الخضيري
03-11-09, 05:17 AM
التعريف بالشاعر محمد محمود الزبيري
الشاعر محمد محمود الزبيري
حياته ولد ونشأ في صنعاء، العاصمة اليمنية العريقة ، وبها بدأ تعلمه وتأثر تأئرا شديدا بتعاليم الصوفية ونعم بها كما لم ينعم بشيء
حياته ولد ونشأ في صنعاء، العاصمة اليمنية العريقة ، وبها بدأ تعلمه وتأثر تأئرا شديدا بتعاليم الصوفية ونعم بها كما لم ينعم بشيء آخر ، ومال إلى الأدب عامة والشعر خاصة ، فدرسه حتى تمكن من نفسه ، فهام به أي هيام . وقبل نشوب الحرب الكونية الثانية انتقل إلى مصر ليتم دراسته ، فالتحق بدار العلوم حصن اللغة العربية ، وقبل أن يتم دراسته فيها عاد إلى اليمن عام 1941 م وكانت الأوضاع فيها متردية ، استشرى فيها الفقر والمرض ، ولم يقم الحكام بواجبهم نحو مكافحة هذين البلاءين ، وزاد الأمر سوءا انتشار الجهل وانتصار حكام اليمن له ، فأذهل هذا الوضع الزبيري فصرخ متألماً :
ماذا دهى قحطان ؟ في لحظاتهم
بؤس وفي كلماتهــــم آلام
جهـل وأمراض وظلـم فــاح
ومخافة ومجاعـة و " إمـام"
لقد اتسعت الشقة بين الشعب اليمني وحكامه ، وترصد كل منهما الآخر وكان لابد للزبيري أن يسعى لإنقاذ شعبه مما هو فيه ، فسعى إلى إقناع الحكام بالسماح لهذا الشعب المسكين أن ينطلق من قيوده ، وقد بذل كل ما في وسعه لتحقيق الخير لبني وطنه ، فمدح الأئمة وأبناءهم ، وصانعهم ولاينهم ، ولكن بلا جدوى، فقد تمكنت قي نفوسهم عقيدة راسخة بأن هذا الشعب لا يحكم إلا بالحديد والنار. ولما يئس من استجابة الحكام لدعوته للإصلاح ، ترك المصانعة وأعلها عليهم حربا ضروسا ، سلاحه فيها شعره المتفجر الملتهب ، فقد كان يعتقد بأن للقلم في مقاومة الطغيان فعل الحديد والنار، وقد عبر عن هذا الاعتقاد نثراً وشعرا فمن ذلك قوله :
" كنت أحس إحساسا أسطوريا بأني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان " وفي نفس المعنى يقول شعرا :
كانت بأقطابها مشدودة الطنب
قوضت بالقلم الجبار مملكة
وفي نفس العام الذي عاد فيه من القاهرة استقبلته سجون صنعاء والأهنوم وتعز ولما استطاع محبوه أن يخرجوه من
السجن لم يطق البقاء في اليمن - السجن الكبير كما دعاه - فارتحل إلى عدن سنة 1944 م لعله يستطيع أن ينطلق منها لتحقيق الحرية لقومه ، فعمل على بث روح التضحية والثورة في الشعب اليمنى عن طريق صحيفته التي أصدرها في عدن سنة 1946 م باسم " صوت اليمن " واختاره اليمنيون المقيمون هناك رئيسا للاتحاد اليمني ، وأسلموا له راية الجهاد . . تابع جهاده في عدن رغم مضايقات الإنجليز إلى أن قامت الثورة الأولى بقيادة عبد الله بن أحمد الوزير سنة 1948 م ، قتل فيها الإمام يحي حميد الدين وعدد من أولاده ، فهرع إلى اليمن وعين وزيرا للمعارف ، ولكن هذه الثورة لم تدم أكثر من شهر ، وعادت أسرة حميد الدين للحكم فى شخص الإمام أحمد ابن الإمام المقتول . وفر الزبيري ثانية ، ولكنه وجد الأبواب أمامه موصدة إلا باب الدولة الإسلامية الناشئة في باكستان فالتجأ إليها ، ولقي من شعبها المسلم كل تكريم فقابل هذا التكريم بمثله فتغنى بهذا الشعب الأبي ، وأنشد أجمل قصائده فيه وأذاع روائع شعره من إذاعة الدولة الناشئة . وفي عام 1952 م هرع إلى مصر عندما علم بقيام الثورة فيها ، واستبشر الزبيري خيراً بهذه الثورة عندما لاحت على بداياتها السمات الإسلامية ، فأمل في مساعدة قادتها لليمن ، وما كان يعلم آنذاك ما خبأته الأقدار لليمن على أيدي رجالات هذه الثورة
قام أحمد يحيى الثلايا بثورته الإصلاحية قي سنة1955 م والزبيري بمصر ولكن الثورة فشلت قبل أن يسهم فيها بشيء ، وعاد حكام اليمن اكثر قسوة وأشد تصميما على منهجهم في الحكم ، واستمر الزبيري في مصر يدعو لإنصاف شعب اليمن عن طريق المقالات التي ينشرها في صحيفة " صوت اليمن " التي أعاد إصدارها في سنة1955 م وأخذ يشارك في جميع القضايا العربية والإسلامية بجهده وشعره .
ويئس بعض رفاقه قي الكفاح ، وظل الأمل يحدوه ، وقامت ثورة 1962 م بقيادة عبد الله السلال الذي استدعى الزبيري من القاهرة وسلمه وزارة التربية والتعليم ، ثم عين عضوا في أول مجلس لرئاسة الجمهورية ولكن الياح لم تجر كما شاء لها شاعرنا وقدَّر فانتكست الثورة بحرب أهلية مريرة لم يشهد تاريخ العرب لها مثيلا ، فترك الزبيري الوزارة وأفرغ جهده في إصلاح ما أفسده المفسدون فزار القبائل وعرض نفسه للقتل ، ودعا إلى الوفاق والصلح وحقن الدماء ، وحضر جميع المؤتمرات التي عقدت للصلح ، وكان رئيسا لمؤتمر عمران الذي أصدر قرارات الصلح والوفاق ولكن هذه القرارات جوبهت بالمماطلة في التطبيق . . . وتوالت المؤتمرات في أركويت قي السودان وفي خمر في اليمن . .. وكان الزبيري فيها جميعا داعية الوفاق والإصلاح .
لقد أدرك ـ رحمه الله ـ ، بعد كل ما بذل من جهد أن الدعوة الفردية لا تجدي ، وأنه لا بد من تنظيم يتبنى نظاما مقبولاً لدى الشعب اليمني بأسره يكون بديلا لكل هذه الدعوات التي أغرقته في بحار من الدماء ، ولم يكن الزبيري ليعدل بالإسلام نظاما ، فقد عاش حياته مؤمناً أن لا حياة للمسلمين إلا بالإسلام فسارع إلى إنشاء حزبه باسم " حزب الله " ، فالتف حوله خيرة الرجال في اليمن ، وانطلقت دعوته تجوب آفاق اليمن فتلقى المجيبين والملبين ، وبدأ حملة واسعة قي أرجاء اليمن يخطب الجماهير داعيا إلى ما آمن به ، وانتهى به المطاف إلى جبال " برط " وبينما كان يلقي خطابه انطلقت رصاصات غادرة تخترق قلبه المؤمن ، فسقط شهيدا على تراب اليمن التي وهبها حياته كلها ، وقي هذا اليوم أول نيسان 1965 م صمت الصوت الذي هز اليمن ، هز المخلصين فسارعوا إليه يلبون نداءه ، وهز الحاقدين والمنتفعين والمستعمرين فسارعوا إلى إفراغ حقدهم برصاصات استقرت في القلب الكبير .
