قطرات أدبية

قطرات أدبية (https://qtrat.com/vb/index.php)
-   قــطــرات الـقـصـة والروايــة (https://qtrat.com/vb/forumdisplay.php?f=19)
-   -   كيف نكتب قصة قصيرة ؟ - عناصر القصة القصيرة الناجحة - ورشة عمل (https://qtrat.com/vb/showthread.php?t=4002)

ايوب صابر 24-01-17 06:39 PM

روح الياسمين
لا ترسلي لي فقط انشري كل ما لديك هنا تباعا وسوف اتابع ما تكتبين ان شاء الله، وأحاول التعليق عليه كما اتوقع ان يكون هناك المزيد من التفاعل مع نصوصك وهذا بالتحديد ما يساهم في تطوير المهارة وقد اشرت للتو وقبل ان أقرأ هذه المداخلة بأنني اتصور بان كاتبا ماهرا يسكن في ثنايا قلبك وعقلك والان أنا متأكد من ذلك فانطلقي بثبات وسوف تحققين المعجزات . *

ايوب صابر 25-01-17 01:23 AM

العنصر الثاني من عناصر القصة القصيرة :

(2) المكان:
المكان عنصر هام من عناصر القصة، وهو في القصة القصيرة محدود مناسب للحدث، و يجب أن يتوافق معه ومع الحوار متناسبا مع البعد النفسي والاجتماعي للشخصيات وثقافتها، وقد يتعمد بعض الكتاب عدم تحديد مكان معين، إذ قد يجعل المكان عاما يرتبط به مصير شعب أو مصير الإنسان بشكل عام.

ايوب صابر 26-01-17 01:25 PM

المكان القصصي

بقلم: د.عماد علي سليم أحمد

الخميس 31 كانون الأول (ديسمبر) 2009

* السرد والمكان القصصي
* تكامل إيقاعي مع الزمان والشخوص...
* قصة «وجوه تلتقي» لـ نعيم الغول، أنموذجا
ورد عند الدكتور إبراهيم خليل في كتابه «النقد الأدبي الحديث – من المحاكاة إلى التفكيك»*[1] حديث عن ربط السرد بالمكان ضن موقع السرديات من النقد الأدبي الحديث، واختار الدكتور إبراهيم خليل للسرد موقعا قريبا من السيميائية والعلامة التي ينبغي أن ينظر إليها وإلى تفاعلها بالأركان السردية الأخرى من زمن وأشخاص.. ويشير المصطلح إلى أن لكل حدث يقع في القصة في وقت ما مجالا لا بد أن يجري فيه، وأن هذا المجال الذي تكر تسميته مكانا لا يظهر عشوائيا، إنما له دور في إضفاء الصنعة المتقنة على النص.. هذا ما سنحاول دراسته في قصة «وجوه تلتقي» للقاص الأردني «نعيم الغول» .

ثم يكون المكان – عادة – متحكما في حركة القصة وفاعلا فيها.. فهو يساهم في إظهار مشاعر الشخوص من خلال إيراد ما تتأملها أو تحلم بها من أماكن.. أي أن حضور المكان في هذه الحالة هو معاضد لاستبطان الشخصية ومساهم بسماتها وإيحاءاتها في تقدم العمل، أو في التعبير عن أحاسيس الشخصيات ورؤاها. فيبدو المكان وسيلة لتحقيق غاية ما لدى القاص، ليقدم من خلالها جملة من الآراء الفكرية والإنسانية المرتبطة بالمجتمع الإنساني وشرائحه، منطلقا من رؤية وموقف ثابت لديه؛ لأن المكان هو الفسحة / الحيز الذي يحتضن عمليات التفاعل بين الأنا – والعالم.. ومن خلاله نتكلم وعبره نرى العالم ونحكم على الآخر*[2].

وإن أول ما يطلب من الكاتب، سواء استمد موضوعاته من التجارب العادية في الحياة أم تعدى نطاق المألوف إلى عوالم الخيال والخوارق أن تتحرك شخوصه على صفحات القصة، حركة الأحياء الذين نعرفهم أونعلم بوجودهم، ويجب أن يحافظوا على مثل هذه الحركة طوال القصة، وأن يظلوا أحياء في ذاكرة القارئ / الناقد، وهذه الحركة لا تتم إلا في حيزها الطبيعي الذي يقع الحدث فيه، وهذا الحيز هو المكان الذي تجتمع فيه العوامل والقوى التي تحيط بالشخصيات، وتؤثر في تصرفاتهم في الحياة، فالشخصيات بحاجة إلى مكان تتحرك فيه، والزمن يحتاج إلى مكان يحل فيه، والأحداث لا تحدث في الفراغ، كل ذلك يحتاج إلى إطار يجمعها ليتم تفاعلها بإيجابية لتكوين البناء القصصي، والمكان هو ذلك الإطار*[3].
وللأماكن نمطان في الاستخدام القصصي:

الأماكن المغلقة،
الأماكن المفتوحة.
الأماكن المغلقة

وهي التي لها دور بارز في رسم الخط العام في الفعل القصصي، مثل : البيت، إذ تجد فيه الشخصيات حريتها الكاملة فيه، فالعلاقة تبدأ بين الإنسان والبيت من لحظة ميلاده وتطوره وتفاعله.

الأماكن المفتوحة:

وهوالفضاء الذي يمتد به القاص للخروج إلى الطبيعة الواسعة، ففضاء الطبيعة الذي تتحرك فيه الشخصيات يمثل حقيقة التواصل مع الآخرين والحركة والتوسع والانطلاق، ومن الأماكن المفتوحة : الشارع، والحديقة..

وقد كان للأماكن المفتوحة دور بارز في تطور الأحداث، وحركة الأشخاص وصراعها، حيث تكون الأحداث فيها كبيرة، مختارة بعناية القاص وحنكته من فوضى الحياة ومن مساحتها العريضة، حيث تطفو الخطوط المتعلقة بعلاقة الإنسان بالمكان، فيظهر المكان من خلال الإنسان..فالمكان المفتوح بكل ما يحتويه هو نقطة الاتصال مع العالم والالتقاء والتواصل مع الآخرين، ويحمل الانفتاح فيه معاني البحث والإطلاع والاكتشاف، والتأثر بما يحيط بهذا من تيارات ومنطلقات وتأثيرات كبيرة.
وبعد،
فالمكان يشكل عنصرا بارزا في العمل الفني، لا يمكن تجاوزه، فهو يعمق الصلة والتواصل بين القارئ والنص، بما يجعل القارئ يشارك الكاتب في بحثه عن المكان واستعادة الذات والهوية.. وتنبع أهمية المكان في العمل الأدبي لدوره الواضح في تجسيد رؤية الكاتب لهوية الإنسان، ووجوده القائم على الأرض التي تنبع منها هذه الرؤية، فانظر ذلك في تعدد ذكر القاص للمكان بدءا من الشرفة وانتهاء بالسلط في نكهة خاصة ومتميزة كنتاج مركب لتشابك الأبعاد البنيوية، والدلالية، والرمزية، والإيديولوجية، فضلا عن البعد الجغرافي الذي يعمل على تنظيم خيال القارئ وترتيب معطيات تصوره*[4].. يقول نعيم الغول*[5]:

نادتني الشرفة حين أحست بالوحدة، فخرجت إليها أطارحها الملل الذي عشش في صدري من طول التحديق في المقررات المدرسية،
فيفتتح القصة بالمكان، وهذا شائع، وكأن المكان هوالبوابة الأقدر على تمكين القارئ من النفاذ إلى دواخل القصة واكتناه أعماقها.

ويقول عن الشارع:
وارتطمت بسمعي أصوات في الشارع
قذفتها حناجر أطفال يلهون، فاستوقفتني..

ثم يذكر عمّان والسلط:

... أفراح وأعراس الخميس والجمعة...
ترقص عمان على أصوات السيارات، والموسيقى، والدبكات،
ترفرف عصافيرها بالفرح..
ترى أيجري مثل هذا في السلط
مسقط رأس أبي،
المدينة التي تورق برفات أجداده؟..
فالقاص يفهم كيف يتعلق بالمكان ويعلق القارئ به... انظر لهذا الملخص لأماكن قصته:

• دلالات إيقاع المكان:

ثم انظر لهذا الوصف المكاني الدقيق:
لسلط تتمطى بدلال في قلب أبي،
لكنه كأي رجل أدار ظهره لامرأة أحبها وأحبته
ليجرب حبا آخر،
عانقته عمان،
....
ويحل بجسمه في عمان..
لكنها سرعان ما أصبحت " ضرة" للسلط،
ونحن لا ندرس الجغرافيا القصصية عند نعيم الغول، بل تأخذ دراستنا أبعادا مختلفة ومتشعبة، وقد تمثلت هذا الجغرافيا في مكان واحد هو المدينة، فالقاص متورط ومنخرط في ماهية المكان والمدينة إلى درجة اكتساب وصفه بعدا اجتماعيا، فيقول:

يداخلني إحساس بأن وجوهنا الأردنية التي شربت من أقداح الشمس سمرتها مصابيح تصلها أسلاك كهربائية خفية،
ولذلك هو قادر على إكساب مكانه بعض الملامح الأخرى التي يمكن ملاحظتها في كيفية بنائه لها كجزء من معماره الفني على الورق.. وهو يصف الشارع [والشارع مكان مفتوح ليس بالمغلق.. انظر لاستثمار القاص له وصولا لدبابات الجيش الإسرائيلي، إضافة لاستمراره في ذكر التركيز على المكان (مخيم جنين) ]:

... عدت إلى شارعنا
الذي تبتسم له الشمس أولا في عمان،
... شعرت بالتلفاز يصمت لثوان،
وفجأة ثقبت مسامير آذاننا دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي تفرغ أحمالها على مخيم جنين،..
ولعلنا ونحن ناظرين إلى المساحات الاجتماعية التي تتحرك فاعلة في القصة:

فهذه الفاردة،
وذاك التلفاز الذي تجتمع حوله العائلة،
والاستماع للأخبار.. وهكذا..
وقد تجسد المكان في القصة في ظاهرة ذات مناخات وأبعاد مختلفة، إذ تبدأ القصة بـ : الشرفة، التي تحتضن جملة من التفسيرات للواقع الاجتماعي والاقتصادي والذاتي لتجارب الحياة اليومية عند البطلة (طالبة التوجيهي)، فمع تدافع الأوهام والتأملات النفسية، تبدأ الأحلام بالتصاعد والخوف يسكن قلبها، فمن ماذا هي تخاف؟
ومن هنا نقف مع ملخص للشخصيات نرى خلاله الرسم التالي:

• دلالات إيقاع الشخصيات من خلال المكان:

ويبقى المنزل الحلم: هوالمكان الضائع المفقود في مخيلة البطلة.. وتبحث عنه، خاصة بعد أن تراه يتهدم على أصحابه في جنين! وقد حاول القاص في قصته ذات الجغرافيا المحددة أن يبتعد عن النمطية، إذ أحضر نماذج مختلفة من بيئات متعددة، مما يميزه في رسم المكان في أجواء مختلفة.. فكانت الفاردة وحضر الأطفال و..
ويدور الصراع، انظر إلى قوله:
وكنت أشعر أن الجرح الحار فتح في جنين،

لكنه بدأ يسيل من ماعين، وأن كل حجر يسقط من بيوت نابلس تهتز له قلعة عجلون، ويتردد معه بعض من غضب يترجرج في أعماقي.

ويواجه الإنسان مصيره في سبيل العيش بكرامة وحرية، فكلما اقترب الإنسان أكثر من نفسه ومكانه وجد اليأس يسيطر على كل شيء.. ليعيش ألم ومرارة هذا الانهزام الذي لا يفنى.. فيبحث هذا الإنسان عن مكانه الذي يحقق حلمه فيه : يبحث عن بيته، فكيف إذا كان بيته يلفه الخوف !

إن المكان المغلق هوحصار خارجي وداخلي للإنسان، يلجأ إليه الإنسان ليقبع في ظلاله المنغلقة ليعبر بهمسه عن الضيق والصعوبة والخوف، مما يجعله دائم الهرب إلى داخله رغبة منه في البوح بمشاعره وأحاسيسه ليرتاح خوفا من الخارج، ففي ابتعاده وانغلاقه في هذا المكان تفكك لروابطه، وتأخذ الأماكن لدى القاص دلالة الغرفة المغلقة عن العالم المحيط.. فيذكر الجامعة :

لا أزال أذكر هناء ابنة الجامعة الأردنية،
أذكرها حين جاءت إلينا الصيف الماضي برفقة صديقتها الكركية برناديت،
ولكنها في الوقت نفسه هي انفتاح على الذات بقيمه النسبية.. فالغرفة تحتضن حياته.. وإليها المهرب واللجوء:
فهربت إلى غرفة نومي..

هي هي التي تحتضن معه شيئا من الحديث، والتأمل، والخوف، والتفكير، وأشياء أخرى، قد لا يعلمها إلا هو.. فالمكان يعكس إلى حد ما جزءا كبيرا من الحياة وتفاصيل حياتية،..يقول:

لم أحتمل أكثر، هربت إلى غرفتي..
وفي داخلي تضطرم عواصف رهيبة..
لا بد أن نخرج في مظاهرات.. لا بد أن نفعل شيئا.. لا بد...
إن المكان اكتسب إيجابيات وسلبيات واضحة من خلال نفسية البطلة ومشاعرها التي تتحدث على لسان صديقتها:
قالت: إن والدها توفي برصاصة من اليهود وهم يطاردون بعض الشبان في المخيم،
...

احتضنتها أختي وصار صعبا علي أن أعرف دمع من بلل أرض الغرفة،
غمغمت برناديت من بين دموعها:
«سأصلي للرب كي نلتقي ثانية دون أحزان»

إن فضاء الطبيعة الذي تتحرك فيها الشخصيات – عند نعيم الغول - تمثل حقيقة التواصل مع الآخرين والحركة والتوسع والانطلاق، من خلال الزمان المهم للدلالة على المكان بمرور الحوادث ومرور الوقت:

سيصطحبنا إلى الجسر صباح اليوم التالي،
فقد جاء المكان شاهدا حيا حمل في أحشائه معاني الهوية والحركة والرصد في الحياة.. انظر لملخص الزمان في القصة الذي يمكن أن نقسمه إلى أقسام ثلاثة هي:

من حيث الصيغة الدلالية (الفعل هوالدال).
من حيث المدلول (الاسم هوالمدلول).
من حيث عنصر الباعث (الوقت هوالموضوع الباعث للدال والمدلول).

ايوب صابر 26-01-17 01:35 PM

بنية المكان في قصة الحصان


د. رحمن غركان
23/01/2010
قراءات: 5746
المكان في القصة القصيرة والأقصوصة حيّز مفترض أو متخيل أو ممكن يتيح لعناصر القصة أو مكوناتها الأخرى أن تتبدّى في فضاءات السرد بأشكال متعددة ، وأن اتصاف المكان بالكينونة والحسية المباشرتين هو ما جعله أوضح في القراءة من الزمان إذ يتضح عبر مرجعيات كثيرة ويتضح في عناصر أكثر ، في حين يبدو وضوح* الزمان عبر اللغة أكثر ويغيب حضوره في مثل مرجعيات الإفصاح عن المكان ، وكأن ارتباط الإنسان بالمكان أكثر من الزمان في المعطيات الحسية المباشرة هو ما فتح عليه مرجعيات كثيرة تصله بالأمكنة .

ولما كان الاحساس بمعاني المكان موصولاً بالزمان ومتصلاً به فقد بدا صعبا قراءة المكان (( بمعزل عن تضمين الزمان ، كما يصعب تناول الزمان في دراسة تنصب على عمل سردي ، دون أن ينشأ عن ذلك مفهوم المكان في أي مظهر من مظاهره ))(1) إذ العلاقة بين الزمان والمكان في الاعمال السردية تبادلية ، وان الأمكنة المتعددة في الاعمال السردية إنما تفصح عن معانيها وأبعاد وظائفها السردية عبر الزمان الذي تستحضره آفاق الاشخاص وحركتها والافعال وأبعادها ، ولاسيما (( أن النماذج الاجتماعية والدينية والسياسية والاخلاقية في عمومها تتضمن - وبنسب متفاوتة - صفات مكانية ، تارة في شكل تقابل السماء / الأرض . وتارة في شكل نوع من الترابية الاجتماعية ، حين تعارض بوضوح بين الطبقات( العليا ) والطبقات ( الدنيا ) وتارة أخرى في صورة صفة أخلاقية حين تقابل بين ( اليسار) و (اليمين) أو بين المهن (الدونية) و (الراقية) ... وكل هذه الصفات والاشكال تنتظم في نماذج للعالم تطبقها صفات مكانية بارزة ، وتقدم لنا نموذجا ايديولوجيا متكاملاً يكون خاصاً بنمط ثقافي معطى ))(2) . وهذه ( التقاطبات المكانية ) كما أطلق عليها ( يوري لوتمان ) انما هي نماذج لأفصاح المكان على وجوده افقياً بالأشكال التي يحيلها الفهم الزمني إلى معان سردية في الاعمال الأدبية ، تلك الاحالة تترجمها أو توحي بها المفهومات في الخطاب واللغة في السرد ، والعلاقة بين ( المكان / الزمان ) في هذين المستويين ( الأفقي / العمودي ) تكاملية على صعيد أداء المعنى القصصي ، فليس للمكان من معان فاعلية أفقيا من دون الاسقاط العمودي لفاعلية الزمان ، اذ هي وعي تأويلي يحيل المتلقي الى قراءة أبعاد المكان وآفاقه واستشراف معانيها ، ولكن القراءة التكوينية من بنية المكان القصصي في حالة النصوص التي يضع المكان وعناصره ومعطياته أزمنته الخاصة ، أعني الحالة التي يصنع المكان في ابعاده الافقية الوعي الزمني عمودياً ، بما يكون فيه الزمان صادراً عن وصف لبعض صفات المكان أو معبراً عنها ، أو يكون المعنى القصصي موحياً بتكامل ( المكان / الزمان ) وليس ( الزمان / المكان ) بمعنى صدور الزمان عن صفات مكانية معينة . فالمكان ليس سطحاً وهو غير محايد ، المكان دلالة تثري معناها بما تحتقبه من خصائص أولها الإيحاء بالأبعاد الزمانية ، لأن الوعي الانساني يبحث عن المعنى الفني وقد تجسّد في صياغات دالة ، وأمكنة معرفة بدلالاتها الزمنية ، لأن المكان وجه للمكين وجه معبّرٌ وغالبا ما يدل المكان على المكين ويعّبر عن موقفه من الحياة عامة ومن الشأن الذي هو فيه خاصة ؛ فقد يعبر فهْم المكين للمكان عن فهمه لما يحيط به ، كما يكشف جهله به وغياب مواصفاته عنه عن جهل المكين بصورة وجوده ومعاني الواقع الذي يعيشه ، فقد يعتبر المكان عن التجليات النفسية للمكين وعن حالاته الفكرية ومعطياته الأجتماعية ، إذ هو ليس اطاراً وليس وسيطاًَ ، انه لسانٌ لغتهُ الأبعاد ومعانيها موصولة بالزمان . واشكال المكان متعددة وقد يتعذّر استقصاؤها فمنها ماهو ارضي ومنها ماهو سماوي وما هو ممكن وما هو واقع وما هو متخيل وما هو اسطوري ؛ والمكان في كل ذلك (( لايتشكل إلا باختراق الابطال له ، وليس هناك أي مكان محدد مسبقاً ، وانما تتشكل الامكنة من خلال الأحداث التي يقوم بها الأبطال ))(3) فالبيت مكان ولكنه أناس يؤسسون زمانا بالمكان وهكذا في الطريق والسفينة والمركبة وغيرها مما في معانيها ، فالمكان يظهره المكين معبراً عن وجهة نظره في زمن معين ، قد يكون لحظة عابرة أو يوماً أو امتداداً زمنياً يطول أكثر من ذلك ، وقد يعبر المكان مجازيا عن المكين ، ولا يحدث العكس . وغالبا ما ينتج عن جدلية العلاقة بين المكان والمكين البعد الزمني ونوعه أو الزمن وأبعاده .

