السماء / الأرض . وتارة في شكل نوع من الترابية الاجتماعية ، حين تعارض بوضوح بين الطبقات( العليا ) والطبقات ( الدنيا ) وتارة أخرى في صورة صفة أخلاقية حين تقابل بين ( اليسار) و (اليمين) أو بين المهن (الدونية) و (الراقية) ... وكل هذه الصفات والاشكال تنتظم في نماذج للعالم تطبقها صفات مكانية بارزة ، وتقدم لنا نموذجا ايديولوجيا متكاملاً يكون خاصاً بنمط ثقافي معطى ))(2) . وهذه ( التقاطبات المكانية ) كما أطلق عليها ( يوري لوتمان ) انما هي نماذج لأفصاح المكان على وجوده افقياً بالأشكال التي يحيلها الفهم الزمني إلى معان سردية في الاعمال الأدبية ، تلك الاحالة تترجمها أو توحي بها المفهومات في الخطاب واللغة في السرد ، والعلاقة بين ( المكان / الزمان ) في هذين المستويين ( الأفقي / العمودي ) تكاملية على صعيد أداء المعنى القصصي ، فليس للمكان من معان فاعلية أفقيا من دون الاسقاط العمودي لفاعلية الزمان ، اذ هي وعي تأويلي يحيل المتلقي الى قراءة أبعاد المكان وآفاقه واستشراف معانيها ، ولكن القراءة التكوينية من بنية المكان القصصي في حالة النصوص التي يضع المكان وعناصره ومعطياته أزمنته الخاصة ، أعني الحالة التي يصنع المكان في ابعاده الافقية الوعي الزمني عمودياً ، بما يكون فيه الزمان صادراً عن وصف لبعض صفات المكان أو معبراً عنها ، أو يكون المعنى القصصي موحياً بتكامل ( المكان / الزمان ) وليس ( الزمان / المكان ) بمعنى صدور الزمان عن صفات مكانية معينة . فالمكان ليس سطحاً وهو غير محايد ، المكان دلالة تثري معناها بما تحتقبه من خصائص أولها الإيحاء بالأبعاد الزمانية ، لأن الوعي الانساني يبحث عن المعنى الفني وقد تجسّد في صياغات دالة ، وأمكنة معرفة بدلالاتها الزمنية ، لأن المكان وجه للمكين وجه معبّرٌ وغالبا ما يدل المكان على المكين ويعّبر عن موقفه من الحياة عامة ومن الشأن الذي هو فيه خاصة ؛ فقد يعبر فهْم المكين للمكان عن فهمه لما يحيط به ، كما يكشف جهله به وغياب مواصفاته عنه عن جهل المكين بصورة وجوده ومعاني الواقع الذي يعيشه ، فقد يعتبر المكان عن التجليات النفسية للمكين وعن حالاته الفكرية ومعطياته الأجتماعية ، إذ هو ليس اطاراً وليس وسيطاًَ ، انه لسانٌ لغتهُ الأبعاد ومعانيها موصولة بالزمان . واشكال المكان متعددة وقد يتعذّر استقصاؤها فمنها ماهو ارضي ومنها ماهو سماوي وما هو ممكن وما هو واقع وما هو متخيل وما هو اسطوري ؛ والمكان في كل ذلك (( لايتشكل إلا باختراق الابطال له ، وليس هناك أي مكان محدد مسبقاً ، وانما تتشكل الامكنة من خلال الأحداث التي يقوم بها الأبطال ))(3) فالبيت مكان ولكنه أناس يؤسسون زمانا بالمكان وهكذا في الطريق والسفينة والمركبة وغيرها مما في معانيها ، فالمكان يظهره المكين معبراً عن وجهة نظره في زمن معين ، قد يكون لحظة عابرة أو يوماً أو امتداداً زمنياً يطول أكثر من ذلك ، وقد يعبر المكان مجازيا عن المكين ، ولا يحدث العكس . وغالبا ما ينتج عن جدلية العلاقة بين المكان والمكين البعد الزمني ونوعه أو الزمن وأبعاده .
***** المكان في القصة القصيرة جغرافيا الزمن الذي تتحرك عليه الشخصيات ومن خلاله ، وتقع عليه الاحداث وفيه ، وأن قصة يهيمن عليها المكان وتصدر معانيها عن بنية المكان القصصي هي تلك القصة التي يغلب على وصفها تصوير الأماكن ومتعلقاتها أو معطياتها ، وتقع الاحداث فيها بفعل ظواهر المكان ، السلبية منها والايجابية ، وتصنع الشخصيات فيها صفات مكانية أو أن تلك الشخصيات تصنع أماكنها الخاصة بها ، وتتبدّى الحبكة أو المفارقة موصولة بانفعالات المكان الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو غير ذلك . كما أن المنظور الايديولوجي في منظومة قيمة المؤثرة في الشخصيات ، كما المنظور الذاتي في رؤاه التخييلية منظوران توجههما معطيات مكانية وتؤثر فيهما ، فالبيئة المكانية فاعلة في البيئة الزمانية وموجهة لها .