من قتل الزبيري ؟ ولماذا لم يلق القبض على القتلة ؟ ولماذا أهمل التحقيق في الحادث ؟ إجابات هذه الأسئلة ستبقى مطوية إلى أن يأتى الزمن الذي يكشفها ويكشف مثيلات لها في أرجاء الوطن الإسلامي الكبير .
آثاره :
أصدر شاعرنا ديوانين : الأول : " ثورة الشعر " الثاني : " صلاة في الجحيم "
وما نشر في هذين الديوانين هو الجزء الأقل من شعره ، ولازالت هناك مجموعات كبيرة من شعره تنتظر من يقوم بطبعها .
صدر للشاعر الكتب السياسية التالية :
ا - دعوة الأحرار ووحدة الشعب 2 - الإمامة وخطرها على وحدة اليمن 3 - الخدعة الكبرى في السياسة العربية 4 - مأساة واق الواق ، تحدث فيه عن مصير جلادي اليمن وعن مصير الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن اليمن وشعبه متبعا أسلوب ، " رسالة الغفران " للمعري .
وله إلى جانب هذه المؤلفات مجموعات من مقالاته وبحوثه السياسية والأدبية تقع في عدة مجلدات . ولا يفوتنا هنا أن نسجل بأن جميع مؤلفات الزبيري والغالبية العظمى من شعره تدور حول مأساة الشعب اليمني الذي أفنى عمره في سبيل قضيته وسقط شهيدا وهو ينادي بحريته .
شعر5:
الزبيري شاعر مطبوع ، تعشق الأدب منذ يفاعته ، وقال الشعر منذ صباه يمتاز شعره بالجزالة والحيوية وهو في نسجه أقرب ما يكون للقدامى لولا المعاني الحديثة التي يتناولها ، وقف شعره تقريبا لقضيته ألكبرى ، حرية اليمن وسعادة شعبه ، فقد هاله ما يعانيه اليمنيون من ظلم الحكام وفتك الأمراض وانتشار الفقر واستيلاء الجهل على الناس ، فحاول محاربة كل هذه الأوبئة بالكلمة ، بالأدب ، بالشعر وكان مؤمناً إيمانا لا يتزعزع بأنه قادر بها أن يخلص شعبه ويسعده .
ولم يخل شعره من الالتفات إلى قضايا الإسلام والمسلمين ، فالتفت إلى قضايا فلسطين وباكستان وكشمير. . . ودافع عنها وبيّن وجه الحق فيها . .. . . ولم يستطع شاعر عربي قبل الزبيري أن يصور بشعره الظلم والظالمين . بمثل القوة التي صورهما بها ، وأن يرسم للطغاة صورا تكشف حقيقتهم وتسخر من جبروتهم بمثل ما رسمها ، وقارئ دواوينه لا ينفك يطالع هذه الصور المعبرة واللقطات الحية .... .. .
مختاراتنا من شعره :
راعينا في اختيارنا أن تكون هذه المختارات ممثلة لجوانب ثلاثة : حبه لليمن وسيطرة هذا الحب على نفسه ، واهتمامه بالقضايا الإسلامية ، وتصويره للطغيان .
ا - " الحنين إلى الوطن " : وهي قصيدة تعبر تعبيرا عميقا عن شدة حبه لوطنه وبني وطنه .
2 - " محنة الإسلام " " وهي قصيدة ألقاها ترحيبا بالدكتور عبد الوهاب عزام عند قدومه إلى الباكستان سفيرا لمصر، وفيها تصوير للحال الذي آل إليه المسلمون ، ولم يضع الشاعر عنوانا لهذه القصيدة ، فوضعنا لها هذا العنوان الذي يناسب موضوعها العام ، وقد اخترنا من القصيدة الجزء الذي تحدث فيه الشاعر عن محنة الإسلام .
