أتحدث عن نفسي
حديثي اليوم مختلف ...فأنا أتكلم عن طفلة طرقت أبواب العلم مكرهة .
أمي ككل الأمهات أرادت لي دخول البستان حتى أتهيئ للأجواء الدراسية
كطفلة بقيت لها سنة واحدة وتدخل عالم لا مكان للجهل فيه أُجبرت على قبول الفكرة.
لكني رفضتها بكل تصرفاتي وكرهت البستان على ما فيه من ألعاب مسلية بل وممتعة وأطفالٌ كثر ودراسة تناسبني كصغيرة لا زالت تجهل حتى كيفية إمساكها بالقلم .
هنا خرجت عن ذاكرتي قليلا مبتسمة ...أينقلب العداء إلى صحبة حتى الموت بيننا والأشياء التي لا روح فيها
أذكر أنني كرهت الأقلام والدفاتر وما رغبت يوما بكتابة حتى مجرد الحروف على أني ومع الأيام بدأت بالرسم رسومات صغيرة كأنا وما لبثت رسوماتي شيئا كثير قبل النطق ...
لتتحول مع الأيام من رسومات وألوان تحكي قصص تجيش بمخيلتي لحروفٍ تتحدث عما أريده بطلاقة الطفولة.
كانت تلك بداياتي مع قلمي الذي لم أدرك أنني سأعشقه حد الضياع دونه
قلمي الذي يسكب على الأوراق ما يجيش بالقلب ويؤرقه.
وأعود مع نفسي لتلك الصغيرة الحمقاء...
بالحقيقة رفضت دخول البستان لأنه ينتزعني من صدر أمي فأنا طفلة لا تجيد التنفس بعيدا عن شذا ملاكي العظيمة بعطائها ...
أضحك من نفسي
ربما ...أبحث لجهلي عن مبرر حين أقف أمامه لأراه ونفسي كيف كنا
أذكر أنني وفي كل صباح أبكي بحرقة وبل أصرخ بالرفض وأتمنى أي سببٍ يقعدني عن ركوب الحافلة التي تجمعنا وتمضي إلى حيث مقاعد الدراسة
رغم بكائي الشديد وتمسكي بثوب أمي لا أجد مفرا من ركوب الحافلة والمضي معها.
حقيقةٌ أخرى لا مفر منها ...لم أكن طالبة مثالية فأنا لا أتجاوب مع معلمتي لا ألعب مع الآخرين وبل أشاكسهم ما استطعت
لا أتناول وجباتي مع بقية الصغار في مطبخ البستان رغم الضغط الذي ألقاه من أم فيصل
حاولت الهرب أثناء التنفس أكثر من مرة ...دائمة الصمت سريعة البكاء
لأجل هذا كله ولأجل شرودي الغير معهود عند الأطفال تم عرضي على الطبيب المختص .
لقد كان رجلاً طيبا ولطيف هو يدرك أن الطبيب بالنسبة للطفل ــ بعبع ,غول ــ لذا تعامل معي بهدوء ,ذاك اليوم خضعت لفحصٍ شامل
وكانت النتيجة أنني لا أعاني من المرض رغم ملازمته لي فترة الطفولة كاملةً
سألني يومها عن سر صمتي بكائي وانزوائي عن البقية
أجبت باكية : هموم الدنيا يا دكتور .
لا زلت أذكر ملامح وجهه كما وأذكر تفاصيل وجه معلمتي بتلك اللحظة
ذهولٌ وضحك حد الدمع ...
عاد يسألني :ترى ما هي الهموم التي تحملها طفلةٌ مثلي...؟!
ربما لم أجد ما أجيب به ... وربما كنت أصغر من شرح همومي له ...