***** المكان في القصة القصيرة جغرافيا الزمن الذي تتحرك عليه الشخصيات ومن خلاله ، وتقع عليه الاحداث وفيه ، وأن قصة يهيمن عليها المكان وتصدر معانيها عن بنية المكان القصصي هي تلك القصة التي يغلب على وصفها تصوير الأماكن ومتعلقاتها أو معطياتها ، وتقع الاحداث فيها بفعل ظواهر المكان ، السلبية منها والايجابية ، وتصنع الشخصيات فيها صفات مكانية أو أن تلك الشخصيات تصنع أماكنها الخاصة بها ، وتتبدّى الحبكة أو المفارقة موصولة بانفعالات المكان الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو غير ذلك . كما أن المنظور الايديولوجي في منظومة قيمة المؤثرة في الشخصيات ، كما المنظور الذاتي في رؤاه التخييلية منظوران توجههما معطيات مكانية وتؤثر فيهما ، فالبيئة المكانية فاعلة في البيئة الزمانية وموجهة لها .

***** هناك عالمان للمكان في القصص القصيرة ؛ أولهما : العالم المألوف في أجزائه الواسعة ومكوناته اللافتة . وثانيهما : العالم المصغر كالسفينة أو المركبة أو الزورق أو الزنزانة ، غير أن الشائع في القصص القصيرة (( أن يحدث الفعل القصصي في مكان أو موضع . وقد يُعرّف تعريفاً غامضاً ، أو يشار إليه في وصف عارض تماما . وفي القصص الواقعي ، والكتابة الطبيعية المتطرفة في واقعيتها ، حيث توصف البيئة أنها قوة فعالة مؤثرة في حياة الشخوص ، قد يكون الموضع مسهبا في تفصيله ، لكي يمنح القاريء الأحساس بصدق الواقع أو يصوّر موقعاً هو في حقيقة أمره مشارك في الفعل القصصي ؛ وسواء كتب الموضع بأسلوب جريء ، لايتردد عن ذكر أي شيء فيه أم كان فوتوغرافيا دقيقا في تصويره ، فإنه قد يمد بموقع ليحْتلّه الفعل القصصي لاغير ، أو قد يزيد في تقديم (( فحاوي)) أما : بان يهيّء الجو المناسب أو يعكس العلائق في الفعل القصصي أو الحبكة عكساً رمزيا ))(4) وإذ تهيمن دلالة المكان أو الموضع أو الحيز على كيفية رواية القصة ، بما تكون عناصرها خاضعة لمؤثرات مكانية في توجيه القصة عامة ، وانفعال الراوي بدلالة ذلك بوصفه فاعلاً مؤثراً موجها ، وبما يكون المروي له ناظراً إلى دلالة المكان أو الموضع أو الحيز منطلقا من تلك الدلالة ؛ كلياً أو غالباً فإن ذلك كله يستدعي الصدور عن بنية المكان القصصي في القراءة ؛ وصفاً أو تحليلاً أو تصنيفاً . وسنقرأ قصة (الحصان) من مجموعة ( عن العالم السفلي ) لـ (نعيم شريف ) إذ يهيمن ( المكان العابر ) على كيفية رواية هذه القصة وعناصرها .

الحصان(5)

****** (( عن جندي كان يريد العبور إلى الضفة الأخرى ، عن امرأة تحمل فوق رأسها صرة ، عن عمال المسطر الذين لم يجدوا عملا ، عن صبية كانوا يبيعون العلكة وسكائر الغازي ، عن بائع ( دوندرمة ) لأن الوقت كان في عز الصيف ، عن طلاب فقراء ، عن رواد المقهى . إنهم قالوا : كان الوقت بين الضحى والظهيرة ، والشمس* تسلق كل شيء تحتها سلقا ... والهواء كان ( بوخة ) محملة برائحة ( زفرة ) وبينما نعبر الجسر ؛ تلكأت بالقرب منا عربة من عربات بيع النفط ، استدللنا على ذلك من الرائحة المنبعثة منها ؛ يجرها حصان أدهم ، وكان كبير الحجم ، توقفت العربة في منتصف الجسر ، كان الحصان يلهث بقوة ، وقد أوشك شدقاه على أن يشقّا لأن الحوذي ؛ وكان رجلاً جسيما ظل يطوي عنانه بعنف ذات اليمين وذات الشمال وهو يضربه بسوط طويل ضربات متتالية ، استمّر الرجل بضرب الحصان لاعنا إياه ، بينما حرن الحصان الذي غطت عينه سيور جلدية تشبه الأكف المتلاصقة الأصابع لا تجعله يرى إلاّ اتجاه سيره فقط ... ترجّل الحوذي ممسكاً بسوطه وجعل يضرب رأس الحصان بقوة بينما ظل الحصان يلوذ برأسه تفاديا للضرب ...!!

****** تفاقم شعور الحوذي بالحنق والتعب ، أفلت العارضتين الخشبيتين اللتين كانتا بمثابة الذراعين اللذين يمسكان بجسد الحصان ويحددان سيره ... بعدها نزع السيور الجلدية عن عيني الحصان ثم أفلت العنان الذي كان سلسلة حديدية ؛ حين سقطت على بلاط الجسر أحدثت صليلاً حادا ... ابتعد الرجل واستأنف الضرب ...!!

**** ارتفع رأس الحصان ، كان خطمه إلى السماء ، جحظت عيناه السوداوان وقد احمرتا كجمرتين متقدتين ، ظل يضرب بقائمتيه الأماميتين الأرض ؛ كنا قد سمعنا صهيلاً حاداً يملأ الفضاء قبل أن نرى الحصان وقد ارتفعت قائمتاه الخلفيتان عن الأرض واستدارتا لترفسا الحوذي بقوة في صدره ، ليسقط مجندلاً على الأرض وسط ذهولنا وارتباكنا ، بينما ظل يصهل ثم يرفع قائمتيه الأماميتين وقد أثناهما لينزلهما مستقيمتين في صدر الحوذي ، وكنا نصيح : دخيل ( الله ) ( خلصوا ) الرجل ...!!! وأخذنا نهوش بايدينا لننقذ الرجل ونبعد الحصان عنه لكننا لم نجرؤ على الدخول في الدائرة التي اختطها الحصان ( لتصفية حسابه ) وظل يدور حوله ، وكانت تستعرضنا عيناه وقد امتلأت نفوسنا رعبا ، بينما يرفع قائمتيه لينزلهما على وجه الحوذي وصدره ، وكنا نسمع قرقعة تكسّر عظام صدره ، بينما كان وجهه كتلة متداخلة الملامح تنبثق منها دماء غزيرة . كفّ الحصان عن الرفس فتأكد لنا عندها ؛ أن الحوذي قد صار جثة هامدة ، استدار الحصان ، انفتحت دائرة الخلق الذين أوشك أن يتهدم بهم الجسر لكثرتهم بينما سار الحصان ببطء ، وكان باستطاعتنا أن نسمع وقع حوافره ، وصوت الصهيل رغم ابتعاده عنا مما شطر الجانب الآخر من المدينة .

رواها الناس ؛ همساً وجهرا ... صدق الناس )) .

********* الحصان في المنظور الوظيفي المباشر مكان ؛ أنه مركبة ، مكان متحرك ، والعربة التي يجرها - كما في القصة - مكان متحرك هي الأخرى ، والجسر - أعني الأرض التي شهدت أحداث القصة -* مكان هو الاخر ، هو مكان متحرك من جهة العبور والجهات التي يجسرها ، وهو مكان ساكن أيضا من جهة ضفتيه في معانيهما الوظيفية المباشرة ، والحوذي بطل القصة يبحث عبر مكانه المتحرك ( الحصان والعربة والطريق ...) عن مكان يرفع* به مكانته ، من طبقتها الاجتماعية الدنيا الى طبقة هو اليها طامح ، هو يبحث بالمكان المتحرك عن ثابت يبحث عن مكان طبقي في أذهان الناس ، مكان طبقي في طموحاته ، والحركة إليه زمن ، والحركة به كذلك . وحركية المعاني في هذه القصة حركية مكانية في حيّز زمكاني ذي معطيات اجتماعية ، طرفا الصراع طبقة اجتماعية دنيا ( عالم الحوذي ) وطبقة اجتماعية عليا ( عالم الاغنياء ) . وعلى صعيد الدلالة الرمزية في القصة ، فالطبقة الدنيا قد تنسحب على الجماهير والشعب والمسحوقين والطبقة العليا قد تنسحب على الحاكمين والرأسماليين ، على تعدد أسباب الحكم ووسائله ، وتعدد مصادر رأس المال ومنابعه ؛ سياسية ، دين ، تجارة ، نفاق اجتماعي ، أكاذيب تاريخية ، طائفية ، .... وفي كل ذلك المكان المتحرك المهيمن على لغة القص ومكونات السرد هو الموجّه والفاعل في الكشف عن أبعاد المكان الساكن ومعانيه ، والزمان الظاهر ومظامينه في الأيحاء بالعناصر الأخرى ، بما كانت فيه القصة شغوفه بواقعية ، بمكان من الواقع ؛ الساكن في بنياته والمتحرك ، وذلك المكان الذي تهيمن معانيه في معطياتها الاجتماعية ( الطبقات العليا ) ومعطياته المهنية ( الوظائف الراقية ) ومعطياته السياسية ( السلطة المبسوطة النفوذ ) ومعطياته الأخرى هيمنة ظاهرة على أبعاد التعبير ، وهيمنة مضمرة على إيحاءاته الرمزية التي يذهب اليها خطابه .

بنية المكان في هذه القصة مكثفة ، وهو عام على هذا النحو في القصص القصيرة الحديثة ، (( ذلك أن المكان لا يتضح في القصة القصيرة إلاّ مكثفا ، بحكم أن فنية القصة القصيرة تتطلب ، الايحاء والتركيز والشد إلى المفاصل المهمة من العلاقة بين فنية القصة وتاريخية المكان ))(6) وكأن المعنى القصصي الذي تفصح عنه قصة (الحصان) يتبدّى ظاهراً عن عناصر مكانية او مايوحي بذلك أو يشير إليه .

****** فالّذين روى عنهم القاص رموز مثقلة بعبء المكان وهو : جندي يتوق أن يعبر المكان الذي هو فيه إلى ضفة اخرى . والمرأة التي تحمل فوق رأسها صرة . وعمال مسطر لم يجد شيئا . وصبية يبيعون المكان بالمكين أو العكس . وكذا بائع ( دوندرمة ) . وكذا طلبة في مكانة اجتماعية اقتصادية دنيا . وكذا رواد مقهى يبني المكان على تجدد المكين ، ويثرى الزمن فيه بالمكان ...!!! فالمنظور الذي تصدر عنه القصة طبقي مكاني .

ثم في اجزاء المشهد الأول من القصة بدا المكان صانعا زمنه القاسي ؛ فالشمس تسلق كل شيء تحتها سلقا ، والهواء ( بوخة ) محمل برائحة ( زفرة ) . والمكان الذي يقصد الجمع عبوره هو الجسر ، ومشهد الإثارة الرئيس في القصة بطلاه الحصان بعربته التي يجرها ، والحوذي على الجسر الذي استعطى عليه اجتيازه ، فالحصان استعطى عليه جرّ مكانه المتحرك ( العربة ) لأن قسوة الحمل عبء ثقيل وسائس قاس ، والحوذي استعصى عبور مكانه الطاريء المتحرك ( الجسر ) لثورة الحصان ووطأة العربة . فالفواعل ( الحوذي والعربة والحصان والجسر ) موصولة بمعاناة اجتياز المكان في التعبير عن معنى اجتياز المكانة التي هم فيها أو عليها إلى مكانة جديدة .

***** ثم أن مشاهد ثورة الحصان على عبء العربة وقسوة الحوذي يغلب عليه المكان أو النزعة المكانية على تعدد صورها وأشكالها : ( يطوي عنانه ذات اليمين وذات الشمال ... حرن الحصان ... غطت عينيه سيور جلدية ...لاتجعله يرى إلا اتجاه سيره فقط ... افلت العارضتين الخشبيتين الممسكتين بجسد الحصان المحددتين سيره ... نزع السيور الجلدية عن عينيه .... سقطت السلسلة الحديدية على بلاط الجسر ) في هذا المشهد ينفعل المكين بالمكان وتتبدّى كيفية السرد وعناصرها الوظيفية بالصدور عن دلالات مكان معين أو البحث عن مكانة معينة . وفي كل ذلك بدت عناصر بنية المكان فاعلة في عناصر السرد وموجهة لوظائفه .

***** وفي مشهد ثورة الحصان كان المكان ثائراً على الرغم من كون المكين الحيواني هو الثائر : ( كان خطمه يشير إلى السماء ... ظل يضرب بقائمتيه الأماميتين الأرض ... صهيل يملأ المكان ... ارتفعت قائمتاهُ الاماميتان عن الأرض لترفسا الحوذي بقوة في صدره ليسقط على الأرض ...ظل الحصان يصهل ويدور ... أخذنا نهوش بأيدينا لننقذ الرجل ... لم نجرؤ على الدخول في الدائرة التي اختطها الحصان ... كنا نسمع قرقعة عظام تكسر عظام صدر الحوذي ...) في مشهد الحصان لم يكن المكان أرضا فقط ، إنما كان معنى ، كان المكان أقرب إلى المكانة ، التي هي انتصار الثائر على مكان الامتهان والدونية وارتفاعه إلى مكانة الانتصار العلوية ، والحصان رمز ، والانتصار مجاز ، وكذلك المكان معنى في المكانة .

***** وفي مشهد احتفال الحصان بانتصاره وتوجهه إلى مكان آخر بعيداً عن مكان انتصاره أو بسببه ، كان المكان سعة من معنى ومساحة من تعبير : ( كف الحصان عن الرفس ... استدار الحصان ...انفتحت دائرة الخلق الذين أوشك الجسر أن يتهدم بهم لكثرتهم ... سار الحصان ببطء ... كنا نسمع وقع حوافره ....سار ميمما شطر الجانب الآخر من المدينة ...) لم يكن المكان هنا جغرافية طبيعية انما مكانة تحررية أو اجتماعية مصنوعة ، وبحسب البعد الرمزي للقصة فهو مكانة ابداعية انفعلت بنية المكان القصصي بكيفية السرد لأجل التعبير عنها بواقعية رمزية باعثة على التأويل .

ايوب صابر 26-01-17 01:46 PM

setting in a short story

The setting of a short story is the time and place in which it happens. Authors often use descriptions of landscape, scenery, buildings, seasons or weather to provide a strong sense of setting
.

-------
الموقع في القصة القصيرة
الموقع او مسرح الحدث او الخلفية المكانة في القصة القصيرة هو الوقت والمكان الذي يقع فيه الحدث. وغالبا ما يستخدم الكتاب وصف لأراضي او مناظر او بنايات او فصول او طقس وذلك لجعل المتلقي يستشعر طبيعة المكان الذي جرى فيه الحدث.

روح الياسمين 28-01-17 09:18 PM

اسجل اعجابي الشديد بعملك القيم وبحثك الدؤوب
لدي تساؤل بسيط بما ان القصة فن من فنون الادب النثري
فما الفارق بينه وبين الخاطرة ?
فحتى الخاطرة تستوجب بداية ونهاية واحداث ومكان وشخوص

ايوب صابر 28-01-17 11:02 PM

مرحباً روح الياسمين
سؤالك ممتاز وفي محله .
وحتى نفهم نمط من انواع الفن ربما علينا مقارنته بنمط اخر.
غالبا ما تقارن القصة مع الرواية لانهما اقرب الى بعض من الأنماط الاخرى لكن هناك فرق بينهما . القصة فيها شخصية واحدة او يمكن عدد قليل جداً من الشخوص. الزمان في القصة محدود لا يتجاوز الساعات لكنه في الرواية يمكن ان يمتد لمئة عام . حيث تموت اجيال وتلد اجيال غيرها في الرواية الواحدة مثال جيد على ذلك رواية بابلو خيالوا 100 عام من العزلة .
كذلك المكان في القصة محدود لكن في الرواية الأمكنة متسعة ومتعددة .

الخاطرة عادة تقارن بالمقال .
الخاطرة هي فكرة لا تحتاج مقدمة ولا وسط ولا نهاية وانما دفقة شعور او فكرة او تعبير عن حالة نفسية تخرج من خاطر الانسان اي ما يخطر على باله دون ان تلتزم باي قيود او عناصر ومواصفات فليس لها بداية ووسط ونهاية على شاكلة المقالة .
وهي حتما لا تحتاج الى شخوص ولا مكان ولا زمان والا صارت قصة . بينما
القصة لها عناصر لا بد من وجودها كما هو مشروح هنا في الورشة اما الخاطرة فهي لا تحتاج الى تلك العناصر.
فان انت كتبت نص لا يكون فيه حدث ومكان وقوع الحدث وشخص يدور حوله الحدث في زمن محدود يكون لديك خاطرة لكن ان جعلتي النص له مقدمة ثم تفصيل ثم خلاصة يكون لديك مقال .

شكرًا لسؤالك

روح الياسمين 29-01-17 12:36 AM

ممتنة لك ايها القدير على شرحك القيم
كثيرا ما اخلط بين الخاطرة والقصة ولا اعرف الحدود الفاصلة بينهما
لكن الان ادركت عناصر القصة وابعادها الحقة
لك مني كل التقدير

ايوب صابر 31-01-17 09:11 AM

الأسئلة تساعدنا على استيعاب الموضوع فأهلا وسهلا باي سؤال

ايوب صابر 31-01-17 09:12 AM

المكان في القصة القصيرة

- البيئتان الزمانية والمكانية:

البيئة الزمانية:هي المرحلة التاريخية التي تصورها الأحداث.
البيئة المكانية:هي الطبيعة الجغرافية التي تجري فيها الأحداث، والمجتمع والمحيط وما فيه من ظروف وأحداث تؤثر في الشخصيات.

ايوب صابر 31-01-17 09:18 AM

الزمان والمكان

الزمان والمكان مقياسا الأعمال: ولا بد لكل عمل أن يتم في زمان ومكان، ومن ثم فالصلة بينهما وبين العمل صلة ضرورية، ومن ثم فلا بد لكاتب القصة من مراعاة أحوال الزمان والمكان، ومن التقيد بالعادات والأخلاق وفقا لكل زمان ومكان، بحيث تصبح القصة حية، ذات صلة وثيقة بالواقع، وذات قوة ابهامية. وقد يهتم بعض الكتاب للبيئة اهتماما خاصا يجعلونها شخصية رئيسية في القصة، ويحاولون تمثيلها بقوة وروعة.

