في البدء : الحمد لله .
قبل ذهابي إلى عملي ليلا أخبرتني خالتي أنها تريد الذهاب إلى المدينة صباح الغد , وبرغبة مني في أن أغير روتين عمل أسبوع وافقت على الفور , وأخبرتها أني أريد العودة من العمل صباحا لأجد كل أشياؤكم وحوائجكم جاهزة حتى لا نتعرض إلى أي تأخير , ولا أدري لم هذا العجلة التي تصيبني في كل مرة أريد بها السفر أو أعقد العزم على فعل أمر ما وكأني أريد أن أفعل ما أريده قبل موعده ! , بعد عودتي إلى البيت صباحا وجدت على غير العادة كل شيء كما أريد , حتى حقيبتي تنتظرني عند باب غرفتي , وبلا أي أحاديث تذكر وكأننا اثنين قد فرغوا من شجار , ركبت السيارة وأتت خالتي وابنتيها وركبوا السيارة , وفي الطريق أخبرتني أن خالتي الأخرى التي تعمل في المدرسة في القرية المجاورة تريد الذهاب معنا , وبلا أي امتعاض يذكر توجهت للقرية المجاورة لاصطحابها معنا , وبعد وصولنا للمدرسة ماهي إلا دقائق صمت قليلة حتى خرجت خالتي وطفلتها وركبت معنا وتوجهنا إلى المدينة , وعلى غير العادة مرت ساعتين من الصمت وبعض الكلمات التي ترمى من أحد الصغار برغبة منهن للشرب أو الأكل , وماهي إلا لحظات بعد تلك الساعتين حتى اكتشفنا أن هناك سيارة تعكس الاتجاه الذي نسير عليه , ارتفع الصراخ داخل السيارة واسمي بشكل تصاعدي يقفز من صوت إلى صوت داخل السيارة , ارتفع الصراخ أكثر واقتربت السيارة مننا أكثر , انحرفت بسيارتي إلى الطريق الأخر إذ بتلك السيارة تنحرف بنفس الطريق وكأنها مرسلة إلينا لتصدم بنا بعد ساعتين بالضبط من تحركنا , ماذا لو توقفنا في أحد محطات الوقود قبل أو أثناء الساعتين ؟ ماذا لو تأخرت خالتي في ترتيب حقائبهم أو ترتيب المنزل قبل السفر ؟ ماذا لو تذكرت أني نسيت أي أمر وعدت لأخذه ؟ ماذا لو قللت السرعة أو أسرعت أكثر هل سوف نفلت من ما حدث ؟ مايعصر قلبي دائما هي اللحظات التي كنت ابتسمت بها قبل وقوع المصائب ,
وماهي إلا لحظات من دوار حتى امتلأنا بالدم !
الكل في السيارة جسده امتلأ بالدم , الكل في السيارة لا يدري من عاش ومن إلى الآن يتنفس , خالتي صوتها يعلو بأسماء ابنتيها آلائي لا يدرون هل يبكون أم يصمتون ! وهن بصوت واحد ترتفع أصواتهم بـ " ماما " ؟ بأسنان مكسورة , وكلاهن من مقدمة رأسهن حتى أقدامهن دم يسيل , خالتي الثانية بين يديها طفلتها ودمٌ يتفطر من جبينها وفمها على صدر طفلتها المنكسر ساقها , الكل كل ما التقطت عينه شخص لم يمت قال الحمد لله وتبحث عينه عن الأخر , وصاحب السيارة الأخرى ملقى على بطنه بجانب سيارته يلفظ أنفاسه حتى مات بموعده لم يتقدم لحظة ولم يتأخر .
في النهاية : رحمتك يارب .