3- " رثاء شعب " ، بدأ نظمها إثر مصرع الثورة اليمنية سنة 1948 م ، يقول الشاعر عن ظروف نظم القصيدة ، نظمتها وأنا مطارد في الهند ، هارب من البشر محظور علي أن أمشي عليك ظهر الأرض " اسمي مسجل في القائمة السوداء في مصر .
4 - " عالم الإسلام " ألقاها في مؤتمر إسلامي حاشد في باكستان .
ماذا دهى قحطان؟ في لحظاتهم
بؤس وفي كلماتهم آلام
جهل وأمراض وظلم فادح
ومخافة ومجاعة وإمام
والناس بين مكبل في رجله
قيد وفي فمه البليغ لجام
أو خائف لم يدر ما ينتابه
منهم أسجن الدهر أم إعدام
والاجتماع جريمة أزلية
والعلم إثم والكلام حرام
والمرء يهرب من أبيه وأمه
وكأن وصلهما له إجرام
والجيش يحتل البلاد وماله
في غير أكواخ الضعيف مقام
يسطو وينهب ما يشاء كأنما
هو للخليفة معول هدام
والشعب في ظل السيوف ممزق
الأوصال مضطهد الجناب يضام
وعليه إما أن يغادر أرضه
هرباً وإلا فالحياة حمام
نثروا بأنحاء البلاد ودمروا
عمرانها فكأنهم ألغام
أكلوا لباب الأرض واختصوا بها
وذوو الخصاصة واقفون صيام
إلى أن ينتهي الى التحريض على الثورة والنضال داعياً ومحمساً:
يا قوم هبوا للكفاح وناضلوا
إن المنام عن الذمام حرام
لن يبرح الطغيان ذئباً ضارياً
ما دام يعرف أنكم أغنام
فتكلموا كيما يصدق أنكم
بشر ويشعر أنه ظلام
وتحركوا كي لا يظن بأنكم
موتى ويحسب أنكم أصنام
الشاعر محمد محمود الزبيري
حياته ولد ونشأ في صنعاء، العاصمة اليمنية العريقة ، وبها بدأ تعلمه وتأثر تأئرا شديدا بتعاليم الصوفية ونعم بها كما لم ينعم بشيء
حياته ولد ونشأ في صنعاء، العاصمة اليمنية العريقة ، وبها بدأ تعلمه وتأثر تأئرا شديدا بتعاليم الصوفية ونعم بها كما لم ينعم بشيء آخر ، ومال إلى الأدب عامة والشعر خاصة ، فدرسه حتى تمكن من نفسه ، فهام به أي هيام . وقبل نشوب الحرب الكونية الثانية انتقل إلى مصر ليتم دراسته ، فالتحق بدار العلوم حصن اللغة العربية ، وقبل أن يتم دراسته فيها عاد إلى اليمن عام 1941 م وكانت الأوضاع فيها متردية ، استشرى فيها الفقر والمرض ، ولم يقم الحكام بواجبهم نحو مكافحة هذين البلاءين ، وزاد الأمر سوءا انتشار الجهل وانتصار حكام اليمن له ، فأذهل هذا الوضع الزبيري فصرخ متألماً :
ماذا دهى قحطان ؟ في لحظاتهم
بؤس وفي كلماتهــــم آلام
جهـل وأمراض وظلـم فــاح
ومخافة ومجاعـة و " إمـام"