ايوب صابر 31-01-17 09:36 AM

نعرض هذه الدراسة المتكاملة والملخصة المنقولة عن الانترنت ثم نعود للحديث بتفصيل حول عناصر القصة :


القصة , تعريف القصة , انواع القصة , عناصرالقصة , اسلوبها , شخصيات القصة ,اختيار , احداث القصة

القــصــــة
عمل أدبي يصور حادثة منحوادث الحياة أو عدة حوادث مترابطة، يتعمق القاص في تقصيها والنظر إليها من جوانبمتعددة ليكسبها قيمة إنسانية خاصة مع الارتباط بزمانها ومكانها وتسلسل الفكرة فيهاوعرض ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي وما يكتنفها من مصاعب وعقبات على أن يكون ذلكبطريقة مشوقة تنتهي إلى غاية معينة.

تـــــعريـــفها:
يعرفها بعض النقادبأنها:

حكاية مصطنعة مكتوبة نثرا تستهدف استثارة الاهتمام سواءأكان ذلك بتطور حوادثها أو بتصويرها للعادات والأخلاق أو بغرابةأحداثها.

الأنواع القصصية:

1- الرواية: هي أكبرالأنواع القصصية حجما.
2- الحكاية: وهي وقائع حقيقية أو خيالية لا يلتزم فيها الحاكي قواعد الفنالدقيقة.
3- القصة القصيرة: تمثل حدثا واحدا، في وقت واحد وزمان واحد، يكون أقل من ساعة
( وهي حديثة العهد في الظهور)
4- الأقصوصة: وهي أقصر من القصة القصيرة وتقوم على رسم منظر.
5- القصة: وتتوسط بين الأقصوصة والرواية ويحصر كاتب الأقصوصة اتجاهه في ناحيةويسلط عليها خياله، ويركز فيها جهده، ويصورها في إيجاز.

عنـــــاصرالـقــصـــــــــــة:
1- الموضوع :
يختار القاص موضوعه من :
أ- تجاربه:متناولا النفس البشريةوسلوكها وأهوائها ،
ب- تجارب الآخرين: متناولا المجتمع بالنقد والتحليل .
ج‌- ثقافته: متناولا موضوعات فكريةوفلسفية .
د - من التاريخ :متناولا نضال الشعوب والأحداث الوطنية والسياسية .
هـ - من الوثائق .
(2) الفكرة ( فكرةالقصة):
هي وجهة نظر القاص في الحياة ومشكلاتها التي يستخلصها القارئ في نهاية القصة .
وعلى القاص أن يتجنب الطرح المباشر؛ لئلا يسقط في هاوية الوعظ والإرشاد .

(3) الحدث:
هو مجموعة الأعمال التي يقوم بها أبطال القصة ويعانونها، وتكون في الحياة مضطربة ثم يرتبها القاص في قصته بنظام منسق لتغدو قريبة من الواقع .

تصـميمــــات عــــــرض الحــــــــوادث :
تتم تصميمات عرض الحوادث بواحدة من الطرق الثلاثةالآتية:
1- .النوع التقليدي: وفيه ترتب الأحداث من البداية ثم تتطور ضمن ترتيب زمني سببي .
2.الطريقة الثانيه: هي التي تنطلق من النهاية ثم تعود بالقارئ إلى البداية والظروف والملابسات التي أدت إلى النهاية .
3. الطريقة الثالثه: التي يبدأ الكاتب الحوادث من منتصفها ثم يرد كل حادثة إلى الأسباب التي أدت إليها .
(4) الحبكة هي فن ترتيب الحوادث وسردهاوتطويرها.
والحبكة تأتي على نوعين هما:
1.الحبكة المحكمة: وتقوم على حوادث مترابطة متلاحمة تتشابك حتى تبلغ الذروة ثم تنحدر نحو الحل.
2. الحبكة المفككة: وهنا يورد القاص أحداثا متعددة غير مترابطة برابط السببية ، وإنما هي حوادث ومواقف وشخصيات لا يجمع بينها سوى أنها تجري في زمان أو مكان واحد.
( 5) البيئتان الزمانية والمكانية:
البيئة المكانية :هي الطبيعةالجغرافية التي تجري فيها الأحداث ، والمجتمع والمحيط وما فيه من ظروف وأحداث تؤثرفي الشخصيات .
البيئة الزمانية :هي المرحلة التاريخية التي تصورهاالأحداث .
(6) الشخصيات:
1.شخصيات رئيسية : تلعب الأدوار ذات الأهمية الكبرى في القصة .
2. شخصيات ثانوية : دورها مقتصر على مساعدة الشخصيات الرئيسة أو ربط الأحداث.

أنواع الشخصيات بحسب الثبات والظهور
1.شخصيات نامية: تتطور مع الأحداث .
2.شخصيات ثابتة: لا يحدث في تكوينها أي تغيير ، وتبقى تصرفاتها ذات طابع واحد لا يتغير .

الطرق التي يعرض بها القاص شخصياته:
1.الطريقة التحليلية: وفيها يرسم القاص شخصيته وعواطفها ويعقب على تصرفاتها .
2. الطريقة التمثيلية: وفيها ينحّي القاص ذاته ، ويترك الشخصية تعبر عن طبيعتها من خلال تصرفاتها .

(7) الأسلوب واللغة:
1.السرد : وهو نقل الأحداث من صورتها المتخيلة إلى صورة لغوية .
وله ثلاث طرق :

-الطريقة المباشرة : ويكون الكاتب فيها مؤرخا.
- طريقة السرد الذاتي : وفيها يجعل الكاتب من نفسه إحدى شخصيات القصة ، ويسرد الحوادث بضمير المتكلم .
- طريقة الوثائق : وفيها يسرد الكاتب الحوادث بواسطة الرسائل أوالمذكرات .
وهي الوسيلة التي يرسم بها الكاتب جوانب البيئةوالشخصيات .

(8 )الصراع:
هو التصادم بين إرادتين بشريتين
نوعا الصراع
1.خارجي : بين الشخصيات .
2.داخلي : في الشخصية نفسها.

(9) العقدة والحل:
تأزم الأحداث وتشابكها قبيل الوصول إلى الحل
هل من الضروري أن يكون لكل عقدةحل؟
ليس من الضروري ذلك ، فيمكن أن تكون نهاية القصة مفتوحة، تستدعي القارئ أن يضع النهاية بنفسه وبخياله .
م/ن

ايوب صابر 03-02-17 11:32 AM

Discover The Basic Elements of Setting In a Story
By: Courtney Carpenter | May 2, 2012
تعلم العناصر الاساسية لكتابة المشهد ( المكان وما يرتبط به من زمان ) في القصة القصيرة
الكاتب قورتني كاربنتر


No matter if you are just getting started or want to break into fiction writing , setting is a crucial element to any story. In order to create an imaginary world for your story, you’ll need to know the fundamental elements of setting first. Discover the basic elements of setting in a story from Between the Lines.
سواء اكنت مبتدئ او انك تريد ان تبدا رحلتك في الكتابة السردية يظل المشهد عنصر مهم لأي قصة ، فمن اجل ان تخترع عالم متخيل لقصتك لا بد لك اولا من ان تتعرف على عناصر المشهد الاساسية . اكتشف عناصر المشهد الاساسية في القصة من بين السطور


Fiction has three main elements: plotting, character, and place or setting. While writers spend countless hours plotting and creating characters and then imagining their character’s arcs and dilemmas, often too little attention is paid to place. This is a fatal mistake, since the place fiction is staged provides the backdrop against which your dramas ultimately play out.
للسرد القصصي ثلاث عناصر أساسية الحبكة والشخصية والمكان او المشهد. بينما يمضي الكتاب ساعات عديدة في إبداع الحبكة والشخصيات ثم تخيل ما يدور حوله وما يتورط به من صراعات فان الكتاب لا يكادون يلقون بالا لموسوعة المكان. هذا خطا فادح لان المكان في القصص السردية يمنح المتلقي نظرة حول المشهد الذي يقع فيه الحدث.

But setting is more than a mere backdrop for action; it is an interactive aspect of your fictional world that saturates the story with mood, meaning, and thematic connotations. Broadly defined, setting is the ******** of the plot, including the region, geography, climate, neighborhood, buildings, and interiors. Setting, along with pacing, also suggests passage of time. Place is layered into every scene and flashback, built of elements such as weather, lighting, the season, and the hour.
لكن المشهد ليس فقط مكان تجري فيه الاحداث

The Fundamental Elements of Setting

Here is a list of the specific elements that setting encompasses:

Locale. This relates to broad categories such as a country, state, region, city, and town, as well as to more specific locales, such as a neighborhood, street, house or school. Other locales can include shorelines, islands, farms, rural areas, etc.
Time of year. The time of year is richly evocative and influential in fiction. Time of year includes the seasons, but also encompasses holidays, such as Hanukkah, Christmas, New Year’s Eve, and Halloween. Significant dates can also be used, such as the anniversary of a death of a character or real person, or the anniversary of a battle, such as the attack on Pearl Harbor.
Time of day. Scenes need to play out during various times or periods during a day or night, such as dawn or dusk. Readers have clear associations with different periods of the day, making an easy way to create a visual orientation in a scene.
Elapsed time. The minutes, hours, days, weeks, and months a story encompasses must be somehow accounted for or the reader will feel confused and the story will suffer from a lack of authenticity. While scenes unfold moment by moment, there is also time to account for between scenes, when a flashback is inserted, and when a character travels a long distance.
Mood and atmosphere. Characters and events are influenced by weather, temperature, lighting, and other tangible factors, which in turn influence the emotional timbre, mood, and atmosphere of a scene.
Climate. Climate is linked to the geography and topography of a place, and, as in our real world, can influence events and people. Ocean currents, prevailing winds and air masses, latitude, altitude, mountains, land masses, and large bodies of water all influence climate. It’s especially important when you write about a real setting to understand climatic influences. Harsh climates can make for grim lives, while tropical climates can create more carefree lifestyles.
Geography. This refers to specific aspects of water, landforms, ecosystems, and topography in your setting. Geography also includes climate, soil, plants, trees, rocks and minerals, and soils. Geography can create obvious influences in a story like a mountain a character must climb, a swift-running river he must cross, or a boreal forest he must traverse to reach safety. No matter where a story is set, whether it’s a mountain village in the Swiss Alps or an opulent resort on the Florida coast, the natural world with all its geographic variations and influences must permeate the story.
Man-made geography. There are few corners of the planet that have not been influenced by the hand of humankind. It is in our man-made influences that our creativity and the destructiveness of civilization can be seen. Readers want visual evidence in a story world, and man-made geography is easily included to provide it. With this in mind, make certain that your stories contain proof of the many footprints that people have left in its setting. Use the influences of humankind on geography to lend authenticity to stories set in a real or famous locale. These landmarks include dams, bridges, ports, towns and cities, monuments, burial grounds, cemeteries, and famous buildings. Consider too the influences of mankind using the land, and the effects of mines, deforestation, agriculture, irrigation, vineyards, cattle grazing, and coffee plantations.
Eras of historical importance. Important events, wars, or historical periods linked to the plot and theme might include the Civil war, World War II, medieval times, the Bubonic Plague, the gold rush in the 1800s, or the era of slavery in the South.
Social/political/cultural environment. Cultural, political, and social influences can range widely and affect characters in many ways. The social era of a story often influences characters’ values, social and family roles, and sensibilities.
Population. Some places are densely populated, such as Hong Kong, while others are lonely places with only a few hardy souls. Your stories need a specific, yet varied population that accurately reflects the place.
Ancestral influences. In many regions of the United States, the ancestral influences of European countries such as Germany, Ireland, Italy, and Poland are prominent. The cities and bayous of Louisiana are populated with distinctive groups influenced by their Native American, French-Canadian, and African American forebears. Ancestral influences can be depicted in cuisine, dialogue, values, attitudes, and general outlook.
Plus, read more daily writing tips.

ايوب صابر 09-02-17 10:54 AM

الزمان في القصة القصيرة


الزمان والمكان في منظور القصة الحديثة

*طالب عباس الظاهر



خاص ( ثقافات )
مما لا شك فيه حقيقة كون الفكرة عن الزمن مندمجة دائما بفكرة المكان فيما يسمى بـ (الزمكانية) كصورتين متداخلة إحداهما بالأخرى بعلاقة تحايثية ومن ثم بوجودهما المتصل أصلاً بوجود الكون والأشياء كإحدى ركائزه الأساسية.*
بيد إن الزمن والمكان يعملان معاً ويؤديان وظيفة ديناميكية كوحدة متصلة في القصة، إذ لا يمكن تصور حدثٍ ما ، دون التخيل لمكان حدوثه المحتمل أو الفعلي، أو استيعاب زمن منفلت عن أطره المكانية وعائم خارج محيط واقعه في التصورات الذهنية، ولا نعني بالواقع هنا ضرورة أن يكون على الأرض، فربما يكون في أعماق البحار أو على سطح القمر.*
إذ إن المكان الواقعي بمنظوره الوحيد الساكن يختلف عن المكان المفترض في القصة، وإن استند إلى نفس ذلك المكان الواقعي إلا إن هذا سيكون ذا أبعاد جديدة بمسحة جمالية يعكسها وعي القاص وتصورها قدرته العالية على تحسس المدلولات المكانية من خلال ارتباط القاص بذلك الواقع والانطلاق منه، وبما يحويه مثل ذلك الواقع من دلالات إيحائية، رمزية، تصويرية، تاريخية.. الخ.*
وان تلك بمجموعها ستنبئ عن فضاءات المنظور المعرفي وتعكس الرؤية الفلسفية للقاص المبدع في جمالية المكان.*
إن المكان ينقسم فنياً على بعدين: واقعي وسردي، إي المكان الفعلي للحدث ومكان تصويره وصفياً، وهما بالطبع صورتان لواقع واحد، الأولى جامدة.. فوتوغرافية والأخرى جمالية.. حسّية وكذلك الحال بالنسبة للزمن إذ إن تقنية النظام الزمني تخضع عادة لمهارة القاص وقدرة الإدارة والتلاعب فنياً بمفرداته عبر تقنيات السرد الحديث كالقطع وهو عملية اختزال الزمن ومن ثم القفز والتداعي أو الانثيال الحر والرجوع فيما يسمى (الفلاش باك) أو الاستباق وغيرها من التقنيات الأخرى، لذلك فإن ما يؤخذ على المنحى الكلاسيكي القديم في فن القصة كونه يحاكي الواقع في الكثير من أساليبه، ويقلد سير الزمن العادي (الميقاتي) دون الاستفادة من تقنيات القص الحديث وإمكانياته الهائلة كفن قائم بذاته، حيث استحالة قياس الزمن آلياً، لأنه يختلف من شخص لآخر، إذ انه غير خاضع لمجرد العلاقة بين الزمن والحدث لارتباطه بقضية الشعور المتحركة أصلاً.*
إن الزمن الواقعي (الفيزيائي) غيره في عملية السرد الأدبي في القصة، بل إنهما في الواقع زمنان، زمن الحكاية وزمن السرد، فزمن الحكاية منطقي يسير وفق تسلسله الطبيعي من الماضي نحو الحاضر إلى المستقبل، فلا يمكن التلاعب به خارج أسسه التراتبية فهو جامد رغم كل الحيوية الكامنة في حدوده الذاتية كزمن متحرك، أما زمن السرد فهو مختلف تماماً وحيوي ومدهش ومفاجئ لأنه متحرر من جمود تلك القيم الواقعية بل يطفو فوقها، وفي ذلك تكمن إحدى أهم الأسرار في جماليات القص وسحره، إذ انه يكسر رتابة التتابع الممل لمسير الزمن وبطئه وتسويفه في إعطاء النتائج للأحداث أو عدم وضوحها، بل وعدم الإعطاء لمثل تلك النهايات في الكثير من الأحيان، بينما سيكون العكس في السرد القصصي من خلال الإثارة التي تخلقها في الوعي منطقية السبب والأثر المترتب عليه، فالحياة بأسرها عبارة عن أسباب وآثار ونتائج لكنها غير منظورة فلا يمكن تحديد نقطة معينة خاضعة لوعينا ليبدأ منها الزمن أو ينتهي إليها ـ كما في القصة ـ فالأسباب والآثار متداخلة، متشابكة مختلطة حتى لا يمكن فرز حادثة واحدة بعينها من بين هذا الكم الهائل من الحوادث بكل ملابساتها، ليتم الربط بينها وبين سببها للوصول إلى النتائج المثيرة، المحفزة، المفاجئة، لإشباع نهم الفضول أو حب الاستطلاع والمعرفة في النفس البشرية.*
وذاك بالحقيقة ما يميز قصة عن أخرى وقاصاً عن آخر عبر المقدرة في محاولة التحكم ومدى التوفيق بقيادة الخيط الزمني الدقيق وربطه بخيط المكان في النسيج الداخلي (البناء) وشد جميع الخيوط الزمكانية المتلونة بشعور القاص نحو الخاتمة بالتخليق لأشخاص وأحداث تنبض بالحياة لتتشكل في النهاية من خلال القصة لوحة ذهنية رائعة.
______
*أديب عراقي*

شارك هذا الموضوع ...

