لباس أهل الجنـة
ويدعوه الله عز وجل على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الجنة شاء لبس، فيلبس منها ما أراد،
ثم يذهب إلى شجرة في الجنة، فيلبس منها ثيابا، لا تبلى ولا تفنى، لو أن ثوبا منها لُبس في الدنيا لصعق
من ينظر إليه، وما حملته أبصارهم. فيكون عليه ثوبان يتجاوبان، بصوت مليح، يقول الثوب الذي يلي جسده:
أنا أكرم على ولي الله منك، أنا أمس بدنه، وأنت لا تمس بدنه، فيقول الثوب الذي يلي وجهه: بل أنا أكرم
على ولي الله منك، أنا أرى وجهه، وأنت لا ترى وجهه.
وثيابنا في الجنة لا خلقا تُخلق، ولا نسجا تُنسج، بل تشقق عنها ثمر الجنة. ويَلبس الذهب، إن لم يكن يلبسه
في الدنيا، ويلبس الحرير، إن لم يكن يلبسه في الدنيا، فيعطيه الله خاتم من ذهب يلبسه،
وهو خاتم الخلد، ثم يعطيه خواتم من در وياقوت ولؤلؤ، وذلك إذا رأى ربه في داره دار السلام.
ويُؤتى بمن قرأ القرآن فأكمله، وعمل بما فيه، فيُلبس والديه تاجا هو أحسن من ضوء الشمس، هذا لوالديه،
فما ظنكم بالذي عمل به. ويَلقى أهل الجنة بعضهم بعضا، فيُقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيَلقى من هو
دونه، وما فيهم دني، فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن
منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ينصرف إلى منزله، فتتلقاه أزواجه، فيقلن: مرحبا وأهلا،
لقد جئتَ وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه.
وإنه ليتكئ في الجنة سبعين سنة، قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأته، فتضرب على منكبيه، فينظر وجهه في
خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسلم عليه،
فيرد السلام، ويسألها: من أنتِ؟ فتقول أنا من المزيد، وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا،
أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصره، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك،
وإن عليها التيجان المزينة باللؤلؤ، لو أن أدنى لؤلؤة عليها نزلت إلى الدنيا،
لأضاءت ما بين المشرق والمغرب، فيتمتع معها، ويلذ بها، كيفما أراد،
ومتى ما أراد، وحيثما أراد، فلا مقطوعة ولا ممنوعة.