لقد اتسعت الشقة بين الشعب اليمني وحكامه ، وترصد كل منهما الآخر وكان لابد للزبيري أن يسعى لإنقاذ شعبه مما هو فيه ، فسعى إلى إقناع الحكام بالسماح لهذا الشعب المسكين أن ينطلق من قيوده ، وقد بذل كل ما في وسعه لتحقيق الخير لبني وطنه ، فمدح الأئمة وأبناءهم ، وصانعهم ولاينهم ، ولكن بلا جدوى، فقد تمكنت قي نفوسهم عقيدة راسخة بأن هذا الشعب لا يحكم إلا بالحديد والنار. ولما يئس من استجابة الحكام لدعوته للإصلاح ، ترك المصانعة وأعلها عليهم حربا ضروسا ، سلاحه فيها شعره المتفجر الملتهب ، فقد كان يعتقد بأن للقلم في مقاومة الطغيان فعل الحديد والنار، وقد عبر عن هذا الاعتقاد نثراً وشعرا فمن ذلك قوله :
" كنت أحس إحساسا أسطوريا بأني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان " وفي نفس المعنى يقول شعرا :
كانت بأقطابها مشدودة الطنب
قوضت بالقلم الجبار مملكة
وفي نفس العام الذي عاد فيه من القاهرة استقبلته سجون صنعاء والأهنوم وتعز ولما استطاع محبوه أن يخرجوه من
السجن لم يطق البقاء في اليمن - السجن الكبير كما دعاه - فارتحل إلى عدن سنة 1944 م لعله يستطيع أن ينطلق منها لتحقيق الحرية لقومه ، فعمل على بث روح التضحية والثورة في الشعب اليمنى عن طريق صحيفته التي أصدرها في عدن سنة 1946 م باسم " صوت اليمن " واختاره اليمنيون المقيمون هناك رئيسا للاتحاد اليمني ، وأسلموا له راية الجهاد . . تابع جهاده في عدن رغم مضايقات الإنجليز إلى أن قامت الثورة الأولى بقيادة عبد الله بن أحمد الوزير سنة 1948 م ، قتل فيها الإمام يحي حميد الدين وعدد من أولاده ، فهرع إلى اليمن وعين وزيرا للمعارف ، ولكن هذه الثورة لم تدم أكثر من شهر ، وعادت أسرة حميد الدين للحكم فى شخص الإمام أحمد ابن الإمام المقتول . وفر الزبيري ثانية ، ولكنه وجد الأبواب أمامه موصدة إلا باب الدولة الإسلامية الناشئة في باكستان فالتجأ إليها ، ولقي من شعبها المسلم كل تكريم فقابل هذا التكريم بمثله فتغنى بهذا الشعب الأبي ، وأنشد أجمل قصائده فيه وأذاع روائع شعره من إذاعة الدولة الناشئة . وفي عام 1952 م هرع إلى مصر عندما علم بقيام الثورة فيها ، واستبشر الزبيري خيراً بهذه الثورة عندما لاحت على بداياتها السمات الإسلامية ، فأمل في مساعدة قادتها لليمن ، وما كان يعلم آنذاك ما خبأته الأقدار لليمن على أيدي رجالات هذه الثورة
قام أحمد يحيى الثلايا بثورته الإصلاحية قي سنة1955 م والزبيري بمصر ولكن الثورة فشلت قبل أن يسهم فيها بشيء ، وعاد حكام اليمن اكثر قسوة وأشد تصميما على منهجهم في الحكم ، واستمر الزبيري في مصر يدعو لإنصاف شعب اليمن عن طريق المقالات التي ينشرها في صحيفة " صوت اليمن " التي أعاد إصدارها في سنة1955 م وأخذ يشارك في جميع القضايا العربية والإسلامية بجهده وشعره .
