قطرات أدبية

قطرات أدبية (https://qtrat.com/vb/index.php)
-   قـطــرات المـقـالـة الأدبيـــة (https://qtrat.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   اطمأن قلبي (https://qtrat.com/vb/showthread.php?t=4456)

احمد الحسني 17-05-20 04:11 PM

اطمأن قلبي
 
شاهدت بالصدفة جزءاً من حلقة (اطمأن قلبي) لشاب يُخفي وجهه لكنه لا يجد غضاضة في إضهار وجوه المحتاجين. قال للمرأة التي تبيع الخبز في الشارع: "أنا لا أمد يدي"! والمعنى الخفي: أنتِ تمدين يدك أما أنا فلا ! وليظهر وجهك حتى يراه الملايين أما وجهي المحسن فلا
قال لي صديق يعمل في الاعلام إن تصوير مثل هذه البرامج ليس عفويا وإنما يسبقه تحضير للضيف بحيث يبدو اللقاء عفوياً وكأنه حدث بالصدفة. وهذا ليس موضوعي الآن.

جميع برامج الخير التي تُبث على التلفزيون أو عبر صور مواقع التواصل هي تفعل الخير من جهة وتمارس الرياء وتشجع عليه من جهة ثانية. والرياء يوصف في الأحاديث النبوية بأنه "شِرك خفي" و "شرك أصغر"
أكثر من ذلك, القرآن يربط الرياء بالكفر:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}

هم يعلمون ذلك كما يعلمون أنهم يخالفون أوامر الله فيما يتعلق بالصدقات، لكن الهدف يبرر الوسيلة .

يقول لهم النبي (ص):
"سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه .." ويذكر منهم "رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه."

ويقول لهم الله :
"الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
{إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
ولست بحاجة لفقيه لأعرف دلالة تقديم السر على العلانية وأي نوع من الصدقات يجوز فيها الإعلان والتصوير والتفاخر مثل بناء مستشفى أو مدرسة أو مسجد أو أي مشروع أو مؤسسة يعود خيرها على الجميع دون تحديد فرد بعينه؛ لأن الغاية من الصدقة أو عمل الخير- عندما يتوجه لفرد- هو أن لا يتحول عمل الخير إلى رياء وأن يجلب الفائدة للطرفين: للمُعطي وللمتلقي، ينال المعطي الأجر والسعادة وتُفك كربة المتلقي أو تُحل مشكلته. وحفظُ كرامة الفقير مُقدم على الأجر الأخروي وعلى السعادة الدنيوية التي يتحصل عليها المرءُ بالعطاء. لأن الله يعرف أن هناك نوع من الفقراء {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}

"الله به عليم" فما حاجة أن تعلم به الكاميرات ووسائل التواصل إلا إذا كانت الغاية من عمل الخير هي الشهرة، السياسة، المصلحة وليس وجه الله! فإن كانت الجهة المانحة تريد إثباتات فلها ذلك في إطار الوثائق وبشكل سري لا علني.
تخيلوا البون الشاسع بين رجل يعطي بيمينه لئلا تعلم شماله، وهذا يقتضي عدم استعراض وضع وحالة وتاريخ المحتاج، وبين من يعطي المحتاج ويفضحه أمام الملايين!

مؤكد أن قلب هذا الشاب قد اطمأن؛ فقد حقق غايته! أما قلبي فلن يطمئن إلا إذا أُممت كل الجمعيات الخيرية تحت مؤسسات رسمية تديرها الدولة ولغايات انسانية وليست سياسية، ولن يطمئن قلبي إلا إذا أُوقفت كل البرامج التي تهين الإنسان تحت مسمى عمل الخير.

تنويه:
(المنشور ليس عن برنامج اطمأن قلبي فحسب، وإنما عن كل البرامج والمشاريع التي تهين الإنسان باسم عمل الخير)


الساعة الآن 09:42 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع قطرات أدبية 2009