يكون الإنسان وحيدا، حين يواجه واقعا غير مريحٍ له، وحدته انسحابٌ آمن، أو مهادنةٌ مسالمة، أو ردّ فعلٍ نفسيّ تجاه خيبةٍ ما، أو ربّما أدرَك أنّ في اعتزال النّاس راحةٌ آمنة، أو ربّما ببساطة، هو هادئٌ بطبعه قليل الحديث والتّفاعل مع الغير!
يكون الإنسان وحيدا، وكلّنا نظنّه اختار وحدته، نتركه وشأنه، نمرّ بجانبه ولا نلقي التّحية، نظراتنا تنكسر بعيدا عنه إن صادفناه وجها لوجه، أحاديثنا تقل وأصواتنا تنخفض إن كان بالقرب.
لكن، هل تساءلنا يوما إن كان الوحيد وحيدا، إنّما باختيارنا؟
ربّما كان ليردّ التحية علينا لو أنّنا ألقيناها عليه، ربّما كان ينظر إلينا حين هربت نظراتنا بعيدا عنه، ربّما كان يريد مشاركتنا الحديث حين اختزلناه نحن؟
نعم، يكون الوحيد وحيدا، رغما عنه، باختيار غيره، بإهمالنا، بافتراضاتنا المسبقة المغلوطة.
وأنا وحيدة، وحيدةٌ بثلاثة أرباع اختياري، وربع اختيار غيري. وحيدةٌ إلّا من أوراقي وهزائمي الثّقيلة، أجالسها وتجالسني، كغيمةٍ رمادية عملاقة، تُمطرني كآبة ولا أمَلٌ يستر أحلامي من طوفانها الجارف، أنا وحيدة، وحيدة ويائسة للدرجة التي لا رغبةَ لي أن أكون فيها على غير هذا الحال.