ج11
وتعرفتُ إليكم ...
كانت سمر كعادتها كثيرةُ الحديث ولا تكترثُ لإعراضي عن شقيقها وكأنها عَشِقت جفائي له
لا علم لي بسببٍ حقيقي دفعها للحديث
لي أخوة ثلاث لكن أحمد شقيقي الوحيد ...أما عصام ومراد فقد تبناهم والدي ورباهم كأبناء له ولم يفرق يوما بالمعاملة بيننا وإياهم .
ذهلت ونظرت لها متلهفةٌ لتتمة الحديث ... لم ينجبا والداي لفترة طويلة دون سببٍ واضح غير أنها إرادة الله ,لقد رزقا بطفلهما الأول بعد عشرة سنوات من الزواج
ربى والدي عصام الذي فقد والديه إثر حادث كانا صديقين العائلة المقربين في الغربة لذا رباه والدي منذ أن كان في الثالثة من عمره,ثم ربى مراد بعد أن انتزعه من يد زوج أمه القاسي.
بعد أن رزقا بي عادا إلى الوطن تركا بلاد الغربة لأهلها سكنا هذا المنزل منذ البداية وكما تقول أمي هو منزل سعادة وبشر حيث رزقها الله بأحمد بعد السكن فيه بسنةٍ ونصف منذ أن تخرج عصام غادر إلى بلاد الغربة وأعاد شركة والده لما كانت عليه قبل أن تغلق أبوابها بانتظار وريثها الوحيد ولم أراه إلا مراتٍ قليلة حين كان يأتي زائراً.
أما مراد ...زَفَرت بقوة ورأيت دمعة معلقة في عينيها نظرت لي فصرفت بصري عنها وكأن أمره لا يهمني البتة,نعم لا أريد معرفته ولا أطيق كوني أسيرته.
ابتسمت بحزن :أن تستمعي إلى وجعي ...؟!
استفزني صوتها الباكي رغم جفاف الدمع في عينيها ربتت على يدها ونظرت لها لتستمر بالحديث
حشرت رأسها بين كفيها مستسلمة لسيل من الدمع المقهور :أعشقه أعشقه بجنون حاولت نسيانه وحبه الكبير بلا فائدة
شهقت تعشق أخيها وكأني نسيت أنه ربيب والديها فقط
نظرت لي :هو في مثل عمري أتى به والدي وأنا في سن الخامسة ...أحببته كثيرا التصقت به التصاق الروح بالجسد,نعم منذ الطفولة لم أختلف معه أبداً لم أفارقه لأي سببٍ كان لم أتشاجر معه وكأن الحب انساب في نفسي طفلةً لأكبر في ظله عاشقةٌ يكاد يصرعها حبٌ محرم في نظر العائلة.
ابتسمت ساخرة حين تذكرت نظراتك التي تذهب عقلي أمام عائلتك دون أن يردعك أياً منهم ...أليس محرماً على الرجل أن يوقع قلب زوجة أخيه في شباكه ...؟!!
هل حرم في هذا القصر على الفتاة عشق ربيب والديها وحلل للرجل أن يستميل قلب فتاةٍ متزوجة ...؟
أخرجتني من غيبوبة أفكاري حين شهقت باكية : لم يكن وقوف والدي في طريق هذا الحب حائلاً بيني وإياه وإنما مرضه من دفعه ليبتعد فقد صارحني بحبه لي رغم هذا قرر الابتعاد فمرضه قاتلٌ لا شفاء منه.
حدقت بها مصدومة أبحث في تعابير وجهها عن صفة المرض أو اسمه هل هو وباءٌ التقطه من هذا الوسط السقيم.
وكأنها أدركت ما يدور في نفسي هزت رأسها تمسح دموعها:مريضٌ بالقلب لا تدعي شيطان الأفكار يودي بك إلى وديان سحيقة.