***** هناك عالمان للمكان في القصص القصيرة ؛ أولهما : العالم المألوف في أجزائه الواسعة ومكوناته اللافتة . وثانيهما : العالم المصغر كالسفينة أو المركبة أو الزورق أو الزنزانة ، غير أن الشائع في القصص القصيرة (( أن يحدث الفعل القصصي في مكان أو موضع . وقد يُعرّف تعريفاً غامضاً ، أو يشار إليه في وصف عارض تماما . وفي القصص الواقعي ، والكتابة الطبيعية المتطرفة في واقعيتها ، حيث توصف البيئة أنها قوة فعالة مؤثرة في حياة الشخوص ، قد يكون الموضع مسهبا في تفصيله ، لكي يمنح القاريء الأحساس بصدق الواقع أو يصوّر موقعاً هو في حقيقة أمره مشارك في الفعل القصصي ؛ وسواء كتب الموضع بأسلوب جريء ، لايتردد عن ذكر أي شيء فيه أم كان فوتوغرافيا دقيقا في تصويره ، فإنه قد يمد بموقع ليحْتلّه الفعل القصصي لاغير ، أو قد يزيد في تقديم (( فحاوي)) أما : بان يهيّء الجو المناسب أو يعكس العلائق في الفعل القصصي أو الحبكة عكساً رمزيا ))(4) وإذ تهيمن دلالة المكان أو الموضع أو الحيز على كيفية رواية القصة ، بما تكون عناصرها خاضعة لمؤثرات مكانية في توجيه القصة عامة ، وانفعال الراوي بدلالة ذلك بوصفه فاعلاً مؤثراً موجها ، وبما يكون المروي له ناظراً إلى دلالة المكان أو الموضع أو الحيز منطلقا من تلك الدلالة ؛ كلياً أو غالباً فإن ذلك كله يستدعي الصدور عن بنية المكان القصصي في القراءة ؛ وصفاً أو تحليلاً أو تصنيفاً . وسنقرأ قصة (الحصان) من مجموعة ( عن العالم السفلي ) لـ (نعيم شريف ) إذ يهيمن ( المكان العابر ) على كيفية رواية هذه القصة وعناصرها .
الحصان(5)
****** (( عن جندي كان يريد العبور إلى الضفة الأخرى ، عن امرأة تحمل فوق رأسها صرة ، عن عمال المسطر الذين لم يجدوا عملا ، عن صبية كانوا يبيعون العلكة وسكائر الغازي ، عن بائع ( دوندرمة ) لأن الوقت كان في عز الصيف ، عن طلاب فقراء ، عن رواد المقهى . إنهم قالوا : كان الوقت بين الضحى والظهيرة ، والشمس* تسلق كل شيء تحتها سلقا ... والهواء كان ( بوخة ) محملة برائحة ( زفرة ) وبينما نعبر الجسر ؛ تلكأت بالقرب منا عربة من عربات بيع النفط ، استدللنا على ذلك من الرائحة المنبعثة منها ؛ يجرها حصان أدهم ، وكان كبير الحجم ، توقفت العربة في منتصف الجسر ، كان الحصان يلهث بقوة ، وقد أوشك شدقاه على أن يشقّا لأن الحوذي ؛ وكان رجلاً جسيما ظل يطوي عنانه بعنف ذات اليمين وذات الشمال وهو يضربه بسوط طويل ضربات متتالية ، استمّر الرجل بضرب الحصان لاعنا إياه ، بينما حرن الحصان الذي غطت عينه سيور جلدية تشبه الأكف المتلاصقة الأصابع لا تجعله يرى إلاّ اتجاه سيره فقط ... ترجّل الحوذي ممسكاً بسوطه وجعل يضرب رأس الحصان بقوة بينما ظل الحصان يلوذ برأسه تفاديا للضرب ...!!
****** تفاقم شعور الحوذي بالحنق والتعب ، أفلت العارضتين الخشبيتين اللتين كانتا بمثابة الذراعين اللذين يمسكان بجسد الحصان ويحددان سيره ... بعدها نزع السيور الجلدية عن عيني الحصان ثم أفلت العنان الذي كان سلسلة حديدية ؛ حين سقطت على بلاط الجسر أحدثت صليلاً حادا ... ابتعد الرجل واستأنف الضرب ...!!