ايوب صابر 09-02-17 11:29 AM

الحوار المتمدن - موبايل
الزمان والمكان في القصة القصيرة
محمد أيوب

لا يمكننا أن نفصل بين عناصر القصة القصيرة فصلاً تعسفياً ، وإنما يأتي الفصل لأغراض البحث والدراسة وذلك للتسهيل على القارئ والدارس ، وليس من المقبول أن نرجح عنصراً على آخر من عناصر البناء الفني للقصة ، وقد اختلف النقاد والأدباء في تعريف القصة القصيرة ، فمنهم من عرفها استناداً إلى زمن قراءتها ، فهو يرى أن القصة القصيرة هي تلك القصة التي تقرأ في جلسة واحدة ، ومنهم من عرفها حسب عدد صفحاتها وبأنها لا تزيد عن ثلاث إلى أربع صفحات ، ومنهم من تجاوز هذا التعريف معتبراً أن القصة القصيرة لا تهتم بالتفاصيل كالرواية ولكنها تهتم بحدث معين في زمن محدد ومكان أو مجموعة من الأمكنة المحدودة .
عناصر القصة :
تتكون القصة من مجموعة عناصر أو مجموعة أسئلة هي :
1 - من : الشخصية
2 - أين : المكان
3 - متى : الزمان
4 : كيف : الحدث
5 - لماذا : مبررات الحدث
6 : ماذا : النهاية
ومن النقاد من يرى أن القصة القصيرة تتكون من بداية ووسط ونهاية ، أو من عقدة وصراع وحل ، وهناك عناصر أخرى للقصة مثل التشويق والمصادفة المعقولة والتدرج الفني للوصول إلى قمة الصراع فالحل .
ولكن التقسيمات السابقة تتناسى اللغة باعتبارها عنصراً أساسياً من عناصر القصة ، فاللغة هي وسيلة القص والسرد ، وإن كانت السينما والرسم قد قدما لنا قصصاً من خلال الحركة أو اللون بحيث تترك لخيال المشاهد فرصة تخيل القصة كما يراها بخياله .
وقبل أن نبدأ في دراسة الزمان والمكان في القصة علينا أن نطرح على أنفسنا مجموعة من الأسئلة التي يمكنها أن تساعدنا في فهم الموضوع وتحديد آليات الدراسة ، من هذه الأسئلة التي تحتاج إلى التفكير :
1 - ما علاقة الزمان بالمكان ؟ وهل هما متصلان أم منفصلان ؟ وإذا كانا متصلين ، فما الذي يربط بينهما ؟ أما إذا كانا منفصلين ، فهل يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر ؟
2 - كيف حاول الإنسان التغلب على عقبتي الزمان والمكان ؟
المواصلات وتطورها - البريد والبرق - التليفون والفاكس - المذياع - التلفزيون - الإنترنت " البريد الإلكتروني والمحادثة والتجارة اإلكترونية والمواقع الخاصة والتجارية "
3 - ما هو الزمان ؟ وما هو المكان ؟ وهل يمكن أن نضع تعريفاً محدداً لكل منهما ( تعريف جامع مانع )
" المكان في اعتقادي هو الوعاء الذي تدور فيه الأحداث وتتحرك فيه الشخصيات لتكشف لنا حركة الزمان والتغير الذي يطرأ على الأشياء والناس . "
4 - ما الذي يخطر على البال عندما نسمع كلمة الزمن؟
( ساعة - دقيقة - ثانية - يوم - أسبوع - شهر - سنة - فصل - ربيع - خريف - صيف - شتاء - نهار - ليل - شروق غروب - عيد صوم .. إلخ ) ( الزمن التاريخي - الزمن النفسي - الزمن السابق - الزمن اللاحق - الزمن الصاعد - الزمن المتكسر - الزمن الدائري - الزمن اللولبي )
5 - ما الذي يخطر على البال عند سماع كلمة مكان ؟
بيت - غرفة - شقة منزل - مكتب - مدرسة - مسجد - كنيسة - مستشفى - عيادة - مستوصف - دكان - مقهى عادي - مقهى انترنت - سيارة - كراج - مطار - طائرة - ميناء باخرة - سفينة - شاطئ - مزرعة - كازينو .. إلخ )
6 - بماذا تذكرنا الكلمات التي خطرت على بالنا ؟ هل تذكرنا بفعل أو حادثة ما ؟ وهل تذكرنا بشخص معين ؟ وما دور اللغة في كل ذلك ؟ وبم تذكرنا اللغة ؟ ( الحكي أو السرد - الوصف - الربط بين الأحداث - الربط بين الحدث والشخصية - التحليل - التعليق - الاستناج - اقتراح حلول للمشاكل التي تواجهنا )
7 - ما علاقة الزمان والمكان بالوعي ؟ وهل يمكن أن يوجد الزمان خارج وعي الإنسان ؟
8 - كيف يتكون الوعي ؟ وما علاقة حواس الإنسان بإنتاج الوعي ؟
9 - ما أهم عناصر ومكونات القصة ؟ ( الحبكة " البداية والوسط أو العقدة ولحظة التوير والحل ) ( اللغة - الشخصيات - الأحداث - الزمان - المكان )
أولاً : الزمان :
الزمن شيء يصعب الإمساك به ، تدركه عقولنا ولا نستطيع إدراكه بحواسنا ، ولكنا قد ندرك آثاره التي يعتقد البعض أنها الزمن ، فنحن نرى حركة عقرب الثواني بينما لا نستطيع أن ندرك حركة عقرب الساعات بالسرعة والدقة نفسها ، والزمن يرتبط بالمكان والحركة التي لولاها لما استطعنا إدراك الزمن ، فحركة الأرض حول نفسها تنتج الليل والنهار ، بينما تنتج حركتها حول الشمس الفصول الأربعة وما يترتب عليها ، والزمان تابع للحركة ناتج عنها ، والحركة لا يمكن أن تحدث إلا في المكان ، وقد فرق العرب بين الزمان والحركة ، وهم يرون أنه قد تكون حركة أسرع من حركة أو أبطأ منها ولا يكون زمان أسرع من زمان أو أبطأ منه ، بل يكون زمان أطول من زمان أو أقصر منه ، كما يمكن أن تجتمع حركتان معاً ولكن ليس من الممكن أن يجتمع زمانان معاً .
يرى عبد الصمد زايد أن العرب تخلفوا في التعامل مع الزمن ، وهو يرى أن الزمن يقف محنطاً عند العرب ، كما يرى أن امتلاك الزمن أهم من امتلاك الأرض " المكان " وجعل من السرعة عاملاً مهما في بناء الحياة المعاصرة وصنع التاريخ ، ( 1 ) وفي ذلك مغالطة كبيرة لأن ما تفعله السرعة هو اختصار مدة الانتقال من مكان إلى آخر بحيث يكاد يتوقف الشعور بالزمن إذا تحرك الجسم بسرعة الضوء ، إن ما ينقص العرب ليس القدرة على امتلاك الزمن ، ولكن ما ينقصهم هو القدرة والرغبة في إنتاج وسائل السيطرة على الزمن .
وقد عرف العرب الزمن والزمان بأنه اسم لقليل الوقت أو كثيره واعتبروا أن الزمن والدهر شيء واحد ، بينما رأى بعضهم أن الزمن من شهرين إلى ستة أشهر وقد يقع على الفصل من فصول السنة أو على مدة ولاية الرجل ، بينما الدهر لا ينقطع ، والزمن هو تلك اللحظة الهاربة نحو الماضي بينما ينبع الحاضر من معين لا ينضب هو المستقبل ليصب في وعاء لا يمتلئ ولا يفيض هو الماضي الذي يختزن في الذاكرة إلى حين استرجاعه من خلال التذكر أو المناجاة " تيار الوعي "
الزمن في اللغة العربية :
الزمن الصرفي : وتحدده طبيعة صياغة الكلمة في بنائها الخاص .
الزمن الذي يحدده وجود الكلمة في سياق أو تركيب خاص : فقد يتحول معنى الفعل الحاضر إلى الماضي ، فالفعل وحده يظل قاصراً عن تحديد الزمان ما لم تساعده قرائن أخرى وما يقع في سياق معين ( 2 ) ، وقد تعجز اللغة عن تصوير الأزمنة الأدبية والفلسفية بالصيغ نفسها دون اللجوء إلى القرائن والأدوات والسياق ، وكثيراً ما نجد نماذج لا علاقة فيها للفاعل الاصطلاحي بالفعل الحقيقي ، وإنما يسند الفعل إلى الفاعل على سبيل الوصف والتلبس ( 3 ) كقولنا " مات الرجل "
أما في الغرب فقد تغير مفهوم الزمن بعد اكتشاف السينما التي لا تعرف إلا زمنا واحداً هو الزمن الحاضر ، والحقيقة أن عالم السينما لا يختلف كثيراً عن عالم الواقع ، فالإنسان في عالم الواقع لا يرى ولا يدرك إلا ما هو موجود في مجال حواسه ( 4 ) ، بينما يقول دو لوز بوجود صورتين للزمن : الأولى أساسها الماضي والثانية أساسها الحاضر ، فالحاضر هو الصورة المتحققة أما ماضيه المزامن فهو الصورة الكامنة ، تماماً مثل كون صورتنا في المرآة هي الصورة الكامنة لنا التي تقابل وجودنا الحقيقي ، وفي العمل الأدبي يكون المؤلف هو الصورة الحقيقية بينما يكون الراوي هو الصورة الكامنة ، ولكن الراوي يتحول إلى صورة حقيقية لدى القارئ بينما يصبح المؤلف هو الصورة الكامنة ( 5 ) ، إن وعي الإنسان يتشكل ضمن مجموعة من الأزمنة ، فهناك ماض قريب وماض بعيد ، وحاضر يمضي وحاضر حاضر وحاضر يأتي .
أنواع الزمن :
1 - زمن فيزيائي : وهو يعني اختلاف الليل والنهار وما ينشأ عنهما من أيام وأسابيع وشهور وأعوام وعقود ودهور . ( 6 )
2 زمن حدثي موضوعي : وهو زمن الأحداث التي تغطي حياتنا
3 - زمن لساني : يرتبط بالكلام ومنبعه الحاضر ، وينقسم إلى زمن الخطاب الذي يتميز بمستوى الحضور وزمن الحكي ويتميز بمستوى الانقضاء . ( 7 )
4 - الزمن النفسي : وهو الزمن الأكثر أهمية في الأدب .
5 - الزمن التاريخي : وهو زمن وقوع الأحداث و يتجه نحو المستقبل .
الزمن في القصة :
الزمن المتواصل :
وهو زمن طولي متواصل حركته ذات ابتداء وانتهاء ، وهو قابل للتوقف والانقطاع .
الزمن المتعاقب : " دياكروني "
وهو زمن دائري مغلق تعاقبي في حركته مثل زمن الفصول الأربعة والليل والنهار، وهناك زمن تعاقبي داخل جسم الإنسان ، فالإنسان اليوم غيره قبل ثلاثة أشهر .
زمن الكتابة :
ونقصد به عدد الساعات التي يقضيها المؤلف في كتابة عمله .
زمن القراءة :
ويقصد به الزمن الذي يقضيه القارئ في قراءة القصة ، ويتأثر زمن القراءة بحجم الكتاب وحجم الصفحة ، وحجم حروف الطباعة ، ووضوح الطباعة ، وأسلوب المؤلف ، والهدف من القراءة ، واختلاف القدرة على القراءة السريعة ، والمؤثرات الخارجية التي تحيط بالقارئ ، والحالة الذهنية للقارئ .
وهناك الزمن الغائب الذي يتصل بأطوار الناس في حالة النوم أو الغيبوبة ، وقبل تكون الوعي ( مثل : الجنين والرضيع ) والصبي الذي لا يدرك العلاقات الزمنية فيقول أمس وهو يقصد الغد .

ايوب صابر 09-02-17 11:38 AM

تابع ....


ثانيا ً : المكان :
تعريف : المكان هو الموقع الثابت المحسوس القابل للإدراك والحاوي للشيء ، وهو مستقر بقوة إحساس الكائن الحي " الإنسان " ، والعلاقة بين الإنسان والمكان تقوم على ركيزتين :
1 - التضاد من حيث ثبات المكان وحركة الإنسان .
2 - الالتقاء لأنهما يمثلان معاً المدرِك والمدرَك .
والمكان في الواقع له ثلاثة أبعاد " الحجم " ، وقد يكون له بعدان " المساحة " ، وهو أخص من الحيز " الفراغ " الذي يشغله جسم ما ، لأن الحيز مطلب الجسم المتحرك للحلول فيه ، والجهة مطلب الجسم المتحرك للوصول إليها .
خصائص المكان وصفاته :
1 - التواصل : بمعنى أنه يمكن تجزئة المكان إلى أقسام .
2 - التعدد البعدي : ( الطول والعرض والارتفاع )
3 - الاتصال بمعنى أنه لا توجد منطقة أو مكان منعزل في العالم .
4 - الاتجاه : ويختلف باختلاف الفئة التي تتعامل مع المكان مثل : الفلاسفة والمهندسين والإنسان العادي والروائي .
وتختلف خبرة الإنسان بالمكان عن خبرته بالزمان ، فهو يدرك المكان بشكل مباشر "بواسطة االحواس " بينما يدرك الزمان بشكل غير مباشر . ( 8 )
علم المكان :
ويدرس المكان من حيث إدراك الأشخاص له ، وطريقة استعمالهم له ، وهناك أربع مسافات يراعيها اإنسان لدى وجوده مع الآخرين هي :
1 - المسافة الحميمية : ولا تتجاوز 45 سم ، وتمثل التماس الجسمي مع الآخرين .
2 - المسافة الشخصية ولا تتجاوز 120 سم .
3 - المسافة الاجتماعية : ولا تتجاوز 220 سم " كما في المعاملات التجارية وقضاء المصالح " .
4 - المسافة العامة : وترتبط بحدود المكان التابع لكل شخص أو بحدود مجال حديثه .( 9 )
المكان في القصة " النص السردي " :
المكان عنصر من عناصر البناء القصصي الذي تدور فيه الأحداث وتتحرك الشخصيات ، ويقوم بدور المناظر الخلفية في المسرح ، كما يلعب دوراً أساسياً في إظهار المضمون الاجتماعي أو السياسي للقصة ، وقد يجعل الكاتب المكان مقدمة للقصة وتمهيداً لها . ( 10 )
علاقة المكان بالنص :
1 - قبل النص : حيث يشكل المكان دافعاً للإبداع .
2 - أثناء النص : حيث يدخل المكان في نسيج النص من خلال حركة السارد في المكان .
3 - بعد النص : يتعلق هذا الجانب بالمتلقي " القارئ " وطريقة تلقيه للإشارات المكانية التي يرسلها القاص ، ويرتبط ذلك بقدرة الكاتب على اختزان أمكنة مغايرة لما يعهده القارئ أو تقديم المكان المعهود بصورة فنية مختلفة .( 11 )
مفهوم المكان في القصة :
لم يهتم النقد بالطريقة التي تقدم بها القصة وضع الإنسان أمام محيطه المادي " المكان " الذي لا يكاد يوجد منعزلاً عن بقية عناصر السرد ، وهو يدخل في علاقات متعددة مع المكونات الحكائية الأخرى للسرد مثل الشخصيات والأحداث والرؤى السردية " وجهات النظر" ، ولا يوجد الفضاء القصصي إلا من خلال اللغة ، وهو يختلف عن فضاء السينما والمسرح " الأماكن التي ندركها بالبصر ، وهو فضاء يوجد من خلال الكلمات المطبوعة ، وغالباً ما يلجأ القاص إلى طائفة من الإشارات وعلامات الوقف لتقوية سرده ، وينشأ عن التقاء فضاء الألفاظ بفضاء الرموز فضاء جديد هو الفضاء الموضوعي للكتاب أي فضاء الصفحة والكتاب حيث يلتقي وعي الكاتب بوعي القارئ .( 12 )
أماكن الإقامة :
قسم حسين بحراوي أماكن الإقامة إلى أماكن إقامة اختيارية " البيوت " وأماكن إقامة إجبارية " السجن " وجعل منها قطبين متناقضين ، والحقيقة أن أماكن الإقامة الاختيارية لا تقتصر على البيوت فقط ، لأن البيوت أماكن للإقامة الدائمة ، بينما توجد أماكن للإقامة المؤقتة مثل الفنادق والمستشفيات وأماكن العمل كالمدارس والمكاتب والعيادات والدكاكين والورش وغيرها ، كما توجد أماكن إقامة إجبارية غير السجون مثل المستشفيات للمرضى والمصحات النفسية ومشافي المجانين والإصلاحيات وتحديد الإقامة " الإقامة الجبرية " وغيرها .
وهناك أماكن الانتقال وتنقسم إلى :
1 - أماكن الانتقال العمومية : مثل الشوارع والأحياء الراقية أو الشعبية .
2 - أماكن الانتقال الخصوصية : مثل المقهى والمطعم والنادي .
مفهوم المكان في القصة :
1 المكان القصصي : وهو المكان الذي تصنعه اللغة للتخييل القصصي .
2 - الفضاء : وهو مجموعة الأمكنة في القصة وإطارها المتحرك .
3 - الفضاء الجغرافي : وهو مكان ينتجه الحكي وهو محدود جغرافيا ، قابل للإدراك ، يتحرك فيه الأبطال .
4 - الفضاء الدلالي : وهو الصورة التي تخلقها لغة الحكي .
5 - الفضاء النصي : وهو الفضاء المكاني الذي تشغله الكتابة على الورق وطريقة تصميم الغلاف الذي يشمل العنوان ولوحة الغلاف والإهداء وكلمة الغلاف .
أبعاد المكان :
1 - البعد الجغرافي : لا تكاد توجد قصة لا تتضمن بعض العناصر الجغرافية التي تساعد على تحديد المكان المتخيل .
2 - البعد النفسي : وهو البعد العاكس لما يثيره المكان من انفعال سلبي أو إيجابي .
3 - البعد الهندسي أو المعماري .
4 - البعد الفيزيائي : ويشمل حركة الشمس ، وانكسار الضوء .
5 - البعد التاريخي " الزمني " : وهو الزمن الكائن في المكان ، لأن المكان يمثل خطاً أفقياً يتحرك عليه الزمن ، والزمن هو كمية الحركة في المكان .
6 - البعد الاجتماعي : في المكان تعيش الجماعات البشرية وتتطور وتضع قوانينها ولغتها وأعرافها وتقاليدها . ( 13 )

ايوب صابر 09-02-17 12:14 PM

تابع

الدراسة التطبيقية :
سأتعرض هنا لدراسة الزمان والمكان في بعض النماذج القصصية :
أولا : نماذج من القصة العالمية :
1 - قصة شقاء " أنطون تشيكوف " :
تبدأ القصة بداية زمنية هكذا : " الشفق يؤذن باقتراب الليل ، وندف كبيرة من الثلج تتساقط حول مصابيح الطريق … " .
فالشفق يدل على الغروب وبداية الليل ، أما الثلج فينبئنا أن الفصل هو فصل الشتاء ، وقد اكتفى تشيكوف بعلامة من علامات فصل الشتاء دون أن يذكر لنا أن الوقت وقت الشتاء صراحة ، ولكنه يشير في العبارة نفسها إلى المكان الذي هو الطريق المضاءة بالمصابيح ليلاً، ويمكن للقارئ العادي أن يدرك أنه لا يمكن أن يتواجد أحد في مثل هذا الجو إلا من تفرض عليه لقمة العيش أن يعمل ليلاً أو رواد الحانات أو رجال العسس .
يضعنا تشيكوف أمام أيونا بوقاف الذي يجلس في عربته منتظراً بعض الركاب كي يكسب قوته وقوت حصانه ، فالطريق هي مكان انتقال ، والعربة مكان عمل ، ولكن الحوذي مشغول بهمٍّ أكبر ، وإن كان هذا الهم لم يمنعه من ممارسة عمله ، فقد مات ابنه هذا الأسبوع " نلاحظ هنا أن الأسبوع هنا لا يدل على أسبوع محدد " وهو يريد أن يتحدث إلى أي إنسان عن موت ابنه ، يقول لأول راكب ركب معه : " ابني .. ابني مات هذا الأسبوع يا سيدي ! " ومن خلال حديث الحوذي نعرف أن ابنه مات بعد إقامته في المستشفى ثلاثة أيام لينتقل من مكان إقامته المؤقت في المستشفى إلى مكان إقامة لا عودة منه . ولكن الراكب لا يريد الاستماع إلى الحوذي بل يطلب منه أن يسرع ، بعد ذلك يركب ثلاثة ركاب مع أيونا الذي يحاول أن يتحدث إليهم عن موت ابنه ولكنهم لا يكترثون به ، وحين يلتفت إليهم أيونا ليحدثهم يتنفس أحدهم الصعداء قائلاً : " أخيراً وصلنا والحمد لله . "
أخيراً يقرر أيونا العودة إلى الاصطبل ، ويحاول أن يتحدث إلى زميله عن موت ابنه ولكن هذا الزميل يذهب في نوم عميق ؛ لم يبق أمام أيونا إلا أن يحكي قصة موت ابنه إلى حصانه الذي هده التعب والبرد .
لقد لخص لنا تشيكوف معاناة الفقراء الذي لا يجدون من يبوحون إليه بهمومهم ، وقد استعان تشيكوف بتلك اللوحة التي رسمهما بعد أن مزج بين الزمان والمكان والطبيعة ، ففصل الشتاء يدل على الانكماش وقلة الحركة ، بينما يوحي الليل بالوحدة والعزلة ، أما المكان فلا يكاد يعطي معنى الاستقرار ، فالعربة ليست مكان إقامة دائمة ، والطريق هي مجرد مكان انتقال لا مجال للاستقرار فيه .
2 - قصة " الحبل " _ جي دي موباسان .
يمتزج الزمان والمكان في هذه القصة كما في سابقتها ، فالفلاحون يقبلون يوم السوق مع زوجاتهم ، ويوم السوق يمكن أن يكون أي يوم من أيام الأسبوع ، كما أن كلمة السوق تحمل في طياتها مفهوماً مكانياً ، بعد ذلك يقول لنا راوي القصة إن السيد " هوشكورن " من أهالي بلدة " بورتييه " لمح قطعة حبل صغيرة ، ولشدة حرصه مثله مثل بقية أهالي نورماندي التقطها عن الأرض ، في هذه الأثناء رآه السيد مالاندان .
وفي أثناء وجود هوشكورن في المطعم نادي المنادي أن السيد " هولبريك " من أهالي مانفيل قد فقد محفظة سوداء فيها خمسمائة فرنك وبعض الأوراق ، يأتي أحد الضباط إلى المطعم ويسأل عن السيد هوشكورن ، وعندما يجده يطلب منه أن يذهب معه إلى مكتب العمدة الذي يتهمه بأنه وجد المحفظة ، أنكر هوشكورن ذلك ولكن إنكاره لم ينفعه ولم يصدقه أحد لأن السيد مالاندان وشى به بعد أن رآه يلتقط الحبل ظناً منه أنه إنما كان يلتقط المحفظة .
بعد انتهاء اليوم وحلول الليل عاد هوشكورن إلى برتييه مع ثلاثة من جيرانه ، أراهم المكان الذي التقط منه الحبل ، وفي اليوم التالي أعاد " ماريوس بوميل " أجير السيد " بريتون " المزارع ببلدة " إيموفبيل " المحفظة إلى السيد هولبريك زاعماً أنه وجدها في الطريق ، ومع ذلك لم يصدق الناس أن هوشكورن برئ، وظلوا يعتقدون أنه استغل مكره ودهاءه النورماندي، وعلى الرغم من تعرضه للسخرية ظل يروي الحادث بإسهاب، وكلما أفاض في الدفاع عن نفسه زاد تكذيب الناس له ، عصف به الحزن والغضب وبدأ يذوي إلى أن اختل عقله فمات في أوائل شهر يناير وهو يهذي ببراءته قائلاً : " قطعة حبل .. قطعة حبل .. انظر هذه هي يا سيدي . "
في هذه القصة نجد أماكن إقامة مؤقتة مثل السوق ومكتب العمدة وأماكن انتقال مثل الطريق والأحياء والمدن التي لم توصف لأن القصة القصيرة لا تتسع لذلك ، أما وفاة هوشكورن فقد حدثت في فصل الشتاء ، والقصة تقول لنا بطريقة غير مباشرة أن المجتمع الفرنسي لا يعاني من مشاكل خطيرة بل تشغله بعض القضايا الهامشية التافهة ، وأن مجتمع الرفاه لا يجد ما يسليه غير التندر بمشاكل الناس وملاحقتهم بالسخرية اللاذعة ، وفي ذلك إشارة للبيئة الاجتماعية من حيث العادات والتقاليد .