نظرت لي نظرة لست أفهم مغزاها ثم تابعت: أحمد كما أخبرتك سابقا شقيقي الوحيد رجلٌ في زمانٍ لا رجال فيه...انه مرتبط
(صرعت قلبي كلمتها أشاحت بوجهها عني وكأنها لا تريد رؤية انفعالاتي مع كلماتها)
نعم مرتبط يعشق فتاةً لا تبرح روحه صدفةٌ جمعته بها منذ زمن ... بحث عنها طويلاً ولم يجدي بحثه نفع .
لبس خاتم الزواج في يده رغم اعتراض والدي لكنه صاحب قرار ...إما أن يبقى خاتمها في يده وهي في قلبه أو يعثر عليها ذات نهار فتنقل الخاتم بيدها من يمينه إلى يساره وتسلمه قيادة سفينة أيامها وتحتمي به من زوابع الدنيا.
كلماتها كادت تقتلني ـ أين هي تلك الشمطاء وهل ثمة فتاةٌ ترفضُ عاشقاً كأنت ...؟
نظرت لي بحزن :تعلمين أعتقد أنه لن يتجاوز رفضها بسهولة (حدقت بها معقودة اللسان هل التقى بها ...هل رفضته ...هل أعرضت عنه ...أي شمطاءٍ تلك ...؟!!
وكأنها سمعت أسئلة قلبي العالقة بجوفي
فهزت رأسها مؤكدة :نعم رفضته وبشدة وقد التزم الصمت احتراماً لرأيها لكنه محاربٌ عنيد قال لي ذات مرة أنه سيدك حصن صمتها سيمتلك قلبها رغماً عنها سيطرد ساكنه عاجلاً أم آجلا لكن الأمر يحتاج إلى صبرٍ مميت.
تركتني أهذي في فراشي باكيه :أي أقدارٍ هذه أبجديتي تعجز عن وصف حبي لك وأنت بجانبي أعجز عن الفرار إليك بهذا القلب وما يحمل ورغم كونك بجانبي إلا أنك تهرول بقلبك خلف من أسكن قلبها سواك
أي معادلةً هذه وهل ستُفَكُ ذات نهار ...هل يحدث زلزالاً يعيد دفق الحب إلى مجاريه الحقيقية ...؟
كنت أهذي ولم يتوقف هذياني إلا على وقع سؤالٍ حطمني ـ إن كان عاشقاً لأخرى لماذا يتحدث إلي بعينيه ...هل بتتُ رخيصةً إلى هذا الحد ...؟! رخيصةً يتسلى بها إلى أن يصل إلى قلب حبيبته...؟؟؟
يااااااه أي فكرةٍ تطحن عظام صدري الآن ...حاولت طرد تلك الأفكار واستسلمت للنوم بعد بكاءٍ طويل.
أطرق مفكراً لماذا لم تسألي نفسك ما معنى نظرات سمر ...؟بل لماذا حدثتك عنا
لو أنك تعمقت أكثر لعرفت الحقيقة كاملة ـ لو أنك اجتزت قلقك وخوفك بخطوةٍ واحدة لما تألمت بهذا الشكل.
سؤالٌ لن تسمعه يوماً...
صدقاً خرجت من حجرتي لأن المنزل فارغ لا أحد فيه إلا الخادمة سمر وأنا والدتك في الجمعية والدك في الشركة وأنت في النادي.
كثيرا ما كنت أغادر حجرتي دون حجابي حين أعلم أن المنزل فارغ ,انشغلت بصندوق الموسيقى الصغير فقد تعطل فجأة ولم أشعر بك إلا حين وقفت خلفي بابتسامتك المشرقة
شعرت أن عيناك تخترقاني بنظراتٍ أكثر جرئه ...هل ثمة علاقة بين تركي حجابي ونظراتك المتسلطة ...؟هل أنا فاتنةٌ حد الإغواء كما كانت أمي تقول...؟!
\
\
يتبع