اثناء اعدادي لرسالة الماجستير قمت بالبحث عن اي دراسات حاولت ربط اليتم بالإبداع وقد وجدت ان عددا محدودا من الدراسات قد اجريت فعلا وبعضها يعود الى اواخر القرن الثامن عشر. وقد انصبت هذه الدراسات حول معرفة السمات التي جاءت بالشخصيات القيادية في محاولة لمعرفة ما الذي يصنع القائد. ولم تتوصل هذه الدراسات الي نتائج حاسمة وعلى الرغم ان بعض القادة كانوا ايتام وان اليتم كان يبرز كعامل مشترك لكن نسبته كانت منخفضة مما يفتح المجال للاحتمالات بان ما جرى مجرد صدفة.
وكانت هناك عناصر اخرى لها نسبة تعادل نسبة اليتم مثل ترتيب الشخص بين الأبناء في الاسرة.
وعلى الرغم من شعوري بالإحباط من نتائج هذه الدراسات بقيت في داخلي متيقن من اهمية اليتم في صناعة الابداع لكني لم اعرف حتى تلك اللحظة كيف اقدم الدليل على حدسي وقناعتي فلم اعرف كيف اختار العينة المناسبة لإجراء دراسة حولها.
واستمر هذا الوضع لسنوات بعد حصولي على شهادة الماجستير وانا ابحث عن الية اثبت فيها نظريتي وعينة دراسية محايدة يمكن ان تقدم نتائج موضوعية. وفي احد الايام اخبرني امين المكتبة في الشركة التي كنت اعمل بها عن وجود كتاب اسمه اعظم 100 شخصية في التاريخ فاستعرت الكتاب فورا بعد ان تولد لدي شعور بأنني عثرت على كنز.
فقد شعرت ان القدر قد ساق لي هذا الكتاب وهو كتاب الامريكي مايكل هارت حتى اجعل من الاسماء الواردة فيه عينة دراسية لاختبار صحة نظريتي والتي تقول ان هناك علاقة بين اليتم والابداع .
واقدمت فعلا على تلك الدراسة وعلى افتراض ان اجد نسبة عاليه منهم من بين الأيتام ما داموا ضمن قائمة اعظم شخصيات عرفها التاريخ.
وبدأت رحلة البحث عنهم على شبكة الانترنت وبحثت بتعمق عن سيرهم الذاتية وفي نهاية البحث تبين ان 54% منهم كان يتمهم مسجل ضمن سيرهم الذاتية على الانترنت وهي نسبة تتعدى عامل الصدفة بشكل كبير.
بينما 44% لم أتمكن من العثور على معلومات كافية عن طفولتهم ولذلك اعتبرتهم مجهولي الطفولة وهذا طبعا يفتح الباب ان يكونوا جميعا من بين الأيتام وربما ان عدم ذكر ذلك ضمن سيرهم الذاتية يعود لاعتبارهم ذلك أمرا مخجلا خاصة اذا كانوا قد عاشوا في دور الأيتام وعليه كانوا يفضلوا التركيز على إنجازاتهم بدلا من التركيز على ماضيهم المرير في سيرهم الذاتية .
فقط 2% من بين اعظم100 شخصية عاشوا في كنف والديهم.
وقد خلصت من هذه الدراسة الي مجموعة من الاستنتاجات منها :
1- ان العلاقة بين اليتم والابداع تتعدى عامل الصدفة 54%
2- اليتم لا يؤدي الي الابداع بشكل عام وانما الي الابداع في اعلى حالاته اي العبقرية .
3- وحيث ان اليتم يؤدي الي الابداع العبقري فان اليتم يقع على راس قائمة اهم العوامل المؤدية الي الابداع.
4- هناك حتما عوامل عديدة يمكن ان تحفز الابداع لكن اليتم يوصل الي العبقرية .
5- الدماغ آلة يمكن ان تعمل بطاقة اعظم في حالة تعرضها الي الصدمات والمحن .
6- لا بد ان هناك تأثير لصدمة اليتم على الدماغ مما يجعله يعمل بصورة مغايرة ويولد مخرجات عبقرية .
7- تاريخ وقوع اليتم له تأثير كبير في مجال الابداع وقوته .
8- كلما كان اليتم ابكر كلما كان اثره اعظم اي ان الأثر على الدماغ غير واعي والاغلب انه يؤثر على الطاقة الدماغية .
9- اعظم العباقرة هم ايتام قبل الولادة وتتعدد مجالات إبداعهم .
10-اليتم يمتد حتى سن النضوج اي وكما يقول علم النفس الي سن اكتمال النمو وهي سن 21.
11- القادة السفاحين ايتام في سن المراهقة والمخترعين ايتام في سنوات متاخره وما بين الثامنة عشرة والحادى والعشرين .
12- اليتم يؤدي الي ارتفاع في نسبة النشاط الدماغي وهذا النشاط اما ان يعطي عبقرية إيجابية نافعة او عبقرية سلبية ويعتمد ذلك الي حد كبير على البيئة الحاضنة .
المهم اثبت الدراسة وبما لا يدع مجالا للشك ان هناك علاقة بين اليتم والانتاج العبقري. وتبقى ان نثبت ذلك مخبريا .
*