ايوب صابر 09-02-17 12:50 PM

تابع ...

ثانياً : نماذج من القصة العربية :
1 - قصة عنبر لولو " نجيب محفوظ " ( 14 )
يختلط الزمان بالمكان عند نجيب محفوظ ، في بداية القصة نقرأ الفقرة التالية : " قام الكشك من طرف الحديقة الجنوبي . كشك مصنوع من جذور الأشجار على هيئة هرم تكتنفه أغصان الياسمين ، وقف وسطه كهل أبيض الشعر نحيل القامة ما زال يجري في وجهه بقية من حيوية ، جعل ينظر في ساعة يده ويمد بصره إلى الحديقة مستقبلاً شعاعاً ذهبياً من الشمس المائلة فوق النيل نفذ إلى باطن الكوخ من ثغرة انحسرت عنها أوراق الياسمين ، ولاحت الفتاة وهي تتجه نحو الكشك سائرة على فسيفساء الممشى الرئيسي . "
تدلنا الفقرة السابقة على قدرة نجيب محفوظ على رسم المكان وجعله إحدى شخصيات السرد ، يختلط المكان هنا بالزمان ، فالشمس ترسل شعاعاً ذهبياً مما يشير إلى أن الوقت هو وقت الأصيل ، أما دخول شعاع الشمس من ثغرة بين أغصان الياسمين إنما يشير إلى المكان الفيزيائي ، وإلى الأمل الذي يراود الرجل على الرغم من دخوله مرحلة الكهولة ، كما يتضح لنا أن الرجل ينتظر شخصاً ما ، فهو ينظر في ساعته ويمد بصره إلى الحديقة ، وبعد هذا التمهيد يضعنا الراوي أما فتاة خضراء العينين تتجه نحو الكشك .
وقد شغل الحوار مساحة واسعة من القصة مما يحيلنا إلى الزمن الحاضر " الآن " ويجعلنا نعيش اللحظة نفسها مع الرجل والفتاة ، ولكن الراوي كان يقطع الحوار ليعيدنا إلى الزمن الماضي من خلال تعليقات سريعة نثرها هنا وهناك في ثنايا الحوار .
يخبر الرجل الفتاة أنه أمضى خمسة وعشرين عاماً في السجن " مكان إقامة إجباري " لأنه انضم إلى الجموع الثائرة ومارس العمل السري فيما بعد ، يدعو الرجل الفتاة إلى الذهاب معه إلى عنبر لولو بعد أن كذبت عليه واخبرته أن شاباً سيتقدم لخطبتها ، وفي أثناء حديثهما يقتحم الكشك شاب أغبر الوجه يتصبب عرقاً ، وحين تحاول الفتاة الخروج يطلب منها الكهل أن تنتظر فلا يجوز أن تخرج وحدها لأن الطرقات تكون خالية في ساعة الأصيل ، ولكن الشاب يخبرهما أن الطرقات ليست خالية فهي مطوقة برجال الشرطة بسبب وقوع إطلاق نار من فوق البرج لم يسبب ضرراً لأحد .
أخيراً تصارح الفتاة الكهل بأن ما ذكرته عن خطبتها كلن حلماً فيصارحها بدوره بأن عنبر لولو لا وجود له وأنه حلم راوده هو وزملاءه في السجن فرسموا صورة لمكان تتحقق فيه أحلام البشر دون عوائق ، فالعنبر الذي هو رمز للسجن في واقع السجناء تحول إلى مكان أشبه بجمهورية أفلاطون في خيالاتهم ، تماما كما كان العرب يفعلون في الجاهلية ، يسمون الأشياء بغير أسمائها الحقيقية فيطلقون لفظة السليم على الملدوغ ، والمفازة على الصحراء المهلكة .
2 - الشهداء يعودون هذا الأسبوع " الطاهر وطار "
تبدأ القصة بخروج العابد من مركز البريد بعد تسلمه رسالة من الخارج ، يتجه العابد إلى ظل شجرة ويجلس على صخرة ليبدأ النظر في الرسالة ، ويمضي في جلسته أربع ساعات يطوي بعدها الرسالة ويضعها في كيس معلق في عنقه ، هنا يختلط الزمان بالمكان كما في القصص السابقة ، إلا أن الزمن في القصه زمن تائه ضبابي غير محدد وكذلك الحال بالنسبة للمكان ، فاليوم غير محدد وكذلك الأسبوع ومكتب البريد والشجرة ، لا حقيقة هنا سوى ضوء الشمس ، أما بقية الأشياء فيمكن أن تكون في أي مكان في الجزائر ، مما يدل على شمولية الحالة التي يتحدث عنها راوي الطاهر وطار .
يتحرك العابد ، وفي طريقه يقابل المسعي ، يسأله العابد عن رأيه فيما لو جاءته برقية تخبره بعودة ابنه الشهيد ، ويؤكد له أن الشهداء سيعودون خلال أسبوع ، يقول المسعي إنه سيفرح ولكن هذه العودة ستخلق مشاكل كثيرة ، لأن مثل هذه العودة تجيئ متأخرة ، والحقيقة أن المسعي كان يفكر فيما سيخسره من تسهيلات ومساعدات إذا عاد ابنه الشهيد ، يتركه العابد ليقابل سي قدور في محله " الخمارة " " يعرض قدور على العابد أن يشرب القازوزة فيقول العابد إنه دخل هذا المحل مرتين ، مرة في عام 1940 م عندما أخذ القائد حصانه ، وهذه المرة ، يطلب العابد من قدور أن يقص عليه كيف استشهد ابنه مصطفى فيحكي له قدور الحكاية التي اخترعها وهو يتصور أن العابد قد عرف شيئاً عن وشايته بابنه ، يخبر العابد قدور بأن ابنه مصطفى سيعود في ظرف أسبوع .
بعد ذلك يقابل العابد عبد الحميد شيخ البلدية فيحدثه عن عودة ابنه ، فيفكر رئيس البلدية في الانتقام وبأنه سيأكل من لحم الشهيد لو عاد لأنه قام بقتل أبيه الخائن " رئيس البلدية السابق في زمن الاحتلال الفرنسي " ، يسأل العابد شيخ البلدية عن موقفه من عودة الشهداء فيخبره أنهم يحتاجون أول ما يحتاجون إلى إثبات حياتهم من جديد .
يوجه العابد السؤال نفسه إلى المانع منسق القسمة الذي يوشك على الانهيار لاعتقاده بأن العابد يعرف بأنه وشى بابنه مصطفى وأبلغ عنه العدو الذي كمن له في منزله ولكنه تخلف عن الحضور ، يظل العابد يسأل ويسأل ، وحين يقابل منسق قسمة قدماء المجاهدين يتذكر هذا كيف استشهد مصطفى وكيف نجا قدور ! وكيف وجد الوقت الكافي لدفن مصطفى بعد انفجار اللغمين ، يقول المنسق للعابد أن ينصح ابنه بعدم العودة إلى القرية ، هنا يدرك العابد أن لا أحد يريد عودة الشهداء ، حتى رئيس الدرك يخشى عودة الشهداء الذين سيقولون كيف استشهد جميع أعضاء فرقته بعد أن ترك رشاشه الذي كان من واجبه أن يحمي به المجاهدين ، وكيف تسبب توقفه عن إطلاق النار وركضه نحو العدو في هلاك جميع أفراد الفرقة بينما وقع هو في الأسر ، يحاول رئيس الدرك أن يصرف العابد عن هذه الفكرة مذكراً إياه بما سيخسره فيما لو عاد ابنه وبأنه سيخسر المنحة ورخصة سيارة الأجرة ، والسكن منخفض الأجر ، والاحترام الذي يحظى به كونه والد شهيد .
حتى الكوميونست لا يرحب بعودة الشهداء على الرغم من أنه ليس في السلطة وعلى الرغم من أنه ثوري مخلص يشهد العابد على صموده في المعتقل أمام العذاب الشديد ، هنا يعتقد أن شيخ المسجد قد يرحب بعودة الشهداء ، يخبر العابد الشيخ بأن الشهداء سيعودون في ظرف أسبوع ويقول له بأنه زوج امرأة ابنه الشهيد من أخيه الأصغر الذي أنجب منها أربعة أطفال فيقول له الشيخ أن ذلك هو الكفر بعينه لأنه زوج امرأة غير مطلقة لأن الشهيد حي وبالتاي يجب إتمام إجراءات الطلاق .
يتساءل العابد عما سيفعله الشهداء إذا ما أدركوا هذه الحقيقة ، هل سيندمون على تضحيتهم ؟ وهل ستضحي الأجيال القادمة إذا ما أدركت هذه الحقيقة ؟
يتواطأ الجميع ضد العابد ويحاولون الادعاء بأن هناك حركة تشويش ضد الثورة فيحاولون اعتقال العابد الذي يقطع الطريق عليهم حين يلقي بنفسه تحت عجلات القطار ، لقد تحول القطار هنا من وسيلة انتقال إلى أداة قتل ، وهو كغيره من أماكن العبور قد تحول إلى مصدر للمعاناة بالنسبة لذوي الشهداء ، في حين استولى الخونة والانتهازيون على مقاليد الأمور في ثورة الجزائر ، أما أحداث القصة فقد وقعت بعد انتصار الثور بسنوات عديدة .
3 - قصة " ليلى والذئب " غادة السمان .
تبدأ القصة بعبارة " إني خائفة .. كل ما حولي يرتعد خوفاً " ، هذه العبارة توحي بأن وقت التفلظ بها هو الليل ، فالخوف يكون أكثر ما يكون في الليل ، ينكشف لنا ذلك بعد سطرين من العبارة السابقة حيث تقول الراوية : " النور المسلط على مكتبي يصاب بإغماء أصفر ، وقد انتقل خوفها إلى صفحات مجلد الطب فتخالها ترتجف ، حتى الجمجمة صديقتها الوحيدة فقدت بريق السخرية الذي يطل من فجوتي عينيها ، كما إن توقف الريح عن العويل وتوقف المطر عن الهطول الريح هنا يدل على الزمن ويحدد لنا الفصل الذي وقعت فيه الأحداث وهو فصل الشتاء ، والراوية هنا تريد أن توحي لنا بأن الخوف قد أصاب الجميع .
وفي فقرة أخرى يختلط الزمان بالمكان ، تقول الراوية : " كان الليل حزيناً وبارداً ، ونحن في طريقنا إلى " البستاني هول " ( سكن الطالبات ) ، مررنا بمبنى كلية الطب حيث أقضي أكثر ساعات النهار . كان من الصعب أن أصدق أن خلف تلك الجدران المعتمة مقاعد خشبية بريئة تلتصق بها بهدوء . ونوافذ تنسكب منها أشعة شمس مضيئة .. في الليل يتغير وجه العالم ، وربما يستعيد وجهه الحقيقي . أحسست بأشياء مرعبة تغلي داخل البناء ، الهياكل العظمية تتحرك وتتجه نحو النوافذ المغلقة .. عبثاً تحاول الهرب ، وربما يجلس بعضها في الزوايا لينتحب بصمت وبراءة من أجل أشياء لا يدري إن كان قد ارتكبها حقاً" . نلاحظ هنا أن الراوية تسقط ما في نفسها على الأشياء من حولها مثل الزمان والمكان والهياكل العظمية التي تتعامل معها وكأنها كائنات حية ، إنه الزمان النفسي والمكان النفسي .
تقول الراوية : " ورأيت بيتنا الكبير في المدينة المجاورة يغلي .. أمي مشغولة ، مشغولة دائماً .. لا أدري كيف وجدت الوقت لولادتي ، وربما أبقتني في جوفها شهراً إضافياً ريثما وجدت في زحمة مشاريعها ومواعيدها وقتاً ، ولهذا فأنا أصاب بضيق خائف من الجدران .. ربما أكره المدارس الداخلية لهذا السبب … "
تكشف الراوية هنا عما يختلج في نفسها من الخوف والقلق النفسيين ، فعلاقتها بأمها شبه مقطوعة تكاد تقتصر على تلك الحوالة المالية التي ترسلها أمها بواسطة السكرتيرة لتغطية مصاريفها الدراسية ، والراوية تتخيل أنها تسمع صوت فراس في الليل بعد أن تغلق الأبواب ، ذلك الإنسان الذي تحبه ، صوته وحده هو الذي يحميها ، وهو جرعتها المخدرة ، كما إنه يعيدها فتاة سوية تستطيع النوم ، والخوف يلازم الراوية التي تقول : " خائفة .. الحفارة تعمل في صدري . النحيب يتعالى . الجمجمة لم تعد صديقة .. الرعب يتدفق من عينيها .. في القبو وليمة وحشية للصراخ .. يجب أن أمسك يداً ما ( يا فراس .. أين يدك ؟ بحجر كبير أهشمها وأبكي لأغسل دمها . "
الحفارة هنا ترمز إلى الذكر ، إلى فراس الذي تشتاق إليه الراوية وتنام على صوته الذي يحميها ولكنها تخاف منه في الوقت نفسه فترغب في تهشيم يده لتعود فتغسلها بدموعها ، صراع نفسي عنيف تضفيه الراوية على الزمان والمكان والأشياء من حولها ، ينعكس هذا الصراع على صديقتها الباكستانية التي تشاركها غرفتها في سكن الطالبات ، هذه الشريكة تعيش حالة من الفصام ، فهي تصلي من أجل الراوية باعتبارها طفلة ضالة ، ولكنها بعد الصلاة تأوي إلى فراشها تقرأ في أحد الكتب الجنسية البذيئة ، وعلى الرغم من هذا التناقض فإنها تتصالح مع نفسها .
يشكل الهاتف جسراً تعبر عليه الكلمات لتصل بينها وبين فراس لتقول له : " كل ما أعرفه هو أنني لن أتكوم في صدرك يا ذئبي الحنون " ، هنا نجد تناصاً بين هذه القصة وقصة ليلى والذئب التي كتبت للأطفال ، فالذئب يشير إلى الذكر ، يؤكد ذلك قول الراوية : " إنني إذا رويت قصة ليلى والذئب لأولادي فسأخبرهم بأنه كان شاباً رقيقاً شفاف العينين ، في احتضانه الشرس لليلى تخدير يشبه الحنان ، يشبه اغتصاب موت عنيف كاليقظة والفرح .. وأنه لم يعذب ليلى ، وأنه أراد أن يقبلها ، لكن أسنانه ركبت بطريقة جعلت من قبلته عضة مميتة .. " نلاحظ هنا كيف تحول الزمن من الماضي إلى المستقبل باستخدام إذا الشرطية لما يستقبل من الزمان وكذلك السين التي أحالت الزمن الحاضر إلى المستقبل ، والذئب والغابة هنا عناصر تسقط الراوية من خلالها مشاعرها نحو المجتمع الذي تعيش فيه ، تقول الراوية : أحسستني عارية ممدودة على الصخر في الغابة ولسانك حفارة في صدري ، فولاذ لا حد لوحشية دورانه وتمزيقه .. الحفارة في صدري .. عاجزة عن الفهم .. عن المناقشة .. "
كما تتخيل الراوية قطها مدجج في صورة بائع العصير الذي ضحك واهتز شارباه عندما قالت له : شكراً يا مدجج ، ومن خلال السرد نعرف أن الراوية افترقت عن فراس اليوم ( الحاضر بالنسبة لها والماضي بالنسبة لنا ) ، لتشعر بحريتها في الغابة ، تركض وتفتح ذراعيها لتضم الريح والليل والصمت المريب ، يغمرحا إحساس يشبه فرحاً عجوزاً بعد أن رأت في كلمة أحببته كلمة سخيفة تقولها البنات الطيبات لأمهاتهن ، وفي نهاية القصة يلتصق بها قطها " رمز الذكر أيضاً " ليلعق بلسانه الخشن خدها بحنان ، بينما يده الصغيرة على خدها دافئة وكبيرة كسقف الدار .