ويئس بعض رفاقه قي الكفاح ، وظل الأمل يحدوه ، وقامت ثورة 1962 م بقيادة عبد الله السلال الذي استدعى الزبيري من القاهرة وسلمه وزارة التربية والتعليم ، ثم عين عضوا في أول مجلس لرئاسة الجمهورية ولكن الياح لم تجر كما شاء لها شاعرنا وقدَّر فانتكست الثورة بحرب أهلية مريرة لم يشهد تاريخ العرب لها مثيلا ، فترك الزبيري الوزارة وأفرغ جهده في إصلاح ما أفسده المفسدون فزار القبائل وعرض نفسه للقتل ، ودعا إلى الوفاق والصلح وحقن الدماء ، وحضر جميع المؤتمرات التي عقدت للصلح ، وكان رئيسا لمؤتمر عمران الذي أصدر قرارات الصلح والوفاق ولكن هذه القرارات جوبهت بالمماطلة في التطبيق . . . وتوالت المؤتمرات في أركويت قي السودان وفي خمر في اليمن . .. وكان الزبيري فيها جميعا داعية الوفاق والإصلاح .
لقد أدرك ـ رحمه الله ـ ، بعد كل ما بذل من جهد أن الدعوة الفردية لا تجدي ، وأنه لا بد من تنظيم يتبنى نظاما مقبولاً لدى الشعب اليمني بأسره يكون بديلا لكل هذه الدعوات التي أغرقته في بحار من الدماء ، ولم يكن الزبيري ليعدل بالإسلام نظاما ، فقد عاش حياته مؤمناً أن لا حياة للمسلمين إلا بالإسلام فسارع إلى إنشاء حزبه باسم " حزب الله " ، فالتف حوله خيرة الرجال في اليمن ، وانطلقت دعوته تجوب آفاق اليمن فتلقى المجيبين والملبين ، وبدأ حملة واسعة قي أرجاء اليمن يخطب الجماهير داعيا إلى ما آمن به ، وانتهى به المطاف إلى جبال " برط " وبينما كان يلقي خطابه انطلقت رصاصات غادرة تخترق قلبه المؤمن ، فسقط شهيدا على تراب اليمن التي وهبها حياته كلها ، وقي هذا اليوم أول نيسان 1965 م صمت الصوت الذي هز اليمن ، هز المخلصين فسارعوا إليه يلبون نداءه ، وهز الحاقدين والمنتفعين والمستعمرين فسارعوا إلى إفراغ حقدهم برصاصات استقرت في القلب الكبير .
من قتل الزبيري ؟ ولماذا لم يلق القبض على القتلة ؟ ولماذا أهمل التحقيق في الحادث ؟ إجابات هذه الأسئلة ستبقى مطوية إلى أن يأتى الزمن الذي يكشفها ويكشف مثيلات لها في أرجاء الوطن الإسلامي الكبير .
آثاره :
أصدر شاعرنا ديوانين : الأول : " ثورة الشعر " الثاني : " صلاة في الجحيم "
وما نشر في هذين الديوانين هو الجزء الأقل من شعره ، ولازالت هناك مجموعات كبيرة من شعره تنتظر من يقوم بطبعها .
صدر للشاعر الكتب السياسية التالية :
ا - دعوة الأحرار ووحدة الشعب 2 - الإمامة وخطرها على وحدة اليمن 3 - الخدعة الكبرى في السياسة العربية 4 - مأساة واق الواق ، تحدث فيه عن مصير جلادي اليمن وعن مصير الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن اليمن وشعبه متبعا أسلوب ، " رسالة الغفران " للمعري .
وله إلى جانب هذه المؤلفات مجموعات من مقالاته وبحوثه السياسية والأدبية تقع في عدة مجلدات . ولا يفوتنا هنا أن نسجل بأن جميع مؤلفات الزبيري والغالبية العظمى من شعره تدور حول مأساة الشعب اليمني الذي أفنى عمره في سبيل قضيته وسقط شهيدا وهو ينادي بحريته .
شعر5:
الزبيري شاعر مطبوع ، تعشق الأدب منذ يفاعته ، وقال الشعر منذ صباه يمتاز شعره بالجزالة والحيوية وهو في نسجه أقرب ما يكون للقدامى لولا المعاني الحديثة التي يتناولها ، وقف شعره تقريبا لقضيته ألكبرى ، حرية اليمن وسعادة شعبه ، فقد هاله ما يعانيه اليمنيون من ظلم الحكام وفتك الأمراض وانتشار الفقر واستيلاء الجهل على الناس ، فحاول محاربة كل هذه الأوبئة بالكلمة ، بالأدب ، بالشعر وكان مؤمناً إيمانا لا يتزعزع بأنه قادر بها أن يخلص شعبه ويسعده .
