تابع قانون رقم- 6 -:" الوحي يسكن بين جدران السجن"
وذا القيد أستاذها المعتبر:
هل القيد أستاذ في السجن، يعلم المسجونين كيف يبدعون؟ أم أن في السجن منجم للأفكار؟ أم هو رحم للإبداع؟ أم أن وحي الإبداع يسكن هناك؟
يعتبر أنيس منصور السجن انطلاقة وإبداع، وهو يقول في مقال له عن أدب السجون " كأنهم كانوا في حاجة إلى السجن لكي ينطلقوا، كأنهم كانوا بحاجة إلى عزلة تامة ليكملوا الصورة العقلية الناقصة، وعندما خرجوا من السجن لم يهاجموا الذين حبسوهم وإنما شكروهم على أنهم أعطوهم هذه الفرصة السعيدة بأن يكونوا وحدهم بعيدين عن الناس وشوشرة الحياة".
ويرى البعض أن السجن منجما مذهلا للأفكار، فيقول أيمن العتوم مثلا في كتابه " يسمعون حسيسها"، أن ما من فكرة مستحيلة في السجن، وما من فكرة لم تخطر على بال.
بينما نجد الكاتب المصري صنع الله إبراهيم يقول في لقاء صحفي له " انه غير نادم على الفترة التي قضاها في السجن، وهو يرى بأنه مدين لها بالكثير، فهي التي أتاحت له التعرف على عوامل ثرية، ما كان ليتعرف عليها لولى السجن، وهو يضيف انه لو عاد به الزمن إلى الوراء وخير فسوف يختار تجربة السجن مرة ثانية دون تردد".
كما نجد أن بعض الذين سجنوا ربما تلذذ بالسجن مثل عباس محمود العقاد الذي سجن في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو يقول انه وجد في السجن حلاوة ولذة، كما ويقول انه في سجنه خطرت له أفكار كثيرة. وهو يعتبر السجن رحمٌ للإبداع حيث كتب في إحدى قصائده يقول:
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
فهانذا في ساحة الخلد أولد
وفي كل يوم يولد المرء ذو الحجى
وفي كلي يوم ذو الجهالة يلحد .
وما أن خرج من السجن حتى أعلن بأن لديه الكثير ليقوله، مشيرا إلى انه أصبح جاهزا للتطرق إلى أمور مهمة بعد تخرجه من جامعة السجن وكان في نيته وضع تفسير حديث للقران الكريم لكن القدر عاجله.
وهناك من يذهب ابعد من ذلك بكثير ويرى بأن وحي الإبداع يسكن في السجن، وهو يتقمص الكثير من المسجونين فيبدعون، وتكون إبداعاتهم سحرية غاية في التأثير وكأنها من وحي الابداع.
ومن هؤلاء الشيخ القرضاوي والذي يقول في قصيدته النونية والتي أبدعها خلال فترة سجنه بأنه أنما اُلهم قصيدته النونية إلهاما حينما عاوده الوحي هناك في السجن فهزه وكان ثمرة زيارة الوحي له تلك القصيدة الرائعة.
اما مؤسسس الديانة البهائية فقد ذهب بعيدا ليدعي بأنه تلقى ما خطه من الوحي اثناء وجوده في السجن.
ومنهم جان جينه صاحب المقولة الشهيرة أعلاه والذي أبدع أعماله العبقرية في السجن مما دفع الفيلسوف جان بول سارتر أن يؤلف عنه كتاب وقد رأى فيه شخصية القديس بعنوان " القديس جينيه ممثلا وشهيدا" .
والمعروف ان جينيه كان يعتبر السجن المكان الأمثل للكتابة والمهبط الذي يؤثره وحي الإبداع. وهو يقول عنه إنه مكان للصفاء الروحي والعبادة والوصول إلى جوهر الأشياء. وفي ذلك المكان كتب رائعته «معجزة الوردة» وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى، وتصور الأغلال التي رسف فيها السجين، وهي تتحول إلى أكاليل غار وورود. وكتب واحدة من أفضل قصائده كما يقول النقاد، والتي هي بعنوان "الرجل المحكوم عليه بالموت".
فلا شك أن اثر السجن واضح في توليد مخرجات عبقرية بالغة القيمة والأثر، والنصوص التي تولد بين جدران السجن أو من عقل سجين سابق غالبا ما تكون مدهشة وذات وقع مزلزل وكأنها مكتوبة بلغة كودية وتختزن في داخلها عناصر تأثير سحرية. وهي استشرافية في طبيعتها وكأنها ثمرة لحظات وجد استثنائية تلتقي فيها الأزمنة في لحظة واحدة وتلتقي فيها الأمكنة في نقطة واحدة.
وجامعة السجن لا تكتفي بتخريج الأدباء والشعراء وأصحاب الفكر فقط، بل هي مكان لصناعة القادة العظماء والتاريخ يقول لنا أن عددا كبيرا جدا من القادة إنما وصلوا إلى الحكم من بوابة السجن، وبعد أن التحقوا بجامعته لسنوات. فتشكلت لديهم الصفات والسمات القيادية وعلى رأسها امتلاكهم لتلك الكرزما السحرية التي هي من أهم عناصر الشخصية القيادية.
ولقد افرد القران الكريم سورة كاملة للحديث عن محنة سيدنا يوسف عليه السلام في سجنه والذي سجن لفترة طويلة وهناك من الله عليه في تعبير الرؤى فكانت محنة السجن بالنسبة له عاملا إضافيا لمحنه الأخرى لتأهيله للقيادة كما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه " أعظم سجين في التاريخ" وخرج من السجن ليتولى أعلى وظيفة يمكن أن يتولها إنسان عند العزيز الذي سجنه ابتداء حيث أصبح مسئولا عن خزائن مصر في ذلك الزمان.
ومن القادة المعاصرين الذين انتقلوا من السجن ليحكموا وعلى سبيل المثال لا الحصر: نيلسون مانديلا واردوغان ومحمد مرسي.
يتبع ،، وخلاصة القول؟