**** ارتفع رأس الحصان ، كان خطمه إلى السماء ، جحظت عيناه السوداوان وقد احمرتا كجمرتين متقدتين ، ظل يضرب بقائمتيه الأماميتين الأرض ؛ كنا قد سمعنا صهيلاً حاداً يملأ الفضاء قبل أن نرى الحصان وقد ارتفعت قائمتاه الخلفيتان عن الأرض واستدارتا لترفسا الحوذي بقوة في صدره ، ليسقط مجندلاً على الأرض وسط ذهولنا وارتباكنا ، بينما ظل يصهل ثم يرفع قائمتيه الأماميتين وقد أثناهما لينزلهما مستقيمتين في صدر الحوذي ، وكنا نصيح : دخيل ( الله ) ( خلصوا ) الرجل ...!!! وأخذنا نهوش بايدينا لننقذ الرجل ونبعد الحصان عنه لكننا لم نجرؤ على الدخول في الدائرة التي اختطها الحصان ( لتصفية حسابه ) وظل يدور حوله ، وكانت تستعرضنا عيناه وقد امتلأت نفوسنا رعبا ، بينما يرفع قائمتيه لينزلهما على وجه الحوذي وصدره ، وكنا نسمع قرقعة تكسّر عظام صدره ، بينما كان وجهه كتلة متداخلة الملامح تنبثق منها دماء غزيرة . كفّ الحصان عن الرفس فتأكد لنا عندها ؛ أن الحوذي قد صار جثة هامدة ، استدار الحصان ، انفتحت دائرة الخلق الذين أوشك أن يتهدم بهم الجسر لكثرتهم بينما سار الحصان ببطء ، وكان باستطاعتنا أن نسمع وقع حوافره ، وصوت الصهيل رغم ابتعاده عنا مما شطر الجانب الآخر من المدينة .
رواها الناس ؛ همساً وجهرا ... صدق الناس )) .
********* الحصان في المنظور الوظيفي المباشر مكان ؛ أنه مركبة ، مكان متحرك ، والعربة التي يجرها - كما في القصة - مكان متحرك هي الأخرى ، والجسر - أعني الأرض التي شهدت أحداث القصة -* مكان هو الاخر ، هو مكان متحرك من جهة العبور والجهات التي يجسرها ، وهو مكان ساكن أيضا من جهة ضفتيه في معانيهما الوظيفية المباشرة ، والحوذي بطل القصة يبحث عبر مكانه المتحرك ( الحصان والعربة والطريق ...) عن مكان يرفع* به مكانته ، من طبقتها الاجتماعية الدنيا الى طبقة هو اليها طامح ، هو يبحث بالمكان المتحرك عن ثابت يبحث عن مكان طبقي في أذهان الناس ، مكان طبقي في طموحاته ، والحركة إليه زمن ، والحركة به كذلك . وحركية المعاني في هذه القصة حركية مكانية في حيّز زمكاني ذي معطيات اجتماعية ، طرفا الصراع طبقة اجتماعية دنيا ( عالم الحوذي ) وطبقة اجتماعية عليا ( عالم الاغنياء ) . وعلى صعيد الدلالة الرمزية في القصة ، فالطبقة الدنيا قد تنسحب على الجماهير والشعب والمسحوقين والطبقة العليا قد تنسحب على الحاكمين والرأسماليين ، على تعدد أسباب الحكم ووسائله ، وتعدد مصادر رأس المال ومنابعه ؛ سياسية ، دين ، تجارة ، نفاق اجتماعي ، أكاذيب تاريخية ، طائفية ، .... وفي كل ذلك المكان المتحرك المهيمن على لغة القص ومكونات السرد هو الموجّه والفاعل في الكشف عن أبعاد المكان الساكن ومعانيه ، والزمان الظاهر ومظامينه في الأيحاء بالعناصر الأخرى ، بما كانت فيه القصة شغوفه بواقعية ، بمكان من الواقع ؛ الساكن في بنياته والمتحرك ، وذلك المكان الذي تهيمن معانيه في معطياتها الاجتماعية ( الطبقات العليا ) ومعطياته المهنية ( الوظائف الراقية ) ومعطياته السياسية ( السلطة المبسوطة النفوذ ) ومعطياته الأخرى هيمنة ظاهرة على أبعاد التعبير ، وهيمنة مضمرة على إيحاءاته الرمزية التي يذهب اليها خطابه .
بنية المكان في هذه القصة مكثفة ، وهو عام على هذا النحو في القصص القصيرة الحديثة ، (( ذلك أن المكان لا يتضح في القصة القصيرة إلاّ مكثفا ، بحكم أن فنية القصة القصيرة تتطلب ، الايحاء والتركيز والشد إلى المفاصل المهمة من العلاقة بين فنية القصة وتاريخية المكان ))(6) وكأن المعنى القصصي الذي تفصح عنه قصة (الحصان) يتبدّى ظاهراً عن عناصر مكانية او مايوحي بذلك أو يشير إليه .