ولم يخل شعره من الالتفات إلى قضايا الإسلام والمسلمين ، فالتفت إلى قضايا فلسطين وباكستان وكشمير. . . ودافع عنها وبيّن وجه الحق فيها . .. . . ولم يستطع شاعر عربي قبل الزبيري أن يصور بشعره الظلم والظالمين . بمثل القوة التي صورهما بها ، وأن يرسم للطغاة صورا تكشف حقيقتهم وتسخر من جبروتهم بمثل ما رسمها ، وقارئ دواوينه لا ينفك يطالع هذه الصور المعبرة واللقطات الحية .... .. .
مختاراتنا من شعره :
راعينا في اختيارنا أن تكون هذه المختارات ممثلة لجوانب ثلاثة : حبه لليمن وسيطرة هذا الحب على نفسه ، واهتمامه بالقضايا الإسلامية ، وتصويره للطغيان .
ا - " الحنين إلى الوطن " : وهي قصيدة تعبر تعبيرا عميقا عن شدة حبه لوطنه وبني وطنه .
2 - " محنة الإسلام " " وهي قصيدة ألقاها ترحيبا بالدكتور عبد الوهاب عزام عند قدومه إلى الباكستان سفيرا لمصر، وفيها تصوير للحال الذي آل إليه المسلمون ، ولم يضع الشاعر عنوانا لهذه القصيدة ، فوضعنا لها هذا العنوان الذي يناسب موضوعها العام ، وقد اخترنا من القصيدة الجزء الذي تحدث فيه الشاعر عن محنة الإسلام .
3- " رثاء شعب " ، بدأ نظمها إثر مصرع الثورة اليمنية سنة 1948 م ، يقول الشاعر عن ظروف نظم القصيدة ، نظمتها وأنا مطارد في الهند ، هارب من البشر محظور علي أن أمشي عليك ظهر الأرض " اسمي مسجل في القائمة السوداء في مصر .
4 - " عالم الإسلام " ألقاها في مؤتمر إسلامي حاشد في باكستان .
ماذا دهى قحطان؟ في لحظاتهم
بؤس وفي كلماتهم آلام
جهل وأمراض وظلم فادح
ومخافة ومجاعة وإمام
والناس بين مكبل في رجله
قيد وفي فمه البليغ لجام
أو خائف لم يدر ما ينتابه
منهم أسجن الدهر أم إعدام
والاجتماع جريمة أزلية
والعلم إثم والكلام حرام
والمرء يهرب من أبيه وأمه
وكأن وصلهما له إجرام
والجيش يحتل البلاد وماله
في غير أكواخ الضعيف مقام
يسطو وينهب ما يشاء كأنما
هو للخليفة معول هدام
والشعب في ظل السيوف ممزق
الأوصال مضطهد الجناب يضام
وعليه إما أن يغادر أرضه
هرباً وإلا فالحياة حمام
نثروا بأنحاء البلاد ودمروا
عمرانها فكأنهم ألغام
أكلوا لباب الأرض واختصوا بها
وذوو الخصاصة واقفون صيام
إلى أن ينتهي الى التحريض على الثورة والنضال داعياً ومحمساً:
يا قوم هبوا للكفاح وناضلوا
إن المنام عن الذمام حرام
لن يبرح الطغيان ذئباً ضارياً
ما دام يعرف أنكم أغنام
فتكلموا كيما يصدق أنكم
بشر ويشعر أنه ظلام
وتحركوا كي لا يظن بأنكم
موتى ويحسب أنكم أصنام