المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البَائِسُون ...قصة قصيرة


ربيع بن المدني
02-08-11, 04:47 AM
البَائِسُون


بقلم / ربيع بن المدني

في لَيلَةٍ من لَيالي الصّيف المفعمَة بالحرارة جلسَ عبدُ الواحِد إلى أولادِهِ بعد عودتِه من عمَلِهِ وهو منهك القوى تعبانُ الجسم ، وعلى قَسَماتِ وجهه كآبة خرساء وحزنٌ عميق وقنوطٌ رهيب ...سأل ابنَهُ الأكبرَ عن أمّه لأنّه لم يرَ لها أثراً في فناء البيت كما هي عادتها ، فأخبره بأنّها مريضةٌ وهي طريحة الفراش في غرفة نومها...
سمع كلامَ ابنه وكأنّ دلواً من الماء المثلّج صُبّ على ظهره في ليلة باردة ..انطلقَ صوبَ الغرفة كأنّه السّهم ، فوجدها تتألّم في صمتٍ وقد رسمَ المرضُ على وجهها البريء ضُرُوبا من الشّقاء وأنواعاً من التّعاسة وكأنها قد نيّفت على الخمسين من عمرها وهي لم تبلغ لعقدها الثالث بعدُ ! ..نظرَ إليها نظرةً مِلْؤُها الحنانُ والعطفُ والشّفقةُ ( ومن الحنانِ ما يُهلكُ ) ، وحطّ على قلبه همّ ثقيلٌ وتملّكته حيرة وتولاّهُ شعور بالضّيق وأمسك بخناقهِ الحزن والغمّ والهمّ ، وهو لا يملك إلا قوتَ أبناءه الصّغار ( زغب الحواصل لا أرضٌ ولا شجرُ !) ..وضع يده على جبينها وهو يردّد :
أنا عالِمٌ بالحزن منذ طفولتي ...رَفِيقِي فما أُخْطِيهِ حينَ أقابِلُهْ
فهاله شدة حرارة جسمها وخفقان قلبها .. ففتحت أعينها ببطئ ونظرت إليه وقد حزّ في نفسِها أن ترى زوجَها يسكبُ العَبَرات ويُطلق الزّفرات وقد لاحَ في وجهه التّذمر والامتعاظ وفهمت أنّه يتحسّر على قلّة ذات يده وهي تتألّم أمامه وهو لا يحرّك ساكنا ولا يسكّن مُتحرّكا ..فقالت بثقة : لا تبكِ يا عبدَ الواحد وتذكّر قولَ ربنا عزّ وجلّ : {إنّا وجدناهُ صابرا نِعْمَ العبد إنّه أوّاب} ..( وخَفِّضْ مِنْ حُزْنِكَ ، وكَفْكِفْ من دَمْعِكَفما أَنْتَ بأَوَّلِ غَرَضٍ أصابَهُ سَهْمُ الزَّمان وما مُصابُكَ بأول بِدْعَةٍ طَريفَةٍ في جريدةِ المصائب والأحزان ..)...
وقعَ كلامُها عليه موقعَ السّياط وإذا به ينتفضُ كأنّ سلكاً كهربائيا قد مسّهفقبّلها على جبينها وقال : لله درّك من زوجة ، أطال الله عمرك ومتّعنا ببقاءك .. ولكن لابد من فعل شيء ، سأذهب لأبيع جوّالي وأشتري لك دواءً ، قالت : لا تفعل أرجوك سيأتي الله بالشفاء . فقال : لابد من اتخاذ الأسباب ، وقد ضقت صدْراً بهذا الهاتف أيضا الذي تأتني من خلاله رسائلُ أصحاب الدّيون فبيْعُهُ هو الحزمُ ...وخرج لا يلوي على شيءٍ ، فلما توسّط البيتَ حيثُ يجلسُ أبناءه سمع إحدى المذيعات على التلفاز وقد أثقل وجهَهَا الطّلاءُ الفاضحُ كما أثقل كاهلَه الشّقاءُ والتعاسةُ والفقرُ المذقعُ تقول : إنّ المغنيّةَ البغي (( شاكيرا)) قد طلبوا منها أن تحيي سهرة في أحد البلدان العربية بمبلغ مقداره مليار ونيّف وقالت لهم سأفكر في الأمر !!...فأخذ التلفاز بهدوء بعدما أطفأه وأقسم ألا يتركه في هذا البيت وقد ملّ من سُخرية وتهكّم الأوغاد والأوباش والسّافِلُين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذِمّة ،..ولِمَ لا ؟ فثَمَنُهُ فرصةٌ سانحة لشراء الدّواء الكافي لزوجه التي تموت أمامه ، ولتذهب الإذاعة و شاكيرا ومن طلب منها ذلك إلى الجحيم ...ولاَ ضيَر :
فأخو الجهالةِ في الشّقاوةِ ينعَمُ
وبينَا هو غارق في خليط من الأفكار ورأسه يعجّ بكثير من التساؤلات عن هذه التّناقضات التي يراها في هذا الزمان الذي أبقى له ذنبا واستؤصل الرأسُ !! قطعَ عليه ابنُه حبلَ أفكاره بقوله : لقد جاءت فتورة الماء والكهرباء والكراء يا أبي ..فتبسّم بحنق وأرسل ضحكة تفاجأت منها الزّوجةُ القابعةُ في غرفتها ، ثم أنشدَ وقد بلغ منهُ اليأسُ منتهاه والكآبةُ تَرينُ على صدره وهو يرزَحُ تحتَ رحمة الأخبار السّيئة التي تصرع ذا اللّب حتى تجعله لا حراك به ، (( ويا لها من حياة هي بالمأساة أشبه)):
رماني الدّهرُ بالأرزاء حتّى ... فؤادي في غشاء مــن نبالي
فصرتُ إذا أصابتني سهام ... تكسّرت النّصالُ على النّصال
وهَانَ فَما أُبَالِي بالـرّزايا ... لأنّي مــا انتفَعتُ بأن أبالي
أخي القارئ ما أنت بالحالم ولا النّائم وقد آن لك أن تصدّق عينيك ، فهذه صورة حقيقية مصغّرة للفقراء والمعوزّين الذين يعيشون في دُوَل يزعمُ أربابها أنّ دينها الرّسمي هو الإسلام ....فالفقير منّا يعيشُ حياةً أسوأ من حياة هِرّ ، وأفضل قليلا من حياة كلب !! ومنَ الحقائِق ما هو أعجبُ من الخيال ... والله المستعان ....

