تابع قانون رقم- 6 -:" الوحي يسكن بين جدران السجن"
وخلاصة القول، أيّنْ كان ذلك الدور الذي يلعبه السجن في توليد العبقرية، وسواء كان السجن منجما للأفكار، أو هو رحم للإبداع، أم أن الوحي يسكن هناك، فكل ذلك يؤكد حقيقة لا مراء فيها، وهي أن السجن جامعة الجامعات، وكل من يلتحق فيها يكون لديه فرصة لتوليد نصوص إبداعيه والوصول إلى العبقرية في الكتابة أو القيادة الفذة، إضافة إلى امتلاكه قدرات ذهنية هائلة منها استشرافية ومنها القدرة على تعبير الرؤى.
والسجن مثله مثل اليتم يفرض على الإنسان فرضا، ولا احد يختار أن يدخل السجن، لما فيه من الم ومشقة ومعاناة وعزلة، ويشهد بذلك كل من جرب السجن.
يصف الأسير حسام خضر الأسر مثلا بقوله" هو حبس للروح في زجاجة، الزجاجة في صندوق معتم، الصندوق في قعر بحر متلاطم الأمواج، فلا قرار ولا إمكانية للاستقرار" فأي الم يمكن ان يصيب الانسان اشد من الم السجن؟!
ولا شك أن الأدلة التي سقناها أعلاه ما هي إلا جزءا يسيرا مما تحويه المكتبة عن اثر السجون في صنع العبقرية، وتشير إلى أن محنة السجن ربما تأتي في المرتبة الثانية بعد اليتم من ناحية التأثير في خلق العبقرية وتوفير الفرصة لتوليد نصوص عبقرية فذة.
وذلك يؤشر بدوره إلى أن الم ومرارة محنة السجن، لها دور مشابه لمحنة اليتم، وهي حتما تؤدي إلى زيادة حادة في نشاط الدماغ، ربما بسبب ذلك الألم الرهيب الذي يعانيه السجين في غيابة السجن، فيصبح مثل اللؤلؤة التي قال جبران خليل جبران عنها بأنها "هيكل يبنيه الألم حول حبة رمل". وربما أنها العزلة التي هي خلوة إجبارية تشبه خلوة الصوفيين وتوصل إلى لحظات الوجد والالهام. ذلك إن تحدثنا بشكل عام، لكن لا بد أن تجربة السجن وألمه تتسبب في تنشيط الدماغ من خلال ربما التغير في كيمياء الدماغ، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة منسوب طاقة البوزيترون فيه، فيعمل على غير شاكلته، ويصبح قادرا على توليد نصوص إبداعية قد تصل إلى حد العبقرية تماما كما يحدث في حالة مرور الشخص في محنة اليتم.
المهم أن الوقائع والتاريخ تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأن كل سجين، وخاصة سجين الرأي، يصبح مشروع عظيم، لان وحيا للإبداع يسكن إلى جواره بين جدران السجن، يتقمصه ويوحي له بمخرجات إبداعية قد تصل إلى حدود العبقرية، ويرتبط ذلك بظروف السجن، ومستوى الألم الذي يكابده السجين، وطول المدة التي يعزل فيها ذلك السجين عن العالم ويخلو فيها مجبرا إلى نفسه، اضافة الى تعليمه ومستواه الثقافي، وقدرته على استثمار الوقت للاطلاع على المعارف في امهات الكتب، ثم تخلصه من مشاعره السلبية والنظر الى سجنه على انه منحه وليس محنه وتمسكه بالامل والتفكير الايجابي رغم كل ما هو فيه.
وعلى كل من يمر عبر بوابة السجن ليقبع هناك أسيرا، أو سجينا، أن يتذكر دائما بأنه ورغم الألم والعزلة والقهر والمعاناة والبعد عن الأحبة فأنه في أسره إنما التحق إلى أعظم جامعة لتخريج العباقرة العظماء، بل هي جامعة الجامعات.
وعليه أن يتخلص بسرعة من كل مشاعر الحزن والألم ويبعد عنه مشاعر الكآبة والتفكير السلبي، وينكب على القراءة والكتابة، وان يترك الوحي الذي يسكن إلى جواره يساعده في توليد نصوص عبقرية.
على كل سجين أو سجين سابق أن يتذكر بأن السجن فرصة، وليس غصة، وهو طريق معبد وقصير يوصل إلى العبقرية والقيادة الفذة.
على كل سجين أن يدرك بأنه بدخوله السجن فقد امتلك أدوات توليد النصوص العبقرية وهو في طريقة لترك بصمتة على صفحات التاريخ.