ايوب صابر 10-02-17 01:12 AM

3 - نماذج من القصة القصيرة الفلسطينية :
بعد حرب عام 1948 م ، تمزق الفلسطينيون في كل بقاع الأرض ، ومن هنا تنوع المكان بتنوع تلك البقاع التي لجأ إليها الفلسطينيون ، كما تميز الزمن الفلسطيني بطعم خاص يختلف عن كل تلك الأزمنة التي يعرفها البشر ، وعيله فإنني سأحاول في هذه العجالة تغطية عنصري الزمان والمكان ولو بشكل جزئي في بعض القصص القصيرة في أماكن اللجوء الفلسطيني وفي مراحل زمنية مختلفة قدر الإمكان .
أولاً : القصة في الشتات :
1 - أحمد عمر شاهين :
أ - قصة " ذبابة " :
يبدأ الراوي قصته بقوله : " أجلس في الشرفة ، أنظر إلى الشارع ، جموع المتظاهرين وشرطي يحمل عصا غليظة ينهال بها عليهم .. "
نلاحظ أن المكان هنا شرفة محايدة يطل منها رجل محايد بينما الشارع يعج بالمتظاهرين الذين يلاحقهم شرطي بهراوته ، والشارع موجود بالتأكيد في مدينة عربية غير محددة ، والزمن هو الزمن العربي الردئ ، وخلال جلوس الراوي في الشرفة تلاحقه ذبابة لحوح ـ كما يفعل الشرطي الذي يلاحق المتظاهرين ـ تخرج الراوي من حياديته فيحاول إبعادها بيد أنها تكرر العودة بسماجة ؛ ضربها الراوي بالكتاب ولكنها لم تمت ، وقد قام أحد المواطنين بضرب الشرطي على رأسه، بعد ذلك هاجم النمل الذبابة وهاجم الجمهور الشرطي، نلاحظ هنا وجود استقطاب بين الشرفة والشارع ، مكان الإقامة ومكان العبور ، واستقطاب بين الشرطي والذبابة وبين النمل والجمهور . ( 15 )
ب - قصة " زيارة " :
شابان غريبان يقطنان بيتاً خرباً ومنعزلاً وسط الصحراء المترامية الأطراف ، ينامان في قاعة كبيرة هي المكان الوحيد المسقوف في هذا البيت الواسع ، أسوار البيت متهالكة تتسلل منها وحوش الليل ، مما أجبر الشابين على التسلح بعصا طويلة وقضيب من الحديد ومصباح قوي الإضاءة ، يستمد الراوي شجاعته من خوف زميله ، لكنه يشعر بالخوف حين يغادره هذا الزميل ويتركه وحيداً ، عندها لا يجرؤ الراوي على الذهاب إلى دورة المياه ، لأن كل الأشياء الموجودة في المكان تصبح مصدراً للخوف ، وذات ليلة يسمع الراوي طرقاً شديداً على باب القاعة الكبير ، يدرك الراوي أن شخصاً ما عبر السور دون استئذان ، يستغرب الراوي كيف وصل هذا الغريب للبيت على الرغم من أن الواحة وهي أقرب مكان للبيت تبعد أكثر من ألف متر " نلاحظ أن الراوي استخدم الرقم ألف متر بدلا من كيلو متر واحد ليظهر كم يجعل الخوف من المسافات بعيدة ، إنه البعد النفسي للخائف " .
وبعد أن يقوم الراوي بواجب الضيافة ينصحه الضيف بمغادرة المكان فوراً ، وقد فعل الرواي بالنصيحة ليعرف بعد عشر سنوات أن زميله دخل المعتقل مدة عشر سنوات ، وأنه خرج قبل أسبوع واحد فقط ، وقد سأله المحققون عن الراوي فلم يخبرهم لأنه لا يعرف مكانه حقيقة ، وقد تم ترحيل زميل الراوي بعد الإفراج عنه .
في هذه القصة نجد استقطاباً بين البيت المنعزل وبين الواحة ، وكأن الراوي يريد أن يقول لنا إن المناضلين يعيشون في عزلة عن الجماهير وأنهم محاصرون مطاردون ، أما الزمن فهو الزمن العربي الذي يمارس فيه الحكام عملية كبت الجماهير وقمعها .
2 - سميرة عزام :
قصة " فلسطيني " *
تحكي هذه القصة حكاية فلسطيني يعيش في لبنان يعاني من كونه فلسطينياً فيحاول أن يحصل على هوية لبنانية مقابل مبلغ ألفي ليرة بعد أن رفضها حين عرضت عليه بمبلغ خمسماية ليرة ، يريد الرجل أن يتخلص من التمييز الذي يتعرض له ، فلم يسمح لابنه بالعمل في لبنان ، ولم يسمح له بالسفر لحضور جنازة أبيه الذي مات في عمان ؛ مما اضطره أن يبرق لأخيه قائلا : " أخروه أسبوعاً أو فادفنوه " .
لقد أفرغ الرجل نصف واجهة محله من أجل الحصول على الهوية ولكنه يكتشف أن من ساعدوه في الحصول على الهوية هم أفراد عصابة من المزورين بعد أن رأى صورهم منشورة في إحدى الصحف ، يحاول الرجل إقناع نفسه بتمزيق الهوية حتى لا يقع في ورطة، يقول في نفسه : " مزقها ، مزقها ، فقد بدأت تأكل لحمك ، لماذا عدت ووضعتها في جيبك الداخلي ؟ هي ليست بألفيها أثمن من هذه الصحيفة التي دفعت فيها ربعاً ، مزقها فواجهتك ستمتلئ يوما وستظل حقيقتك مفرغة حتى تملأها بغير الزور ، بغير خديعة المزورين "
أخيراً يمزق الرجل الهوية المزورة ليعود إلى حقيقة كونه فلسطينياً على الرغم من كل التمييز الذي يمارسونه ضده ، فالفلسطيني يعيش في مكان إقامة مؤقت ، ويعيش حالة من الاستقطاب بين مكان الإقامة الإجباري في المنفى وبين الوطن الأم الذي طرد منه مجبراً ، أما زمن الأحداث فهو زمن ما بعد نكبة عام 1948 م .
3 - رشاد أبو شاور .
قصة " بيتزا من أجل مريم " *
يحدثنا الراوي في بداية القصة عن وجوده في صالة الانتظار في إحدى العيادات ، وهو يرسل نظرات إعجاب للمرضة آملا أن تدخله إلى الطبيب قبل غيره ، ولكنها تتشاغل عنه وتلتزم بالدور المسجل في دفترها ، وعندما جاء دوره يخبره الطبيب أن أعصاب القولون عنده تالفة بسبب الإرهاق ، يسأله الطبيب : " ماذا تريد أن تفعل بنفسك ؟ " فيرد عليه بأنه كان يحلم بتحرير فلسطين ، يتوقف الرجل بعد خروجه من العيادة عند باب البناية في انتظار أن يتوقف المطر ، راح يراقب طالبات الجامعة الأمريكية وهن ينفضن رءوسهن برشاقة ودلال ، ثم تختلط الأمور عند الراوي ، رذاذ خفيف ، ورائحة أشجار وبحر وأصوات انفجارات ورصاص بعيد، وريح باردة تلفح وجهه، بينما تضغط يده على الروشتة في حين راح يتساءل: لماذا لم يكتب له الطبيب في الروشتة : تصرف له مريم وبيت صغير وطفله الذي ثقبه الرصاص في أحشائها بدلاً من المهدئات ، من السرد ندرك أن مريم قتلت في عمان أثناء مجازر أيلول الأسود " كان أيلول قد جاء ، وأنت رحلت ولن تعودي " كما يتبين لنا أن " محمد " صديق الراوي قد أطلق نيران مسدسه وزغردت النساء مما جعل الراوي يعترض على ذلك لأن ابن الجيران الذي نظمه الراوي قد استشهد في هضبة الجولان .
فالفلسطيني موزع بين مناطق الشتات المختلفة والمناطق الحدودية مع إسرائيل ليخوض المعارك نيابة عن الجيوش العربية في حين يعيره العرب بأنهم يخوضون المعارك نيابة عنه وينكرون أنهم إنما يدافعون عن وجودهم هم وعن أوطانهم ، فقد خسر الفلسطيني كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره بينما يوجد لدى العرب ما يخسرونه ، وقد خسر العرب كرامتهم نتيجة تخاذلهم وتقاعسهم ، يتساءل الراوي : " يا الله الكلي القدرة ، يا رب الشعوب ، أيها المطل علينا ، لماذا بالضبط أخذت مريم والمخلوق الفلسطيني الذي لم يتكون بعد ؟ ! ولماذا حملتني كل هذا العذاب طيلة سبع سنوات ؟ وجعلتني أدفع كل مخصصاتي للأطباء وأدمن العرق والويسكي والفاليوم والسهر والتذكر ؟ " .
الزمن الفلسطيني يكرر نفسه على شكل حالات من الانتظار الممل والقاتل ، فهو تارة يسحق إلى حد التلاشي لينبعث من جديد منتظراً أن يدور الزمن دورته ، يجلس الراوي في المطعم ويطلب من النادل وجبتين من البيتزا ولتر نبيذ وطني ، يسأل النادل عن الشخص الآخر الذي معه فيخبره بأنه ينتظره منذ سبع سنوات ، عشر سنوات ، منذ ولدته أمه ، ولكن مريم لا تأتي ، انتظار الراوي هنا ليس انتظاراً عبثياً كما هي الحال في انتظار جودو الذي لا يأتي أبداً ، فمريم التي هي رمز لفلسطين كما أعتقد قد تأتي يوماً ، بل إنها بالتأكيد سوف تأتي مهما تأخرت .
أخيراً يصاب الراوي بحالة أشبه بالهلوسة ، فهو حين يصل يجد المصعد معطلا ، مما يوحي بأنه يقيم في فندق ، وهو مكان إقامة مؤقت بانتظار الانتقال إلى مكان الإقامة الدائم ، يحاول أحدهم أن يساعده ولكنه يرفض المساعدة ويقرر الصعود على الدرج ، يرتقي الدرجات مع جنون أنغام الأرغول ، وعندما يصل إلى غرفته في الدور السابع يفتح الباب والنوافذ فيرى أو يتهيأ له أنه يرى دبابات ورشاشات ومدافع كثيرة تتقدم ، يرى مريم والبنت الصغيرة ذات الضفائر " التي هي مريم في طفولتها ، فيندفع والرصاص يخترقه ويثقب جسده بينما تتطاير أنغام الأرغول خارجة من جسده إلى الفراغ الرمادي ، كابوس يلاحق الفلسطيني أينما كان فهو يعيش حياته في اليقظة وفي المنام في حلم مزعج من الرصاص والموت والدمار ، يمتلئ الزمن الفلسطيني بالرصاص والموت والدبابات والانتظار ، كما تملأ حياته حالة من الاستقطاب الدائم ، فهو موزع بين الوطن والمهجر ، بين حلم العودة والرغبة في أن يعيش حياة سوية كريمة في أماكن إقامته المؤقتة ، ولكنه لا ولن يستقر ما لم يتحقق حلمه بالعودة إلى الوطن الأم .
نماذج قصصية من داخل فلسطين 1948 :
1 - إميل حبيبي .
قصة " بوابة مندلبوم " *
يضعنا الراوي من بداية القصة أمام حالة من الاستقطاب بين المصطلحات وبين أسماء الأماكن ، فالراوي يخبر الشرطي الذي يقف مكتوف اليدين أنه جاء مع الوالدة التي " تنوي الدخول إلى هناك بعد أن أذن لها بذلك " ، يرد الاشرطي : " بل قل يا سيدي إنها تنوي الخروج من هنا " ، هذا الخروج يشكل هدفاً تسعى إسرائيل لتحقيقه .
ينقلنا الراوي من حالة استقطاب المكان إلى الزمن حيث يخبرنا أنه كان في آخر الشتاء وأن الشمس كانت تطل على الربيع ، أما المنطقة الحدودية فقد كانت مليئة بالحطام ، كما توجد مساحة رحبة من الأسفلت المعفر " منطقة المصرارة " لها بابان ، يتسع كل باب لمرور سيارة خارجة أو داخلة ، أما عسكري الجمارك فقد أخبرهم أن " من يخرج من هنا لا يعود أبداً " ، وكأن هذا الشعور كان يراود الأم التي التفتت وراءها عند خروجها من البيت ولوحت لأشجار الزيتون ولشجرة المشمش الجافة ولعتبة الدار وتساءلت : " عشرين سنة عشت هنا فكم من مرة طلعت هذا الزقاق " ، كما نادت على الموتى من أقاربها حين مرت على المقابر في ضاحية المدينة ، وعلى الرغم من أن الوالدة بلغت من العمر خمسة وسبعين عاماً فإنها لم تجرب من قبل شعور الحنين إلى الوطن الذي يصعب عليها تحديد معناه .
يحكي لنا الراوي بعد ذلك كيف ادعى أخوه الأصغر أنه صاد طير الحجل الذي هبط في الحقل عندما كانوا في المقثاة ، ثم يعود من حالة التذكر إلى المنطقة الحدودية حيث سيارات رجال الهدنة وهيئة الأمم وسفراء الدول الغربية وهي تقطع الأرض الحرام من إسرائيل إلى الأردن وبالعكس ، وقد انطلقت الحفيدة عبر المساحة الممنوع دخولها متجهة نحو جدتها فيخفض الجندي الأردني رأسه إلى الأرض التي أخذ يتفحصها بقدمه ، أما الشرطي الإسرائلي فقد دخل مكتبه ، لقد دخلت الطفلة وادي الموت وعادت منه لتكسر واقع الحرب والحدود عند بوابة مندلباوم .
ربما أراد الكاتب في هذه القصة أن يشير إلى أن الفلسطينيين في الداخل كانوا يعيشون حالة من الحصار والعزلة المزدوجة ، فهم معزولون عربيا وإسرائلياً ، كما كانوا يعيشون حالة من الاستقطاب بين عزلتين ونظامين سياسيين وزمنين في مكانين أصبحا مختلفين ، يتطلع عرب الداخل إلى التواصل مع إخوانهم عبر الحدود المفروضة بالتواطؤ بين إسرائيل والدول العربية بحيث يتم تشتيت العائلات بين الوطن والمنافي مما جعل التواصل والاتصال أمراً صعب التحقق .
2 - حنا إبراهيم .
قصة " جمع الشمل " *
يواجهنا الراوي في هذه القصة بالومان والمكان وقد امتزجا معاً ، فالزمن هو ليلة من ليالي الشتاء الثاني للانتفاضة ، والمطر والبرد يجبران الناس على التزام بيوتهم ، ومع ذلك فقد كان المواطن ممنوعاً من الخروج لسبب آخر هو نظام منع التجول الذي أصدره الحاكم العسكري للمنطقة الوسطى .
يجوب النقيب إبراهام الشوارع مع جنوده في سيارة جيب عسكرية ، وهو يفكر في عبثية ما يفعلونه ، فقد مضى عام ونصف على الانتفاضة ، ومع ذلك لم تنخفض وتيرتها بل زادت الأمور تعقيداً ، يعود إبراهام إلى ثكنته للاستراحة فيجد " عميرام " سكرتير إحدى المستوطنات ، والذي قام بقتل أكثر من فلسطيني ويقود حملة لطرد الفلسطينيين وإنقاذ أرض إسرائيل منهم ، وقد جاء عميرام إلى الثكنة ومعه بعض المأكولات ، أخذ عميرام يدافع عن اثنين من مستوطنته قاما بقتل اثنين من الفلسطينيين في اليوم الماضي ، يدور حوار بين إبراهام وعميرام الذي يتهم إبراهام بأنه يتكلم كما يتكلم العرب .
يخرج إبراهام لمواصلة عمله في الدورية ولكنه ظل يفكر في كلام عميرام ، فقد أخبرته ابنة الجيران أن أمها قالت لها بأن أباه عربي رفضه أهل أمه وأجبروه على تركها بالقوة ، ولكن أمه أنكرت ذلك .
في اليوم التالي يخرج إبراهام مع جنوده لمواجهة أحداث متوقعة عند تشييع جنازة الشهيدين ، وقد تعالت الهتافات أثناء الجنازة ، وبعد الدفن تطايرت الحجارة فانفجرت قنابل الغاز ولعلع الرصاص ، تعمد إبراهام ألا يطلق الرصاص على أهداف حية ، ولكنه أصيب بحجر في عنقه أسال دمه فتم نقله إلى مركز الإسعاف في مقر الشرطة ، عج المكان بالجنود والمعتقلين ، قال له أحد الجنود مفتخراً : " قبضنا على الولد الذي ضربك ولقناه درساً لن ينساه مدى الحياة " وعلق جندي آخر " " ولكن أباه كاد يقتلك ..
- أنظر ماذا فعلت به ابن الزانية .. "
حاول إبراهام إلقاء نظرة على الرجل المحتضر ، وفجأة رأى صورة مألوفة ، على مقدمة العنق كانت علامة الولادة ، وحمة قرص العسل القاتمة ، تسمر في مكانه مذهولاً ، همس بصعوبة كأنما يخاطب نفسه : أيعقل أن يكون هذا هو أبي ؟
لقد قتل الجندي والد إبراهام وضرب أخاه ضرباً مبرحاً ، تعرف إبراهام على والده القتيل من الصورةالتي ظلت أمه تحتفظ بها، والتي طالما حدثته عن تلك العلامة في رقبة أبيه.
يريد الراوي أن يقول لنا إن التعايش بين الشعبين ممكن ولكن المتسلطين من الطرفين لا يريدون ذلك ، إن لم الشمل هنا لم يحدث بناءً على رغبة الحاكم العسكري أو رغبة وزير الدفاع ، لقد تحولت المواجهة بين أماكن العبور وأماكن الإقامة إلى مأساة ، فقد تعرف إبراهام على أبيه بعد موته .
نماذج قصصية من قطاع غزة والضفة الغربية :
1 - جمال بنورة :
قصة " الشيء المفقود " *
يحكي لنا الراوي قصة مناضل أفقده الاحتلال قدرته على ممارسة واجباته الزوجية ، مما جعله يعيش حالة من الصراع النفسي بسبب شعوره بالعجز ، ولكن زوجته تحاول أن تقنعه بأن العلاقة الإنسانية وقناعة الشريكين ببعضهما أهم من أي شيء آخر ،تحاول أن تقنعه بأنه ما زال يمارس دوره التضالي ، كما يحاول أن يعزي نفسه بذلك على الرغم من أنهم أماتوا جزءاً منه .
تحاول القصة أن تضعنا أمام سؤال مهم : ما هي الرجولة ؟ وهل تنحصر الرجولة في أداء الواجبات الزوجية فقط ؟ ولماذا يحاول المحتلون تحطيم قدرة الفلسطينيين على الإنجاب ؟
أخيراً تنجح الزوجة في إقناع زوجها بأنهما قد أنجبا طفلاً وهذا يكفي ، لقد أعمته الغيرة وكاد الشك أن يقتله بسبب هدوء زوجته ورضاها بما قسمه الله لها ، كما تأخذ الزوجة بيده للخروج من أزمته النفسية .
يسيطر زمن الاحتلال وما يمارسه على المناضلين على كل ما عداه في القصة ، لقد أوشك المكان على الاختفاء في ثنايا الزمن هنا .
2 - رجب أبو سرية :
قصة " في المدينة الغريبة "
تحدثنا القصة عن الصمت والهدوء القاتل والظلام وشخص يسرع الخطا نحو المجهول هربا من وشوشات يتخيلها تلاحقه على الرغم من وجوده في مدينة ، والمعروف أن المدن تتسم بالضجيج والحركة والأضواء الباهرة ، لكن المدينة هنا ليست مدينة عادية ؛ فهي مدينة غريبة ، يصطدم هذا الشخص بنتوء ظنه شاهد قبر ؛ فتخيل أنه سمع أنيناً ، جرى بأقصى سرعة ، وحين خرج من المدينة وجد كلبة دون رأس وهي تتلوى ، عندها التفت وراءه وكأنه يفكر في العودة إلى المدينة ، لكنه يتخيل أناساً يتشحون بالسواد ويتصايحون بلغة غير مفهومة ، لم تعد أعصابه تستطيع الاحتمال ، صحا من نومه مفضلاً أن يتعايش مع الصداع الذي ألم به على كوابيس المنام .
إنه الزمن الفلسطيني المزدحم بالهموم ليل نهار ، فقد تحول الحلم إلى كابوس مزعج أقض نوم المحكي عنه ، إنه ليل الغربة واللجوء إلى المنافي والمدن الغريبة التي عاش فيها الفلسطيني بعد النكبة .
3 - زكي العيلة :
قصة " سلال من لحم " *
تبدأ القصة بطفل تركه أخوه في السوق بعد أن أوصاه بأن يأخذ باله من السلال ، ولكن عودة الأخ تتأخر فيقلق الطفل ، ومن خلال السرد يتضح أن الأخوين كانا يذهبان مرتين في الأسبوع لإحضار السلال ، وأنهما كانا يضطران إلى الانتظار لأن التأخير مضمون والليل طويل ، وبعد نقل السلال إلى البيت يتم نقلها إلى سوق المدينة .
يحدثنا الراوي عن المعاناة التي يواجهها الطفل في حمل السلال ونقلها ، كما يعاني الطفل من أصحاب المحال التجارية والمطاعم الذين يمنعونه من عرض سلاله أمام محلاتهم ، وفجأة يحدث انفجار فتقف الكلمات في حنجرة صاحب المتجر الذي كان يحاول طرده ، يهرب أصحاب المحال التجارية وينسى التاجر أنه كان يحاول طرد الطفل فينصحه بالهرب ، ولكن الطفل يصاب برصاصة تكوي ظهره ، يركض فتأتيه ضربة ثانية ، تنفلت السلال وتدوخ نظراته ، تبتعد السلال عن عينيه ، تصيبه ضربة ثالثة فيتقصف لحمه كالبوص ، تصيبه ضربة رابعة فينقذف في الهواء ويقع على الأرض ، ينقلب فتنقلب السلال بعيداً فوق صفحة الشارع .
نلاحظ أن السوق يشغل مساحة مهمة في القصة القصيرة عموما والقصة الفلسطينية على وجه الخصوص ، كما يشكل عمل الأطفال من أجل كسب لقمة العيش ظاهرة واضحة في المجتمع الفلسطيني ، ولعل تقصف لحم الطفل يوحي لنا بما يجمع بينه وبين السلال ، حيث يقتات من الربح القليل الذي يجنيه من وراء بيع السلال ، كما يشغل الانتظار مساحة مهمة في هذه القصة . ( 16 )
4 - صبحي حمدان :
قصة " المرأة التي ترفض الرحيل " *
يرسل أحد المبعدين في بيروت رسالة إلى زوجته يطلب منها أن تتوجه إلى بيروت ، وعندما يصل حامل الرسالة إلى البيت يملأه صمت المكان بالرهبة ، تدخل الزوجة الرجل إلى غرفة الضيوف ، وفي أثناء جلوسه يحاول أن يتفحص جسد المرأة بعينيه .
يتضح من السرد أن الزوج اعتقل ثم أبعد ، وقد أخبر الصليب الأحمر الزوجة أن زوجها موجود في عمان وأنه لا أمل في عودته ونصحها بتقديم طلب جمع شمل في مكتب الجوازات ، فشلت الزوجة في الحصول على موافقة على طلبها ومع ذلك ظلت تصر على البقاء في الوطن وترفض جمع شمل العائلة خارجه .
في هذه كما في قصص أخرى تشكل قضية جمع الشمل قضية مركزية ، لكن تناولها يختلف من كاتب إلى آخر ، كما شكل مركز الجوازات مكاناً يرمز إلى الاحتلال ، وقد كان الفلسطينيون يتوجهون إليه كارهين وذلك من أجل جمع شمل أناس أعزاء عليهم ، لقد صمدت المرأة هنا واحتفظت بكرامتها مفضلة البقاءفي الوطن على الرغم مما تعانيه من تربية الأولاد.
5 - عبد الله تايه :
قصة " الانتظار "
يحكي لنا الراوي قصة زوجة تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ؛ فتذهب إلى مكتب الجوازات ، تنتظر حتى يصلها الدور ، كانت تتوقع أن تنتظر ساعة على الأقل ، لكن الموظف الإسرائيلي المختص ينظر نحوها فتعجبه ؛ ينادي عليها مدعياً بأنها هي التي جاءت بالأمس فتصاب بالدهشة لأنها لم تكن قد أتت قبل ذلك اليوم ؛ ولكنها تستجيب لندائه ، وفي مكتبه يسألها عن الغرض من مجيئها فتخبره أنها تريد أن تتقدم بطلب جمع شمل لزوجها ، يطلب الموظف منها أن تعود إليه بعد غد بعد أن يحاول الإيحاء لها بأنه يشتهيها ، تدرك الزوجة أن عليها ان تختار بين أمرين : بقاء زوجها في الخارج مع محافظتها على شرفها أو جمع شمل زوجها مع التفريط بشرفها وعفتها .
تسقط المرأة بينما كانت أمها تعاني سكرات الموت دون أن تجد من يمد لها يد المساعدة ، ماتت الأم وبقيت الزوجة مع سقوطها الشنيع ، وقد ترك الراوي النهاية مفتوحة أمام توقعات القارئ واستنتاجاته .
ترى هل هو زمن السقوط ؟ وهل هذا السقوط مبرر ؟ إن هذا السقوط سيقود حتماً إلى سقوط آخر أشد مرارة وإيلاماً ، لقد وقعت أحداث القصة في زمن الاحتلال الذي يتسم بطابع الانتظار كما في معظم القصص ، أما مكتب الجوازات فهو المكان الذي كان الفلسطينيون تحت الاحتلال مضطرين لإنجاز معاملاتهم من خلاله مثل الحصول على تصاريح جمع الشمل والتنقل والعمل داخل إسرائيل بما ينتج عن ذلك من مساومات ومماحكات ، قد يكون التوجه إلى مكتب الجوازات مفهوماً ومبرراً ، أما التوجه إلى شقة ذلك الموظف في إسرائيل والسقوط عند أول امتحان فهذا أمر آخر . (17)
6 - عمر حمش :
قصة " أزهار إلى مقبرة المخيم "
المكان في هذه القصة هو المخيم بشوارعه القذرة وقنوات المياه الآسنة والأطفال يلعبون ويتصايحون متجين مع القنوات القذرة إلى البركة ، يتجمع الأطفال وراء الشيخ درويش وهم يهتفون :
شيخ درويش يا شيخ درويش .. لا بتموت ولا بتعيش .
يتوجس جنود الدورية من تجمعات الأطفال فيتوزعون في المكان ، عندها يتحول هتاف الأطفال نحو الجنود فيصيحون : بيعه . . بيعه .
يطلق الجنود قنابل الغاز والرصاص فتنهال عليهم الحجارة ، يصيب الرصاص الشيخ درويش في مقتل وتعلن إذاعة الاحتلال أن جنود الجيش قتلوا شيخاً بعد أن هاجم إحدى الدوريات ، تجمع الأطفال وجمعوا بعضاً من الأزهار التي تنمو على حافة البركة الآسنة وتوجهوا إلى مقبرة المخيم ليضعوها على قبر الشيخ درويش .
المكان هنا هو المخيم ، مكان ما بعد الخروج الفلسطيني الكبير عام 1948 م ببؤسه وقذارته وما يترتب على ذلك من انتشار الأمراض والأوبئة ، أما الزمن فهو زمن الاحتلال الذي أبى إلا أن يلاحق الفلسطينيين فيما تبقى لهم من فلسطين . (18)