وكتب ربيعُ بنُ المدني في يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2011

الــمُــنـــى
02-08-11, 07:19 PM
/
\


المُضحك المبكي في الأمر ..
أنه في عالمنا اٌلإسلامي
الحكومات لا تعترف بأن هناك هناك أشخاص
يعيشون تحت خط الفقر ..
أسر تتضور جوعاً وعطشا .. لا تج قوت يومها ..
رواتب جدا متدنية في بعض الحالات لا تكاد تُغطي الأحتياجات
الأولية لها وأحيانا لا تملك المسكن الخاص الذي يأويها ..
وتظل ترفل في ديون الماء والكهرباء والأجرة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء ..

بالأمس كنُت أتابع نشرة الأخبار وما عرض من تقارير مصورة
عن مجاعة الصومال وغانا التي يعاني غالبية سكانها من فقر شديد
مما أدى إلى أصابة أكثر من 100 ألف من سكانها بأمراض العيون
ناهيك عن أنتشار حالات العمى بين نسبة كبيرة جدا من السكان وما ذلك
إلا من حالة الفقر الذي تعاني منها هذه الدولة الأفريقية ...
فعلا بائسون ..
ولكن رحمة الله تبقى كبيرة فهور أرحم من الأم بوليدها ..
هو أبتلاء لأهل المال وأهل الفقر وفي النهاية لا يثبت أمام هذا البلاء
إلا ذوي النفوس المشبعة بالإيمان ..

أخي القدير .. ربيع بن المدني
نفعنا الله والعابرين بما يجود به قلمكم
كل الموفقية نتمناها لكم
وجزاكم الله خيرا على التذكرة فما أحوجنا
لهكذا كتابات ينتفع بها المرء منا بها في دينه ودنياه
دمت بخير

منى

ربيع بن المدني
03-08-11, 05:34 PM
/
\


المُضحك المبكي في الأمر ..
أنه في عالمنا اٌلإسلامي
الحكومات لا تعترف بأن هناك هناك أشخاص
يعيشون تحت خط الفقر ..
أسر تتضور جوعاً وعطشا .. لا تج قوت يومها ..
رواتب جدا متدنية في بعض الحالات لا تكاد تُغطي الأحتياجات
الأولية لها وأحيانا لا تملك المسكن الخاص الذي يأويها ..
وتظل ترفل في ديون الماء والكهرباء والأجرة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء ..

بالأمس كنُت أتابع نشرة الأخبار وما عرض من تقارير مصورة
عن مجاعة الصومال وغانا التي يعاني غالبية سكانها من فقر شديد
مما أدى إلى أصابة أكثر من 100 ألف من سكانها بأمراض العيون
ناهيك عن أنتشار حالات العمى بين نسبة كبيرة جدا من السكان وما ذلك
إلا من حالة الفقر الذي تعاني منها هذه الدولة الأفريقية ...
فعلا بائسون ..
ولكن رحمة الله تبقى كبيرة فهور أرحم من الأم بوليدها ..
هو أبتلاء لأهل المال وأهل الفقر وفي النهاية لا يثبت أمام هذا البلاء
إلا ذوي النفوس المشبعة بالإيمان ..

أخي القدير .. ربيع بن المدني
نفعنا الله والعابرين بما يجود به قلمكم
كل الموفقية نتمناها لكم
وجزاكم الله خيرا على التذكرة فما أحوجنا
لهكذا كتابات ينتفع بها المرء منا بها في دينه ودنياه
دمت بخير

منى


الأستاذة الفاضلة منى / تعليقاتك لها طعم خاص / ومن خلال هذه التعليقات النفيسة قد تبين لي أنك ذو حظ في العلوم الشرعية والادبية / زادك الله من فضله وطبت وطاب ممشاك وتبوءت من الجنة منزلا / سررت وتشرفت فلا تبخلي علينا بهذا الحضور الذي يسبغ الشرعية على قلمي الشاب !

مــنــــــآل
03-08-11, 09:41 PM
/
\

أخي ربيع ..
صورت لنا قضية يعاني منها الكثير من الناس
الذين يعيشون في أغنى دول العالم ..
أغناهم الله من فضله وجعلهم في غنى عن من سواه
تحياتي لروعة أحساسك وتصويرك العذب
شكرا ً وكل الود ..!

ربيع بن المدني
04-08-11, 05:04 AM
/
\

أخي ربيع ..
صورت لنا قضية يعاني منها الكثير من الناس
الذين يعيشون في أغنى دول العالم ..
أغناهم الله من فضله وجعلهم في غنى عن من سواه
تحياتي لروعة أحساسك وتصويرك العذب
شكرا ً وكل الود ..!
أختي الفاضلة رونق جزاك الله خيرا على المرور المشرف وبارك فيك ...