****** فالّذين روى عنهم القاص رموز مثقلة بعبء المكان وهو : جندي يتوق أن يعبر المكان الذي هو فيه إلى ضفة اخرى . والمرأة التي تحمل فوق رأسها صرة . وعمال مسطر لم يجد شيئا . وصبية يبيعون المكان بالمكين أو العكس . وكذا بائع ( دوندرمة ) . وكذا طلبة في مكانة اجتماعية اقتصادية دنيا . وكذا رواد مقهى يبني المكان على تجدد المكين ، ويثرى الزمن فيه بالمكان ...!!! فالمنظور الذي تصدر عنه القصة طبقي مكاني .
ثم في اجزاء المشهد الأول من القصة بدا المكان صانعا زمنه القاسي ؛ فالشمس تسلق كل شيء تحتها سلقا ، والهواء ( بوخة ) محمل برائحة ( زفرة ) . والمكان الذي يقصد الجمع عبوره هو الجسر ، ومشهد الإثارة الرئيس في القصة بطلاه الحصان بعربته التي يجرها ، والحوذي على الجسر الذي استعطى عليه اجتيازه ، فالحصان استعطى عليه جرّ مكانه المتحرك ( العربة ) لأن قسوة الحمل عبء ثقيل وسائس قاس ، والحوذي استعصى عبور مكانه الطاريء المتحرك ( الجسر ) لثورة الحصان ووطأة العربة . فالفواعل ( الحوذي والعربة والحصان والجسر ) موصولة بمعاناة اجتياز المكان في التعبير عن معنى اجتياز المكانة التي هم فيها أو عليها إلى مكانة جديدة .
***** ثم أن مشاهد ثورة الحصان على عبء العربة وقسوة الحوذي يغلب عليه المكان أو النزعة المكانية على تعدد صورها وأشكالها : ( يطوي عنانه ذات اليمين وذات الشمال ... حرن الحصان ... غطت عينيه سيور جلدية ...لاتجعله يرى إلا اتجاه سيره فقط ... افلت العارضتين الخشبيتين الممسكتين بجسد الحصان المحددتين سيره ... نزع السيور الجلدية عن عينيه .... سقطت السلسلة الحديدية على بلاط الجسر ) في هذا المشهد ينفعل المكين بالمكان وتتبدّى كيفية السرد وعناصرها الوظيفية بالصدور عن دلالات مكان معين أو البحث عن مكانة معينة . وفي كل ذلك بدت عناصر بنية المكان فاعلة في عناصر السرد وموجهة لوظائفه .
***** وفي مشهد ثورة الحصان كان المكان ثائراً على الرغم من كون المكين الحيواني هو الثائر : ( كان خطمه يشير إلى السماء ... ظل يضرب بقائمتيه الأماميتين الأرض ... صهيل يملأ المكان ... ارتفعت قائمتاهُ الاماميتان عن الأرض لترفسا الحوذي بقوة في صدره ليسقط على الأرض ...ظل الحصان يصهل ويدور ... أخذنا نهوش بأيدينا لننقذ الرجل ... لم نجرؤ على الدخول في الدائرة التي اختطها الحصان ... كنا نسمع قرقعة عظام تكسر عظام صدر الحوذي ...) في مشهد الحصان لم يكن المكان أرضا فقط ، إنما كان معنى ، كان المكان أقرب إلى المكانة ، التي هي انتصار الثائر على مكان الامتهان والدونية وارتفاعه إلى مكانة الانتصار العلوية ، والحصان رمز ، والانتصار مجاز ، وكذلك المكان معنى في المكانة .
***** وفي مشهد احتفال الحصان بانتصاره وتوجهه إلى مكان آخر بعيداً عن مكان انتصاره أو بسببه ، كان المكان سعة من معنى ومساحة من تعبير : ( كف الحصان عن الرفس ... استدار الحصان ...انفتحت دائرة الخلق الذين أوشك الجسر أن يتهدم بهم لكثرتهم ... سار الحصان ببطء ... كنا نسمع وقع حوافره ....سار ميمما شطر الجانب الآخر من المدينة ...) لم يكن المكان هنا جغرافية طبيعية انما مكانة تحررية أو اجتماعية مصنوعة ، وبحسب البعد الرمزي للقصة فهو مكانة ابداعية انفعلت بنية المكان القصصي بكيفية السرد لأجل التعبير عنها بواقعية رمزية باعثة على التأويل .