7 - غريب عسقلاني :
قصة " الجوع " *
تناقش القصة قضية مناضل خرج من السجن ولم يجد عملا يوفر القوت لأسرته فلم يجد أمامه إلا العمل في إسرائيل ، ظل يحاول الخروج إلى العمل مدة أسبوع كامل ، ولكنه كان يعود كل يوم إلى البيت بسبب خجله من ذلك ، لأنه كان يمنع الآخرين من العمل هناك ، وأخيراً يغطي وجهه بالكوفية ويتوجه إلى دوار المجدل ، وهناك يختاره أحد المقاولين ليعمل معه في البناء ، يفاجأ الشاب بأنه سيعمل مع " أبو محمود " الذي سبق وأن قام بتمزيق بطاقة العمل الخاصة به ، تذكر موجة الرعب في عيني الرجل يومها ولعن ما حمله له هذا اليوم من مفاجئات ، يطلب منه أبو محمود أن يعمل مع عزرا الذي مد يده مصافحاً سعيد ، وأثناء العمل يقع عزرا بسبب الإرهاق ، ولما جاء المقاول شلومو وجد أبا محمود وسعيد وقد تركا العمل لإسعاف عزرا ، طلب منهما الذهاب إلى العمل بعد أن شتمهما ، حاول سعيد أن يثأر لكرامته لكن أبا محمود وعزرا نصحاه ألا يفعل ، وقد قام شلومو بطرد كل من سعيد وأبي محمود من العمل .
تناقش هذه القصة قضية العمل في إسرائيل والتمييز الطبقي تحت الاحتلال ، وكيف أجبرت لقمة العيش المناضلين على العمل في الداخل بعد أن كانوا يعارضون ذلك ويعتبرون أن منع العمل هناك قضية أساسية .
8 - محمد أيوب :
قصة " الخيمة " *
يشكل الانتظار عنصراً مهماً في هذه القصة حيث الزمن النفسي الطويل والثقيل ، يخبرنا الراوي أن رجلاً ينتظر استلام خيمة لإيواء أسرته ، ولكنه يعود كل يوم خائباً لأن الخيام تنتهي قبل أن يصله الدور ، من خلال سيال الوعي يفكر الرجل في نوع الخيمة التي قد يتسلمها ، كما يتذكر رحلاته إلى منطقة روبين قبل النكبة ، وكيف كانت الخيمة وقتها مصدراً للمتعة والراحة والتخفف من روتين الحياة الممل .
لقد خدعت الجامعة العربية الفلسطينيين حين جعلتهم يعتقدون أن مغادرتهم للوطن لن تطول أكثر من أسبوع أو بضعة أسابيع ، وقد أخذ الزمن يمر دون أن تظهر أية بادرة للعودة المرتقبة .
يعيش حسن الحاج على حالة من الصراع النفسي ، فهو متردد بين استلام الخيمة أو رفضها ، ولكنه يقرر في النهاية أن يتسلم الخيمة كي يوفر المأوى لأسرته قبل أن يعود إلى أرض الوطن .
تشكل الخيمة هنا رمزاً للمعاناة وللمكان غير المستقر ، أما الزمن فهو زمن النكبة حيث غادر الفلسطينيون منازلهم على أمل العودة إليها في أقرب وقت ، لكن الانتظار يطول دون أن تتحقق العودة بل يتحول الزمن إلى كابوس من الانتظار المر .
د . محمد أيوب

ايوب صابر 10-02-17 12:41 PM

الزمن بوصفه معياراً نقدياً في القصة القصيرة جداً
/ رسمي رحومي الهيتي
|*طباعة*| *البريد الإلكتروني
نشر بتاريخ الأربعاء, 22 تموز/يوليو 2015 05:36

شأنها شأن الفنون السردية الأخرى، كالقصة القصيرة والرواية فأن الـ "ق 0 ق 0 جداً" تتوفر هي أيضاً على ذات العناصر المشكلة والمكونة للرواية والقصة القصيرة مثل "الشخصيات، المكان، الزمان، الأحداث، الفكرة" ولكن: في الرواية تتعدد الشخصيات والأحداث والأمكنة والأزمنة، في القصة القصيرة عدد الشخصيات قليل والأمكنة التي تشكل القصة القصيرة تكون أيضاً قليلة كذلك هو الحال بالنسبة للأزمنة.. الأحداث في الرواية كثيرة وعديدة ومتشعبة، أما في القصة القصيرة فتكون الأحداث التي تسهم في بنائها أقل منه في الرواية.
الزمن "وهو مجال بحثنا" فأنه في القصة القصيرة أقل مما هو عليه في الرواية التي قد يستغرق بناؤها "موضوعياً" سنوات عديدة ولربما أجيالا.
هنا نقصد بالزمن الموضوعي الفترة الزمنية المحصورة بين بداية القصة أو الرواية ونهايتها. فعلى سبيل المثال أذا كانت القصة أو الرواية تحكي عن حمل، ثم ولادة فارضاع ثم تتسلسل الأحداث حتى وصول الطفل الى المدرسة، فهذا يعني أن الزمن الموضوعي هو سبع سنوات!، أما زمن السرد لهذه السنوات السبع فأنه سيشكل "كتابة" بضعة آلاف من الكلمات هذا بالنسبة للقصة القصيرة، أما أذا كتبناها رواية فستكون بحدود مئة ألف الى مئتي ألف كلمة "وربما أكثر". ودائماً هناك علاقة منطقية بين الزمن الموضوعي والزمن السردي، وهذه العلاقة تضيق وتتسع، بحسب تعدد الأحداث، والرؤية الفنية التي يتعامل بها كاتب النص.
وكأجراء تطبيقي أقدم هنا نصاً للقاص الفرنسي "فيلكس فيفون":..."وطد الخادم فيلو علاقته بامرأة لطيفة في بيت سيده الغائب في نولي سبور ثم أختفى فجأة حاملاً كل شيء عداها ".
هذا النص أورده الناقد عبد علي حسن ليقوم بعد ذلك بتحليله ضمن تطبيق أجرائي وهو يتحدث عن بنائية القصة القصيرة جداً، حيث يقول الناقد "النص المترجم يتكون من عشرين كلمة وهو قصة قصيرة جداً تتضمن من أركان القص الشخصيات والمكان والحدث، الا أنه نص مكثف وموجز جداً، مع قدرته على حيازة اشتراطات القص القصير جداً". ثم يذهب الناقد وهو يحلل هذه القصة القصيرة جداً فيشير الى الانتقال الوظيفي الى النص من الوظيفة المرجعية الى الوظيفة الشعرية.
الناقد عبد علي حسن وهو يشير الى أركان القص التي تضمنته القصة التي أوردها وهي ( "شخصيات، مكان، حدث".. لم يشر الى عنصر الزمن في تلك القصة، الذي هو محور دراستنا، كيف؟.. سنرى ذلك بعد أن نعرج على تعريف الزمن.. يقول ريتشارد غيل"جاءت أول محاولة جادة لتحليل مفهوم الزمن في كتاب "الطبيعة" لـ أرسطو أذ يقول فيه: ضمن أي معنى يمكن القول ان الزمن موجود"؟ وهو يرى ان الجواهر الفردية التي لا تعدو ان تكون مركبات من شكل ومادة، وهي الوحيدة التي يمكن القول انها موجودة بمعنى لا يمكن قياسه، وان كل شيء آخر يمكن عزوه الى تلك الجواهر ويعرف الزمن بأنه "عدد الحركات الحاصلة"، "قبل "و" بعد "وان الحركة هي صفة الجوهر والزمن بالمقابل، هو صفة الحركة، لكن ينبغي القول ان الزمن مختلف عن الحركة، بل انه عدد الحركات أو مقياسها... ولهذا السبب لا يعد الزمن كياناً جوهرياً قادراً على الوجود بشكل منفصل عن الأشياء الأخرى "...
وكما أسلفنا في تعريف الزمن بأنه عدد الحركات الحاصلة "قبل" أو "بعد" أذن في القصة المذكورة كان الزمن طويلاً لوجود كلمة "وطد" في اول النص حيث ان توطيد العلاقة بين الخادم وزوجة سيده تستغرق أشهراً عديدة، بالاضافة الى ان ذلك السيد لم يترك زوجته لوحدها مع الخادم ويغادر الدار الا بعد ان أستوثق منه أي بمعنى آخر هنالك أيضاً توطيد للعلاقة بين السيد والخادم.
هنا نرى أن الزمن "الموضوعي" أي الزمن الذي اكتملت فيه حكاية القصة هو شهور عدة وربما سنوات في حين ان زمن القص، أي الزمن السردي لم يتعد عشرين كلمة!، وهذا ما يجعلنا نتساءل، الا يمكن تحويل هذه القصة القصيرة جداً الى قصة قصيرة أو رواية؟ أي بمعنى أن هنالك امكانية للاستفادة من "الزمن الموضوعي" واشباعه بالأحداث والشخصيات والأفعال والصراعات مع تعدد الأمكنة، لتصبح بعد ذلك قصة قصيرة، وهنا تكمن دواعي هذه الدراسة أو الرؤية النقدية "ان صحت"، وهي اعتماد الزمن معياراً نقدياً.
وتأسيساً على ما اوردناه فأن كل قصة قصيرة جداً بالامكان تحويلها الى قصة قصيرة أو رواية فأن في ذلك خللاً في بنيتها واشتراطاتها.
تطبيق أجرائي:
في ما يلي قصة قصيرة جداً لأحد كتابها المهمين في العراق وهو المبدع حنون مجيد والتي وردت ضمن مجموعته الموسومة "وردة لهذا الفطور" وعنوان القصة.. حكمة:
يمشي محدودب الظهر، عاثر الخطى، يكاد يسقط كل مرة على وجهه أو على أحد جانبيه. وعجبت أن ينحني جسد هذا الوتد القصير الذي كانت الأرض تهتز تحت قدميه. لقد جمعني واياه خصام كاد ينتهي بعراك. ولولا حكمة نهضت في رأسي في اللحظة المناسبة لدخلت معه هذه التجربة التي كنت كلما رزتها وجدتها في غير صالحي. الآن.. أقف منتصب القامة. مشدود الجسد، ثابت الخطى، أتأمل الرجل، أتابع بنظر عطوف خطواته المضطربة وجسده المهزوز.. أشفق عليه، لكنني أقول في تداع عميق: أذن كم كنت حكيماً، يا صديقي، أذ تركتك لمثل هذا اليوم؟
القصة القصيرة جداً والتي أسماها كاتبها حنون مجيد "حكمة"، تتكون من تسعين كلمة. وهنا أود الاشارة الى ان زمن حكاية القصة "الزمن الموضوعي" استغرق عشرات السنين!، أذن أليس بالإمكان تحويل هذه الـ "ق 0 ق 0 جداً" الى قصة قصيرة ولربما الى رواية؟ أي بمعنى ان الفكرة العامة والتي هي محور القصة تحتمل تحويلها الى قصة او رواية، لا سيما وان كاتبها قاص وروائيً! فبين رجل جسده يشبه الوتد القصير وتهتز الأرض تحت قدميه، ومن ثم يتحول الى رجل يمشي محدودب الظهر "كما ورد في القصة" بين هاتين الحالتين يشخص زمن طويل ليس بأقل من عشرين سنة أو أكثر.
تقول الكاتبة آيات يوسف صالح:"من الأفضل عدم استعمال الاسترجاع أي ومضات الماضي "فلاش باك" وينبغي أداء المعلومات الضرورية حواراً وبمهارة وليس ثمة متسع لتزويقها بأحداث ماضية لذا من الأفضل انتقاء المادة التي لا تتطلب فهماً واسعاً للماضي". مفهوم الزمن الدرامي..." لقد كان الاهتمام بالزمن مع أولى الحضارات الانسانية كالبابلية والفرعونية والسومرية والأكدية واليونانية والعربية والاسلامية، ولكن مهما يبلغ الأنسان من تطور فلا بد ان يظل الصراع مستمراً بين زمن تاريخي وزمن لا عنائي يسمى بالخلود، أو على الأقل نوع من الانبعاث المتجدد حتى يبلغ الانسان مرحلة يحسب الموت فيها جزءاً ضرورياً للحياة. وفي الأدب الأوربي الحديث، وعلى وجه التقريب في العقد الثاني من هذا القرن كان هناك تصور وادراك لأثر الزمن في الأدب، فكتب مارسيل بروست روايته "البحث عن الزمن المفقود" حيث جعل الزمن بطلها أو شخصيتها الأولى ليدلل على ان الزمن هو أقوى الأمور كلها فعلاً في حياة الأنسان ولم يعد مفهوم الزمن في الأدب كما في الدراسات النقدية القديمة يقف في أحد الاعتبارين امام حقيقة واقعية خارجية، واما هو فحقيقة ذاتية يتضاءل وجودها الخارجي المستقل وانما هو نسيج  كما يقول الدكتور مالك المطلبي  ولا يمكن سلخ النسيج عن ثوبه أو نزع هيأة الثوب من نسيجها وهو كمثل ورقة سوسير:" لها وجه وظهر لا يمكن تمزيق وجه الورقة دون تمزيق ظهرها ان الزمن لا ينتزع لأنه اذا اريد انتزاعه انتزع كل ما حوله انه زمن منبث: تغيرات تتوالد وهي في طريقها الى علاقتها"
يقول الناقد لرواية "ذاكرة الجسد" صالح مفقودة. " فالأديب مهما تصرف في الزمن فهو لا يتعارض مع فرضية ان أساس الرواية قصة، والقصة حوادث مسردة ومرتبة وفق تسلسل زمني "كما أسلفنا0ومن هنا طرحت العلاقة بين زمن الحكاية والمقصود به الحكاية التخيلية كما يفترض انها وقعت فعلاً، وزمن السرد وهو الزمن الروائي نفسه ويشير الناقد مفقودة.." الى زمنين، الزمن الطبيعي والزمن السردي".. ويطلق البعض على الزمن الطبيعي، الزمن الموضوعي.
كذلك فأن القصة القصيرة جداً لا تحتمل في بنيتها السردية ما يسمى بـ "الاستباق"، وهو عملية سردية تتمثل بالإتيان بحدث أو أكثر، وهو عملية معاكسة للاسترجاع، وان انتفاء الحاجة للاسترجاع والاستباق في بنية القصة القصيرة جداً، يأتي في اطار ضرورة التكثيف والاختزال في هذا الجنس، وبالأحرى أن يكون ايقاع السرد سريعاً، وهذا يعني ايقاع الزمن الذي يحتوي القصة أولاً وتحتويه القصة ثانياً!
الزمن : بين ابن سينا والطريطر
لقد استطاع ابن سينا استيعاب مفهوم الزمن الأرسطي من حيث انه "مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر" ثم تطويره الى درجة انه لم يعد الزمن مجرد مقدار للحركة بل هو "امكان ذو مقدار يطابق الحركة" ومن هذا التطابق بين الحركة والزمن، تمكن ابن سينا من اثبات أتصال الزمن لأن "كل ما طابق الحركات فهو متصل، ومقتضى الاتصال متجدد".
أما د0 حميد الطريطر فأنه يقول..."يوجد عنصران من الزمن في كل قصة يتممان الصياغة الكاملة للقصة بخصائصهما المميزة لأحدهما عن الآخر وهما:
1- الزمن الخارجي للقصة: ان من خصائص الزمن الطبيعي الموضوعي انه يقاس بجهاز قياس الزمن وهو ثابت على وتيرة واحدة ، ومعدل معروف لا يتغير، فهو يتقدم في خط مباشر وبنظام ثابت من الماضي الى الحاضر الى المستقبل. ومعنى هذا انه زمن غير ارتدادي لا يمكن ان يتراجع الى الوراء.
2- الزمن الباطني أو الداخلي للقصة: أما خصائص الزمن الداخلي للقصة، فأنه يختلف في الغاية عن الزمن الطبيعي الموضوعي، اذ انه يتميز بكونه نفسياً ذاتياً، يمكن أن يتسع ويتقلص حسب معطيات القصة وقد يكون متتابعاً متواصلاً، كما يمكن ان لا يكون كذلك ويبدو واضحاً في قصة اهل الكهف. على ان لا يشترط في هذا الزمن ان يكون له تقسيم الزمن الموضوعي نفسه وهو الماضي، والحاضر، والمستقبل"..
اما الناقد زهير الجبوري في بحثه الموسوم "رؤيا السرد- مقاربات تنظيرية في الشخصية والزمان والمكان" فيقول.." هناك أزمنة داخلية وأخرى خارجية، وما يهمنا هو الأزمنة الداخلية وتتمثل في "زمن النص"، وهو الزمن الدلالي الخاص بالعالم التخيلي ويتعلق بالفترة التي تجري فيها أحداث الرواية، و"زمن الكتابـــــة" و"زمن القراءة".
وفي مكان آخر يشير الجبوري الى00 " والزمن في عالم السرد انواع مختلفة: الزمن المتواصل، والزمن المتصل وهو غير الزمن المتواصل، وذلك على اساس ان الأول "المتصل" لا يكون له انقطاع".. وهذا بالضبط ما يهمنا في موضوع الـ "ق 0 ق0 جداً" وعلاقته بالزمن ،حيث ان الزمن حين يكون متصلاً فأنه يمنح لهذا النوع من السرد هويته التجنيسية الخاصة، بمعنى أن الزمن المتصل هو ما يجب ان يكون عليه في القصة القصيرة جداً وليس الزمن المتعاقب أو الزمن المتقطع، المتشظي، أو الزمن الغائب الى غير ذلك من الأزمنة التي اشار اليها الناقد زهير الجبوري في بحثه المذكور.
وبحسب "جينات" الذي يشير الى أن العلاقة بين الزمن الروائي "داخل المبنى الحكائي" والمقاطع النصية التي تغطي هذه المدة بـ "سرعة النص" أي أن السرعة هذه هي النسبة بين زمن الحدث "ساعة، يوم، سنة" وطول النص "اسطر، مقاطع".

