/
سفر الطبيب ...
وأقطف من بستان ذاكرة الطفلة ذاتها
{{ عُرِفَ الطبيب { موفق عامر }في قريتي أنه طبيبي الخاص فأنا أتلقى أكثر علاجي على يديه ـ يعودني في منزلي تقريبا كل يوم أو حسب ما تستدعيه حالتي الصحية
كما كان والدي يصحبنِ لعيادته لتلقي العلاج ...
أذكر فيما أذكر ...أنني ذات مرة أمسكت بيده باكية أرجوه بكلماتٍ متلعثمة بوجعي بأن يتركني للموت أمضي فانا سئمت طعم الأدوية في فمي ووخز الإبر في كل ركن من جسدي.
ذاك النهار رأيت دموعه وهي المرة الأولى التي أرى فيها رجلا يبكي وعدني أن يأتيني بعلاجٍ جذري معه أعود لحياتي بكل حيوية ونشاط .
ذاك الطبيب لم أكن لأحسن معاملته فأنا كثيرا ما طردته من منزلنا صرخت في وجهه وأحياناً كثيرة تطاولت لأضربه على يده وهي تمتد لي بالدواء.
وأكثر ما أثار غيظي منه مقابلته لي بالبسمة والهدوء والاعتذار وكأنه يبحث لي كطفلةٍ أعياها المرض ولتصرفاتي الحمقاء في قلبه عن ألف عذر .
لقد قال مرةً : أقسم أني مللت حشوك بالدواء فكيف بك وأنت من يجترعه على سوء طعمه ووجع التعاطي معه ...؟!
لقد فقدته لمدة لست أذكر أكانت طويلة أم قصيرة قيل لي أنه في السجن وقيل سافر لإتمام تخصصه الذي بدأه منذ زمن
أشياء كثيرة ترددت على مسامعي عن قصة غيابه
في الحقيقة ... شعرت أن ثقلا ما قد انزاح عن صدري لم أعتقد أنني سأكترث لغيابه المفاجئ لكن الحزن لفراقه تمكن من نفسي إلى أن عاد وإن لم أبدي ذاك الحزن أو أكشف عن وجهه في روحي .
أذكر أول لقاء جمعني به بعد عودته ...هي الصدفة من جمعتني به في صيدلية العم مصطفى وسط البلدة
ذاك اليوم صافحته بحرارة بشوقٍ وحياء بحب وأمل
ضحك وداعبني مرددا : لقد كبرت يا شقية .
هذا الطبيب كنت ولا زلت أحمل له في قلبي شكرا وعرفان وحبُ غريقٍ بالوجع ليدٍ انتشلته من عمق الألم في نفسه الأخير ...
بعد مرور سنوات طويلة علمت أنه سافر لإتمام التخصص وقد عاد لي بالدواء الذي به ولله الحمد شفيت من أمراضٍ كثيرة وقد عادت لي ضحكة الطفولة البريئة
جديرٌ بي القول ...
هو اليوم طبيب أطفال مختص عُرف بسعة الصدر طيب القلب والمهارة في عمله والصدق والإخلاص وقد أجرى الله على يده الشفاء لأطفال كثر من أمراضٍ قد أعيت فيهم برائة الطفولة .