ايوب صابر 10-02-17 09:36 PM


Short story writing: time in a short story, part 1
كتابة القصة القصيرة : الوقت في القصة القصيرة ... الجزء الاول

The time covered by the action of a short story should be short, and preferably continuous. Generally speaking a day or two, a week, or at the most two weeks is enough. We should be focussing on one single incident in the central character's life, and it should take place in as few episodes as possible. More time can be brought in by the use of flashbacks, but trying to cover a longer period in the action of the story can bring problems with maintaining suspense and continuity
الوقت الذي يجري فيه الحدث في القصة القصيرة يجب ان يكون قصيرا ، ويفضل ان يكون متواصل. بشكل العام يجب ان لا يطول الوقت في القصة القصيرة عن يوم او يومين او على الاكثر اسبوع او أسبوعين كحد اقصى. وعلينا ان نركز على موقف واحد في حياة الشخصية الرئيسية وهذا الموقف يجب ان يشتمل على عدة احداث قليلة ةمحصورة . ويمكن تسخير مزيد من الوقت في القصة القصيرة عن طريق استخدام تكنيك الاسترجاع . لكن ان نحاول تغطية وقت طويل في القصة الذي يجري فيها الحدث فان ذلك يتسبب بمشاكل من حيث الادهاش والتواصل.

If you find yourself wanting to use phrases such as 'a month later', or 'a year later' this is a sign that there is a problem to do with the time scale. Often the solution is to open the story at a more advanced stage than you had originally planned, and indicate what has gone on before in the form of a flashback.
اذا وجدت نفسك تريد استخدام جمل مثل ( بعد شهر) او ( بعد سنة ) فهذه إشارة على ان هناك مشكلة في معالجة عنصر الوقت . في مثل هذه الحالة من الافضل ان تجعل زمن القصة وكأنه يقع في وقت لاحق وليس كما سبق وان خططت لزمن القصة وان تشرح ما حدث سابقا عن طريق الاسترجاع الذهني. Flashback .
Flashbacks
A flashback is a section of a story in which the forward progress of time is temporarily broken while we look back to the past. Like every other aspect of the story it is governed by point of view, and thus represents the central character remembering.
عملية الاسترجاع
الاسترجاع هو قسم من قصة يتم فيه كسر استمرارية الزمن الحاضر في السرد بينما ننظر الى الخلف نسترجع أحداثا ماضية . وكاي عنصر من القصة فان ذلك محكوم بوجهة النظر وعليه يمثل ما يتذكره الشخصية الرئيسية .
Flashbacks should only be used to bring in material which is relevant and essential to the story, and which cannot be brought in any other way. For example we might have a story about a woman who had a boyfriend when she was a teenager, then lost contact with him, then five years later received a letter from him inviting her to go and visit him. How would we organise the time scale here?
ويجب استخدام عملية الاسترجاع فقط لاسترجاع معلومات مهمة وأساسية بالنسبة للقصة والتي لا يمكن استحضارها بايةطريق اخرى . مثلا يمكن ان يكون لدينا قصة عن امراءة لديها صديق عندما كانت صبية 16سنة لكنه فقدت الاتصال معه حينها لكن بعد خمس سنوات استلمت رسالة منه يدعوها فيها ان تأتي لزيارته، فكيف ستتعامل مع فكرة الوقت هنا؟
The way not to do it would be to open with her first meeting with the boy, show how the friendship developed, and how they parted, then have 'Five years later . . ', and continue the story with her going to visit him. This would be a rambling episodic plot with little or no suspense to hold the reader's attention.

Much better would be to open the story with the woman on the train on her way to the reunion, and to show the past in the form of a flashback, then, when the train arrives at its destination, bring the story back to the present. Journeys are opportune settings for flashbacks, because they break continuity of place just as memory breaks continuity of time, they evoke the idea of connections being made, and they are occasions when, with little else to do, we are apt to drift into memories and daydreams.

A trigger is often helpful to set a flashback in motion, and a letter is an ideal trigger. So we can open our story with Janet sitting on the train, watching the countryside drift past the ******** She is excited and apprehensive about meeting John again. Will he have changed? Will they still have the same feelings for each other? She takes his letter from her handbag and starts reading, and remembering . . . and we are into a flashback as she re-lives events of five years ago. Then the train pulls into the station, bringing Janet out of her reverie, and we continue the story in the present.

This way we will have opened the story on a note of anticipation and suspense, and set up a structure in which the immediate action can take place over a short and continuous period of time.




ايوب صابر 10-02-17 11:02 PM


Short story writing: time in a short story, part 2

Flashbacks continued: A flashback always needs to be prepared for by establishing something going on in the present which can be returned to when the flashback is over. The example of a train journey is given above, but it can be just about anything which gives the central character time to sit and remember for a few minutes. She might make herself a cup of coffee, sit down, drift into a daydream about something which happened ten years ago, then come back to the present to realise her coffee has gone cold.

The pluperfect tense ('had') is often needed to introduce a flashback, but long passages in the pluperfect are uncomfortable to read, and can lose the reader's attention because they are implicitly a digression away from the action. If the flashback is to be a long one it is usually fairly easy to switch back to the simple past tense after the introduction. Look out for the way it is done in published stories.

Several days later
Phrases like 'three days later', 'a week later' should be avoided, even though they can fit comfortably into the time scale of a short story. The problem with them is that they imply that the author is telling us about events, instead of dramatising them from the central character's point of view. (see 'Dramatisation')

Suppose Janet doesn't hear from John for three days, then receives a 'phone call from him. Rather than ending the first section of the story with a gap in the text, (a gap indicates a passage of time), then opening the next section 'Three days later . . . ' we can open the next section with Janet answering the 'phone and saying: "Hello John. Where on earth have you been for the last three days?"

The idea here, as in all areas of story writing, is to avoid giving information directly to the reader. The information is transmitted in dramatic form so that the reader picks it up for himself.

As the days passed. As the weeks rolled by
Phrases like this give the reader the idea that nothing of very much interest happened for quite a long time. They are usually easy to avoid, in a similar manner to the example above. Instead of saying: 'As the days passed I grew more and more despondent, and I could see I was getting on Janet's nerves.' We can have: "What's the matter with you John?" said Janet. "You've done nothing but complain for the last five days." Instead of: 'As the weeks rolled by we slipped more and more into a dull routine.' We could have something like: 'Passing the travel agents one morning I realised Janet and I needed a holiday. We'd been trapped in the same old routine for weeks, it was high time we got away for a few days.' That way the information about passing time is not given directly, but conveyed unobtrusively while we focus attention on the next important piece of action.


ايوب صابر 03-03-17 11:30 PM

تذكير بتعريف القصة القصيرة والذي اعتمدناه لهذه الوورشة:

تعريف القصة حسب ورشتنا في قطرات ادبية :


سرد حكائي نثري، واقعي، او خيالي، يهدف الى تقديم حدث وقع او يمكن ان يقع، او مجموعة حوادث تساند بعضها بعضا تشكل حبكة بسيطة لها بداية ووسط ونهاية، ويقع الحدث او الاحداث ضمن فترة زمنية قصيرة ومكان محدود ليعبر عن موقف او جانب من جوانب الحياة، ويتتبع اثر لحظات انسانية حياتية شديدة الاهمية منتقاه من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها، ويقصد بالحدث اثارة الاهتمام او الامتاع او تثقيف السامعين او القراء، وتصور احداث القصة القصيرة لحظات عابرة لا يصلح لها الا القصة القصيرة لانها تتمحور حول حدث لحظي فلا تهتم بما قبله او ما بعده.

وعلى ان يروي هذا النص الادبي السردي خبرا له خصائص معينة اي ان يكون له اثر ومعنى كلي بمعنى ان تتصل تفاصيله واجزاؤه بعضها ببعض بحيث يكون لمجموعها اثر، ويمتع ويجذب انتباه القاري او المتلقي، وعليه لا بد ان يكون الحدث متحدا ومنسجما دون تشتيت.

وتوجز القصة القصيرة في لحظات احداثا جساما معتمدة على مبدأ التكثيف فكرا ولغة وشعورا مما يمكنها من النجاح في نقل دفقة شعورية فائرة، وعليه لا بد ان يكون الحدث دراميا، بل شديد الدرامية، يكشف عن صراع تحمله شخصيات القصة ضد بعضها او ضد الطبيعة، ويعبر عن كل ذلك بلغة جميلة مشوقة و غنية بالمحسنات البديعية تمتلك حسا من السخرية او دفقات شعورية توقع التأثير وتعوض عن حبكة الاحداث في الرواية.

والقصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرةـ وغالبا ما تحمل مغزا او فكرة يريد القاص ان يوصلها للمتلقي.


ايوب صابر 22-03-17 12:44 PM

مع عنصر اخر من عناصر القصة القصيرة :


الحبكة أو العقدة
هي عبارة عن الحوادث التي تكون مرتبطة زمنياً مع بعضها البعض، وأساس الحبكة الجيّدة في القصّة هو وحدتها، وليتمكن المتلقي من فهم الحبكة عليه أن يطرح مجموعة من الأسئلة على نفسه وهي:

ما الصّراع الذي تحصل حوله الحبكة ؟ هل هو صراع داخلي أم خارجي؟
ما أبرز الأحداث التي تتألّف منها الحبكة؟ وهل هي مرتّبة بالاعتماد على أساس تاريخيّ أم نفسيّ؟
ما هي التغيّرات التي تحدث من بداية الحبكة وحتى نهايتها؟ وهل هي تتميز بالإقناع أم أنّها مفتعلة؟
هل الحبكة مترابطة؟
هل يمكن شرح الحبكة بناءً على عناصرها؟

ايوب صابر 21-04-17 03:00 PM

- العقدة أو الحبكة :
وهي مجموعة من الحوادث مرتبطة زمنيّاً، ومعيار الحبكة الممتازة هو وحدتها، ولفهم الحبكة يمكن للقارئ أن يسأل نفسه الأسئلة التّالية : -
- ما الصراع الذي تدور حوله الحبكة ؟ أهو داخلي أم خارجي؟
- ما أهم الحوادث التي تشكّل الحبكة ؟ وهل الحوادث مرتّبة على نسق تاريخي أم نفسي؟
- ما التغيّرات الحاصلة بين بداية الحبكة ونهايتها؟ وهل هي مقنعة أم مفتعلة؟
- هل الحبكة متماسكة.
- هل يمكن شرح الحبكة بالاعتماد على عناصرها من عرض وحدث صاعد وأزمة، وحدث نازل وخاتمة .

ايوب صابر 21-04-17 03:01 PM

الصراع:
هو تصادم بين قوتين, وهو حدث مؤثر في غيره, وتلك القوة قد تكون مادية كالصراع بين شخصين أو جيشين, أو معنوية كالصراع بين الإنسان وشهوته أو القدر.
وقد يختلج صدر القارئ بمسألة: (ما المكوِّن للآخر؛ الصراع للحدث, أو الحدث للصراع؟)..
ولننظر نظرة واسعة إلى واقع العنصرين حتى ندرك الإجابة, إذ يتعين أن نقف في صف الكاتب مرة, وأخرى في صف القارئ لننصف الاثنين, فبالنسبة للروائي فإن الغاية تشكل لديه صراعات عديدة فيندفع إلى رسم الأحداث التي تناسب الصراعات, فيخط أحداثا سابقة للصراع وأخرى لاحقة بناء على ما يقتضيه ذاك الصراع.
أما إذا وقفنا موقف القارئ فإن الصراع عندنا يأتي نتيجة لتفاعل الشخصيات, وتفاعل الشخصيات يبدو لدينا بمظهرين: الأول تفاعل أدى إلى صراع, والآخر تفاعل نتج عن الصراع.


ويرجع هذا التصور إلى أمر معقول يتجسد في نظرة الروائي العلوية لروايته, فهو يعلم البدايات والنهايات والسوابق واللواحق لذلك كان الصراع أساس رسم الأحداث بالنسبة له, كذلك فإن غياب مشاهد الرواية عن القارئ يجعله يسير بتسلسل مع صفحات الرواية ليتفاجأ بما تنتجه الأحداث, وينسجم بما تولده الصراعات, فتكون نظرته داخلية لا تتجاوز الصفحة التي يقرؤها, فيُحدد بذلك أحداثا تُكَوِّن الصراع وأحداثا يُكَوِّنها الصراع.


ويزدوج الصراع فيكون داخليا ويكون خارجيا, فالداخلي كالشخص مع نفسه إذ تتجاذبه قوتين, كقوة الحق وقوة الباطل, أو قوة الإرادة وقوة الإعراض, وغالبا ما يكون قصير المدة ومصيريا.
أما الخارجي فيقع بين شخصيات الرواية, ويكون طويل المدة أحيانا ومركزيا مصيريا.
ويلجأ الروائي إلى الصراع الخارجي أكثر من الداخلي كي يزيد من انفعال القارئ حيث إن الصراع هو النقطة الأكثر تأثيرا في نفس القارئ, وهو اللحظة التي تصل بالقارئ إلى أعلى درجات الانفعال والتي لا تهدأ إلا بإدراك نتائج الصراع, والنجاح في اصطفاء لحظة الصراع يجعل المكتوب أكثر حيوية, ونجاح الصراع يكون بالقدرة على شدَّ القارئ لمواصلة القراءة بإيصاله إلى أعلى درجات الانسجام, ويزيد الانفعال عند المرحلة التي يحتدم فيها الصراع والمسماة بالعقدة, والتي يتبعها انحدار متواصل لحدة الصراع, فالعقدة هي ذروة الصراع, والصراع هو ذروة الحدث, والحدث هو نتاج تفاعل الشخصيات ضمن إطار الزمان والمكان.


تُنتِجُ الفكرة لدى الروائي صراعات متعددة وأحداث متفرقة تخدم غاية الكاتب, هذه الصراعات تحتاج إلى هندسة وترتيب وحسن نظم, ولا يمكن أن يقوم الروائي بعرض جملة صراعات مبعثرة إذ لابد من تنسيق الصراعات مع الأحداث الملائمة بصورة متسلسلة بانسياب نحو الغاية حتى يمكن للقارئ أن يستوعبها ويربطها بسلاسة في ذهنه, وتنسيق الأحداث يسمى الحبكة أو النظم.
وأفضل النظم الانحدار المنساب الذي من شأنه أن يحقق الانسجام والتركيز, وهو أفضل بكثير من الانحدار الانكساري الذي يهبط بالقارئ من موقف إلى آخر بشكل فجائي يسبب الإزعاج للقارئ.

منقول عن النت


الساعة الآن 07:41 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع قطرات أدبية 2009